رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانقسامات تضرب أحزاب الحركة المدنية.. والقيادات يتبادلون الاتهامات

الحركة المدنية الديمقراطية
الحركة المدنية الديمقراطية

رغم نجاح عدد من أحزاب المعارضة فى تشكيل تحالف واحد سُمى بـ«الحركة المدنية الديمقراطية»، إلا أن الخلافات حول العديد من القضايا والأفكار بينها بدأت تطفو على السطح خلال الفترة الأخيرة.

وتعود جذور هذه الخلافات فى الأساس إلى اختلاف الرؤى الذى وصل إلى حد الصدام بين مكونات هذه «الحركة»، من أحزاب يسارية وناصرية من جهة، وأخرى ليبرالية فى الجهة المقابلة. وتجلى هذا فى حالة الانقسام الواضح بين الأحزاب والشخصيات الموجودة فى «الحركة المدنية الديمقراطية» بشأن العديد من القضايا، كان على رأسها الفشل فى التوافق على دعم مرشح رئاسى بعينه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، ليظل السؤال قائمًا عن مدى إمكانية صمود هذا الكيان واستمراره.

 

«التيار الحر» يفضح العداء بين الناصريين والليبراليين فى «الحركة المدنية»

فى عام ٢٠١٧ نجحت مجموعة من الأحزاب السياسية المعارضة فى تشكيل تحالف تحت اسم «الحركة المدنية الديمقراطية»، ضم العديد من الأحزاب السياسية ذات التوجهات المختلفة، يسارية وناصرية وليبرالية.

وضمت «الحركة المدنية الديمقراطية» ١٢ حزبًا سياسيًا هى: التحالف الاشتراكى، والمصرى الديمقراطى الاجتماعى، والدستور، والمحافظين، والإصلاح والتنمية، والكرامة، والعدل، والشيوعى، والاشتراكى المصرى، والعربى الناصرى، والوفاق، والعيش والحرية «تحت التأسيس»، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات العامة.

وشهدت اجتماعات «الحركة»، تحديدًا منذ دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الحوار الوطنى، فى أبريل ٢٠٢٢، العديد من الانقسامات والاتهامات المتبادلة بين أعضائها، كان مردها الأساسى وجود تخوفات لدى أحزابها الليبرالية من سيطرة القوى الناصرية واليسارية، وتصدير نفسها باعتبارها «المتحدث باسم المعارضة المصرية».

ودفع تصاعد هذه الانقسامات عددًا من الأحزاب الليبرالية والشخصيات العامة داخل «الحركة المدنية الديمقراطية» لتأسيس ما سُمى بـ«التيار الليبرالى الحر»، فى يونيو الماضى، والذى كان هدفه الرئيسى عدم قصر المعارضة على القوى الناصرية واليسارية فقط.

وضم «التيار الليبرالى الحر» أحزاب من الأعضاء المؤسسين لـ«الحركة المدنية الديمقراطية» هى: الدستور، والإصلاح والتنمية، والمحافظين، مع «مصر الحرية»، إلى جانب عدد من الشخصيات.

وفى أعقاب تأسيس هذا «التيار»، بدأت موجة من تبادل الاتهامات بين أعضائه والناصريين، ربما كان أبرزها ما حدث بين كمال أبوعيطة وهشام قاسم حول «التطبيع مع إسرائيل».

وكشفت تصريحات عدد من القيادات الناصرية فى «الحركة المدنية الديمقراطية» عن عدم رغبة التيار الناصرى فى تصدر أصحاب الفكر الليبرالى المشهد فى الوقت الحالى. 

وظهر الخلاف بين الفريقين واضحًا بشأن رؤية كل منهما للأوضاع الاقتصادية. فبينما يطالب قيادات «التيار الليبرالى الحر» باقتصاد ليبرالى حر يقوده القطاع الخاص وتنسحب منه الحكومة، ترى القوى اليسارية والناصرية دورًا مهمًا للقطاع العام، وتطالب باستمراره ودعمه من جانب الحكومة.

وكان المشهد الأكثر وضوحًا فى أزمة الخلافات بين التيارات الفكرية المتعددة داخل «الحركة المدنية الديمقراطية» هو عدم توافقها على مرشح رئاسى بعينه حتى الآن، على الرغم من ترشح أحد قياداتها فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، هو فريد زهران، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، الذى يختلف فى رؤيته وبرنامجه كرئيس حزب ليبرالى مع العديد من الأفكار اليسارية والناصرية.

وحاول فريد زهران وحملته عقد لقاءات متعددة مع قيادات وأحزاب «الحركة المدنية الديمقراطية»، للحصول على دعمهم فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، كان آخرها مع حزبى «الشيوعى المصرى» و«الاشتراكى المصرى»، للنقاش حول برنامجه الانتخابى ومدى توافقه مع برنامج «الحركة»، إلى جانب عدد من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن ملف العلاقات الخارجية. كما زار «زهران» وعدد من أعضاء حملته الانتخابية حزب «المحافظين»، برئاسة أكمل قرطام، للنقاش حول برنامجه الانتخابى، وشرح رؤيته للأوضاع السياسية الحالية والمستقبلية، وكيفية الخروج من الأزمات الحالية وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تداعيات الأزمات العالمية.

منشق عن «التيار الليبرالى»: قائم على كراهية أحزاب اليسار.. و«ناعم» مع الإخوان

تطرح الخلافات والانقسامات القوية بين جبهتى «الليبراليين» و«الناصريين» عدة تساؤلات حول مستقبل «التيار الليبرالى الحر» و«الحركة المدنية الديمقراطية» ككل.

بالنسبة لمستقبل «التيار الليبرالى الحر»، نجد أنه مر بالعديد من الأزمات منذ تأسيسه، بدأت من الدخول فى عداء مع التيار الناصرى، إلى جانب توجيه هجوم وانتقادات قوية إلى الدولة بشكل غير موضوعى، وصولًا إلى حدوث انشقاقات فى صفوفه، كان من بينها إعلان تامر جمعة، رئيس حزب «الدستور» السابق، انسحابه من التيار.

وقال «جمعة» عن أسباب انشقاقه عن «التيار الليبرالى الحر»: «التيار الذى تبنيت فكرته وروّجت لمبادئه وأهدافه، وحملت لواء تأسيسه مع عدد من السياسيين وُلد مشوهًا»، مضيفًا: «التيار الذى كانت ركائزه قائمة على مبادئ وأهداف الليبرالية، وقع بين براثن مجموعة اختطفته وحادت به عن مساره، سبق أن شاركت فى تأسيس حزب الغد، ويبدو أنها لا تعرف سوى هدم الكيانات والوقوف على أطلالها».

وواصل رئيس حزب «الدستور» السابق: «أبناء حزب الغد اجتمعوا وفكروا وقدروا ودبروا أمرًا بليل، وبئس ما فكروا وتعسًا لما دبروا، فقد اتفقوا على أن يكون هشام قاسم هو المتحدث الرسمى للتيار الليبرالى الحر، الأمر الذى قابلتُه وقابلته الأغلبية بالرفض».

وأكمل: «لكنهم فرضوا رأيهم وقرروا فيما بينهم أن يجعلوا من هشام قاسم رئيسًا لمجلس أمناء التيار، والحقيقة أننى لم أعرف هذا المذكور أعلاه من قبل، ولم أكن أعرف عنه شيئًا إلا ما قدمه به أحدهم وقدم هو به نفسه بأنه ناشر ومؤسس جريدة المصرى اليوم».

وقال «جمعة»: «قاسم أخرج وثيقة تأسيس التيار، التى هى فى حقيقتها ليست إلا وثيقة تحض على كراهية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والناصريين واليسار واليساريين، ولا تحمل إلا الكراهية الصريحة والعداء البيّن لكل رفقاء السياسة والنضال، وإن اختلفت الأفكار والرؤى».

وأضاف: «لكن الوثيقة التى كانت عنيفة إلى حد العداء مع كل الفصائل السياسية الوطنية، كانت رقيقة إلى حد النعومة مع جماعة الإخوان المسلمين، فلم تذكرهم إلا فى سطر أو نصف السطر، ومرت عليهم مرور الكرام والمحبين، مرورًا ليس إلا لذر الرماد فى العيون».

وواصل: «رفضتُ تلك الوثيقة ورفضها معى كثير من مؤسسى التيار، لكن الرجل أصر عليها دون تغيير، فعرضنا وثيقة أخرى، فهدد بالانسحاب وتمسك به وبالوثيقة رفقاؤه القدامى من أبناء حزب الغد، فوافقوا على الوثيقة وصارعوا لتمريرها، بفرض الأمر الواقع دون سماع أصوات الرافضين».

أما فيما يخص التساؤل الثانى المتعلق بمستقبل «الحركة المدنية الديمقراطية»، فهناك أمور تلوح فى الأفق تهدد استمرار هذا الكيان، خاصة الموقف من الانتخابات الرئاسية المقبلة، وعدم حسم تأييد الحركة بأحزابها مرشحًا رئاسيًا بعينه. فحتى الآن لم تستطع أحزاب «الحركة» التوافق على اسم مرشحها، أو بالأحرى المرشح الذى ستدعمه فى الانتخابات الرئاسية، رغم العديد من الاجتماعات التى تمت لمناقشة الأمر.

وبشكل منفرد، أعلن حزب من أحزاب «الحركة المدنية الديمقراطية»، وهو «العدل» برئاسة النائب عبدالمنعم إمام، عن دعم المرشح الرئاسى فريد زهران، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، وشارك معه فى تأسيس حملته الانتخابية.

ويحاول «زهران» جذب المزيد من أحزاب «الحركة المدنية الديمقراطية» إلى صفه، والحصول على دعمها فى الانتخابات الرئاسية، إلا أن اختلاف الرؤى والأفكار والأيديولوجيات داخل «الحركة» يحول دون ذلك. كما تهدد تلك الاختلافات والرؤى استمرار الكيان المعارض من الأساس، فى ظل أن أعضاءه ومؤسسيه لم يتفقوا سوى على معارضة النظام الحالى، بينما تدب الخلافات بينهم عند مناقشة أى من القضايا المطروحة للنقاش.

رئيس «العربى الناصرى»: مرتبطون بجهات مشبوهة لضرب الدولة

اتصالًا مع هذه الخلافات، قال الدكتور محمد أبوالعلا، رئيس الحزب العربى الناصرى، إن حزبه ليس عضوًا فى «الحركة المدنية الديمقراطية»، واصفًا إياها بأنها «مجموعة من النشطاء السياسيين وليست كيانات حزبية».

وأضاف «أبوالعلا»، فى تصريحات لـ«الدستور»: «مَن يدّعون الانتماء للحزب العربى الناصرى أو الناصرية بشكل عام داخل الحركة المدنية لا يمثلون الناصرية فى شىء، فالناصرية مشروع قومى عروبى ضد أى قوى تحاول هدم الدولة المصرية».

ووصف رئيس الحزب العربى الناصرى أعضاء «الحركة المدنية الديمقراطية» بأنهم «نشطاء سبوبة»، كل دورهم هو معارضة الدولة فقط، مضيفًا: «هؤلاء مجموعة من نشطاء السبوبة، ربطوا حبلهم السرى بجهات خارجية، ولهم ارتباطات بجهات مشبوهة لضرب مصر والمصريين».

وشدد على أن: «الحزب العربى الناصرى يضم العديد من الناصريين الحقيقيين، وهم داعمون للرئيس السيسى ومشروعه والدولة، ويشيدون بكم الإنجازات التى تتحقق فى كل المجالات خلال السنوات الأخيرة».

وفيما يتعلق بـ«التيار الليبرالى الحر»، قال «أبوالعلا»: «هذا التيار جزء من الإخوان المتخفين تحت عباءة الليبرالية، وسيتم القضاء عليهم».

واختتم رئيس الحزب العربى الناصرى بقوله: «الحركة المدنية الديمقراطية ستظل فى حالة انقسام تام بين أعضائها وجميع تياراتها المختلفة، ولكنها ستظل قائمة رغمًا عن ذلك، لكونها مدعومة من جهات وأطراف تريد استمرارها لمعاداة الدولة». كما يؤخذ على «الحركة المدنية الديمقراطية» كذلك غياب الشباب عن كل مكوناتها، على عكس ما تفعله الدولة فى هذا الملف خلال الفترة الأخيرة.

قيادات «حزب لا» دون تغيير منذ سنوات.. وتهميش تام للشباب

على مدار السنوات الماضية نجد دعمًا كبيرًا من قبل الدولة لملف دعم الشباب وتمكينهم فى مختلف القطاعات، بداية من تأسيس البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة، والأكاديمية الوطنية للشباب، وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، فضلًا عن إقامة النسخ المتتالية للمؤتمرات الوطنية للشباب.

وأسهم كل هذا فى النهاية إلى تحويل تمكين الشباب إلى واقع، عبر وجود عدد كبير من الشباب فى العديد من المناصب التنفيذية، سواء نواب وزراء أو نواب محافظين، وكذلك داخل المجالس النيابية «النواب والشيوخ».

على النقيض تمامًا، يوجد تهميش تام للشباب فى أحزاب المعارضة، فعلى مدار سنوات طويلة الوجوه الموجودة فى هذه الأحزاب من رؤساء وقيادات كما هى دون تغيير، مع غياب وجود أى فرص حقيقية لدعم الشباب.

وقال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القاهرة، إن الأحزاب المعارضة فى حاجة إلى مراجعة سياساتها، عبر خلق كوادر شبابية، من أجل ضخ دماء جديدة فى الحياة السياسية، ما تنتج عنه أفكار ورؤى مبتكرة تسهم فى تحريك المياه الراكدة، خاصة أن الفرصة الآن متاحة أمام الجميع، فى ظل وجود العديد من الاستحقاقات الانتخابية.

وأضاف «فهمى» أن هناك العديد من الأحزاب الكبيرة دفعت بالشباب فى العديد من المناصب القيادية، وبالتالى لديها أفكار ورؤى جديدة، على عكس ما يحدث فى العديد من أحزاب المعارضة، حيث نفس الشخصيات القديمة دون أى تغيير.