رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسام الدين شاشية الفائز بجائزة الشيخ زايد يتحدث عن مشروعه البحثى "المسألة الموريسكية" (حوار)

الدكتور حسام الدين
الدكتور حسام الدين شاشية

مجال بحثه الرئيسي هو الموضوع الموريسكي، الذي نشر حوله العديد من الدراسات والكتب بالعربية، والإسبانية والإنجليزية، والتي من بينها: "تونس، المُتوسط والموريسكيون"، وكتاب بالإسبانية يحمل عنوان: "بين ضفتين: مسار شريف موريسكي من مرسية إلى تونس"، وهو ما مكّنه من الفوز مؤخرًا بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع "المؤلف الشاب" عن كتابه "المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث".. إنه الدكتور حسام الدين شاشية الأكاديمي التونسي، الذي يُدرس التاريخ الحديث بجامعة تونس، وشغل منصب أستاذ زائر بجامعة مرسية الإسبانية ومنصب باحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد الأمريكية.

فى لقائنا الصحفي معه؛ يتحدث الدكتور شاشية عن كتابه  الفائز "المشهد الموريسكي"؛ والذى يمثل نقلة في نقلاته الشطرنجية البحثية في هذا المجال؛ وكذلك بحوثه في صورة المسلم في العقل الأوروبي، وأدب الرحلات؛ ومشروعاته المقبلة؛ وإلي نص الحوار:

_ فى حوالي 640 صفحة تتبعت في كتابك "المشهد الموريسكي" سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث وتطور هذا الفكر تجاه المسالة الموريسكية.. هنا نريد أن تقدم لنا أبرز مكامن القلق والتوتر التي يعيشها المجتمع الإسباني تجاه المسالة المويسيكية ؟

في البداية أشكركم على هذا اللقاء. حسب رأيي إعادة طرح الموضوع الموريسكي في إسبانيا خلال السنوات الأخيرة، بأشكال مختلفة، أي من خلال الأعمال الفنية والروائية وفي الكتابات الأكاديمية وعلى أعمدة الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي، يُعبر عن نوع مما يمكن تسميته القلق، وحاجة المُجتمع الإسباني للحديث والمعرفة والنقاش حول الموضوع الموريسكي الذي لفهُ النسيان لسنوات عديدة، خصوصًا في الأوساط الشعبية. 

جريدة الصباح نيوز - "المشهد الموريسكي".. كتاب للباحث الأكاديمي حسام الدين شاشية حول سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث

من أعمالك المنشورة "السفارديم والموريسكيون: رحلة التهجير والتوطين في بلاد المغرب 1492-1756" وسبق أن صدر من قبل "المشهد الموريسكي".. لماذا اختار الباحث حسام الدين شاشية أن يبحث في تاريخ الموريسكيين؟

أصلي من مدينة بني خلاد في الوطن القبلي والتي هي منطقة موريسكية في تونس، وكنت وأنا صغير أسمع بعض الحكايات الضبابية عن قدوم المهجرين من إسبانيا إلى تونس، الأمر الذي أثار في فضولًا كبيرًا. كذلك في المدرسة كان بعض المعلمين يقولون لي اعتمادًا على لقبي بأن أصلي موريسكي. ثم، كنت منبهرًا بالتاريخ الأندلسي، لذلك منذ دخولي للجامعة، كنت أرغب في الاشتغال على هذا التاريخ، وهو ما جعلني أدرس التاريخ وأتعلم الإسبانية في نفس الوقت. بعد ذلك اكتشفت أن المسألة الموريسكية تطرح العديد من القضايا المُعاصرة المهمة، أي مسائل الهوية، قبول الآخر والتسامح، التعصب الديني وغيرها.

جائزة الشيخ زايد للكتاب تكشف القوائم الطويلة لفروع "الآداب" و"المؤلف الشاب" و"أدب الطفل" و"تحقيق المخطوطات" - بوابة الأهرام

لك بحث نشر من قبل تحت عنوان "تطور صناعة صورة المسلم في العقل الأوروبي خلال الفترة الحديثة.. تجذر القلق".. ما أبرز ما توصلت إليه من نتائج في هذا البحث؟

من الصعب اختزال ما توصلت لهُ في هذا البحث المطول، لكن لعل أهم شيء وقفنا عليه هو أن العلاقة بين العالمين الغربي والإسلامي في بداية الفترة الحديثة، قد أثّرت بشدة على رؤى الضفتين لبعضهما البعض خلال الفترة المُعاصرة، بمعنى أن فهم ما أسميه "بتجذر القلق" اليوم، لا يمكن أن يكون إلا من خلال البحث في الجذور التاريخية لهذه الحالة. من جهة أخرى وكما ختمت في المقال المشار لهُ، السؤال الذي يجبُ أن يُطرح اليوم: لا فقط كيف يمكنُ أن نتجاوز حالة القلق" المُتجذر" أو "المُزمن" بين العالمين المسيحي والإسلامي؟ بل كيف يُمكن أن نُدير هذا القلق أو الاختلاف؟ من خلال الصدام أم من خلال الحوار؟ من خلال الهيمنة والاستعمار المُباشر وغير المباشر أم من خلال الندِية؟ من خلال ما يُسميه أمين معلوف "الهويات القاتلة" أم من خلال "الهويات المنفتحة"؟ القول بأن القلق يجبُ أن يكون سببًا في التعرف على "الآخر"، لا سببًا في التخويف منهُ والصدام معهُ، ليس من باب المثالية والشعارات الطُوبَاوِيّة، بل هو استنتاج واقعي، فقد جرّبت الحضارتين المسيحية والإسلامية الصدام في الماضي وفي الحاضر القريب، لكنهُ لم يؤدي إلى تجاوز حالة القلق، بل عمّقها. لقد حان الوقت اليوم لنُجرب الحوار، النّدِية في التعامُل، أن نتصف بهويات منفتحة، أن نحاول التعرف حقيقةً على الآخر وأن نقبل اِختلافهُ.

_ أنت مؤرخ وحائز على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة سنة 2014.. نريد أن تقدم لنا دليلًا إرشاديًا للتفرقة بين المؤرخ وأديب الرحلات لأن هناك خلطا بينهما في عالمنا العربي بعض الشيء؟

أنا تحصلت على جائزة ابن بطوطة في قسمي تحقيق المخطوطات والدراسات، أي بصفتي مُؤرخًا يقوم بالتحقيق والتأليف حول بعض جوانب أدب الرحلة، بمعنى أن المؤرخ يدرس الأعمال التي يُؤلفها الرحالة القدماء وحتى المُعاصرون. الأمر، كالفرق بين الناقد الأدبي أو الباحث والشاعر أو الروائي، وهنا لا أريد القول بأن الثاني يبدع النص والأول يدرسهُ، وجميعنا مبدعون في تخصصاتنا بشكل من الأشكال.

بعض مدارس كتابة التاريخية في الغرب اتجهت لدراسة مستقبل علم التاريخ.. نريد أن نتعرف على نظرتك وانت مؤرخ للمستقبل في بلادنا العربية ؟

الحقيقة أنا لا أعتقد في هذا الاتجاه، ولا أعتقد أننا ندرس التاريخ للاعتبار. أنا أُعرّف علم التاريخ على أنهُ علم ينتمي إلى حقل العلوم الإنسانية، التي تحاول أن تفهم الوجود الإنساني، فإذا كان علم الاجتماع يحاول تحقيق ذلك من خلال تحليل العلاقات بين المجموعات البشرية وعلم النفس يدرس سلوكيات الإنسان، فإن علم التاريخ يقوم بالأساس على تحليل الفعل البشري في الماضي، أما المُستقبل فتدرسهُ مراكز البحث الاستشرافية وبطبيعة الحال اليوم الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدم توقعات مهمة في هذه المسألة. 

ماذا تمثل لك جائزة الشيخ زايد.. وهل تؤثر الجوائز وقيمتها المادية في توسع مشروعات المؤرخ العربي  في المستقبل؟

أنا فخور وسعيد جدًا بالفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب، فهي كما قلتُ من قبل حسب رأيي أهم جائزة في مجالها في المستوى الإقليمي والدولي، وما يميزها هو الدقة الكبيرة في عملية التقييم، التي تكون على مراحل مختلفة، ويسهر عليها نخبة من أهم الباحثين في المنطقة والعالم، الأمر الذي أكسب الجائزة مصداقية كبيرة في الأوساط الأكاديمية والثقافية. أُقابل في المؤتمرات العالمية العديد من الباحثين من أوروبا وأمريكا الذين يخبرونني عن جائزة الشيخ زايد ورغبتهم في المشاركة فيها، ما يدل على البعد العالمي لهذه الجائزة التي أفخر بوجودها في عالمنا العربي، وفخري أصبح اليوم مُضاعفًا من خلال تتويجي بها في فرع الباحث الشاب. بالنسبة للجزء الثاني من السؤال، بالتأكيد الجانب المادي مُهم، لكن الجانب المعنوي، أي الاعتراف بما نقوم به من عمل لا يقل أهمية، وهو يبعث بكل تأكيد على مزيد البذل والاجتهاد. هنا أريد أن أفتح قوسًا لو تسمح: حصولي على جائزة ابن بطوطة، وجائزة مؤسسة مؤمنون بلا حدود وجائزة بيت الحكمة في تونس، والآن جائزة الشيخ زايد كلها عامل مُحفز كبير في مشروعي البحثي القائم على محاولة عقلنة دراسة التاريخ الموريسكي خصوصًا والتاريخ الأندلسي عموما في عالمنا العربي، أي دراسته بطريقة علمية أكاديمية، بعيدًا عن البكائيات والوقوف على الأطلال...لذلك أشكر من جديد لجان التحكيم والساهرين على جائزة الشيخ زايد، لأن تشريفي بالحصول على الجائزة هو دعم كبير لما يمكن تسميته بمشروع عقلنة التاريخ الأندلسي/الموريسكي.

المشهد الموريسكي: سرديات الطرد في الفكر الإسباني الحديث” | مركز البحوث والتواصل المعرفي

_ وماذا عن مؤلفاتك الجديدة قيد الصدور؟

صدر تحت إشرافي في نهاية السنة الماضية كتاب جماعي بالإسبانية والانجليزية والفرنسية بعنوان "تونس، المتوسط والموريسكيون" وقد شارك فيه باحثون من الولايات المتحدة الأمريكية، إسبانيا، سويسرا وتونس، وعالجنا فيه العديد من القضايا المتعلقة بحضور تونس في المتوسط وخصوصًا الحضور الموريسكي في البلاد من خلال مقاربات تاريخية، تراثية وأنثروبولوجية. كذلك لدي عدد من المقالات بالانجليزية التي هي تحت الطبع في كتب جماعية ستصدر عن دار بريل الهولندية. أما المشروع الذي سأنطلق في الإشتغال عليه على ما أمل في نهاية هذه السنة هو الجزء الثاني من كتاب "المشهد الموريسكي" والذي سأعالج فيه "سرديات الطرد في الفكر العربي الحديث والمعاصر"، حيث جمعت تقريبًا كل مواد الكتاب، ولم يبقى سوى القيام بعملية التحرير.