رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يحرقون ويتاجرون بالمحرقة!

الرئيس الإسرائيلى إسحق هرتسوج، المشارك فى حرق وإبادة الفلسطينيين، والذى قال إنه لا يميز بين المدنيين فى قطاع غزة ومقاتلى حركة «حماس»، قام أمس الأول، الأحد، بافتتاح «المتحف الوطنى الجديد للمحرقة»، فى العاصمة الهولندية أمستردام، بينما كانت مناطق متفرقة من قطاع غزة تشهد قصفًا عنيفًا وسلسلة من الأحزمة النارية، فى اليوم الـ١٥٦، للعدوان الإسرائيلى الوحشى على القطاع.

تصادف أن يأتى افتتاح «متحف المحرقة»، أيضًا، بعد أسبوع من صدور تقرير أكد فيه وفد من الكنيسة الهولندية البروتستانتية، كان قد زار القدس المحتلة، أن هناك تشابهًا بين ممارسات الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، المسيحيين والمسلمين، حاليًا، وممارسات النازيين ضد اليهود، خلال الحرب العالمية الثانية. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن الربط بين المحرقتين، الحديثة والقديمة، قام به الرئيس الإسرائيلى نفسه، حين ظهر فى مقطع فيديو، يوم ١٢ نوفمبر الماضى، وهو يحمل نسخة عربية من كتاب الزعيم الألمانى أدولف هتلر، زاعمًا أن جنوده عثروا عليها مع جثة أحد نشطاء «حماس» بشمال غزة! 

يقع المتحف الوطنى الجديد للمحرقة، أو الهولوكوست، فى الحى اليهودى التاريخى بالعاصمة الهولندية، وقيل إنه كان مدرسة سابقة لتدريب المعلمين، اختبأ فيها حوالى ٦٠٠ طفل يهودى، ولم يذكر التاريخ أن النازيين قصفوا تلك المدرسة، كما فعل الإسرائيليون، وما زالوا، فى مدارس ومستشفيات قطاع غزة، التى لجأ إليها الأطفال والنساء وكبار السن هربًا من العدوان الوحشى، الجوى والبحرى والبرى، الذى بدأ فى ٧ أكتوبر، ولا يزال مستمرًا، وأدى إلى استشهاد أكثر من ٣١ ألف مدنى، وإصابة عشرات الآلاف، وتدمير معظم مساحة القطاع، وتشريد حوالى ٩٠٪ من سكانه البالغ عددهم ٢.٤ مليون نسمة. 

جرى افتتاح المتحف بحضور فيليم ألكسندر، ملك هولندا، ومارك روته، رئيس الوزراء الهولندى، الذى زار إسرائيل ثلاث مرات، منذ ٧ أكتوبر الماضى، آخرها فى ١٢ فبراير الماضى، وتزامنت مع صدور حكم من محكمة استئناف هولندية، يقضى بحظر تصدير قطع غيار طائرات «إف ٣٥» إلى إسرائيل، بسبب مخاوف من استخدام تلك الطائرات فى انتهاك القانون الدولى خلال الهجوم على قطاع غزة. غير أن الحكومة الهولندية طعنت على هذا الحكم، أمام المحكمة العليا فى البلاد، بزعم أن طائرات «إف ٣٥» ضرورية لحماية إسرائيل من «تهديدات إيران واليمن وسوريا ولبنان على سبيل المثال»! 

ما قد يثير الدهشة، وربما السخرية، هو أن الحكومة الهولندية نفسها، حكومة مارك روته، التى تصر على المشاركة فى المحرقة الحالية، كانت قد أقرت بفشل مسئوليها فى منع تهجير وقتل اليهود، خلال فترة الاحتلال النازى. وفى يناير ٢٠٢٠، عشية إحياء الذكرى الخامسة والسبعين لقيام القوات السوفيتية بتحرير معسكر «أوشفيتز»، قدّم رئيس الوزراء الهولندى، الذى لا يزال يشغل منصبه، اعتذارًا ليهود هولندا، وأشاد بمقاتلى المقاومة والمواطنين الذين ساعدوهم على الاختباء وأضربوا عن العمل دعمًا لهم!

المهم، هو أن مشاركة الرئيس الإسرائيلى فى افتتاح المتحف قوبلت بمظاهرات حاشدة، تتهمه بارتكاب إبادة جماعية وتطالب بتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفى ساحة قريبة من المتحف، حمل المتظاهرون الأعلام الفلسطينية، ولافتات كتبوا على بعضها «يهود ضد الإبادة الجماعية» و«حفيد أحد الناجين من المحرقة يقول: أوقفوا محرقة غزة». وكان لافتًا أن تشارك فى هذه المظاهرات «المنظمة اليهودية الهولندية المناهضة للصهيونية»، إلى جانب منصة «شراكة المساجد الهولندية»، والجالية الفلسطينية فى هولندا، و... و... وحركة مقاطعة إسرائيل، «بى دى إس»، التى سبق أن تمكنت من حرمان شركة المواصلات العامة الإسرائيلية، «إيجيد»، من مناقصة هولندية قيمتها ١٩٠ مليون يورو.

.. وتبقى الإشارة إلى أن إدارة المتحف بررت مشاركة الرئيس الإسرائيلى فى الافتتاح بأنها وجهت له الدعوة، الصيف الماضى، قبل السابع من أكتوبر وما تلاه. ومع إقرارها، فى بيان، بأن حضور المذكور يثير تساؤلات، قالت إدارة المتحف إنه يمثل الناجين الهولنديين من المحرقة الذين هاجروا إلى إسرائيل، كما يمثل المؤسسات الإسرائيلية التى أتاحت الوثائق والصور الفوتوغرافية ومواد الفيديو للمتحف!