رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غاية الحكيم حياة خالية من الألم

اشتهر الفيلسوف الألمانى أرثر شوبنهاور بنظرته المتشائمة تجاه الحياة، وقد كانت طفولته سببًا فى هذه الرؤية، فقد انتحر والده وهو فى السابعة عشرة من عمره، وتركته والدته لتعيش نمط حياة متحررًا دون وازع دينى أو أخلاقى، ما سبب توترًا فى علاقته معها طوال حياته، وقد أثر هذا بالطبع على علاقته بالمرأة وعلى الكثير من أفكاره تجاه كل النساء.

وفى كتابه «فن العيش الحكيم»، الذى صدر أول مرة فى عام ١٨٥١، وصدر فى اللغة العربية عام ٢٠١٨، يرى شوبنهاور: حياة الإنسان محكومة بثلاثة شروط: 

الكينونة: أى ما نحن إياه، ولها صلة بشخصيّة الإنسان، بمعناها الشامل، وتشمل الصحّة والقوّة والجمال والمزاج والطبع الأخلاقى والذكاء.

الحيازة: أى ما عندنا، أو ما نملكه من أشياء.

التمثّلات: أى ما تُمثّله فى أعين الآخرين وموازينهم، أو بالأحرى، الطريقة التى يتمثّلنا بها الآخرون.

وقد آمن شوبنهاور بأن الإنسان محكوم بصفاته الفردية ومزاياه وعيوبه الشخصية، فأساس سعادة الإنسان مرتبط بما يحدث فى داخله، فالذاتى أهم بكثير من الموضوعى فى الإنسان وعليه الأساس فى توفير سعادته، وخلق متعِه فى كلّ مناحى الحياة. فالشرط الأول، والجوهرى لسعادتنا، هو ما نحن إياه، وهو طبعنا أولًا وأخيرًا، فهو الذى يؤثر فينا على نحو مباشر، وفى كلّ الظروف، فالسعادة التى نتلقاها من أنفسنا أعظم من التى نحصل عليها من محيطنا! كما قال أحد تلامذة إبيقور، فالصحة أعظم بكثير من مديح الآخرين لنا. نجد الكثير ممن يعانون من أمراض مزمنة، يتلقون كلمات المديح والتشجيع ليجعلوهم أكثر قوة فى سبيل مقاومة هذا المرض، وبالتالى يبدأ هذا المريض بعرض نفسه على جمهور أوسع وبحثًا عن الشهرة، ليكون أكثر سعادة بسبب كلمات الآخرين، لكن هل فعلًا هو سعيد؟ لو خُير هذا الشخص بين الصحة والشهرة فماذا سوف يختار بعد أن تذوق مرارة المرض؟

يضع لنا شوبنهاور الصحة فى أولى مراتب السعادة، وما بعدها هو قابل للتحقق أو صعب التحقق لكن ليس بالضرورى. ومن هنا فإن غاية الحكيم ليست حياة مُترعةً فى اللّذة، بل حياة خالية من الألم. 

يمجد شوبنهاور الألم ويرى أن كل متعة سالبة بطبيعتها، وكل ألم موجب بطبيعته.

ورغم ذمه لمفهوم المتعة إلا أنه لا ينكر على الإنسان احتياجاته الضرورية، ويتفق مع إبيقور فى أن هناك ثلاثة أنواع للحاجات الإنسانية. 

١ـ الحاجات الطبيعيّة الضروريّة، إن لم تُشبع كانت مصدرًا للألم، وتشمل الحاجة إلى الغذاء والكساء، وكلّ الحاجات التى يتيسّر إشباعها.

٢ـ الحاجات الطبيعيّة غير الضروريّة، وتشمل الحاجة الجنسيّة، وهى حاجة غير متيسّرة الإشباع دائمًا.

٣ـ الحاجات غير الطبيعيّة وغير الضرورية، وتشمل الحاجة إلى الترف والبذخ والإحساس بالعظمة والأبهة، وما شابه، وإشباعها غير متيسّر، وبالغ الصعوبة.

ويعود كل سخط أو استياء يتعرض له الإنسان إلى ارتفاع سقف طموحه ومطامعه واصطدامه بعقبات تعترضه وتعيق وصوله لمراده. 

أما عن الشعور الجمعى أو الشعور القومى فهو شعور زائف، فالشخص وُجد بمحض الصّدفة فى أمّته، وبالتالى، إنّ الشعور القومى هذا، شعور زائف، ويرى أنّ شعارات الشّرف والوفاء هنا تعبّر عما سمّاه، الضمير الخارجى، بينما الضمير الحقيقى هو الشعور والشّرف الداخلى للشخص، ولا يتعلّق بمكانه، أو جنسيّته.

وفى بدايات الإنسان لا يرى من الحياة إلا وجهها المشرق. فالمرء فى سنوات شبابه يسرف فى إنتاج تصورات خيالية حول أشياء وموضوعات هذه الحياة، على حساب المعارف المتينة، والرصينة.

وفى الأربعينيّات تكون للسلطة والغلبة، التجربة والتأثير الأعمق نتيجة اكتسابه للتجارب والخبرات التى تتجاوز الذّكاء، فالشّباب هو زمن الشعر والشرود الذهنى، بينما النضج هو زمن التفلسف والفلسفة.

وعند نهاية العمر يكتشف المرء ذاته لأوّل مرة بعد أن كان يظنّ أنه أعرَف بها من غيره، فيكتشف أنّه جاهل بحقيقتها وأسرارها وألغازها، بل وجاهل بتحقيق الغاية التى كان يلهث لها، والطموحات التى كان يهفو إليها.

يصل شوبنهاور إلى خلاصة حكمته بأن العالم تدبّره قوى ثلاث: الحذر، والقوّة، والحظ، ويرى أنّ الحظّ هو الصدفة فى هذه القسمة. وهى التى تؤكد للإنسان أن الاستحقاق البشرى هو لا شىء فى ميزان الصدف ونعمها. إن المعرفة والرؤية البشرية، مهما بلغت من الكمال، تظلّ محدودة بقدرته على الإدراك، فهى قاصرة عن توقع كل شىء.

فالحياة لعبة نرد، إن لم تحصل على العدد الذى تريد، اقنع بما وضعه القدر بين يديك.