رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذيان الإخوان


وائل لطفي
وائل لطفي
هذيان الإخوان


يقول أساتذة الطب النفسى إن الطبيب يتأثر بهذيان مرضاه النفسيين، لذلك لا بد للطبيب نفسه من علاج بين فترة وأخرى.. وقد تذكرت هذه المعلومة وأنا أتابع حالة الهذيان التى أصابت الذباب الإلكترونى بعد الإعلان عن تطوير منطقة رأس الحكمة، أصيبت هذه الحسابات بحالة يمكن وصفها بهستيريا جماعية، والهذيان الدائم، والغضب الحيوانى، والكذب غير المحدود، والكيد الفاجر.. هذيان جماعى يأتى بكلمة من الشرق على كذبة من الغرب، وشائعة من الشمال على فرية من الجنوب، تشكيك فى البائع، وتشكيك فى المشتري، تشكيك فى السعر، وتشكيك فى الجدوى، وتشكيك فى النوايا قبل كل شيء، وجدت نفسى فى موضع الطبيب النفسى الذى يتأثر بهذيان مرضاه، ويوشك بأن يصدقها من كثرة إلحاحها وحدتها وتواترها بسرعة على لسان المرضي.. سألت صديقًا لى فقال إن الهذيان هذه المرة له أسباب مركبة، الذباب الإلكترونى يعمل لحساب من يدفع، إلى جانب حقد الإرهابيين الطبيعى على مصر، هناك غيرة بين بعض الدول التى تستخدم كتائب الذباب وبعضها البعض، وهناك صدمة لدى البعض من قدرة مصر على إنفاذ إرادتها ورؤيتها وثقة الرئيس فى نفسه طوال شهور الأزمة الماضية، وتكتمه الحديدى على التفاصيل حتى يتم إعلانها.. بشكل عام الذباب الإلكترونى ضئيل الشأن دائمًا، تثبت الأيام أنه يستخدم بشكل مؤقت مثل المناديل الورقية.. ما يهم هو أن هذا الذباب يلعب على رواسب ثقافية فى أذهان المصريين كى يحقق رسالته فى التشويه.. التشويه هنا يكون لصالح من يدفع، وليس فقط تعبيرًا عن الحقد الفطرى على مصر وتمنى استمرار أزمتها.. لا بد أن يعرف الناس أن ما يحدث فى رأس الحكمة وما هو مخطط فى ما يتلوها من أراضى الساحل حتى السلوم تأخر كثيرًا جدًا جدًا، لقد كتب الأستاذ أحمد بهاءالدين يطالب بتطوير الساحل الشمالى لمصر منذ عام ١٩٧١، وظل هذا الحلم معطلًا حتى حققته مصر الآن وليس فى أى وقت آخر.. ظل الساحل صحراء تملأها الألغام من العلمين وحتى السلوم، وكنا نناشد العالم أن يزيل لنا الألغام، وفى الجزء المجاور للإسكندرية تم بناء قرى فقيرة أهدرت شواطئ مصر ولم تحقق فكرة التنمية السياحية أو التنمية الشاملة بأى طريقة من الطرق، لذلك فإن مشروع رأس الحكمة هو أول مشروع تنمية شامل للساحل الشمالى، وهو نموذج لما كان يجب عليه أن يكون الساحل الشمالى من الإسكندرية وحتى السلوم، أما لماذا استعنا برأس المال الإماراتى، فلأن رأس المال المحلى عاجز عن توفير مثل هذه التدفقات النقدية الكبيرة وهذا لا يعيبه، كل الاقتصادات الناشئة وغير الناشئة ترحب بالاستثمار الأجنبى، لأن الادخار لديها لا يمكنها من استغلال كل إمكانات أراضيها.. النفط كمصدر للثروة ظاهرة استثنائية، وما يحققها من فوائض مادية أمر نادر على مستوى العالم، هذه الفوائض من الطبيعى أن توجه للاستثمار خارج الدول النفطية التى تعانى من قلة عدد السكان والطبيعة الجغرافية المحددة؛ لذلك من الطبيعى والمنطقى والمربح أيضًا أن تتوجه دول شقيقة مثل الإمارات، وقطر، والسعودية للاستثمار فى هذا الساحل الذى لا شبيه له فى العالم.. ببساطة لأن لديها فوائض فى صناديقها السيادية تريد استثمارها، ولن تجد بلدًا مثل مصر يتجاور فيه الاستقرار السياسى مع السوق الواسعة مع الأيدى العاملة الماهرة مع الطبيعة الخلابة كى تستثمر فيه، لكن أكثر الأكاذيب سماجة وجهلًا تلك التى ترددها كتائب الذباب مستخدمة المثل السائر «عواد باع ارضه» وهى أغنية كانت تذاع فى مسلسل إذاعى شهير ألفه الأديب الكبير عبدالرحمن الخميسى، ضمن موجة الاهتمام بعوالم القرية والسير الشعبية الفلاحية فى ستينيات القرن الماضي، الحقيقة إن هذا المثل السمج لا يفرق بين الماضى والحاضر، أو بين النظام الاقتصادى «الاقطاعى»، وهو المرحلة الأولى من مراحل التطور الاقتصادي، وبين نظام «ما بعد الإنسان» أو «عصر الذكاء الصناعى» وهو المرحلة الخامسة من مراحل التطور الاقتصادى التى يعيشها العالم بالفعل.. كارثة أن يكون العالم كله فى الفرقة الخامسة، ونحن ما زلنا نرسب فى الفرقة الأولي.. فى النظام الزراعى تكون الأرض الزراعية هى أداة الإنتاج الوحيدة، وعندما يفرط فيها صاحبها ويجلس دون عمل، فهو يستحق الإدانة والتجريس والزفة.. لكن هذا كان حال العالم حتى القرن السادس عشر، وحال مصر حتى القرن الثامن عشر، ولكن لأن نهضتنا لم تكتمل فما زلنا نفكر بعقلية النظام الزراعي. فى الفرقة الخامسة من كلية الاقتصاد فى العالم يستطيع «عواد» أن يبيع أرضه ويشترى بدلًا منها مصنعًا للسيارات الكهربائية، ثم يبيعه فى البورصة ويشترى منصة «إكس» مثلًا، ثم يبيع أسهم «إكس»، ويشترى أسهمًا فى «أستون فيلا» أو «ليفربول»، ولا يعتبر عواد فى كل هذه العمليات الرابحة مفرطًا أو خائنًا، إلا لدى المتخلفين عقليًا والنصابين سياسيًا الذين يؤجرون حساباتهم على السوشيال ميديا لمن يدفع.. احترس من النصابين!