رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمعية مكافحة «السرسجية»

لا أعرف الأصل اللغوى للفظ العامى «سرسجى» لكنى أعرف ما يعبر عنه تحديدًا، إنه شخص أقرب ما يكون إلى «طفرة جينية» مشوهة.. فهو يظهر فى ثوب طالب جامعى، بينما تكوينه النفسى أقرب لتكوين لص، أو يظهر فى ثوب طبيب، بينما تكوينه الأخلاقى تكوين قاتل يقتل زميله من أجل بضعة جنيهات، كما رأينا فى حادثة حقيقية، أو يظهر فى ثياب صحفى ثورى بينما تكوينه الأخلاقى تكوين نصاب محترف يمتهن الصحافة بدلًا من الجلوس على المقهى بلا عمل، أو يظهر فى ثياب طالب فى كلية قمة يهدد زميلة له بفضحها عبر «جروب الدفعة» فتنتحر خوفًا من الفضيحة! 

هذه الطفرة الجينية المشوهة، والتى تشبه الطفح الجلدى الذى ظهر على سطح المجتمع دليل خطر كبير جدًا، خطر أكبر من الأزمة الاقتصادية، ومن سعر الصرف، ومن توافر البضائع.. هذا الخطر يهدد مستقبل مصر إذا لم ننتبه له ونحاصره، ونحاربه، لاشك أن ما حدث فى يناير ٢٠١١ كان هزة كبيرة للمجتمع، وكان من بين نتائجها ظهور أجيال جديدة ترى أن من حقها أن تتمرد، وأن تغير، وأن تعبر عن نفسها، القلة المتعلمة من الشباب عبرت عن نفسها بالشكل الصحيح حتى ولو اتجهت لأقصى درجات المعارضة الجذرية، لكن الهزة التى حدثت أدت لانفلات فى مؤسسات المجتمع أدى لظهور هذا النوع من المجرمين الذين نطلق عليهم «السرسجية» لأننا لا نجد توظيفًا أكثر دقة لهم.. من التغيرات التى حدثت أيضًا مع يناير وكانت سببًا لها، هو ثورة وسائل التواصل الاجتماعى ولهذه الوسائل إيجابيات، كما أن لها سلبيات قاتلة.. إن الجاهل الذى يملك حسابًا على وسائل التواصل الاجتماعى يظن نفسه عالمًا، إن هذه الوسائل تتيح له أن يعرف شيئًا سطحيًا جدًا عن كل شىء، وأن يكون صاحب رأى، بينما هو لم يقرأ كتابًا فى حياته، وأن يملك أداة جريمة إلكترونية يملك بها إيذاء الآخرين، وتهديدهم، كما فعل طالب الجامعة الذى يتهمه زملاؤه بابتزاز فتاة ودفعها للانتحار.. إن تعريف «السرسجى» قد يكون أنه مجرم يتنكر فى ثياب الطبقة الوسطى، أو شخص وجد فرصة للتعليم، لكنه لم ينل بقرش واحد تربية، أو أنه سيكوباتى يتخفى فى ثياب شخص طبيعى «حالة مدرس الثانوى الذى قتل تلميذه وسارع بنعيه»، لاشك أن هناك بعدًا اقتصاديًا لهذه الظاهرة الخطيرة، لكن الحاجة للمال ليست الدافع الوحيد للجريمة وإلا لتحول البشر كلهم لقتلة ولصوص كلما احتاجوا شيئًا، هذه الظاهرة هى أحد مظاهر انهيار الطبقة الوسطى المصرية، وشيوع التعليم دون تربية، وانهيار دور مؤسسات التربية فى الأربعة عقود الأخيرة من عمر مصر، وتراجع دور المدرسة والأسرة وجميع مؤسسات الضبط الاجتماعى الأخرى عن دورها فى تشكيل شخصيات النشء.. دون شك فإن الشرطة وجميع مؤسسات العدالة تتدخل بقوة حين يتحول سلوك «السرسجى» إلى جريمة يعاقب عليها القانون، أو حين تفضح وسائل التواصل بعض الجرائم الخفية التى يرتكبها هؤلاء السرسجية، لكن الأكيد أن هناك عشرات الجرائم يرتكبها السرسجية كل يوم دون حساب، لذلك مطلوب جهد من المجتمع المدنى ومن المتخصصين فى العمل الأهلى والاجتماعى، لأن نوع الجريمة التى يرتكبها «السرسجى» نوع جديد، لأنه هجين بين المجرم العادى والشخص المنتمى للطبقة الوسطى، وهذا يُحدث ارتباكًا فى التعامل مع الجريمة التى يرتكبها، ومع سلوكه بشكل عام، ويستدعى جهدًا أكبر من الدولة والإعلام والمجتمع المدنى لمكافحة «سرسجة مصر».. هذه الظاهرة هى سرطان الطبقة الوسطى المصرية، وبدون طبقة وسطى لا توجد مصر.. تعالوا نؤسس جمعية «مكافحة السرسجية».