رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فاقوس.. بلد المليون "توك توك"

لعلها مصادفة أن نعثر على الأرقام، أن نبحث فيها إذا ما كانت دقيقة أم أنها بالتقريب، الأرقام المتداولة عن ثاني أكبر وأهم مركز في محافظة الشرقية المصرية بعد الزقازيق تؤكد أن شوارع المدينة المكتظة "فاقوس" تجري بين أزقاتها وجنباتها ما يزيد عن المليون "توك توك"، البعض يقول إنها تأتي من خارج المدينة وتغطي احتياجات بعض قرى المحافظة.

أيًا كانت الأرقام، وفي ظل غياب الإحصائيات المسئولة، لم يكن أمامنا إلا أن نستشهد بأقوال الناس التي أكدت أنها تزيد عن المليون والنصف المليون، وكذلك بالمشاهدات الشخصية، وبالتصورات المبدئية.

تمنيت وأنا أستمع لهذا الرقم المذهل أن تكون فاقوس مدينة للمليون نخلة مثلما هي دول عربية كثيرة، وأهمها مملكة البحرين التي كانت تلقب ببلد المليون نخلة، وكم تمنيت أن أرى في مدينتي رصف الطرق وهي تمضي على قدم وساق وبسرعة متناهية مثلما هي الأحوال عندما يرصف الجيش المصري العظيم مئات الآلاف من الأمتار وعشرات الآلاف من الكيلومترات خلال شهور قلائل.

تمنيت ألا يستغرق رصف كيلو ونصف الكيلومتر بضع سنوات ولا يتم، مما يعوق حركة السير، وتمنيت أن تكون مبادرة "حياة كريمة" ممتدة إلى شحذ الهمم لدى بعض المسئولين الذين يثبتون يومًا بعد الآخر أنهم دون مستوى المسئولية، لا في انصياعهم لطلبات المواطنين، ولا لتنفيذهم الخطط التنموية الملحّة، ولا لاهتمامهم بمشكلات المواطن، وهموم القرية المنتجة. رئيس مجلس المدينة لا يتجاوب بل إنه يتجاهل شكاوى المواطنين، دائمًا غير موجود وكأنه في عالم آخر.

رغم هذه الصورة التي تبدو مرتبكة قليلًا، إلا أن البيت "الشرقاوي" ما زال يزخر بالخيرات، الأسرة الريفية منتجة، تُصَنِّع احتياجاتها بنفسها من خلال المرأة الريفية المكافحة، تنتج الحليب والجبن والزبد والسمن، ومختلف منتجات الألبان لتغطي بها احتياجات بيتها والبيوت المجاورة. التنمية الريفية المستدامة هي التي نسعى دائمًا للتوجه إليها ضمن خطط دولية وإقليمية تتحدث عن رؤية 2030، التي وضعتها الأمم المتحدة وتطالب بها الدول النامية، لكي تحافظ على مستوى نمائها وتطوره وفقًا لطموحاتها وخططها المرحلية واحتياجات مواطنيها المتعاظمة.

كثيرًا ما يطرق مواطن أو مواطنة باب مسئول طلبًا لتعبيد طريق حتى يختصر الوقت عند نقل منتجاته من الريف إلى المدينة، ولكن المسئول في المدينة لا يكترث، بل لا يرد على الاتصالات، يضع أذنًا من طين وأخرى من عجين، لا يلتقي بمواطن لديه شكوى، ولا بمواطنة لا تحتاج للمساعدة أو الدعم بقدر ما تحتاج إلى الاهتمام وتوفير البنية التحتية أو الأساسية التي تساعدها على ضنك العيش ومسئوليات الحياة، وتوصيل منتجاتها إلى المستهلك وأماكن البيع.

هذا كله يؤدي إلى تعطيل مختلف مشاريع التنمية المستدامة، ويكلف الدولة والناس أموالًا طائلة، ويُعطل حركة النمو الاقتصادي أينما كانت وكيفما حلت، هؤلاء المسئولون لا يعيرون اهتمامًا يُذكر بالوقت، يهدرونه ولا يثمنون قيمته، ولا يكترثون بالآثار الجسيمة التي يخلفونها على البلاد والعباد.

كثيرٌ من الأمهات يَعُلنَ أبناءهن نظرًا لظرف اجتماعي معين، وقليلٌ من المسئولين هم الذين يستجيبون لشكواهن، في كل محافظات مصر نجد الرعاية، وهي تأخذ خلال هذا العصر مواقع المسئولية والتجاوب مع طموحات المواطنين.

لكن الأرقام العشوائية عندما تختلط بالأرقام الرسمية نجد أن عدد سكان فاقوس يتجاوز النصف مليون نسمة، بالتحديد 571 ألفًا و340 نسمة، بها 11 وحدة محلية قروية يتبعها 62 قرية رئيسية ونحو 728 عزبة وكفرًا "توابع"، مساحة المركز 485،3 كيلومتر مربع، تزخر بمختلف أنواع المنتجات الزراعية والصناعية والمؤسسات التعليمية، معنى ذلك أنه لو صدقت أرقام "التكاتك"، التي تعوق حركة المرور في الشوارع وتمشي في عكس الاتجاه ولا تكترث بسلامة المواطنين، وسط غياب تام لنظام مُحكم وانضباط مروري دقيق، يمكن أن يحدث ما لم تُحمد عقباه.  

وفقًا للأرقام لو صدقت فإن كل مواطن في مدينة فاقوس الواعدة سيكون في خدمته اثنان أو ثلاثة "تكاتك"، طبعًا الرقم مضحك ويؤكد أن هذه الدواب تأتي للاستراحة وتقوم بخدمة مدن وقرى أخرى مجاورة لفاقوس، لكنها تشغل حيزًا جغرافيًا واسعًا في المدينة المزدحمة أصلًا.

كل ما نسعى إليه مجرد استجابة فورية من مجلس المدينة، من المحليات، من المحافظة، من المحافظ نفسه.. ولِمَ لا؟ فهذه هي مواقع المسئولية التي نتمنى منها كل استجابة ونتوقعها دائمًا على الموعد.