رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كانت ملكة فى البيت والحقل:

المرأة المصرية التى لا تعرفها الجوارى الجدد «2-3»

كانت مصر القديمة رائدة فى الكثير من مظاهر الحضارة، خاصة فى الأمور الاجتماعية. وكان الزواج والطلاق فى مصر من الأمور الشخصية البحتة التى تخص أفراد المجتمع ولم يكن للدين دور فى هذا الأمر. وكان أمر الزواج والطلاق أمرًا مدنيًا بحتًا يخص المتعاملين به.

فى البداية، كان الزواج يتم بموافقة الطرفين دون وجود لشهود أو لعقد، وبعد ذلك أصبح الزواج موثقًا. وكانت تتم كتابة عقود الزواج فى وجود شهود على عقد الزواج. وكان على الزوج تجهيز المنزل الخاص به وشراء المتاع والأثاث والهدايا من أجل زوجته. وبعد الزواج كان على الزوج أن يعطى زوجته جزءًا من ممتلكاته. وإذا حدثت أى مشاكل بين الزوجين، فللزوجة حق الاحتفاظ بكل ما قد جلبته من تجهيزات من بيت والدها.

كانت عقود الزواج فى مصر فى مصلحة المرأة وتضمن لها حقوقها. وكانت المرأة تبدأ بخطبة الرجل وعرض الزواج عليه. وهناك برديات تدل على أن الزواج من واحدة كان معروفًا منذ فترة مبكرة. ويقول الحكيم بتاح حتب: «أحب شريكة حياتك، اعتن بها.. ترع بيتك، أطعمها كما ينبغى، اكس ظهرها وعانقها، افتح لها ذراعيك، وادعوها لإظهار حبك لها.. واشرح صدرها وأدخل السعادة إلى قلبها بطول حياتها؛ فهى حقل طيب لسيدها وإياك أن تقسو عليها؛ فإن القسوة خراب للبيت الذى أسسته.. فهو بيت حياتك لقد اخترتها أمام الإله». ويقول الحكيم آنى: «لا تكن رئيسًا متحكمًا لزوجتك فى منزلها، إذا كنت تعرف أنها ممتازة تؤدى واجبها فى منزل الزوجية، فهى سعيدة وأنت تشد أزرها، ويدك مع يدها (...) أنت تعرف قيمة زوجتك وسعادتكما حين تكون يدك بجوارها».

كان للمرأة بموجب قانون الملكية فى مصر القديمة بعض من ممتلكات زوجها بعد الزواج. وكان لديها الحق فى التصرف فى الممتلكات التى آلت إليها بعد الزواج مثل المهر. أما فى حالة وقوع الطلاق، فكانت ممتلكاتها تعود إليها، بالإضافة إلى التسوية التى كانت تتم بعد الطلاق.

وفى حالة الوفاة، كان لديها الحق فى ميراث زوجها بنسبة الثلثين، فيما كان يُقسم الثلث بين الأطفال، وإخوة وإخوات الشخص المتوفى. وفى بعض الحالات، كان الزوج ينص فى وصيته على إمكانية تمكين زوجته من الجزء الأكبر من نصيبه، أو السماح لها بالتصرف فى جميع الأموال. وكان «الزنا» ممنوعًا، وكانت المرأة تعاقب عليه بالموت، وبالمثل، فإن الخيانة من الزوجين كانت أيضًا ممنوعة.

كان الطلاق مسموحًا فى مصر القديمة لعدة أسباب من بينها الكراهية، أو إذا ارتكب أحد الزوجين خطيئة الزنا، وإذا لم يكن الزوج قادرًا على الإنجاب، فمن حق الزوجة طلب الطلاق مع طلب تعويض لها.

ووضعت الحضارة المصرية القديمة التشريعات التى تنظم حقوق وواجبات المرأة فى حالة الطلاق، وما يترتب عليه من حقوق اقتصادية للمرأة، أو تعويض مادى مناسب. وللحد من الطلاق تم فرض شروط كثيرة للطلاق. ولم يكتفِ الزوج فى مصر الفرعونية بتطليق زوجته شفاهة بقوله: «لقد هجرتك بصفتك زوجتى»، بل كان يسلمها وثيقة طلاق مكتوبة، تؤكد حريتها وانتهاء العلاقة الزوجية بينهما، وتمكنها من الزواج بآخر إذا أرادت.

وكان الشهود يوقعون على وثيقة الطلاق، كما كان يتم التوقيع على وثيقة الزواج، غير أنهم كانوا فى وثيقة الطلاق ٤ شهود، بينما فى عقد الزواج كانوا ١٦ شاهدًا‏، وكانت صيغة الطلاق كالآتى: «لقد هجرتك كزوجة لى، وإننى أفارقك، وليس لى مطلب على الإطلاق، كما أبلغك أنه يحل لكِ أن تتخذى لنفسك زوجًا آخر متى شئتِ».

ولضمان حقوق المرأة فى حالة الطلاق كانت عقود الزواج تنص على تعويض مادى مناسب للمرأة؛ وفى إحدى البرديات المحفوظة عقد زواج من القرن الثانى قبل الميلاد، بين كاهن وزوجته يتعهد فيه الزوج بدفع تعويض كبير فى غضون ٣٠ يومًا فى حالة الطلاق.

وكانت الزوجة تأخذ تعويضًا مناسبًا من المال عند طلاقها فضلًا عن المهر. وبدأ التعويض فى مصر القديمة بضعف قيمة المهر، وفى العصر البطلمى ٥ أضعاف، ويصل إلى ١٠ أضعاف فى الحد الأقصى، وكان هذا التعويض كبيرًا لجعل الطلاق صعبًا.‏ وهناك بردية ديموطيقية تذكر أن المرأة تحصل على تعويض فى حال فشل زواجها بمقدار ٣٠ قطعة فضة و٣٦ جوالًا من الحبوب كل عام طوال حياتها لتوفير احتياجاتها المعيشية. وكان الطلاق يحدث فى مصر لأسباب عديدة مثل عدم الإنجاب، ووقوع الخيانة الزوجية، وهجر الزوج لزوجته، أو استحالة العيش معًا.

وبالنسبة للقدماء المصريين، كان الأطفال هم الأكثر أهمية فى العائلة. ولا توجد مصادر موثقة إلى الآن عن حضانة الأطفال. وكان الرجل والمرأة متساويين أمام القانون. وكانت المرأة المتزوجة تتمتع باستقلال قانونى ومالى كامل.

وفى الزواج، كانت المرأة تحتفظ باسمها مع إضافة كلمة «زوجة فلان»، والذى كان أمرًا طبيعيًا؛ لأن الزواج لا يسجل كفعل إدارى. وببساطة، كان يتم التصديق على واقع أن الرجل والمرأة أرادا التعايش، وهذا فى حالة عقد الزواج، الذى لا يحتاج أكثر من تحديد الآثار الاقتصادية كى يتم تمييز انتقال الإرث من شخص لآخر.

كان الزواج والطلاق حدثين متعاقبين فقط داخل نطاق العائلة بإرادة الزوجين دون تدخل من الإدارة. وينطق الأزواج المستقبليون هذه الجمل: «جعلتك زوجتى: جعلتنى زوجتك». وكان الطلاق مقبولًا. ويجب أن تكون هناك مبادرة من أحد الزوجين، إذا كان من الزوج فيجب أن يترك جزءًا من المؤن لزوجته، ولو كانت الزوجة هى المبادرة فى هذا الأمر فيجب عليها نفس الالتزام ولكن بطريقة أقل. وهناك إمكانية الطعن أمام الإدارة لاستعادة مؤن المنزل على الرغم من أنه لم يتم التدخل فى الزواج. ويمكن معاودة التجربة والزواج مرة أخرى، كما هو موضح فى بعض البرديات.

كانت أمور الزواج والطلاق فى مصر القديمة من الأمور المتقدمة بالنسبة لهذا الزمن المبكر من عمر الإنسانية وتؤكد على عظمة مصر دائمًا وأبدًا. تلك هى فصول من قصة حضارة مصر القديمة العريقة. 

تعليم الأطفال في مصرالقديمة

تتنوع مصادر معلوماتنا عن التربية والتعليم فى مصر القديمة، فمنها ما ورد إلينا من تراث الكتاب الكلاسيكيين الأقدمين من الإغريق والرومان، أمثال أبى التاريخ هيرودوت «فى الجزء الثانى من كتبه التسعة للتاريخ والذى أفرده عن مصر» بعد زيارته لها فى القرن الخامس قبل الميلاد حوالى سنة ٤٤٠ قبل الميلاد خلال حكم الفرس لها ٥٢٥- ٤٠٥ قبل الميلاد بعد حكم الملك دارا الأول ٥٢١- ٤٨٦ قبل الميلاد، وأفلاطون «حوالى ٤٢٨- ٣٤٧ قبل الميلاد»، وديودور الصقلى «عند زيارته لمصر فى منتصف القرن الأول قبل الميلاد حوالى ٥٩- ٥٧ قبل الميلاد» فى كتابه الأول عن مصر من مؤلفه خزانة التاريخ، والجغرافى الإغريقى استرابون البونتى «حوالى ٥٨ قبل الميلاد- ٢١/٢٥ ميلادية» بالجزء الأول من كتابه السابع عشر من مؤلفه الجغرافيا، والمؤرخ الإغريقى المولد- الرومانى الجنسية بلوتارخ الخايرونى «٥٠- ١٢٥ ميلادية» فى كتابه «إيزيس وأوزيريس»، وغيرهم. ومنها ما خلّفته الآثار المصرية ذاتها. وعرفنا عن التربية والتعليم من خلال المصادر الرئيسة التالية:

أولًا: نصائح الشيوخ والحكماء وتعاليمهم: ومنها فى الدولة القديمة على سبيل المثال: تعاليم ونصائح بتاح حتب وكاجمنى. وفى الدولة الوسطى: تعاليم خيتى لابنه بيبى والتى بيَّن فيها الرجل لابنه قيمة العلم وضرورة طلبه أثناء ركوبهما النهر معًا متجهين إلى العاصمة «أغلب الظن أنها كانت إهناسيا» ليُدخله المدرسة، وما تركه الملك خيتى لابنه وخليفته مرى كا رع «الأسرة العاشرة»، ووصية الملك أمنمحات «مؤسس الأسرة الثانية عشرة» لابنه الملك سنوسرت الأول.

ثانيًا: السير الذاتية للأفراد: وبخاصة ما يُصور ما حدث بأيام الصبا من حياة أصحابها، والاستدلال منها على معلومات قيمة تتصل بالنظام المدرسى ومراحل الدراسة وحياة التلاميذ فيما تُصوره من تلك المراحل. ومن بينها ما خلّفه خيتى حاكم إقليم أسيوط من سيرته فى مقبرته، وزميله حعبى، وما جاء فى السيرة الذاتية للموظف إيخر نفرت والمحفوظة فى متحف ببرلين فى ألمانيا وهى آثار ترجع إلى عصر الأسرة الثانية عشرة.

ثالثًا: تمارين مدرسية، وكتب منسوخة: ونجد فيها ما يصور المناهج الدراسية وموادها، وطرق التدريس ووسائل التأديب وبخاصة فى عصر الدولة الحديثة.

تم العثور على كتاب كيمت «كاملًا» من عصر الدولة الوسطى، والمُسجل على عدة آثار أشهرها أثران، أحدهما فى ميونخ، والثانى فى بروكسل. وهو أول كتاب مدرسى يضم من القواعد والأصول ما ينبغى للمبتدئ الإلمام به من أصول المعرفة.

رابعًا: مصادر أخرى، ومنها: تراث المصريين القدماء الأدبى كالقصص الشعبى وغير الشعبى. ويستدل منها على أهمية الثقافة والتعليم وقيمة إتقان فن الكتابة فى مصر القديمة.

كان التعليم فى المنازل أكثر أنواع التعليم شيوعًا. يقول ديودور الصقلى، إن الآباء كانوا يُعلمون أولادهم العناصر الأساسية لمهنتهم. وقد تغلغلت عادة تعليم الآباء لأولادهم فى التقاليد المصرية القديمة؛ فقد قَدَّم مؤلفو الرسالات التهذيبية «أدب الحكمة» فى هيئة وصية من الأب لابنه.

عهد الملوك بتعليم أبنائهم وبناتهم من الدم الملكى إلى مؤدبين ومعلمين مختصين. وأرسل الصناع والموظفون أولادهم ليتتلمذوا على يد الأساتذة. ثم جاءت المرحلة الثانية عندما جُمع عدد من التلاميذ تحت إمرة أستاذ واحد. وكانت عائلات النبلاء ترسل أولادها ليتعلموا فى فصول مع أطفال الملوك. وكان للمصالح وإدارات الحكومة مدارسها الخاصة، كما طُبق هذا النظام فى المعابد وعُرفت باسم أى بر عنخ أى «بيت الحياة».

كانت هناك مدرسة فى عصر الدولة الوسطى، فى العاصمة، لتعليم جيل من موظفى المستقبل. غير أن الفتيات لم يكنَّ يذهبن إلى المدرسة. وكن يبقين فى معظم الأحوال بالمنازل. لم يتلق التعليم المدرسى سوى الصبيان المُزمع تعيينهم ككهنة أو فى المناصب الإدارية المدنية؛ إذ كان الهدف والدافع الرئيسى للتعليم هو توفير الموظفين اللازمين لأعمال الدولة «سواء كانت الإدارية منها أو الكهنوتية»، بالإضافة إلى تحسين حالة الفرد الاجتماعية والاقتصادية.

كان الطفل يذهب إلى المدرسة فى حوالى العاشرة من عمره. ويبقى فيها حوالى أربع سنوات. وكان يتتلمذ فى تلك السن. ولا يوجد لدينا أى دليل على وجود امتحانات قبل عصر البطالمة.

كما هى الحال فى المدارس الحديثة، كان الأولاد يتعلمون القراءة من غناء فقرات مختارة معًا. وكانوا يتعلمون الكتابة بنقل النصوص. ويوجد الكثير من تلك التمارين محفوظة على ألواح أو على قطع الأوستراكا «أى شقفات الفخار».

دُرِس فى الدولة الحديثة ما كتبه بعض المؤلفين المدرسيين والحكماء الذين كتبوا منذ ١٠٠٠ أو ١٥٠٠ سنة خلت، ولم تعد لغتهم مستعملة فى الكلام. فكانت أشبه بألغاز لأولئك التلاميذ الذين قلما كانوا يفهمون ما يكتبون. وتم استخدام مجموعات من الرسائل والتقارير فى تعليم الكتابة للكتبة. وتضمنت المختارات الأدبية مجموعة من القطع التهذيبية لتشجيع التلميذ فى دراسته، ومن أمثلتها:

«أيها الكاتب، لا تكسل، وإلا أصابك الندم. ولا تنغمس فى الملذات، وإلا كنت من الفاشلين. اكتب بيدك، واقرأ بشفتيك.. فبوسع القردة أن تتعلم الرقص، ويمكن تدريب الخيول».

توافرت للحركة العلمية بمصر القديمة مقوماتها الأساسية مثل اختراع الكتابة، والتعليم، واكتساب المعارف فى الآداب وفى أفرع العلم المختلفة. وليس هناك من شاهد على مدى ازدهار الحركة العلمية فى مصر أكثر من تلك الإبداعات التى تركها لنا الإنسان المصرى على أرض مصر والتى هى نتاج العلم والمعرفة.

بنظرة على الأدب المصرى، نلحظ مدى تمجيد الحكماء مهنة الكاتب وترغيب الشباب فى التعليم والاطلاع. فعلى سبيل المثال، ينصح أحد الحكماء شابًا قائلًا: «ضع قلبك وراء الكتب وأحببها كما تحب أمك لأنه ما من شىء يعلو على الكتب».

يكفى ما نعلمه عن المدارس ودور الكتب ومراكز البحث العلمى للدلالة على مدى ازدهار الحركة التعليمية وعلى مدى تقدم المصريين فى العلوم مثل علم الأرض والكيمياء والفلك والطب والحساب والهندسة وغيرها.

عرف المصريون القدماء المكتبات وأطلقوا عليها عدة أسماء، منها: «بِر مِدجات» أى «دار الكتب»، و«بِر مِدجات نِثر» أى «دار الكتب المقدسة»، و«إدارة الكتبة». وكانت هى الأماكن المعنية بحفظ الكتب والاطلاع عليها. وبداية من عصر الأسرة الثالثة على أقل تقدير، كانت هناك أماكن لحفظ لفافات البردى. وكان هناك كتبة ومشرفون ومدير لإدارة الكتب وغيرهم يعملون جميعًا تحت رعاية المعبودات جحوتى وحورس وسشات. 

إلى جانب دور الكتب التى كانت تتضمنها المعابد وغيرها كانت هناك «بر عنخ» أو «دار أو بيت الحياة»، والتى كانت بمثابة مركز البحث العلمى التى كان يجرى فيها البحث فى مجالات العلوم الدينية «الكهنوت» والدنيوية مثل الفلك والطب والعقاقير والهندسة وغيرها، والتى بلغ فيها المصريون القدماء شأنًا كبيرًا. واحتفظت لنا الآثار المصرية بمدى ما وصلوا إليه من تقدم فيها. 

ففى مجال الفلك، على سبيل المثال، عرف المصريون الأبراج السماوية والتقويم وتقسيم السنة إلى فصول. وفى الطب، برعوا فى تخصصات عديدة. وأجروا العديد من العمليات الجراحية. وفى الحساب، عرفوا الأرقام والكسور والعمليات الحسابية والعديد من الأشكال الهندسية وغيرها.

مما سبق، يتضح لنا مدى اهتمام المصرى القديم بالتعليم ومدى حرصه على غرس القيم والأصول فى النشء من الصغر حتى يشبوا عليها، وتكون أساسًا لهم فى حياتهم ومعاملاتهم الدينية والدنيوية. كانت المعرفة عنوانًا للفضيلة عند المدرسين المصريين والكُتاب. 

يقول أحد الحكماء: «انظر فليس هناك من طبقة غير محكومة، أما العالِم فقط فهو الذى يحكم نفسه». كان التعليم عند المصرى القديم هو الوسيلة الوحيدة التى تصل بالإنسان إلى أعلى الدرجات.