رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اغتيال «نظام الملك».. مثلًا

لا يزال «نظام الملك» حيًا، حتى الحلقة التاسعة من مسلسل «الحشاشين»، الذى كتبه عبدالرحيم كمال وأخرجه بيتر ميمى، وإنْ رأينا فى هذه الحلقة، وفى حلقات سابقة، كيف تمكّن حسن الصباح، مؤسس وزعيم حركة الحشاشين، من دق عدة أسافين بينه وبين السلطان، ما يمهّد لاقتراب أجله، أو اغتياله، الذى تعددت روايات المؤرخين أو الحكائين، حول أسبابه، أو المتهمين به، أو المحرضين عليه، ولم يتفقوا، تقريبًا، إلا على أنه حدث فى ١٠ رمضان ٤٨٥ هجرية، الموافق ١٤ أكتوبر ١٠٩٢ ميلادية.

فى كتاب «سير أعلام النبلاء»، يصفه شمس الدين الذهبى بأنه «الوزير الكبير، نظام الملك، قوام الدين أبوعلى الحسن بن على بن إسحاق الطوسى، عاقل، سائس، خبير، سعيد، متدين، محتشم، عامر المجلس بالقراء والفقهاء. أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس و... و... وكان فيه خير وتقوى، وميل إلى الصالحين، وخضوع لموعظتهم، يعجبه من يبين له عيوب نفسه، فينكسر ويبكى».

الصورة، كما ترى، مثالية جدًا، تليق بمَن زعموا أن المطر تساقط يوم مولده، بعد انقطاعه لأربع سنوات، أو بمن وصفوه بـ«أعظم وزراء التاريخ الإسلامى»، وقالوا «إنه لؤلؤة يتيمة صاغها الرحمن من شرف»، لكن هذه الصورة لا تتناقض معها، أو تنتقص منها، شخصية السياسى الداهية، التى نقلها فتحى عبدالوهاب، بأدائه وحواراته مع حسن الصباح «كريم عبدالعزيز»، أو مع السلطان ملكشاه «إسلام جمال»، فى أفضل مشاهد المسلسل، إلى الآن، بإجماع النقاد والمشاهدين، الأسوياء أو غير الحشاشين. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن غالبية المؤرخين أجمعوا على توتر العلاقة بين السلطان ووزيره، قبل مقتل الأخير.

يُقال، بحسب تاج الدين السبكى، فى كتابه «طبقات الشافعية الكبرى»، إن «نظام الملك» كان أول مقتول قتلته الإسماعيلية، غير أن «السبكى» اتهم السلطان، أيضًا، فى روايته قصة الاغتيال، التى تكاد تتطابق مع تلك التى حكاها «ابن كثير» فى «البداية والنهاية»: جاءه صبى فى هيئة مستغيث به ومعه قصة، فلما انتهى إليه ضربه بسكين فى فؤاده وهرب، و... و... و«وجاءه السلطان يعوده فمات وهو عنده، وقد اتهم السلطان فى أمره أنه هو الذى مالأ عليه، فلم تطل مدته بعده سوى خمسة وثلاثين يومًا، وكان فى ذلك عبرة لأولى الألباب، وكان قد عزم على إخراج الخليفة أيضًا من بغداد فما تم له ما عزم عليه».

أيضًا، فى «سير أعلام النبلاء»، يورد الذهبى أن قتل نظام الملك «كان بتدبير السلطان، فلم يمهل بعده إلا نحو شهر»، فى إشارة إلى وفاة السلطان ملكشاه فى ١٥ شوال ٤٨٥ هجرية، الموافق ١٨ نوفمبر ١٠٩٢ ميلادية، أى بعد اغتيال نظام الملك بخمسة وثلاثين يومًا. وهناك، أيضًا، من اتهموا تركان خاتون، زوجة السلطان، لأنها كانت تريد تنصيب ابنها الأصغر وليًا للعهد خلفًا لشقيقه الأكبر، بينما كان نظام الملك يعمل على تنصيب بركياروف ابن زبيدة، وأكبر أبناء ملكشاه، وعليه، فإن القاتل، الذى يقال إنه «حدث ديلمى» اسمه أبو طاهر الأرَّانى، قد يكون أداة فى يد حسن الصباح بشكل مباشر، أو عبر وسيط هو السلطان، نتيجة الأسافين المتتالية التى دقّها زعيم الحشاشين بينه وبين نظام الملك.

.. وأخيرًا، لن تجد، أيضًا، إجماعًا بين المؤرخين أو الحكائين، القدامى والمحدثين، العرب والمستعربين، أو المستشرقين، على أسباب أو ملابسات أو قتلة مهرج السلطان، الذى أدخلوه عليه، فى الدقائق الخمس الأخيرة من الحلقة التاسعة، مقتولًا بخنجر تحته رسالة، يقرّ فيها حسن الصباح بمسئوليته عن اغتياله. إذ قال «ابن الأثير»، مثلًا، فى كتاب «الكامل فى التاريخ»، إن قاتله هو جمال الملك منصور بن نظام الملك: «أمر بإخراج لسانه من قفاه وقطعه فمات»، وكان سبب ذلك، بحسب ابن الأثير، وكما لعلك شاهدت فى المسلسل، هو قيام ذلك المهرج بتقليد «نظام الملك» والسخرية منه!