رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من المحاربة بسيف روسيا للتمرد عليها.. أسباب وسيناريوهات الرحيل الغامض لـ"طباخ بوتين"

طباخ بوتين
طباخ بوتين

◄ ما علاقة الطائرة الأخرى لـ"فاجنر" بالقرب من موسكو وقت تحطم طائرة "بريجوجين"؟
◄ 4 سيناريوهات توضح أسباب النهاية الغامضة لقائد "فاجنر" المثير للجدل
◄ ما هو مصير "فاجنر" بعد مصرع "بريجوجين" ونخبة من قيادات الصف الأول؟

 

عاشت روسيا، أمس، ليلة عصيبة تماثل الليلة التي أعلن فيها عن قيام مجموعة " فاجنر" العسكرية الروسية بتمرد مسلح ضد قادة الجيش ووزارة الدفاع الروسية، وذلك بعد الإعلان عن تحطم طائرة خاصة تابعة للمجموعة في رحلة من موسكو إلى سان بطرسبرج، وكان على متنها يفجيني بريجوجين قائد ومالك المجموعة، وديميتري أوتكين الرجل الثاني في المجموعة ومؤسسها الفعلي في الجانب العسكري، وفاليري تشيكالوف المعروف بأنه منظم تحركات "بريجوجين" والمسؤول عن جهاز الأمن في المجموعة، وعدد آخر من الركاب قيل إنهم من أعضاء المجموعة.

التسلسل الزمني للإعلان عن مصرع قائد "فاجنر"


عقب الإعلان عن تحطم طائرة قائد فاجنر لم يتم تأكيد وفاته رغم الإعلان عن مصرع كل من كانوا على متنها، بعد الكشف عن وجود طائرة أخرى تابعة للمجموعة بالقرب من موسكو تسير بشكل غير طبيعي، وبعد فترة قصيرة تم الإعلان عن هبوطها في أحد المطارات في موسكو دون الإعلان عن أي تفاصيل أو من الركاب الذين كان على متنها.

بعد فترة قصيرة تم الإعلان بشكل رسمي عن مصرع كل من يفجيني بريجوجين قائد المجموعة، وديميتري أوتكين الرجل الثاني في المجموعة، الإعلان عن مصرع "بريجوجين" تلاه تصريح من قادة "فاجنر" قالوا فيه من المؤسف أن قوة روسيا ليست موجهة ضد الأعداء وإنما ضد من يحاولون التغيير، وهو ما فسر كإشارة بأن جهات رسمية في الدولة الروسية قد يكون لها علاقة بتحطم طائرة قائد فاجنر ومصرع هو وعدد من رجاله.

 قضاء وقدر أم انتقام أم استهداف ومؤامرات؟

في السطور التالية نطرح أبرز السيناريوهات والأسباب لكيفية مصرع "بريجوجين" الذي اشتهر بلقب "طباخ بوتين"، والذي كان يعد أحد أبرز رجاله قبل واقعة التمرد في أواخر شهر مايو الماضي.

السيناريو الأول: قضاء وقدر

أول السيناريوهات المتوقعة لمصرع يفجيني بريجوجين، هو أن تكون الوفاة قد حدثت بشكل طبيعي نتيجة مشكلة حدثت في الطائرة أو خطأ بشري، خاصة في ظل المعلومات التي تم تواترها عن أن المضيفة التي كانت على متن الطائرة، كانت قد تواصلت مع بعض من ذويها أو أصدقائها مخبرة إياهم بأن الطائرة قد خضعت بشكل عاجل وسريع لصيانة مفاجئة مما قد يشير إلى وجود مشكلة أو عطل طارئ في الطائرة تسبب في سقوطها ومصرع من كانوا على متنها.  

السيناريو الثاني: انتقام واستهداف

السيناريو الثاني يشير إلى أن الواقعة قد تكون انتقاما من الدولة الروسية بقرار أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقابا لـ "طباخه" السابق على محاولته التمرد وزعزعة الأمن في الدولة والجيش في ظل احتدام المواجهات العسكرية في أوكرانيا، وهذا الاحتمال يعززه تصريحات سابقة لبوتين في مقابلة تلفزيونية، قال فيها ردا على سؤال هل يمكنه أن يسامح، مجيبا نعم يمكنني أن أسامح ولكن ليس في كل شيء ولكن ليس في الخيانة.


وكذلك الكلمة المسجلة التي ألقاها الرئيس الروسي، في اليوم التالي لإعلان "بريجوجين" التمرد المسلح ضد قادة الجيش ووزارة الدفاع الروسية، بعد أن اتهم قادة الجيش بالخيانة وقيامهم بقصف قواته من الخلف، والتي قال خلالها "بوتين" إن الرد على أي تمرد سيكون صارماً وحاسماً وقاسياً، وأن تلك التصرفات تشكل طعنة في الظهر، مضيفا أنه تم جر عناصر فاجنر إلى تمرد مسلح.
وشدد الرئيس الروسي وقتها على أن كل من حمل السلاح في مواجهة الجيش خائن. وقال: "ردودنا على هذه التهديدات ستكون صارمة وقاسية على الذين خانوا"، واعتبر أن منظمي التمرد خانوا روسيا وستتم معاقبتهم بشكل صارم ولن يفلتوا من العقاب.

الشق الثاني من هذا السيناريو أن يكون ما حدث استهدافا من أوكرانيا لقائد فاجنر عقابا له على انتصاراته وجهوده خلال الحرب في أوكرانيا، خاصة في ظل النجاحات العسكرية المهمة التي حققتها المجموعة على جبهة باخموت ومن قبلها سوليدار، فقد يكون أيضا ما حصل استهدافا لـ" بريجوجين" ولكن بمخطط أو تنفيذ أوكراني، وهو ما سيعد اختراقا كبيرا للغاية استطاعت سلطات كييف تحقيقه وتوجيه ضربة قوية لموسكو وأذرعها العسكرية سواء إذا تم تنفيذه بيد خلية أوكرانية أو متعاونين روس محترفين أو من داخل الجهات العسكرية، ومن ثم رمى التهمة على الدولة الروسية لتكون عملية نظيفة  وجولة مهمة لأوكرانيا.

السيناريو الثالث: مؤامرة داخلية أو غربية

السيناريو الثالث هو أن يكون ما حدث هو مؤامرة داخلية من داخل المجموعة أو من جهات في الدول الروسية، استهدفت إخراج الراجل من المشهد إما بسبب أزماته المتكررة مع قيادات الجيش الروسي خلال المعارك على الجبهة في أوكرانيا، وإما بسبب اتهاماته التي وزعها يمينا ويسارا على كبار قادة الجيش الروسي أثناء محاول التمرد المسلح، فقد اتهم "بريجوجين" وزير الدفاع سيرجي شويجو ورئيس الأركان فاليري جراسيموف بالخيانة وأنهما وراء قصف قواته، وكذلك اتهامه لوزير الدفاع الروسي بإشعال الحرب مع أوكرانيا من أجل نيل لقب مارشال ومنع حل المشاكل مع أوكرانيا وديا. 
كما اتهم قائد فاجنر "شويجو" بأنه تسبب في مقتل 2000 من رجاله في أوكرانيا، وأنه أمر بعدم إعلان ما حدث وإخفاء الجثث في مشرحة، مضيفا أن معظم العسكريين يدعمونه هو وقواته لتتحقق العدالة في الجيش، كما قال أثناء توجهه إلى موسكو بعد إعلان التمرد وقتها،" هذه الليلة سنحل قضية الخونة والمجرمين الذين أهانوا روسيا وهما وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، و"شويجو" سيشنق في الميدان الأحمر وسيدفن في الضريح مع لينين،  وكانت هذه التصريحات قد شكلت صدمة كبيرة في الداخل الروسي وشجعت بعض الجنود لدعم ومساندة موقف فاجنر بحسب المجموعة وقتها. 
الشق الثاني من هذا السيناريو أنها قد تكون مؤامرة غربية لحرمان "بوتين" من واحد من أهم رجاله وأذرعه التنفيذية التي كان يعتمد عليها في جبهات متعددة من أوكرانيا شرقا وحتى أقصى إفريقيا غربا، يدعم هذه السيناريو التصريحات الأمريكية ومنها البيت الأبيض بأن مصرع قائد "فاجنر" لم يكن مفاجئا، وكذلك تحذيرات من جهات أمريكية وأوربية خاصة بريطانية ليفجيني بريجوجين بأنه معرض للاغتيال وأنه أمر قد يحدث قريبا، ويدعم هذا الاحتمال فيديو كان قد ظهر فيه "بريجوجين" من إفريقيا منذ عدة أيام قال فيه " إنه يريد العمل من أجل مصالح روسيا في إفريقيا لتصبح عظيمة"، وذلك بالتزامن مع أزمات في إفريقيا تواجه الدول الغربية والتي كان آخرها الانقلاب العسكري في النيجر ، وموقف قادته الرافض مع للتعامل مع الدول الغربية، واتهامهم للرئيس السابق أنه كان يحافظ على مصالح الغرب  بدلا من  مصالح بلاده ومواطنيه.


السيناريو الرابع: حادث مدبر والبقاء على قيد الحياة
السيناريو الأخير هو أن يكون كل ما حدث أمر مدبر وبالاتفاق بين قائد "فاجنر" والدولة الروسية وربما الرئيس الروسي شخصيا، من أجل استكمال خطط معدة مسبقا كما حدث في امر التمرد السابق للمجموعة والذي انتهى بشكل سريع وبطريقة لا تتفق مع رد الفعل حول ارتكاب جريمتي الخيانة والتمرد.
يدعم هذا الاحتمال امر الطائرة الثانية التابعة للمجموعة والتي هبطت في موسكو بعد تحطم الطائرة الأولى بدون الإعلان عن ركابها وهوياتهم، وكذلك واقعة سابقة في أكتوبر 2019، تحطمت طائرة عسكرية من طراز An-27 في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وكان يعتقد أن بريجوجين كان على متنها، لكنه ظهر سالما بعد ثلاثة أيام.


مصير "فاجنر" بعد مصرع "بريجوجين" ونخبة من قيادات الصف الأول

السؤال الذي يتردد الآن ما هو مصير مجموعة فاجنر بعد مصرع قائدها ومالكها و"أوتكين" المؤسس الفعلي للمجموعة، ويعتبر العقل المدبر عسكريا للمجموعة والرجل الثاني فيها بعد "بريجوجين"، والاحتمالات  للمجموعة ليست كبيرة أو متعددة، فقد يحدث تفكك لـ"فاجنر" وتوزع عناصرها على الجيش أو شركات أخرى لها أنشطة شبيهة بنشاطها وذلك في اختلاف الرأي بين قادة الصفوف  الثانية والثالثة في الشركة أو عدم قدرتهم على الحصول على نفس مصادر التمويل السابقة للمجموعة، وإما  أن تستمر  الشركة في القيام بمهامها مع فتح صفحة جديدة مع الدولة الروسية ويكون نشاطها مقتصر على المهام الخارجية كأعمالها في إفريقيا.
أو الاحتمال الأخطر، وهو أن تحاول المجموعة الانتقام لمقتل قائدها، وهو الاتهام الذي قد يتوجه إلى عدة جهات سواء الدولة الروسية أو أوكرانيا أو جهات غربيةـ في حالة تأكد المجموعة أن الاستهداف كان أوكرانيا بمساعد غربية فقد تحاول العودة إلى جبهات القتال الأوكرانية بدعم من روسيا وقد تستعى السلطات لاستثمار هذا الدافع لتحقيق المزيد من الضغط والانتصارات على جبهات القتال مع أوكرانيا.
لكن الاحتمال الأخطر هو أن تتأكد المجموعة أو يتم إيهامها بأن المسؤول عن مصرع " بريجوجين" هو الدولة الروسية، وتقرر الانتقام بتنفيذ اعمال معادية لروسيا ويتم دعم هذا التوجه من دول غربية وتحديدا أمريكا وبريطانيا بشكل مباشر أو غير مباشر .

التأثيرات والتداعيات المتوقعة بعد اختفاء قائد "فاجنر" من المشهد

قد تتعدد التأثيرات والتداعيات لمصرع يفجيني بريجوجين، ولكن قد يكون أبرزها وأهمها هو تأثر الخطط والموقف الروسي في  خاصة إفريقيا، في ظل الاعتماد الكبير على المجموعة لتنفيذ مهام تدريبية وعسكرية واحيانا حماية للمصالح التجارية والاقتصادية الروسية ما لم تكن قد استطاعت توفير البديل ، أو استمرار المجموعة في عملها رغم رحيل قائدها ونخبة من قيادات الصف الأول بها.