رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجربتى فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الخامسة والخمسين

منذ انتهاء معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الخامسة والخمسين «يناير، فبراير ٢٠٢٤»، وأنا أفكر فى طريقة أعبر بها عن تجربتى الشائقة التى خضتها فى المعرض هذا العام، فأنا لأول مرة أدخل معرض القاهرة الدولى للكتاب وأنا أملك مفتاحًا فى يدى؛ فتح به بابًا لم أتوقع يومًا أن أفتحه.

فلأول مرة أدخل معرض القاهرة الدولى للكتاب، وأنا أحمل سطور كتابى فى قلبى، أسترجع لحظات البدايات التى كتبت فيها أول كلمة، وأول سطر فيه، فقد احتشدت فيه كامل طاقتى وروحى وكيانى كله، كنت أتحدى فيه نفسى بمخاوفها وشجاعتها وأيضًا جرأتها، نعم جرأتها، فأبى «د. حامد حواس» كان دومًا ينعتنى بـ«الجريئة».. جريئة فى اقتحام الصعب والدخول فيه بقلب شجاع لا يخاف، فقد اعتدت الثقة فى ذاتى ما دمت أسعى وأجتهد وأعمل ما فى وسعى للوصول إلى ما أريد وأطمح.

أتذكر نفسى من وأنا طفلة وأبى يصطحبنى أنا وأسرتى إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب كل عام، كنا نقضى ساعات طويلة وأيامًا فى المعرض ما بين أروقته وأجنحته المتنوعة، ما بين الكتب العربية والأجنبية، كنت أشاهد سعادة أبى البالغة عندما يجد كتابًا يروق له وألاحظ بريق عينيه وهو يحمله بين يده الحانية، وكانت يده الأخرى دائمة الانشغال بى فكان يخاف علىّ من الزحام الشديد، حتى أن المشهد نفسه كان يتكرر كل عام حتى عندما كبرت، كبر معى حبى للكتب والمعرض وأصبح عيدًا سنويًا نحتفى به أنا وأسرتى فى شهر يناير من كل عام.

هذا العام، كان معرض القاهرة الدولى للكتاب له مذاق خاص جدًا، ذهبت فى اليوم الثانى للمعرض لكى أحتفى بكتابى «ثقب المفتاح لا يرى:عشرون شاعرة أمريكية حائزات على جائزتى نوبل وبوليتزر» الصادر عن بيت الحكمة للثقافة، أحسست بمشاعر مختلفة جدًا، ما بين سعادة وحزن، سعادة بالغة بأننى شاهدت كتابى فى أرفف جناح «بيت الحكمة للثقافة»، فكان هذا بمثابة حلم بالنسبة لى، وخطوة كانت مؤجلة ولكنها أتت بمحض المصادفة وأيضًا بمحض الإرادة والعزيمة فى بلوغ ما أطمح وأحلم، فكم مرة أجلت خطوات وأحلامًا حتى سئمت روحى من تراكم أحلامها، فسرت بروح وثابة نحو تحقيق حلمى المؤجل حتى بات حقيقيًا أمامى لمسته وشاهدته بعينى وقلبى وروحى، شعور عظيم أن أحمل كتابى بين يدى وأحتضنه وألتقط صورًا كثيرة معه كأننى أحمل وليدى لأول مرة.

ولكن حزنى بافتقادى أبى أنقص سعادتى وغبطتى، فكنت أتمنى أن يرانى وأنا أحتفى بنجاحى وإنجازى، كنت أتمنى أن يلتقط لى صورًا وأنا أحتضن كتابى كما كان يفعل دائمًا عندما كنت أنجز شيئًا مهمًا أو أنجح فى اجتياز عام جديد فى دراستى، فكان يحب دومًا أن يلتقط لى صورًا فى مناسباتى الخاصة، افتقدت قبلته على جبينى التى كانت تشعرنى برضاه عنى، افتقدت وجوده كاملًا جانبى، وافتقدت سعادته بى، كنت أحب أن ألمح نظرة الرضا فى عينيه ونظرة فخره بنجاحى، لكن روحه كانت تحيطنى كما تفعل دائمًا وكنت أشعر بها حولى تبارك لى، وتباركنى أينما وليت وجهى.

أما فى يوم الثامن والعشرين من يناير، فقد عقدت ندوتى عن كتابى «›ثقب المفتاح لا يرى: عشرون شاعرة أمريكية حائزات على جائزتى نوبل وبوليتزر» فى معرض القاهرة الدولى للكتاب بقاعة ضيف الشرف وكان يصطحبنى ابنى وابنتى ووالدتى وأخواى، وسعادتى كانت مضاعفة بوجودهم معى ودعمهم لى، فلولاهم ما اكتملت سعادتى فى هذا اليوم الفارق فى حياتى فكانت تلك الندوة هى أول مواجهة لى مع جمهور معرض القاهرة الدولى للكتاب، وقد ناقشنى الشاعر والكاتب الكبير أحمد الشهاوى والكاتب الروائى على عطا والأستاذ الدكتور محسن الشيمى، وكان يدير الندوة الكاتب ضياء الدين حامد وبحضور حشد كبير من المثقفين والشعراء والكتاب من مختلف أنحاء العالم، كانت مناقشة ثرية، التقت فيها أفكارًا مختلفة وآراءً متنوعة حول الكتاب، استمتعت بها كثيرًا وخرجت منها ممتلئة بأفكار أكثر وطموح أكثر فى أن أكمل مسيرة ترجمة الشعر خصوصًا وقد أمسكت فى يدى السر الأعظم لمفتاح عقلى وقلبى، وروحى، فهو عمل التقت فيه حواسى وحدوسى، اتفقت جميعًا على الشىء نفسه وهو حبى للشعر وترجمته من وإلى اللغة الإنجليزية.

بعد انتهاء الندوة، ذهبت بصحبة أسرتى والشاعر والكاتب الكبير أحمد الشهاوى إلى جناح «بيت الحكمة للثقافة» للاحتفاء بكتابى والتقطت العديد من الصور معهم والتقطت لهم صورًا عديدة وهم يحملون كتابى فرحين بى وبه، شعور لا يوصف ولا تستطيع كلماتى أن تعبر عنه، شعرت بسعادة أمى وهى تحتضنى وتحتضن كتابى بين كفيها، وقبلات ولدىّ «جنى وآدم» على خدى ولم أنس نظرتيهما لى المليئة بالفخر، نظرة لن أنساها ما حييت.

أما عن الندوات التى شاركت فيها بمحاورة شعراء من بنجلاديش والهند وألمانيا والأرجنتين، فكان لها مذاق مختلف بالنسبة لى، فكنت قد ترجمت قصائد للشاعر البنغالى أمينور رحمن، والشاعرة الهندية ريشما راميش، والشاعر الألمانى توبياس بوركهارت، وكذلك الشاعرة الأرجنتينية يونا بوركهارت، قبل معرض القاهرة الدولى للكتاب وكتبت عن بعضهم مقالات كنت قد نشرتها فى مواقع ومجلات مختلفة، فكنت على تواصل معهم قبل شهور من بداية المعرض واستمتعت برحلتى معهم وقرأت أحلامهم وأفكارهم بين قصائدهم الشعرية حتى كدت أجزم أننى قابلتهم من قبل اللقاء، تحدثت معهم وتعرفت أنا والجمهور بهم عبر حوارى معهم وترجمتى حواراتهم معى لجمهور معرض القاهرة الدولى، الذى احتشد بعد ذلك بالأسئلة المتنوعة للشعراء واستمتعت واستفدت كثيرًا من مداخلاتهم التى أثرت الندوات التى لاقت نجاحًا كبيرًا. 

فكنت أقرأ فى عيون الجمهور نظرات الرضا وأيضًا الحماسة فى معرفة الضيوف الشعراء أكثر على المستوى العملى أى الشعرى والإنسانى، فقد تحدثوا عن سمات الشعر فى بلادهم عامة وسمات شعرهم بخاصة، كما تحدثوا عن بداياتهم الشعرية وأحلامهم وخططهم المستقبلية فى كتابة الشعر. 

كانت تجربة جديدة وشائقة بالنسبة لى، فقد كسرت من خلالها حواجز مختلفة بينى وبين جمهور عريض ومتنوع من ثقافات مختلفة ومن جغرافيات متنوعة.

لقاءات أثرت روحى وأشعرتنى بالتحقق وأيضًا التأكد بأننى أسير فى اتجاه صحيح نحو ذاتى التى وجدتها فى ترجمتى لشاعرات وشعراء من مختلف أنحاء العالم، متعة روحية تتحقق وتشتعل عندما أشرع فى ترجمة شاعرة أو شاعر جديد، أستكشف من خلالها قدراتى الروحية والعقلية فى قراءة ما بين السطور من آلام وأحزان وأفراح وأسرار لم تبح ولكنها تحس فقط من خلال حدس المترجم وشعوره بروح الشاعر أو الشاعرة عبر كلمات مرسومة بشكل وإيقاع شعرى.

أما عن «الحصان الرابح»› لهذا الموسم فهو الشاعر والكاتب الكبير أحمد الشهاوى، فقد حضرت تقريبًا كل الأمسيات الشعرية التى أُقيمت فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الخامسة والخمسين، وشاهدت مدى الدقة فى تنظيم كل تفاصيل الأمسيات الشعرية الصغيرة منها قبل الكبيرة وحضوره كل الأمسيات الشعرية دون كلل أو ملل، كما شاهدت معاملته الراقية مع ضيوفه من شتى بقاع الأرض وحرصه على تلبية احتياجاتهم داخل المعرض وأيضًا خارجه، فقد بذل أحمد الشهاوى مجهودًا عظيمًا قد يشهد عليه القاصى والدانى، فكان نعم القائد والإنسان، كما شاهدت اهتمام ورعاية الأستاذ الدكتور أحمد بهى الدين، رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للكتاب، بكل تفاصيل المعرض، فكنت أشاهده بصفة يومية يصول ويجول فى كل أنحاء المعرض مهتمًا بالضيوف والجمهور بكل تحضر وتواضع مشهود من الجميع، فله كل التحية والشكر والتقدير فيما قدمه من تفانٍ فى خدمة المعرض هذا العام ٢٠٢٤، والنتيجة كانت مدهشة، فكل من حضر معرض القاهرة الدولى للكتاب شهد اختلافًا لافتًا وتنوعًا كبيرًا فى أنشطته هذا العام.

تجربتى هذا العام ستخلد داخلى وسأحتفظ بها بين جنبات قلبى، وسأستعيدها فى ذاكرتى كلما أردت أن أتذكر شيئًا جميلًا قد حدث لى فى حياتى.