رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملامح تصحيح المسار

هناك حالةٌ من التفاؤل تظلل مصر هذه الأيام، المبعث الأول للتفاؤل هو صفقة رأس الحكمة ورسائلها حول قيمة مصر، ووزنها فى إقليمها، والإمكانات الهائلة التى يحملها كل شبر فيها على كل المستويات.. مع التفاؤل هناك أيضًا إحساس الثقة، فالرئيس لم يخلف وعده، والصفقة تحولت إلى واقع خلال أيام قليلة، والدفعات المقدمة تم سدادها بالفعل لتعرف طريقها إلى الموانئ والبنوك للإفراج عن مستلزمات الإنتاج والبضائع المستوردة، وكما نعرف جميعًا فإن الإتاحة تعنى مزيدًا من انخفاض الأسعار على مدى زمنى أطول بعض الشىء.. ما يدعو إلى التفاؤل أيضًا هو ما أعلنه رئيس الوزراء، مصطفى مدبولى، فى مؤتمر الإعلان عن الصفقة حول مرحلة جديدة من «تصحيح المسار»، والمقصود هنا أداء اقتصادى جديد، نحافظ فيه على الإيجابيات ونتخلص فيه من السلبيات، من الواضح أنه أصبح لدينا نوع من التوافق حول أهمية الاستثمار الأجنبى المباشر، وعدم وجود غضاضة فى قدوم الاستثمارات الأجنبية إلى مصر وسط مناخ من الثقة المتبادلة، لا مانع على الإطلاق من أن يشترى مستثمر عربى أو غير عربى أى شىء فى مصر، لأنه ببساطة لن يحمله معه ويغادر به مصر.. على عكس ما يتخيل الكثيرون المستثمر الأجنبى- فى حالة الخلاف- لا قدر الله موقفه أضعف، لأنه وضع المليارات على أرض مصر ثقة فى أهلها وحكومتها، وبالتالى يجب أن نتخلص من الرطان القديم حول «عواد الذى باع أرضه» وبيع ممتلكات الدولة... إلخ. ويجب أن نعترف بأن هذه الدعاوى كانت تستخدم منذ التسعينيات لسببين، أولهما: أن الصفقات نفسها كان يشوبها عوار ما أو فساد ما، وهنا كان الاعتراض على حق، ولا أظن أن هذا موجود هذه الأيام، فالمستثمرون العرب أنفسهم يشكون من تشدد الدولة وتمسكها بالسعر الذى تراه عادلًا للمشروعات، ورجال الأعمال المصريون يشهدون بأن الصفقات تتم بأعلى سعر وأفضل شروط لمصلحة مصر.. السبب الثانى للاعتراض على ما كان يسمى «الخصخصة» منذ التسعينيات، كان تعبيرًا عن قلق نفسى، وعدم ثقة فى نظام الحكم، وتمسك بأفكار مثالية عن اشتراكية الستينيات، وربما نوع من الكيد السياسى، أو ابتزاز رجال الأعمال لبعضهم بعضًا من خلال استئجار صحف تشوه هذه الصفقة، وتمدح تلك، والحقيقة أن هذه الحالة وما تلاها من ثورتين، ثم انكماش رأس المال الخاص، وخروج كثير منه إلى الخارج، أرغم الدولة بعد ٣٠ يونيو على الدخول فى مشاريع قومية عملاقة بهدف كسر حلقة الكساد، وتشغيل ملايين المصريين، وتسكين حالة القلق التاريخى لدى المصريين من القطاع الخاص ونمو حجمه أو شرائه مشاريع تملكها الدولة، وقد حققت الدولة المصرية كل ما أرادت من هذه السياسة، وتحمل الشعب لثقته فى أن فيما يحدث مصلحة ما، وتفاءل الناس مع أخبار متتالية عن تمويلات واستثمارات تمكننا من استكمال ما تبقى وسداد أقساط الديون التى مولت هذه المشروعات، وسط هذا لا بد من تأكيد مناخ الثقة، وإعلان ملامح سياسة تصحيح المسار كاملة، ودمجها مع توصيات المحور الاقتصادى المتخصص فى الحوار الوطنى، ودعوة رءوس الأموال المصرية للمشاركة فى الاستثمار فى الأصول، مع إعطاء أولوية قصوى لخصخصة الأصول الصناعية بشرط استمرار المستثمر فى نفس النشاط الصناعى. إننى أدعو الحكومة لتغيير طريقة تفكيرها فى إدارة صرح صناعى عظيم مثل «غزل المحلة» يحقق خسائر كبيرة رغم عظمة وتميز إنتاجه، ولا أرى أن على الدولة وضع مزيد من الاستثمارات فيه، لأن هذا تفكير عاطفى بحت، علينا أن نطرح نسبة من الشركة لمستثمر رئيسى فى نفس المجال، لأن نجاح الشركة لا يعنى فقط إيقاف الخسائر ولكن يعنى مزيدًا من الضرائب والوظائف والصادرات المصرية للخارج.. نريد أن نغير طريقة تفكيرنا فعلًا لا قولًا، ونمضى فى خطة تصحيح المسار حتى النهاية.