رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

5 مسارات وتشريعات لتعزيز الإصلاح السياسى وإرساء قواعد «الجمهورية الجديدة»

الحوار الوطنى
الحوار الوطنى

يتوقع الكثير من الخبراء أن يشهد عام ٢٠٢٤ العديد من الأحداث والفعاليات السياسية، ومواصلة حصد المكتسبات التى صنعتها الدولة المصرية مؤخرًا، نتيجة الإصلاح السياسى، الذى بدأت فى تنفيذه منذ سنوات، والذى جاءت الانتخابات الرئاسية معبرة عنه.

ويعد الحوار الوطنى، الذى دعا له الرئيس السيسى فى أبريل ٢٠٢٢، أحد أبرز ملامح حالة الانفتاح السياسى التى تتبعها الدولة المصرية مؤخرًا، خاصة بعد صدور العديد من التوصيات فى المجالات والمحاور الثلاثة «السياسى والاقتصادى والمجتمعى»، التى ناقشها الحوار فى مرحلته الأولى، وتم تعليق جلساته قبل الانتخابات الرئاسية الماضية.

وفى أول خطاب له عقب فوزه فى الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤، وجه الرئيس السيسى باستكمال الحوار الوطنى بشكل أكثر فاعلية وعملية، والاستفادة من الحالة الثرية التى شهدتها العملية الانتخابية، التى أفرزت تنوعًا فى الأفكار والرؤى.

وجاء هذا التوجيه من جانب الرئيس السيسى ليلقى إشادة واسعة من كل القوى السياسية والحزبية والمجتمعية والشبابية خلال الفترة الماضية، وليؤكد أن استكمال الحوار سيكون عبورًا إلى الجمهورية الجديدة، خاصة أن المرحلة الأولى له شهدت مشاركة سياسية واسعة، ومناقشة للعديد من القضايا.

وعلى مدار أكثر من ٩٠ جلسة، حسم أعضاء الحوار والمشاركون فى الجلسات عددًا من القضايا، من بينها: الحريات الأكاديمية، ومفوضية التمييز، وقانون المجالس المحلية، والتأمين الصحى الشامل، والاستثمارات العامة، وغيرها الكثير.

وتم إصدار ١٢٩ توصية، بواقع ٣٠ فى المجال السياسى و٣٨ توصية اقتصادية، و٦١ فى المجال المجتمعى، وهى جميعها توصيات نهائية صدرت بالتوافق، وتعبّر عن الجميع، وتم رفعها إلى رئيس الجمهورية، الذى أعلن الاستجابة لكل التوصيات.

كما كانت نسب المشاركة فى جلسات الحوار عالية للغاية، وكان المحور المجتمعى الأعلى مشاركة بواقع ٣٥٪ خلال ٢٦ جلسة، فيما كانت نسبة المشاركة بالمحور الاقتصادى ٣٤٪ على مدار ٢٥ جلسة، أما المحور السياسى فكانت نسبة المشاركة به ٣١٪ خلال ٢٣ جلسة، وتلقى أكثر من ١٥٠٠ مقترح، وجرى عقد ٩٠ جلسة، بإجمالى عدد ساعات بلغ ٣٤٧ ساعة، ووصل عدد المتحدثين بها إلى ٢٦٣٠ متحدثًا.

ومن أبرز التوصيات التى صدرت عن الحوار الوطنى، خلال مرحلته الأولى، كانت تلك الصادرة عن لجنة المحليات، حيث تمت التوصية بسرعة إصدار قانون المجالس الشعبية المحلية، وسرعة إجراء انتخاباتها، والتوافق على النظام الانتخابى للمجالس الشعبية المحلية، والذى يجمع بين القائمة المطلقة المغلقة بنسبة ٧٥٪، والقائمة النسبية المنقوصة بنسبة ٢٥٪ بحد أدنى ثلاثة أفراد فى تلك القائمة، وفق النص المقترح أدناه.

وجاء التوافق بين كل القوى السياسية والحزبية على النظام الانتخابى للمحليات؛ ليكون بارقة أمل لدى الجميع بسرعة مناقشة وإقرار القانون الجديد، لتشهد البلاد إجراء الانتخابات المحلية عقب إقراره.

ويتوقع مراقبون للمشهد أن تقدم الحكومة مشروع قانون جديدًا للمجالس الشعبية المحلية، إلى مجلس النواب خلال الفترة المقبلة، لتتم مناقشته وإقراره وإجراء انتخابات المحليات، خلال العام الميلادى الجديد ٢٠٢٤.

أيضًا ينتظر العديد من المصريين إصدار قانون جديد للأحوال الشخصية، خاصة بعد إعلان اللجنة التى وجه بتشكليها الرئيس السيسى، وتضم مجموعة من الخبرات فى قضايا الأسرة، إعداد مشروع قانون جديد يضمن حقوق جميع الأطراف المعنية بعد المشاكل المتراكمة بسبب القوانين القديمة، وهو ما عملت عليه وزارة العدل، والتى أعلنت مؤخرًا قرب الانتهاء من أعمالها وطرح مشروع القانون إلى الحوار المجتمعى قريبًا.

وتضمنت ملامح القانون، الذى يشمل نحو ٣٥٥ مادة، النص على توثيق الطلاق، كما هو الحال فى توثيق الزواج، وعدم ترتيب أى التزامات على الزوجة إلا من تاريخ علمها به، ومنح صلاحيات جديدة للقاضى للتعامل مع الحالات العاجلة من أجل دعم الأسرة، ووضع نظام جديد يجمع منازعات كل أسرة أمام محكمة واحدة، وتقصير مدد الفصل فى دعاوى الأسرة، واستحداث مادة متعلقة بتنظيم الاستضافة، واستحداث الرؤية الإلكترونية لغير الحاضن الموجود فى الخارج.

كما سيعيد مشروع القانون الجديد، النظر فيما يتعلق بمسائل الولاية على المال، خاصة بعد التوصية التى أصدرها الحوار الوطنى فى مرحلته الأولى بتعديل المادة «١» من قانون ١١٩ لعام ١٩٥٢ الخاص بأحكام الولاية على المال، لتصبح الأم فى المرتبة التالية مباشرة للأب، فى مسألة الوصاية على أموال القاصر متقدمة على مرتبة الجد، نظرًا للتغيرات الواضحة التى طرأت على المجتمع المصرى، وعدم إرهاق الأم المصرية فى رعاية مصالح أبنائها وتركيز جهدها على حسن تربيتهم.

كما ينتظر المصريون فتح باب التصالح فى مخالفات البناء، عقب إقرار اللائحة التنفيذية للقانون، والتقديم لتقنين المبنى محل المخالفة، وفقًا للقواعد والاشتراطات التى حددها القانون الصادر عن مجلس النواب برقم ١٨٧ لسنة ٢٠٢٣ الذى ألغى وجود القانون رقم ١٧ لسنة ٢٠١٩، باستثناء الحالات التى تم تقديم التصالح عليها وفقًا للقانون الأخير الملغى، لتتم إحالتها للبت فيها أمام لجان التظلمات المشكلة.

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد صدَّق على مشروع قانون التصالح فى مخالفات البناء، مؤخرًا، والذى يعطى العديد من التسهيلات للمواطنين، من أجل غلق ملف التصالح فى مخالفات البناء نهائيًا.

وألزم القانون الحكومة بأن يتم إصدار اللائحة التنفيذية لـه خلال ٦ أشهر من تاريخ إصدار القانون، والذى صدَّق عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الإثنين ١٨ ديسمبر، أى أنه قبل ١٨ يونيو ٢٠٢٤، ستكون قد صدرت اللائحة التنفيذية للقانون، دون تحديد يوم معين فى تلك الشهور الستة، حيث تصدر الحكومة اللائحة المفسرة لأحكام القانون، والتى على أساسها ستحدد العديد من الأمور المتعلقة بالتصالح.

واستهدف القانون الجديد تقديم العديد من التسهيلات للمواطنين، حيث تم السماح بإمكانية التصالح على بعض المخالفات المحظور التصالح عليها بضوابط، مثل «خطوط التنظيم ومبانى متميزة ومتجاوز قيود الارتفاع والطيران المدنى وحقوق ارتفاق»، وكذلك السماح بالتصالح خارج الحيز العمرانى «سكنى وغير سكنى»، كما أتاح لمجلس الوزراء التجاوز عن بعض المخالفات المحظور التصالح عليها، والتى يستحيل أو يصعب إزالتها «٣ أضعاف سعر المتر»، مع إتاحة تشكيل لجان من داخل وخارج الجهة الإدارية.

كما أجاز القانون لرئيس الوزراء فى بعض الحالات إسناد تشكيل وأعمال اللجان لأى جهة أخرى، واشتراط سداد مبلغ ٢٥٪ لتأكيد جدية التصالح، وكذلك أجاز لرئيس الوزراء مد المدة الخاصة بقبول الطلبات لفترات أخرى لمدة لا تجاوز ٣ سنوات، والسماح بتقديم تقرير استشارى أو مهندس نقابى للمبانى أقل من ٢٠٠م٢ ولا يتجاوز ارتفاعها ثلاثة أدوار.

وإجمالًا، فإن الدولة المصرية قد اتبعت العديد من الخطوات المهمة سياسيًا، خلال السنوات الماضية، وتوجت الانتخابات الرئاسية التى شهدت أكبر نسبة مشاركة سياسية على مدار العقود الماضية بنسبة ٦٦.٨٪ من عدد المقيدين بقواعد البيانات، تلك الجهود، وهو ما سيتم البناء عليه بكل تأكيد خلال العام الميلادى الجديد.

ورأى العديد من السياسيين والمراقبين للمشهد السياسى فى مصر أن مشهد الانتخابات الرئاسية وضعنا أمام توقعات بتحول وتطوير مستمر فى المشهد السياسى وإصلاح الحياة السياسية، والذى سيظهر خلال المدة الرئاسية الجديدة للرئيس عبدالفتاح السيسى، وبالتأكيد خلال ٢٠٢٤، من خلال الاستفادة من مكتسبات الانتخابات الحالية، والاستمرار فى عقد الأحزاب مؤتمرات جماهيرية والتواصل مع الشارع المصرى، لضمان أن يكون معبرًا عنه، وبالتالى تعريف المواطن المصرى بأهمية تلك الأحزاب والانضمام إليها. 

ومن المتوقع أيضًا أن تبنى الدولة المصرية، ممثلة فى القيادة السياسية على مكتسبات العملية الانتخابية الحالية، فى ظل نهج الإصلاح السياسى لترسيخ مبادئ الديمقراطية، وقواعد الحكم الرشيد مع زيادة انخراط القوى السياسية فى العملية الانتخابية، والبناء عليها، نتيجة التكاتف المجتمعى الذى ظهر فى الانتخابات.