رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طفل شبرا وجنون السوشيال ميديا

تراجعت أكثر من مرة عن كتابة هذا المقال لما يحتويه من صدمة وتفاصيل تفوق الخيال، تراجعت وعدت للكتابة من جديد، لأن الأمر لم يعد من الممكن القبول به أو السكوت عنه، إنها لعنة السوشيال ميديا وجنون التعامل معها خاصة في واقعنا الشرقي البائس.

لم تعد الخطورة في قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على عزل البشر عن بعضهم وتدميرها للعلاقات الصحيحة والصحية بين الناس ولكن تعدى الأمر لتكون واسطة شر في ارتكاب جرائم في منتهى القسوة، وها هو طفل شبرا الخيمة الذي لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره يدفع الثمن بجسده الهزيل.

القضية التي حملت رقم ١٨٢٠ لسنة ٢٠٢٤ إداري قسم أول شبرا الخيمة، تفاصيلها مرعبة، شاب مصري مقيم بدولة الكويت يشجع ويحرض جاهلًا مصريًا مقيمًا في شبرا على ذبح طفل وانتزاع أحشائه أمام كاميرا التليفون ونقل الجريمة بالصوت والصورة عبر الفيديو كول إلى المتوحش المقيم بالكويت.

المال والجهل والطمع عند الجاني في شبرا ونفس الصفات عند الشريك بالكويت، الاثنان يبحثان عن الثراء السريع عندما أوهم المقيم بالكويت تابعه بمصر أنه سيحصل على خمسة ملايين من الجنيهات المصرية إذا ما نفذ الجريمة كما خططها له.

‏‎قالت النيابة العامة المصرية في بيانها إنه في إطار التحقيقات التي تُجريها في هذه القضية بشأن العثور على جُثمان طفل يبلغ من العمر خمسة عشر عامًا بإحدى الشُقَقِ السكنية المُستأجرة؛ قد أسفرت معاينة النيابة العامة لمكان الحادث عن تواجد جثمان المجني عليه وقد انتزعت بعض أحشائه وجرى وضعها في كيس مجاور لجثته.

لم تتأخر أجهزة الضبط عن الوصول إلى الجاني من خلال تحريات مؤكدة، الجاني بعد ضبطه واستجوابه لم ينكر جريمته وأقر بارتكابه إياها بطلب من مصري مقيم بدولة الكويت، كان قد تعرف إليه عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بتجارة الأعضاء البشرية، الذي طلب منه اختيار أحد الأطفال لسرقة أعضائه.

الجاهل المقيم في شبرا لم يتردد لحظة، وذهب لتنفيذ الجريمة التي رتبها له الشيطان الآخر ويشرح بيان النيابة الخطوة التالية في الجريمة أنه عقب اختيار الضحية (طفل شبرا)  وعرضه على الشيطان المقيم في الكويت من خلال تقنية "الفيديو كول"، الذي طلب منه إزهاق روحه تمهيدًا لسرقة أعضائه البشرية، على أن يتم نقل عملية انتزاع الأعضاء عن طريق تقنية "الفيديو كول" أيضًا.

هذا الجنون المطلق الذي يتحرك في ألياف الإنترنت ويربط شبرا بالكويت، لم يكن عيبًا في الإنترنت ذاته، ولكن كاشف عن فساد استخدامنا له، شيطان التخطيط قال للجاني إنه سيتم إبلاغه بالخطوات التالية عقب قيامه بالذبح والتقطيع.

الجاهل في شبرا استجاب وقام بالتنفيذ والشيطان المقيم في الكويت حصل على الفيديو الذي سعى إليه لنتساءل عما سوف يفعله بهذا الفيديو؟ الإجابة جاءت على لسانه وهي أنه قصد من ذلك الاحتفاظ بالمقاطع المرئية لواقعة قتل الطفل المجني عليه والتمثيل بجثمانه، حتى تسنح له فرصة بيعها ونشرها عبر المواقع الإلكترونية التي تبثها مقابل مبالغ مالية طائلة.

عدنا إلى المال والجهل والجنون، كيف لمواقع إلكترونية مطلقة السراح في أي مكان في العالم أن تعتمد في محتواها على كل العنف دون أن تتدخل جهة نافذة لمعاقبة القائمين عليها، الحكاية هنا لا علاقة لها بالحرية المطلقة لمن يريد بث ما يريد، ولكنها حكاية نشر العنف والجريمة والقتل والمال القذر.

وفي جريمة شبرا المثل والدليل، لذلك تعاملت معها الأجهزة المصرية بكل جدية ورأينا السيد المستشار النائب العام يصدر تعليماته إلى إدارة التعاون الدولي بمكتب النائب العام كي تتواصل مع الجهات المختصة بدولة الكويت، والإنتربول الدولي؛ وأسفر ذلك التواصل عن ضبط المتهم في الكويت، وكذلك والده بسبب أن شريحة التليفون الذي ارتكب الجريمة تخص والد الشيطان.
بعد ترحيلهما إلى مصر وفي التحقيقات قال المتهم بعد اعترافه بمسئوليته عن جريمة شبرا مفاجأة صاعقة وهي أنه سبق وأن قام بهذا الفعل في مراتٍ سابقة، هذه المفاجأة يتم التحقق منها الآن بمعرفة النيابة، ليبقى الملف مفتوحًا، فهو إلى جانب حاجته إلى القانون الرادع للجناة هو في حاجة أيضًا إلى اشتباك علمي من علماء الاجتماع وخبراء الإنترنت ورجال التربية والتعليم، يحتاج إلى الانتباه ودراسته واستخلاص التوصيات وتنفيذها حتى لا يصدمنا جاهل جديد بحادث مشابه.