رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قال إن القانون الدولى ليس عاجزًا لكن الدول لا تطبقه خوفًا من الولايات المتحدة «رب إسرائيل» ١-٢

د. أيمن سلامة: إسرائيل ترتكب جرائم حرب وإبادة جماعية فى قطاع غزة

الدكتور أيمن سلامة
الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى

- الاحتلال قتل 40 ألفًا 95% منهم مدنيون.. والدفاع عن النفس لا يجيز ارتكاب إبادة جماعية

- ليس من الضرورى أن يقتل الإسرائيليون أهالى غزة كلهم حتى نقول جريمة إبادة جماعية

- «الفيتو» الأمريكى وراء عدم إدانة الاحتلال فى مجلس الأمن أو تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية

- طوال تاريخ الحروب.. إسرائيل الدولة الوحيدة فى العالم التى اقتحمت المستشفيات المدنية 

- وفقًا للقانون الدولى.. «طوفان الأقصى» عدوان واعتداء وجريمة حرب ضد مدنيين أبرياء

- لا يمكن الحديث عن «طوفان الأقصى» دون ربطه باحتلال الأراضى العربية فى 1967

 

أكد الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى الزائر فى أكاديمية ناصر العسكرية للدراسات العليا، أن الفظائع التى ترتكبها إسرائيل فى قطاع غزة وكل الأراضى المحتلة، تعتبر جرائم حرب وإبادة جماعية، وفقًا لمبادئ القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى.

ونبه «سلامة»، خلال حواره لبرنامج «الشاهد» فى موسمه الجديد، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز»، إلى أن مبدأ «الدفاع عن النفس» الذى تستند إليه إسرائيل فيما ترتكبه من جرائم فى غزة، لا يجيز ما ارتكبته من جرائم إبادة جماعية.

وشدد أستاذ القانون الدولى على أن إسرائيل هى الدولة الوحيدة التى اقتحمت المستشفيات المدنية، طوال تاريخ الحروب والنزاعات المسلحة، مرجعًا عدم قدرة مجلس الأمن على إدانتها، أو تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية ضدها، إلى «الفيتو» الأمريكى، معتبرًا أن الولايات المتحدة تسهم جنائيًا فى ارتكاب كل الجرائم الدولية التى ترتكبها إسرائيل فى فلسطين.

■ بداية.. ما الفرق بين القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى؟

- القانون الدولى هو مجموعة القواعد القانونية التى تنظم العلاقات الدولية بين الدول والمنظمات الدولية، باعتبارهما الشخصين الرئيسيين الاعتباريين للقانون الدولى. أما القانون الدولى الإنسانى، فهو مجموعة المبادئ والقواعد والأعراف التى تنظم علاقات المتحاربين، المدنيين غير المشتركين فى الصراع المسلح، لذا فهو نشأ من أجل «أنسنة» النزاع المسلح.

وهناك عبارة صغيرة جدًا تعبر عن القانون الدولى الإنسانى، هى: «إن استطعت أن تأسر فلا تجرح، وإن استطعت أن تجرح فلا تقتل، وإن قتلت لا تمثل»، وللأسف هذا ما يحدث جهارًا نهارًا فى قطاع غزة، حيث رأينا قبل أيام المدافن الجماعية، مع حديث مصادر إعلامية موثوقة ومنظمات حقوقية عن فصل رءوس وقطع أوصال لما يزيد على ٣٠٠ جثة فى هذه المقابر الجماعية.

إذن القانون الدولى الإنسانى يحمى المدنيين بشكل رئيسى، لكنه أيضًا يحفظ حقوق حتى المحارب أثناء النزاع، أى أنه باختصار هو «حظر إلحاق ضرر جسيم بالعدو المحارب، وكذلك المدنيون». 

والشريعة الإسلامية تحدثت عن القانون الدولى الإنسانى، قبل اتفاقيات جنيف الأربع عام ١٩٤٩، واتفاقيتى لاهاى ١٨٩٩ و١٩٠٧. وفى عام ١٩٤٧، أثناء المداولات التحضيرية فى جنيف، من أجل إصدار الاتفاقيات الأربع، كُتب فى هذه المداولات أن الشريعة الإسلامية الغراء كانت ملهمة للفقه القانونى.

■ مَن القائم على تنفيذ القانون الدولى؟

هذه مشكلة القانون الدولى، فهناك مُشرع وطنى فى كل دولة، مثل مجلس النواب فى مصر، و«الدوما» فى روسيا، و«الكونجرس» فى الولايات المتحدة، لكن لا توجد هيئة تشريعية للقانون الدولى، وهذه مشكلة وثغرة كبيرة جدًا.

مَن يضع المعاهدات والاتفاقيات الدولية هى الدول ذات السيادة، لكنها إن رأت أنه ليست لديها مصلحة نفعية سياسية ميكافيلية، لا تصدر تلك الاتفاقيات ولا تنفذها، فلم يصدر اتفاق أو معاهدة دولية لاعتبار أن المعاهدات الدولية هى المصدر الرئيسى للقانون الدولى، ما دام أن هذه المعاهدات فى نهاية الأمر لن تقابل غايات سياسية للدول.

والقضاء الدولى فى معظمه رضائى، أى يتوقف فيه فصل محكمة العدل الدولية على رضا أطراف النزاع، إلا فى حالات استثنائية، مثل الدعوى التى حركتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، والتى كان الحكم الأولى والقرار المبدئى لقضاة محكمة العدل الدولية فيها، يوم ٢٦ يناير ٢٠٢٤، هو أن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة جماعية بحق أهل غزة، وهو ما تبعه إصدار ٦ أوامر مؤقتة تحفظية ضد سلطات الاحتلال بالفعل، من خلال هؤلاء القضاة المستقلين المحايدين الذين يطبقون صحيح القانون.

■ كيف تقيم ما يحدث فى غزة على ضوء قواعد القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، بداية من ٧ أكتوبر ٢٠٢٣؟

- لا يجوز الحديث عن ٧ أكتوبر وعملية «طوفان الأقصى» دون الحديث عما جرى تجاه مصر وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن، فى ٥ يونيو ١٩٦٧، وعن قرار «٢٤٢» عام ١٩٦٧ الذى نص على «عدم جواز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة»، والفقرة الرابعة للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التى تنص على «عدم جواز التهديد أو استخدام القوة المسلحة فى تصفية النزاعات».

إذن البداية كانت عدوانًا، ثم احتلالًا عسكريًا غاشمًا، ثم ضمًا لأراضى الغير، فهذه أبعاد الجريمة الإسرائيلية، وكلها محظورة فى القانون الدولى، فكل الدول فى الأمم المتحدة «١٩٢ دولة»، غير إسرائيل، مطالبة، بموجب قواعد القانون الدولى، بتجريم فعل العدوان والاحتلال وضم أراضى الغير.

وبالتالى لا يجوز لأى دولة فى العالم أن تقدم على مد وتسهيل ومساعدة الاحتلال والعدوان والضم، ثم ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، أو جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين الأبرياء العزل غير المساهمين مباشرة فى العدائيات العسكرية.

وكل دارسى القانون فى العالم يرون حظر انتهاك حقوق المدنيين فى أى نزاع مسلح، ما دام لم يحمل السلاح، فالمدنى له مناعة وحصانة، بغض النظر عن أى شكل من أشكال التمييز، مثل الهوية والدين والنوع والعرق، ولا بد أن نفرق بين المدنى والعسكرى المقاتل، فلماذا نتحدث عن المدنيين الفلسطينيين، ولا نتحدث عن دونهم من المدنيين الذين تم الاعتداء عليهم فى ٧ أكتوبر؟

القانون الدولى مثل القانون الوطنى الداخلى، عبارة عن قاعدة عامة مجردة لا استثناء لها، فإن كنت تسأل عن عملية «طوفان الأقصى»، فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، فهى عدوان واعتداء وجريمة حرب ضد مدنيين أبرياء عزل غير مساهمين ومشتركين فى الصراع الدائر، هذا هو التوصيف القانونى لما حدث.

والدفاع عن النفس منصوص عليه فى المادة ٥١ من ميثاق الأمم المتحدة، وهو حق أصيل وشرعى وطبيعى للدول أعضاء الأمم المتحدة، بشرط التناسب، وإخطار مجلس الأمن، فالتناسب والتمييز والضرورة العسكرية، والحيطة قبل الهجوم، وحظر إلحاق ضرر جسيم بالمدنيين، كلها من مبادئ القانون الدولى.

وإسرائيل زَعمت أمام محكمة العدل الدولية أنها فى حالة دفاع عن النفس، والولايات المتحدة ودول الغرب قالت هذا الكلام، لكن هل المحتل يجوز له اللجوء لقوة مسلحة؟ الإجابة نعم، لكن فى حالة واحدة، هى فرض النظام والأمن فى الإقليم المحتل لصالح شعب هذا الإقليم، والإقليم نفسه، فإسرائيل يمكن أن تدافع عن نفسها، إذا حدث عدوان على قطاع غزة، أو الجولان السورية المحتلة، أو الضفة الغربية المحتلة، أو مزارع شبعا المحتلة أو سيناء- حينما كانت محتلة-، كل فقهاء القانون الدولى قالوا إن الاحتلال ليس وضع البيادة أو القدم فى الإقليم، ولكن التحكم والسيطرة عليه لما فيه صالحه.

وإسرائيل مارست نوعًا جديدًا من الكذب، هو الادعاء بأنها تدافع عن نفسها. وأرى أن انسحابها من غزة، فى ٢٠٠٥، مجرد أكذوبة إسرائيلية، لأن القطاع ظل محاصرًا، وهو ما وضعته محكمة العدل الدولية فى اعتبارها، خلال نظر دعوى جنوب إفريقيا، لتؤكد أن إسرائيل ارتكبت جريمة إبادة جماعية بحق القومية أو العرقية الدينية الفلسطينية فى قطاع غزة، ثم أمرت إسرائيل بأوامر سامية إنفاذية، تصب فى التوقف عن جريمة الإبادة الجماعية، التى تعد من الجرائم الدولية، ولا توجد جريمة أشر، أو أقذر منها.

■ كيف ينظر القانون الدولى إلى جريمة «الإبادة الجماعية»؟

- المادة الأولى من اتفاقية الأمم المتحدة، الصادرة فى ٩ ديسمبر ١٩٨٤، تنص على أن «الإبادة الجماعية جريمة دولية، سواء ارتكبت أثناء السلم أو الحرب». أما المادة الثانية من الاتفاقية فتعرِّف هذه الجريمة بأنها «القصد الخاص فى تدمير جزء أو كل من جماعة من الجماعات الأربع، إما جماعة عرقية أو عنصرية أو دينية أو وطنية».

لذا ليس من الضرورى أن يقتل الإسرائيليون أهالى غزة كلهم حتى نقول إنها جريمة إبادة جماعية، جزء أو كل، قد يكون ١٠٠٠ أو ٨٠٠٠، كما وقع فى سيبرانتشا، حين قُتل ٨٠٠٠ شخص من ٢ مليون مسلم، بينما فى غزة تجاوزنا ٤٠ ألفًا، ٩٥٪ منهم مدنيون.

ولنفترض مجازًا أن إسرائيل فى حالة دفاع عن النفس، وهى ليست كذلك بالمطلق، هل الدفاع عن النفس يجيز ارتكاب إبادة جماعية؟ بالطبع لا، وإلا نتحول إلى شريعة الغابة وقانون البحر، وفعل الدهماء والغوغاء، ولا نحيا فى ظل ما عرفته الأمم المتحدة، فبتصرفاتها تلك تشذ إسرائيل عن مصطلح الأمم الديمقراطية، وتبتعد عن كونها أمة متحضرة ومتمدينة وديمقراطية وإنسانية.

■ وماذا عن تعامل مؤسسات المجتمع الدولى مع هذه التصرفات؟

- نتحدث أولًا عن الدول. هناك حفنة قليلة جدًا من الدول اتخذت تدابير مضادة قاسمة ضد إسرائيل، ونفذت القانون الدولى، الذى تنظر إليه الذهنية العربية على كونه عاجزًا، بعد «طوفان الأقصى»، لكن أقول لا، لأن القانون الدولى لو كان عاجزًا ما كانت دولة مثل ماليزيا، بعد أسبوعين مما حدث، تحظر دخول جميع السفن الإسرائيلية إلى الموانئ، وما كانت دول كثيرة مثل جنوب إفريقيا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وهذه علاقات ينظمها القانون الدولى وتستند إليه، بالتزامن مع مواجهة الحصار من قِبل عدة دول، فضلًا عن رفض اعتماد أوراق سفير إسرائيل فى روما، لكونه من المستوطنين.

لكن فى المقابل، يمكن لدول حظر الطيران الأجنبى من العبور بأجوائها، ومن الهبوط فى مطاراتها، بموجب القانون الدولى، هل هناك دولة واحدة فعلت ذلك؟! لو ٥ أو ١٠ دول حظرت الطيران الإسرائيلى، أو فعلت ما فعلته ماليزيا، تخيل معى ما يمكن أن يحدث.

إذن القانون الدولى غير عاجز، لكن الدول لا تملك إرادة سياسية لمواجهة إسرائيل، ليس خوفًا منها بقدر الخوف من «رب إسرائيل»، وهو الولايات المتحدة، الدولة التى تتآمر وتسهم جنائيًا فى ارتكاب كل الجرائم الدولية التى ترتكبها إسرائيل، فى قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، ومنذ يونيو ١٩٦٧. لذا أقول من جديد إن القانون الدولى غير عاجز بالمرة، لكن الدول لا تطبقه، رغم أنه منحها صلاحيات واختصاصات لا تُستخدم.

■ ما رأيك إذن فى الدعوى التى قدمتها جنوب إفريقيا بشأن الإبادة الجماعية فى غزة؟

- دعوى جنوب إفريقيا لم تترك شاردة أو واردة، ولم تقتصر على ما حدث فى ٧ أكتوبر فقط، وإنما تحدثت عن الاحتلال الإسرائيلى فى قطاع غزة منذ ١٩٦٧، وحصرت جميع جرائم الحرب، من حصار وتجويع ومنع وصول الإمدادات الإنسانية إلى قطاع غزة، وكذلك منع توفير ممرات آمنة هناك.

الدعوى وصفت كل شىء، ولم تترك أى شاردة أو واردة منذ بداية الاحتلال الإسرائيلى، واختاروا كوكبة من خبراء وسفراء وقضاة سابقين، وترافعوا بصورة لم تجعل إسرائيل تتنفس الصعداء، بل ارتعدت وكُتمت أنفاسها، وكأنها تقريبًا أول مرة نرى إسرائيل مهتزة بهذا الشكل، وبعد أن كانت تضرب عرض الحائط بكل شىء، رضخت وأذعنت لدعوى انفرادية من جنوب إفريقيا.

لكن لماذا ذهبت لتدافع عن نفسها؟ لأن اتفاقية الإبادة الجماعية للأمم المتحدة تلزم جميع الدول الأعضاء بمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، بل ملاحقة الدولة التى ترتكب ذلك، لذا استغلت جنوب إفريقيا هذه الاتفاقية، وما كان لإسرائيل سوى أن تهرع إلى محكمة العدل الدولية للدفاع عن نفسها.

وما قدمته إسرائيل من مرافعات أمام محكمة العدل الدولية لم يكن دفوعًا قانونية، بل مراسلات واهية، إفك وزور وبهتان، وكلها تمحور حول فكرة «الدفاع عن النفس»، لكن هل محكمة العدل الدولية أخذت بحرف واحد من هذا؟ الإجابة قطعًا لا.

وللأسف السياسة تفسد عمل القانون الدولى بنسبة ١٠٠٪، فالأحكام الخاصة بمحكمة العدل الدولية نهائية باتة ملزمة، ولا يجوز الطعن عليها، لأنها المحكمة العليا للأمم المتحدة، لكن قراراتها تذهب إلى مجلس الأمن لتنفيذها.

■ لماذا يعجز مجلس الأمن عن إدانة إسرائيل؟ 

- «الفيتو» الأمريكى يقف عائقًا أمام أحكام وقرارات محكمة العدل الدولية، ولذا مجلس الأمن لن يستطيع تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية، فالميثاق الخاص بالأمم المتحدة يتحدث بلغة سهلة وبسيطة حول أن «مجلس الأمن هو المنوط بتنفيذ قرارات العدل الدولية، إن لم تنفذ من قبل الدولة المدعى عليها»، لكن «لا بد من موافقة الدول الخمس دائمة العضوية». 

ومصطلح «الإدانة» الوارد فى قرار «العدل الدولية» مهم جدًا، لأنه يعنى أن الدولة المُدانة انتهكت القانون الدولى، ومن ثم تستطيع الدولة التى اُنتهكت حقوقها أن تفعل ما يرخصه لها هذا القانون، لكن للأسف مجلس الأمن عاجز عن مجرد إدانة إسرائيل.

والأمر واضح للغاية أمام الجميع، فالقرارات الخاصة بالأمم المتحدة مكبلة بـ«الفيتو» الأمريكى، وواشنطن تخشى إدانة إسرائيل أمام العالم على ما ارتكبته من جرائم وحشية بحق الفلسطينيين فى غزة.

■ ما الحالات التى ينطبق عليها مصطلح «جريمة حرب»؟

- «جرائم الحرب» هى انتهاكات القانون الدولى الإنسانى تحديدًا، وليس القانون الدولى العام، ففى الماضى كان يُطلق على القانون الدولى الإنسانى «قانون الحرب».

قصف المستشفيات يعتبر جريمة حرب بشكل واضح، بالإضافة إلى قصف المدنيين والمساجد ودور الأعيان غير العسكرية، مثل المدارس والمراكز الصحية، كما أن قصف مقر الأمم المتحدة بشكل خاص يعتبر جريمة حرب، وإذ كانت هناك قوات للأمم المتحدة وإسرائيل ترفض وجودها فهذا أيضًا جريمة حرب.

كما أن تعرض الأسرى الفلسطينيين للتعذيب والإهمال الطبى والقتل يندرج، أيضًا، تحت مصطلح جريمة حرب، بموجب اتفاقية جنيف الثالثة لمعاملة أسرى الحرب والمعتقلين. كما أن الرفض التعسفى من قبل إسرائيل للمساعدات الإنسانية المتجهة لقطاع غزة يعتبر جريمة حرب أيضًا.

كل ما سبق جرائم حرب جسيمة، والقانون الدولى الإنسانى يفرق بين الجرائم والانتهاكات والخروقات الجسيمة، والبسيطة مثل عدم تلقى أسير الحرب إلا وجبتين فى اليوم. أما قصف المدنيين والنازحين والتهجير القسرى داخل غزة، والإبعاد القسرى لخارج القطاع، فكلها جرائم حرب.

■ ما أكثر المشاهد المؤلمة التى رأيتها فى حرب غزة؟ وبماذا ذكرتك؟

- ما فعلته إسرائيل بالمستشفيات داخل قطاع غزة فعلته هنا فى مصر، وتحديدًا داخل المستشفى القبطى فى منطقة رمسيس، يوم ٥ يونيو ١٩٦٧، حيث طال القصف المستشفى وكل عربات الإسعاف، ولم يُسلط الضوء على ذلك حينها، فضلًا عن قصف محطة سكك حديد مصر بالطائرات، وهو ما جرى توثيقه فى اللجنة الدولية للصليب الأحمر فقط، لذا فإن الاحتلال الإسرائيلى اعتاد منذ سنوات طويلة ممارسة جرائم الحرب بهذه الطريقة البشعة.

إسرائيل زعمت فيما بعد أن مجزرة بحر البقر تمت بسبب أن الجيش المصرى يضع مخزن ذخيرة بجوار المستشفى، ولكن جريدة «نيو سبيك» الأمريكية قالت إن لجنة فنية محايدة لتقصى الحقائق أثبتت أن المزاعم الإسرائيلية واهية، وهذا نفس الأسلوب الذى اتبعه الاحتلال فى تبريره لقصف مستشفيات غزة.

وإسرائيل هى الدولة الوحيدة فى العالم التى اقتحمت المستشفيات المدنية فى قطاع غزة، طوال تاريخ الحروب والنزاعات المسلحة، ولم يكن أحد يتصور أن جيشًا ما يُقدم على قطع الرءوس وإخراج الأحشاء، كما حدث فى البوسنة والهرسك.

إسرائيل ارتكبت فى الحرب الدائرة جرائم أكثر بشاعة، وهى المقابر الجماعية التى احتوت على جثامين العديد من الشهداء الفلسطينيين، ولذا أثبت بحقها ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب، طبقًا للقانون الدولى الإنسانى.

■ هل يمكن إدانة حركة «حماس» بارتكاب «جرائم حرب»؟

- القانون الدولى يقول إنه من أجل إدانة حركة «حماس» بارتكاب جريمة حرب، عبر التحصن فى المستشفيات، ينبغى إثبات أنها فعلت ذلك، وأدى هذا الفعل إلى أن يتحول المستشفى المدنى إلى هدف عسكرى مشروع قصفه من قِبل القوات البرية أو البحرية أو الجوية الإسرائيلية، لا أن تكون عناصر «حماس» مجرد موجودة داخل المستشفى.