رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسرار جديدة وصادمة.. هل حاول موشيه ديان الانتحار بعد نصر أكتوبر؟

موشيه ديان وزير الدفاع
موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق

كشفت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، عن أسرار وكواليس جديدة وصادمة عن حرب أكتوبر التي حققت فيها مصر نصرا كبيرا على الجانب الإسرائيلي، والتي تُعرف لديهم باسم حرب يوم الغفران، حيث تكشف أن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشيه ديان حاول الانتحار سرًا على جبهة القتال، بعد أن شعر بثقل الهزيمة الكارثية من مصر، على الرغم من اقتراحه الغريب قبل الحرب بثلاث سنوات بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المصرية.

كواليس حرب أكتوبر ومحاولات ديان الانتحار على جبهة القتال

وأوضحت الصحيفة أنه بعد قيادة فرقته المدرعة عبر أول جسر عائم يمتد فوق قناة السويس، شاهد الجنرال أبراهام آدان طائرة هليكوبتر تهبط بالقرب من مركز قيادته المتنقل، ثم يخرج منها وزير الدفاع آنذاك موشيه ديان.

وتابعت أنه في كل يوم تقريبا منذ أن بدأت حرب يوم الغفران قبل أسبوعين، كان ديان يزور جبهات القتال، إما الجبهة المصرية أو السورية أو كليهما، وبعد تلقي تقرير عن العبور المصري خرج الوزير لإلقاء نظرة على المنطقة الزراعية الخصبة التي كانوا فيها، ليجد جثث العديد من الجنود المصريين متناثرة، وبجانبهم قذائف آر بي جي المضادة للدبابات، وأشاد ديان بشجاعة جنود المشاة المصريين في مواجهة الدبابات الإسرائيلية.

وعندما ابتعد الوزير، اتصل المراسل العسكري برين المرافق لموشيه ديان على الجبهة بمساعد ديان ذاته طالبا منه الاهتمام بوزير الدفاع ديان حتى لا يتعرض للقتل فربما لا يزال بعض الجنود المصريين على قيد الحياة وقد يستهدفونه.

وحلقت مروحيتان مصريتان فوق أشجار النخيل متجهتين إلى الجسر القريب، وأخرج أفراد الطاقم من أبوابهم المفتوحة براميل مليئة بالنابالم، ما أدى إلى تصاعد سحب من الدخان الأسود الكثيف عندما اصطدمت بالأرض، انفجر أحد البراميل على بعد 50 ياردة فقط من ديان، ولم يصب الجسر وأسقطت المروحيات بنيران الرشاشات.

وفي مقابلة مع برين المراسل العسكري بعد 30 عامًا، قال للصحيفة العبرية إنه كان مقتنعًا بأن ديان، أثناء تجواله في منطقة خط المواجهة التي لم يتم تطهيرها، كان يتعمد الموت: "شعرت أنه يريد أن يموت في ساحة المعركة"، في إشارة لرغبته في الانتحار بسبب الهزيمة.

وبحسب الصحيفة هناك رواية مماثلة قالها الجنرال أوري بن آري، نائب قائد الجبهة المصرية بالجيش الاسرائيلي، الذي أكد أنه اصطحب ديان عدة مرات إلى جبهة القتال، وهي عبارة عن منطقة مسيجة بلا سقف، حيث كانت الوحدات تنتظر دورها لعبور القناة، وتتحصن هناك، وغالبًا ما تتعرض لقصف مصري عنيف، وأي أفراد يتواجدون في هذه المنطقة المكشوفة تعني حتمًا أنهم سيقتلون أو يصابون.

قال بن آري في مقابلة بعد سنوات: "كانت الساحة جحيما، ذهب ديان إلى هناك كثيرًا لدرجة أنني وآخرين أيضًا اعتقدنا أنه يريد أن يُضرب، أعتقد أنه شعر بثقل الحرب كله على كتفيه وأراد إنهاء حياته".

وأكدت الصحيفة أن كلا الرجلين كانا على علم بالتقارير التي تفيد بأن ديان أصيب بانهيار عصبي في اليومين الأولين من الحرب.

لماذا حاول ديان الانتحار بعد نصر أكتوبر؟

وأوضحت الصحيفة أن ديان تحول من الرمز العسكري للبلاد- الهادئ، المتكلم، البعيد النظر- إلى شخص يفكر على ما يبدو في الانتحار، ولكن لم يتم الإعلان عن هذا الأمر قط، وبالتالي ظل جزءا خفيا من الصدمة التي تجتاح إسرائيل.

وتابعت أنه كان يشعر بالمسئولية الشخصية عن البداية الكارثية للحرب الذي يكمن في المقام الأول في لقبه الوظيفي- وزير الدفاع، علاوة على ذلك، فقد فشل في تحدي سوء التقييم الكبير من قبل رئيس المخابرات العسكرية، الجنرال إيلي زيرا، أصر زيرا، الذي كان مساعداً سابقاً لديان، على أن العرب لن يذهبوا إلى الحرب بعد ست سنوات فقط من هزيمتهم الفادحة في حرب الأيام الستة "نكسة 1967".

في الأسبوع الذي سبق يوم الغفران، وردت تقارير عديدة من مصادر في الخارج تفيد بأن هجومًا عربيًا كان وشيكًا، كما صدرت تحذيرات من القوات الإسرائيلية على الجبهتين من تغييرات مشؤومة في انتشار المصريين، كل هذا تم رفضه من قبل زيرا.

وأكدت الصحيفة أن ديان نفسه كان رافضًا للفكرة، وبطلب منه، تم إرسال 20 دبابة كتعزيزات إلى مرتفعات الجولان، وقال رئيس أركان الجيش، الجنرال ديفيد إليزار، في الاجتماع التالي لهيئة الأركان العامة: "لدينا الآن 100 دبابة هناك مقارنة بـ 800 دبابة، ينبغي أن يكون العدد كافيا"، وعكست تصريحاته الازدراء الذي تشعر به القيادة العسكرية الإسرائيلية تجاه الجيوش العربية التي هزمتها عام 1967 في أقل من أسبوع.

قبل أيام قليلة من يوم الغفران، طار ديان مع عدد من أعضاء هيئة الأركان العامة إلى الجولان لإلقاء نظرة على الخطوط السورية، وتم استدعاء دبابة بقيادة رائد في الجيش تعمل في الجبهة لإطلاعهم على الأمر، وأشار الرائد نحو الدبابات المموهة وقطع المدفعية المنتشرة في أنحاء السهل السوري على مسافة بعيدة وقال لهم إن "الحرب مؤكدة".

أعطى ديان لزيرا حق الرد، وقال رئيس المخابرات للرائد "لن تكون هناك حرب أخرى لمدة 10 سنوات"، وعلى الرغم من قلقه المتزايد، لم يضغط ديان من أجل التعبئة.

الهجوم العربي والهزيمة الإسرائيلية والرغبة في الانسحاب

وأكدت الصحيفة الإسرائيلية أن الهجوم العربي المفاجئ في الساعة الثانية بعد ظهر يوم السبت 6 أكتوبر- يوم الغفران، أمسكت بإسرائيل باحتياطيها- ثلثي الجيش- دون تعبئة، وفي غضون 12 ساعة، تم القضاء على معظم الفرقة المدرعة الوحيدة في سيناء، ليس بواسطة الدبابات، ولكن بواسطة قوات كوماندوز مصرية تستخدم أسلحة مضادة للدبابات، وفي الجولان، أحدثت الدبابات السورية خلال تلك الليلة فجوة كبيرة في وسط الخط الإسرائيلي، توجه ديان بطائرة هليكوبتر إلى القيادة الشمالية قبل فجر الأحد، وأخبره الضابط القائد بصراحة أنه قد يتعين التخلي عن مرتفعات الجولان؛ لم تكن هناك قوات متاحة للهجوم المضاد. وقال: "إن القوة الجوية وحدها هي القادرة على إيقافهم".

كان ديان نفسه قد اتصل بقائد القوات الجوية، الجنرال بيني بيليد، الذي كان قد أطلق للتو المرحلة الأولى من عملية "تاجر"، وهي عملية شملت القوات الجوية بأكملها تقريبًا وتهدف إلى تدمير جميع قواعد الصواريخ المضادة للطائرات على الجبهة المصرية في ضربة واحدة وأمره ديان بإلغاء العملية وإرسال القوات الجوية شمالاً باتجاه سوريا".

وحاول بيليد القول بأن تدمير الصواريخ وحده هو الذي سيسمح للقوات الجوية بتقديم الدعم للجيش البري، لكن ديان قاطعه، قائلاً: "هذا ليس طلبًا، هذا أمر".

وعندما رد طاقم قيادة بيليد بغضب على الأمر، ضرب بيليد الطاولة وقال: "لم تسمع صوت ديان".

للمرة الأولى، استخدم ديان عبارة- كررها كثيرًا في اليومين المقبلين- "الهيكل الثالث في خطر"، في إشارة إلى المعبدين الأولين اللذين دمرتهما الجيوش الآشورية والرومانية قبل حوالي 2600 و1900 عام، على التوالى، ومن الواضح أن الهيكل الثالث كان دولة إسرائيل.

وأشارت الصحيفة إلى أن التحذير الذي أطلقه وزير الدفاع من أن البلاد معرضة لخطر الدمار، أحبط معنويات كل من سمعه، ومن حسن الحظ أن عامة الناس لم يطلعوا على أفكار ديان، لكن رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك جولدا مائير سمعت العبارات المقلقة، وخطر في ذهنها فكرة إيذاء ديان نفسه، لقد ألغيت خطة ديان لإلقاء خطاب للأمة في تلك الليلة، خوفًا مما قد يقوله.

استعاد ديان توازنه في الأيام التالية للحرب، على الأقل ظاهرياً، في حين ظلت السيطرة العملياتية على الجيش في أيدي الجنرال إلعازر الثابتة. 

وقال الجنرال دوف تماري، الذي أصبح لاحقًا رئيسًا للاستخبارات العسكرية، إن ديان كان الوحيد من بين جنرالات إسرائيل الذي فكر بشكل استراتيجي، الآخرون فكروا بشكل تكتيكي، وكان لدى ديان أفكار رائعة، فقبل ثلاث سنوات من حرب يوم الغفران، كان قد اقترح ديان على جولدا مائير انسحابًا كبيرًا في سيناء، الأمر الذي كان سيسمح لمصر بإعادة فتح قناة السويس أمام الشحن الدولي، فيما رفضت مائير فكرة ديان واعتبرتها هبة لا طائل من ورائها، حيث اعتقد ديان أنه إذا تم تنفيذه فإنه سيقلل من حافز مصر للحرب، وكان من الممكن أيضاً أن تتجنب المأزق الذي قد تجد إسرائيل نفسها فيه عندما تقاتل على ضفة قناة السويس في يوم الغفران من مواقع أدنى تكتيكياً.