رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الفشل».. كتاب هام يشتبك مع محاولات السلام فى الشرق الأوسط

الباحثة التاريخية
الباحثة التاريخية انتصار محمد

- الكاتبة «انتصار محمد» مزجت بين السرد الأدبى وعلم التاريخ والسياسة فى كتاب واحد 

يعد التاريخ نقطة التقاء كبرى بين عدة فنون وعلوم.. فالتاريخ كى يكون ممتعًا لا بد من سرده كحكاية لها بداية ونهاية وأبطال ينتصر بعضهم ويهزم بعضهم الآخر.. ولكى تفهم التاريخ فلا بد أن تكون لك فلسفة خاصة فى قراءته وسبر أغواره واستنطاق وقائعه.. فهو إذن على علاقة وثيقة بالأدب والفلسفة كعلوم من جانب.. وعلى علاقة بأدوات البحث عن المعلومة من جانب آخر.. فالمؤرخ يستنطق الوثيقة ويجرى المقابلات ويراجع الصحف كى يبنى رواية تقول لنا ماذا حدث فى وقت لم نعشه ويضع يدنا على أثر ما حدث فى الوقت الذى نعيشه.. ولا شك أن الباحثة التاريخية انتصار محمد قد فعلت شيئًا من ذلك كله وهى تكتب كتابها «الفشل.. المشروعات الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى» والصادر مؤخرًا عن دار بتانة. 

الكتاب فى الأصل رسالة دكتوراه حصلت عليها المؤلفة من كلية الآداب فى جامعة عين شمس وبالتالى فمعلوماته مدققة وأسلوبه علمى.. وإن كانت المعلومات فيه تتدفق بسلاسة عبر فصول متعددة تروى طرفًا من قصة الشرق الأوسط وما جرى فيه من ١٩٤٧ وحتى ١٩٧٣.

ويتناول الكتاب موضوع المشروعات والمبادرات الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى وموقف الحكومات المصرية والعراقية منها خلال الفترة من ١٩٤٧-١٩٧٣م. 

وتأتى أهميتها من كون الصراع التاريخى فى الشرق الأوسط هو أخطر الأحداث التـى عاشـها الوطن العربى والعالم فى فترة من الفترات.

لذلك حظى منذ بداياته باهتمام عديد من القوى الدولية والإقليمية، التى سعت لحله وطرحت عدة مبادرات وعديدًا من المشروعات، ومن هذه القوى الولايات المتحدة الأمريكية وسعى إداراتها المتعاقبة منذ عهد الرئيس ترومان وحتى الرئيس نيكسون للتعاطى مع القضية الفلسطينية من منطلق إدارتها وليس حلها.

وكما ترى الكاتبة، فقد تشابهت معظم المشروعات التى قدمت لحل الصراع العربى الإسرائيلى فى المضمون، ولكنها اختلفت فى الشكل.

وقد تم تحديد الإطار الزمنى للكتاب من «١٩٤٧- ١٩٧٣» لأنها فترة مليئة بالأحداث والتطورات الإقليمية التى أثرت فى المنطقة العربية ذات الأهمية، بدءًا بعام ١٩٤٧؛ وهو العام الذى شهد صدور قرار تقسيم فلسطين وتضمن تقسيمها إلى دولتين دولة عربية والأخرى إسرائيلية، وإنهاء الانتداب البريطانى فى فلسطين وتـدويل القدس، ولا شك أن قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة كان حجـر الأسـاس لمعظـم مشروعات التسوية الـسیاسیة المقدمة للقضية الفلسطينية.

وانتهت دراسة «انتصار محمد» بعام ١٩٧٣م، وهو العام الذى شهد حرب العبور العظيم وبداية مرحلة جديدة من المشروعات الأمريكية. والفترة برمتها اشتملت على حقب الرؤساء الأمريكان هارى ترومان، دوايـت أيزنهـاور، جـون كينيدى، ليندون جونسون، ريتشارد نيكسون.

وكشفت الكاتبة عن الجانب السرى من هذه المشروعات الأمريكية للسلام فى الفترة التى حددتها وهى فترة مليئة بالأحداث والتطورات التى أثرت فى المنطقة العربية، وأوضحت الكاتبة موقف مصر والعراق تجاه القضية الفلسطينية لما لهما من وزن فعال فى تحقيق الاستقرار العربى. 

ويقع الكتاب فى ٥ فصول تسرد بالتفصيل هذه الحقبة فقد مزجت بين الإطار الموضوعى والسياق الزمنى، نظرًا لتعدد المشروعات الأمريكية، وتباين المواقف المصرية العراقية فى بعض حلقاته.

ففى الفصل الأول «انطلاق المشروعات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية»، يتناول كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية وقرار التقسيم ١٩٤٧م، والمشروع الأمريكى بإلغاء قرار التقسيم «١٨١» لسنة ١٩٤٧، والمشروع الأمريكى بوضع فلسطين تحت الوصاية الدولية، موقف مصر- العراق من المقترح الأمريكى.

ويتضمن الفصل الثانى «المشروعات الأمريكية بعد ثورة يوليو وانفجار حركات التحرر الوطنى»، ويتحدث عن كل من بيان جون فوستر دالاس، جولة جون فوستر دالاس فى المنطقة العربية «مصر- العراق- فلسطين»، ومشروع إريك جونستون، وموقف مصر والعراق من مشروع «جونستون»، إضافة إلى مشروع جاما والموقف المصرى، مشروع دالاس، موقف مصر والعراق من مشروع دالاس.

ويأتى الفصل الثالث المعنون «المشروعات الأمريكية بعد أزمة السويس»، ويتحدث عن مبدأ الرئيس أيزنهاور، مصر ومبدأ أيزنهاور، العراق ومبدأ أيزنهاور، ومبادرة الرئيس جون كينيدى والموقف المصرى، مشروع جوزيف جونسون.

وفى الفصل الرابع تطرقت الكاتبة إلى هزيمة يونيو، ومبادرات أمريكية من نوع جديد، ومشروع ليندون جونسون، ونوهت إلى المشروع الأمريكى فى الأمم المتحدة ١٩٦٧م، والمشروع الأمريكى فى قمة جلاسبورو، ثم تناولت الموقف المصرى والعراقى من مشروع ليندون جونسون والمباحثات السوفيتية الأمريكية، مشروع دول عدم الانحياز، ومشروع دين راسك، مشروع وليم سكرانتون، ورصدت المحادثات الثنائية الأمريكية، السوفيتية، ودور مصر من محادثات ووساطة الدول الرباعية الكبرى، المقترح الأمريكى لتسوية منفردة بين مصر وإسرائيل.

ويضم الفصل الخامس، الذى جاء بعنوان «المشروعات الأمريكية إبان حرب الاستنزاف»، العديد من الأحداث المهمة فى تلك الحقبة، منها: مشروع وليم روجرز الأول أكتوبر، ومبادرة روجرز الثانية، موقف مصر من مبادرة روجرز، موقف العراق من مبادرة روجرز، مشروع ملف التسوية الأمريكى أكتوبر، موقف العراق من مشروع التسوية الأمريكى، والموقف المصرى من مشروع التسوية الأمريكى.

ويرجع سبب اختيار الكاتبة لهذا الموضوع، بحسب ما أكدته فى الكتاب، إلى أن تلك الفترة اتسمت بظهور العديد مــن المشاريع الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية، فى وقت تنامت فى العالم العربى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين- حالة من الوعى القومى فى معظم أرجائه، وحدثت فيه تحولات سياسية عميقة، حيث قامت الثورات فى مصر عام ١٩٥٢م، وفى العراق عام ١٩٥٨م، واليمن عام ١٩٦٣م، وواجهت الشعوب العربية وعلى رأسها مصر والعراق القضية الفلسطينية بصفة عامة والصراع العربى الإسرائيلى بصفة خاصة.

وحول موقف مصر من مشروع التسوية الأمريكى تجاه القضية الفلسطينية، أكدت المؤلفة فى هذا الفصل أن مصر واجهت خلال ٦ سنوات فى الفترة من نهاية حرب ١٩٦٧ حتى حرب أكتوبر ١٩٧٣، مواقف فى غاية الصعوبة سياسيًا، عسكريًا، اقتصاديًا، واجتماعيًا، وأصبح واضحًا لها بعد فشل الجهود السياسية على المستوى الدولى لحل المشكلة أن أراضيها لا يمكن أن تعود إلا بقوة السلاح.

وخلال سطور الكتاب أكدت انتصار محمد أن أمريكا كانت تدعم فكرة الوطن القومى لليهود حتى قبل قيام دولة إسرائيل، وأن لديها مشروعات كثيرة جدًا لكنها آثرت أن تركز على المشروعات السياسية فقط.

وأوضحت أن هذا الموضوع متعدد الجوانب والتفصيلات، نظرًا لتعدد تلك المشروعات وتداخلها وصعوبة الفصل بينها وبين الموقف الأمريكى والعلاقات المصرية الأمريكية والعلاقات العراقية الأمريكية أيضًا، كما أن الفترة مليئة بالأحداث والحروب والتغيرات الإقليمية التى أثرت فى المنطقة العربية.

ونوهت إلى أن هذه المشروعات ليست هى كل ما طرح من محاولات لمشاريع حلول أو لتسويات القضية، فقد كان هناك عديد من المشاريع للتسوية، ومن هذه المشاريع: مشاريع بريطانية، فرنسية، سوفيتية، عربية، مشاريع مشتركة وغيرها.

وقالت إن موقع مصر من أهم المواقع الاستراتيجية التى اتجهت أنظار الولايات المتحدة الأمريكية إليها عندما قررت الدخول إلى منطقة الشرق الأوسط، فرصدت باهتمام بالغ الأحداث السياسية والعسكرية والاجتماعية فى مصر، وأصبحت مصر فى مقدمة أولوياتها بالمنطقة العربية. 

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية فى التقارب من الصهيونية، وتجسد ذلك من خلال إصدار تصريح بلفور عام ١٩١٧، بتأييد كامل من أمريكا، والدور الرئيسى الذى أدته فى قرار تقسيم فلسطين، واستعمالها كل أنواع الضغط حتى تجعل الدول المعارضة للتقسيم تؤيد كل السبل فى قيام الكيان الصهيونى واعترافها به بعد إعلان قيامه.

وكشفت أمرًا مهمًا أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاملت مع الصراع العربى الإسرائيلى بمكيالين فيما يخص طرفى الصراع، فتعاملت مع مصر وفقًا لمتغيرات السياسة التى شهدتها على امتداد الثلاثة عقود من منتصف القرن العشرين، فنجد عقد الستينيات غير عقد الخمسينيات، لأنه شهد تغيرات كبيرة فى مصر والشرق الأوسط وأعطت اهتمامًا أكبر لإنهاء الوجود العسكرى السوفيتى، وإنهاء حالة من الحرب مع إسرائيل ومحو آثار عهد جمال عبدالناصر وسياسته.

وتطرقت إلى عدد من الرؤساء الذين تولوا حكم أمريكا ودورهم فى مشكلة الصراع العربى الإسرائيلى ومنهم: الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور «١٩٥٣ حتى ١٩٦١»، الذى أكدت أن فترته كانت حاسمة فى تحديد شكل الأهداف السياسية والمواقف العامة التى واصلت تأثيرها على الفلسطينيين والمنطقة العربية.

وأشارت إلى أن الرئيس جون كينيدى أسس لعلاقة وطيدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، واستند فى معالجته للقضية الفلسطينية إلى الفقرة رقم «١١» من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة «١٩٤» الصادر فى تاريخ ١١ ديسمبر عام ١٩٤٨، والتى تدعو اللاجئين، والتعويض، لمن يرغبون فى العودة إلى بيوتهم.

وتستند المبادرات الأمريكية بعد حرب ١٩٦٧ فى تسوية الصراع العربى الإسرائيلى، على حد قول الكاتبة، إلى أساس قانون واحد، وهو قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ وترجمته العملية هى مبادلة الأرض بالسلام.

وفى النتائج التى توصلت إليها الكاتبة، عقب رصد تجاوز الـ٤٢٠ صفحة فى رحلة كبيرة من الأحداث والتفاصيل فى حقبة كبيرة من تاريخ هذا الصراع، تبين أن هناك اعترافًا أمريكيًا واضحًا فى جميع المشروعات الأمريكية بأن الأراضى الفلسطينية أراضٍ محتلة، واعتبرت القضية الفلسطينية قضية لاجئين وتضمنت تأكيدًا بضمان أمن إسرائيل فى المنطقة.