رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أجل الوطن.. كيف صنع المصريون أجمل مشهد فى الانتخابات الرئاسية؟

الانتخابات الرئاسية
الانتخابات الرئاسية 2024

انتهت عملية الاقتراع بالانتخابات الرئاسية المصرية للمصريين فى الداخل، مساء أمس، بعد أن استمرت على مدار ٣ أيام، وسط إقبال كثيف وتاريخى وغير مسبوق فى المشهد الانتخابى المصرى.

واحتشد المصريون فى ١١ ألفًا و٦٣١ لجنة فرعية، تحت إشراف قضائى كامل، لاختيار رئيس مصر حتى عام ٢٠٣٠، وسط متابعة دولية من السفارات والمنظمات المحلية والأجنبية، وكذلك وسائل الإعلام.

وانتهت عملية الفرز وتسليم المحاضر للجان العامة، على أن تتلقى الهيئة الطعون على قرارات اللجان العامة، اليوم، ويجرى البت فى الطعون المقدمة فى قرارات تلك اللجان يومى الجمعة والسبت ١٥ و١٦ ديسمبر، على أن تعلن نتيجة الانتخابات وتنشر فى الجريدة الرسمية ١٨ من الشهر نفسه.

وحددت الهيئة يومى ١٩ و٢٠ ديسمبر لتقديم الطعون، وقيدها بجدول المحكمة الإدارية العليا، والفصل فى الطعون أمام المحكمة الإدارية العليا لمدة ١٠ أيام، تبدأ من يوم ٢١ ديسمبر حتى يوم ٣٠ من الشهر نفسه.

ولا يمكن أن يمر المشهد الانتخابى، الذى تم على مدار الأيام الماضية، مرور الكرام، بل يجب التوقف أمامه وتحليله للوصول إلى أسبابه ونتائجه، حيث يؤكد كل المؤشرات أننا أمام نسبة مشاركة غير مسبوقة على الإطلاق فى تاريخ الانتخابات الرئاسية المصرية، الأمر الذى نسعى لتحليله وتوضيح أسبابه خلال السطور التالية.

 

فيديوهات توعوية للناخبين.. إتاحة معرفة تغيير مكان اللجان إلكترونيًا.. وتسهيلات كبرى لذوى الهمم

تعد إجراءات الهيئة الوطنية للانتخابات منذ بداية الإعلان عن الجدول الزمنى للانتخابات الرئاسية، حتى اليوم، سببًا رئيسيًا فى خروج الانتخابات الرئاسية بهذا المشهد العظيم.

وتعددت التسهيلات التى قدمتها الهيئة للمواطنين للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية، لتشمل إتاحة معرفة اللجنة الانتخابية بسهولة ويسر من على الموقع الإلكترونى للهيئة، بموجب كتابة الرقم القومى، وكذلك إتاحة معرفة اللجنة الانتخابية بأكثر من وسيلة أخرى غير الموقع الإلكترونى، بتخصيص رقم للاتصال عليه عبر الهاتف المحمول وهو ٥١٥١ لمعرفة اللجنة الانتخابية، أو إرسال رسالة على نفس الرقم بالرقم القومى للناخب، لمعرفة اللجنة الانتخابية بالتفصيل.

كما أتاحت الهيئة للناخب إمكانية تغيير مقر مركز الاقتراع الذى سيدلى فيه بصوته فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، شريطة أن يكون داخل نطاق موطنه الانتخابى، وذلك عبر الموقع الإلكترونى، حرصًا من الهيئة على استخدام كل مواطن حقه الدستورى فى إبداء رأيه ومشاركته فى رسم مستقبل الوطن.

كما نشرت الهيئة العديد من الفيديوهات التوعوية على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، لتوعية الناخبين بأهمية المشاركة فى العملية الانتخابية.

كما تمثلت تسهيلات الهيئة فى حرصها على الرد على أسئلة الناخبين بصفة مستمرة، فى الفترة التى سبقت العملية الانتخابية، من خلال عقدها الكثير من المؤتمرات للتعريف بكل تفاصيل العملية الانتخابية، حتى يكون الناخب على دراية كاملة بالانتخابات، وهذه التسهيلات استفاد منها مختلف أطياف الشعب المصرى.

كما خصصت الهيئة رقمًا للتواصل عليه فى حالة وجود أى شكوى، ونشرته على صفحتها الرسمية على «فيسبوك»، وهو «١٩٨٢٦»، بالإضافة إلى تخصيص لجان للمغتربين فى جميع المحافظات حتى يسهل للمواطنين الإدلاء بأصواتهم بسهولة ويسر.

كما شملت التيسيرات التى قدمتها الهيئة ما يتعلق بذوى الاحتياجات الخاصة، بتخصيص لجان بالدور الأرضى لهم وأولوية فى التصويت، فضلًا عن إضافة ملصقات لإرشاد ذوى الإعاقة السمعية، وبطاقات تصويت بطريقة «برايل» لذوى الإعاقة البصرية أو طلب المساعدة من رئيس اللجنة للتصويت.

كما استحدثت الهيئة لجان اقتراع للوافدين والمغتربين بين المحافظات، بعدما تلقت العديد من الطلبات والاستفسارات بهذا الشأن، لتمكين الناخبين من خارج الموطن الانتخابى من الإدلاء بأصواتهم وإعمال حقوقهم الدستورية.

اختلاف توجهات المرشحين المنافسين أدى لزيادة الإقبال

انعكس وجود ٣ مرشحين فى الانتخابات الرئاسية، من رؤساء الأحزاب السياسية فى مصر، من مختلف التوجهات والأيديولوجيات الفكرية والسياسية، إضافة إلى مرشح مستقل وهو الرئيس الحالى عبدالفتاح السيسى، بشكل أساسى على المشهد الانتخابى، وأسهم فى خروج المواطنين بكثافة إلى صناديق الاقتراع، خاصة أن الأحزاب الثلاثة لها كتل برلمانية قوية ومؤثرة، سواء تحت قبة مجلس النواب أو فى الشارع المصرى.

وشهدت فترة الدعاية الانتخابية تحركات مكثفة من جانب تلك الكتل البرلمانية لدعم مرشحيها، ما انعكس إيجابًا على مستوى الحشد والحضور المكثف للناخبين على مدار الأيام الثلاثة.

وجاءت الانتخابات الرئاسية فرصة لمرشحى الأحزاب السياسية، لقياس مدى الانتشار الخاص بأحزابهم السياسية على مستوى الجمهورية، والعمل على اكتساب عضويات جديدة داخل أحزابهم، وممارسة دورهم بشكل أكثر فاعلية فى المجتمع خلال الفترة المقبلة.

ومن أهم العوامل التى أسهمت فى خروج الانتخابات بهذا المشهد، ما شهدته فترة الدعاية الانتخابية من زخم، والتحركات المكثفة للمرشحين فى المحافظات المختلفة، لعرض أفكارهم وبرامجهم الانتخابية، وحث المواطنين على المشاركة واختيار من يريدون.

كما شهدت فترة الدعاية عقد العديد من الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها، مؤتمرات جماهيرية حاشدة فى مختلف محافظات مصر، للتعريف بمرشحهم، وكذلك التأكيد على أهمية المشاركة فى الانتخابات، ما انعكس على نسبة إقبال المصريين ومشاركتهم بكثافة خلال أيام التصويت الثلاثة.

كما شهدت أيام التصويت الثلاثة للانتخابات الرئاسية تنظيم العديد من الأحزاب السياسية مسيرات مختلفة فى القاهرة والمحافظات؛ لحث المواطنين على المشاركة بكثافة فى التصويت.

الإصلاح السياسى والحوار الوطنى وسَّعا قاعدة المشاركة

تعد خطوات الإصلاح السياسى التى اتخذتها الدولة المصرية على مدار السنوات القليلة الماضية، عاملًا مهمًا فى خروج الانتخابات الرئاسية بهذا المظهر المشرف، خاصة أن الدولة اتبعت عدة إجراءات فى هذا الملف، منها الدعوة للحوار الوطنى، وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسى والإفراج عن عدد كبير من المحبوسين احتياطيًا، الذين لم تتلوث أياديهم بالدماء، ولم يشاركوا فى أعمال عنف وإرهاب.

ودعت الدولة كل الأحزاب والقوى السياسية والشبابية والمجتمعية للمشاركة فى الحوار الوطنى؛ لتحديد أولويات العمل فى المرحلة المقبلة، وجرى عقد الجلسات المختلفة لمناقشة ٣ محاور رئيسية، السياسى والاقتصادى والمجتمعى، ضمت العديد من القضايا الفرعية المندرجة تحت كل محور، مع إصدار مجموعة من التوصيات المهمة فى نهاية المرحلة الأولى للحوار الوطنى، تبعتها استجابة رئاسية لكل التوصيات الصادرة، ما أسهم فى تحقيق واقع اجتماعى وسياسى يتميز بالحيوية ويضمن مشاركة الجميع.

إشادات واسعة من المتابعين محليًا ودوليًا بنزاهة الانتخابات

شهدت الانتخابات الرئاسية وجود متابعة من جانب العديد من المنظمات المحلية والأجنبية، التى أصدرت تقاريرها باستمرار برصد إقبال المصريين بكثافة على صناديق الاقتراع، وصرحت الهيئة الوطنية للانتخابات لـ٢٤ سفارة بعدد ممثلين ٦٧ دبلوماسيًا بأعمال المتابعة فى الانتخابات الرئاسية، كما جرى اعتماد ١٤ منظمة دولية بعدد ٢٢٠ متابعًا، إلى جانب تسجيل ٦٢ منظمة مجتمع مدنى محلية بعدد ٢٢ ألفًا و٣٤٠ متابعًا لها، كما وصل عدد المتابعة الإعلامية للانتخابات الرئاسية ٥٢٨ متابعًا دوليًا عن ١١٥ وسيلة إعلامية وصحفية، إلى جانب ٧٠ وسيلة إعلامية وصحفية محلية وتصاريح لـ٤ آلاف و٢١٨ صحفيًا وإعلاميًا.

وتابعت المنظمات الحقوقية الدولية والعربية والمصرية ووسائل الإعلام الانتخابات على مدار أيامها الثلاثة، وتأكدوا من تطبيق المعايير الدولية للنزاهة والشفافية، ومن وجود ساتر يدلى الناخب من خلاله بصوته دون أن يطلع أحد عليه، كما توافر الحبر الفسفورى فى جميع اللجان على مستوى الجمهورية، وعدم وجود مخالفات أو خروقات فى المشهد الانتخابى.

ورصدت المنظمات الدولية والمحلية انتظام عملية التصويت دون أى عراقيل، وكذلك وجود زيادة فى المسيرات الشعبية بمختلف المحافظات التى تمت زيارتها، والتى ازدادت فى ثالث أيام التصويت بشكل ملحوظ، والتى تخللها وجود مظاهر احتفال بالمشاركة فى عملية التصويت، وكذلك المشاركات الكبيرة فى لجان الوافدين، خاصة فى محافظات «القاهرة، الجيزة، والقليوبية»، التى أسهمت فى تيسير عملية تصويت المغتربين فى المحافظات المختلفة.

وكذلك رصدت المنظمات التيسيرات التى وفرتها الهيئة الوطنية للانتخابات لمساعدة تصويت كبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة فى مختلف اللجان الانتخابية التى تمت زيارتها، مع تجاوب رؤساء عدد من اللجان الفرعية مع بعض الناخبين كبار السن، لمساعدتهم فى الإدلاء بأصواتهم.

وأشاد المتابعون الدوليون بحرص الهيئة الوطنية للانتخابات على أصوات المواطنين من ذوى الإعاقة البصرية، وذلك من خلال توفير بطاقات انتخابية مُصممة بطريقة «برايل»، وكذلك أشادوا بوجود تعاون من جانب القضاة رؤساء اللجان الفرعية، الذين حرصوا على التعاون معهم وتيسير عملية متابعتهم للعملية الانتخابية داخل اللجان الفرعية.

كما أكد العديد من المنظمات المحلية والدولية عدم تلقيها أى شكاوى أو ملاحظات من أى من المرشحين أو مندوبيهم أو وكلائهم، تتعلق بسير العملية الانتخابية، فى ضوء انتظام عملية التصويت بسهولة ويسر، وسط وجود أمنى مكثف لحماية الناخبين وأصواتهم والعملية الانتخابية بالكامل.

وعى المصريين وغياب المخالفات رسّخا قواعد الديمقراطية

تابعت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين العملية الانتخابية بغرفة عمليات مركزية وغرفة للمتابعة الإعلامية، وبفريق من المتابعين على الأرض، بلغ عددهم نحو ٢٠ ألف متابع، من أعضاء التنسيقية ومتطوعين، وعبر تنسيق مع غرف عمليات مشتركة بجميع المحافظات.

وأكدت تنسيقية الشباب أن المشاركة الشعبية الواسعة تعكس الوعى الكبير للشعب المصرى العظيم بحقوقه الدستورية، وبأهمية المشاركة الديمقراطية، كما تعكس أيضًا الإيمان العميق لدى المصريين بمشروع «الجمهورية الجديدة»، الذى بدأ بثورة الشعب العظيمة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.

وقالت إنه، وبعد ١٠ سنوات، يتأكد أن اختيار الشعب المصرى لمشروع الدولة الوطنية هو الاختيار الصحيح فى مواجهة مشاريع التطرف والإرهاب، التى انتصر عليها المصريون بوحدتهم وتماسكهم وثقتهم الكبيرة فى مؤسسات الدولة.

ورصدت التنسيقية استمرار احتشاد المصريين بشكل غير مسبوق أمام كل اللجان الفرعية على مستوى الجمهورية خلال الأيام الثلاثة للانتخابات فى مشهد بديع لممارسة العملية الديمقراطية، وتأكيدهم حقوقهم الدستورية، والتعبير عن فرحتهم باحتفالات أمام اللجان، مصطحبين أطفالهم ومرددين الأغانى الوطنية. كما لم ترصد غرفة عمليات التنسيقية مخالفات تؤثر على سير العملية الانتخابية، ولكن كانت هذه الانتخابات مثالًا للالتزام بقرارات الهيئة الوطنية للانتخابات، مضيفة أن ما رصدته غرفة العمليات المركزية بالتنسيقية من مخالفات طفيفة لا تكاد تذكر تتعلق بكسر الصمت الانتخابى أمام بعض اللجان لم تؤثر على سير العملية الانتخابية، حيث حرص السادة القضاة على عدم وجود أى دعاية انتخابية فى حرم جمعية الانتخاب فى كل اللجان، مطبقين فى ذلك ما أقرته الهيئة الوطنية للانتخابات. وأكدت التنسيقية أن حملات الأربعة مرشحين للرئاسة ضربت مثالًا مخلصًا فى الإدارة الحرفية للعملية الانتخابية، ورغم التنافس الانتخابى إلا أنه لم يخرج أى من هذه الحملات عن سياق الاحترام المتبادل فيما بينها، ما يرسخ قواعد الديمقراطية.

الإشراف القضائى الكامل ضمِن النزاهة والشفافية

تمت الانتخابات الرئاسية تحت إشراف قضائى كامل، خاصة بعد التوصية التى أصدرها الحوار الوطنى، مؤخرًا، واستجاب لها الرئيس عبدالفتاح السيسى، ما مثل ضمانة أساسية لنزاهة وشفافية تلك الانتخابات، وأعطى الثقة للناخب المصرى فى أن صوته لن يتم تزييفه.

واستعانت الهيئة الوطنية للانتخابات بـ١٥ ألف قاضٍ من أصل ٢٦ ألف قاضٍ على مستوى الجمهورية، للإشراف على اللجان الفرعية والعامة وغيرها، بالإضافة إلى الدفع بعدد من القضاة وأعضاء الهيئات القضائية الاحتياطيين إلى بعض اللجان الفرعية، لتسريع وتيرة عملية التصويت والتخفيف من زحام طوابير الناخبين أمام اللجان، فى ظل وجود إقبال كثيف غير مسبوق من جمهور الناخبين فى مختلف المحافظات.