رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كاتيوشا»..صرخة امرأة تشكو الخيانة بقلم «وحيد الطويلة»

وحيد الطويلة
وحيد الطويلة

الكاتب نجح فى التعبير عن العالم الداخلى للنساء ومشاعرهن المتضاربة

كعادته دائمًا يواصل الكاتب وحيد الطويلة الإبحار داخل النفس البشرية، يختار نموذجًا معينًا ويصوره بعمق، وكأنه يجرى أشعة مقطعية عميقة تكشف ما فى الداخل أكثر مما تتوقف عند ما فى الخارج، فعل ذلك مع بطل روايته قبل الأخيرة «جنازة جديدة لعماد حمدى» الضابط المضروب بالفن وصاحب العلاقة المركبة مع مرشده تاجر المخدرات، وفعله فى روايته الأخيرة «كاتيوشا» والتى ارتحل من خلالها داخل نفس امرأة تشعر بالغيرة وبالحب وبالخذلان وعلى لسانها يقول: 

«نحن النساء، فى النهاية، نتمنى أن يكون الرجل قد قطع سبعة شوارع قبل أن يشترى لنا هدية عيد الميلاد، الحب فى خطواته التى مشاها لا فى الهدية نفسها»، بلغة بسيطة، وبليغة، كتب الطويلة روايته التى تتعمق فى شخصية المرأة وتكشف أسرارها وتصور إحساسها بالحب والخذلان والفرح والحزن. 

فقد وصف الكاتب مشاعر المرأة فى كل حالاتها «حب، وجع، حزن، فرح» وتحدث عن أدق المشاعر التى تخجل بعض النساء من الإفصاح عنها لأقرب الناس، تعيش كل امرأة فى هذه الرواية مشاعرها الخاصة جدًا.

تعد رواية «كاتيوشا» بمثابة تحليل نفسى لنماذج مختلفة من النساء لا لبطلتها فقط، ولأن كل امرأة قد تكون كونًا منفصلًا، مختلفة تمامًا عن بنات جنسها الأخريات، فلا يمكن تقديم رواية سوى عن كل النساء. 

احتوت الرواية على ٦ شخصيات، على رأسهم «مشيرة» شخصية الرواية الوحيدة وهى كاتبة روائية، أما باقى الشخصيات فهى شخصيات مساعدة أو هامشية، أما البطلة فهى المرأة المخدوعة التى يخونها زوجها، وطوال أحداث الرواية تبحث عن العشيقة الأخرى لزوجها، وتطاردها، والرجل الوحيد فى الرواية «رشيد» وهو كاتب روائى أيضًا، فى غيبوبة، وباقى الأشخاص سيدات، الزوجة وصديقاتها، فالرواية جميع أبطالها سيدات.

الرواية تتحدث عن زوجين عاشا فى الخليج لعدة سنوات إلا أنهما لم يكملا رحلتهما بسبب توقف رشيد عن الكتابة فترة طويلة، فقررا الرجوع إلى مصر، إلا أن النيران قد اشتعلت بينهما بعد أن اعترف لها بأنه يحب امرأة أخرى، وهى صديقتها. 

عنوان الرواية جاء محيرًا للغاية، فهل يقصد بكاتيوشا الفتاة الحسناء التى تطوع حبيبها فى الجيش ليقاتل فى الجبهة ضد النازيين، فذهبت تنتظره وتغنى له، وتعهدت بأنها سوف تنتظره؟ أم هل الكاتيوشا هى القذائف التى وجهتها المرأة المخذولة لزوجها العاشق لغيرها؟ لا تظهر المفردة إلا فى سياق وصف الزوجة للحبيبات الوفيات، أم أن الكاتيوشا هو الصاروخ الذى أطلقه رشيد على زوجته مشيرة حين أخبرها أنه يحب امرأة أخرى ويريد الطلاق منها، فيحدث نقاش حاد يؤدى إلى حادثة وانقلاب السيارة لتخرج مشيرة سليمة ورشيد فى غيبوبة، تحرس وتصون حبها له؟. 

أما المعنى الحقيقى للفظ الـ«كاتيوشا» فهو صاروخ روسى كان يرعب الألمان أثناء معركة ستالينجراد. 

فالرواية رومانسية اجتماعية هادئة، وتدور أحداثها حول زوجة تحب زوجها وترعاه وتخدمه وكانت تهيئ له حياة هادئة حتى يستطيع أن يعمل ويبدع، ولكنه يحب امرأة أخرى دخلت حياته. لتقلبها رأسًا على عقب. 

وتظل البطلة طوال الرواية تفتش عن المرأة التى استطاعت خطف زوجها منها والتى أخذت مكانها رعم محاولاتها فى تهيئة حياة مستقرة مفعمة بالحب والعطاء، تبحث عن المرأة التى علا كعبها عليها، التى عرّاها الزوج أمامها وقص لها كافة أسرار زوجته، وهذا الاعتراف كان بمثابة صدمة كبيرة لها فقد بدأت مشيرة تشك فى جميع صديقاتها، وتجلس وتتخيل وتسأل نفسها مَن هى الصديقة التى استطاعت خطف زوجها؟ فهل ستعرف تحدد مَن خطف زوجها؟ وما هى الأسباب التى جعلت الزوج ينظر ويحب امرأة أخرى؟ فى حيرة شديدة مصحوبة بألم وقهر، فنجد الكاتب استطاع أن ينقل داخل الأنثى بصورة شديدة النضج والشاعرية. 

وبعد مشوار البحث الذى قطعته مشيرة فى معرفة الحبيبة الثانية لزوجها إلا أن رد فعلها حينما عرفت صديقتها الخائنة كان محيرًا للغاية، فلم يكن هناك رد فعل كنا نظن أنها ستنفعل أو تثور أو تشتم وتسب ولكن حدث عكس ذلك، ولكنها أتت بحبيبته إليه وقالت: «جئت لك بحبيبتك لحد عندك، هذا أمر لا يقدر عليه إلا الملوك وأجهزة المخابرات، وإن كنت أشك».

وفى الرواية نجد الكاتب انتصر للمرأة ومشاعرها انتصارًا كبيرًا، فقد قام خلال صفحات الرواية بتبادل الأماكن والأدوار بين الزوجين كان أمرًا حقًا، فليجلس هو أيضًا أمام غيبوبتها على كرسيه المتحرك وليقرأ روايتها الأولى والتى كان هو بطلها والتى ربما تكون الأخيرة إن لم يحالفها الحظ مثله وتصحو من غيبوبتها هى الأخرى.

واستطاع الكاتب ببراعة ونعتبره التحدى الذى اجتازه بسهولة هو أنه فهم حالات المرأة من داخلها، أو أتصور هذا، وصوَّر ردود أفعالها بعمق، ففى موقف رشيد وهو فى غيبوبة فكادت أن تقتله مشيرة دون الإحساس بالذنب، فامرأة لا تشعر بالذنب لأنها كالنساء جميعًا، ترى أن تحوُّل مشاعر زوجها لامرأة أخرى غيرها جريمة كبرى أكبر من فعل القتل ذاته، بفصل الأنابيب التى تبقيه حيًا وهو يرقد على سرير داخل المستشفى، ويرجع عدم شعورها بالذنب أنها مقتولة أصلًا من الألم والحسرة والوجع بحب زوجها لأخرى، ولم تقم بقتله لأن الكاتب تدارك هذا الأمر وبدأ يدخل شخصيات نسائية أخرى دخلن على عجل إلا واحدة منهن هى عشيقته التى دخلت بكل أنوثتها وجمالها وثقافتها. فهل هذه أحاسيس «مشيرة» فقط زوجة رشيد الراقد فى غيبوبته تصور فيها مصيبتها؟ أم أحاسيس نخبة من النساء المعاصرات بمواصفات خاصة؟ أم هى أحاسيس كل نساء العالم بإطلاق حين يتعرضن لما تعرضت له مشيرة؟

احتوت الرواية على الكثير من الجمل الحديثة والجديدة والتى لها سر خاص منها: البحر مهما كان واسعًا وعريضًا يحتاج إلى شاطئ يضمه، فيلسوف قال، مأساة كبيرة تجرى على ظهر الأرض عندما تحب امرأة رجلًا لا يحبها، وأجمل شىء عند المرأة هو الاهتمام، الرجل الذى يهتم بالمرأة هو الذى يربح فى النهاية حتى لو كان نصابًا.

ومن الجمل أيضًا: «عندما تُخدَش امرأة عاشقة فهى نفسها لا يمكنها أن تتوقع ما ستفعله، كل شىء يمكن السيطرة عليه إلا تقلّب القلوب، سبحان مقلّبها، إن الزواج الناجح يتطلب الوقوع فى الحب عدة مرات مع الشخص نفسه، حزنُ النساء عميق وجروحهن غائرة والرجل الذى يسعد امرأة حزينة كأنما قتل الحزن كله فى هذا العالم، نحن النساء، فى النهاية، نتمنّى أن يكون الرجل قد قطع سبعة شوارع قبل أن يشترى لنا هدية عيد الميلاد، الحب فى خطواته التى مشاها لا فى الهدية نفسها»، و«ود لو أحبك من دون ذاكرة، إلا تلك التى تحفظ حبك».

وكتب وحيد الطويلة على غلاف الرواية من الخلف عبارة: «فى المقابر يلملم حفارو القبور أو المكلفون بالدفن عظام من توفى من قبل، يضعونها على جنب ليفسحوا للجديد لكنهم حين يرون عظامًا تضىء فى ظلام القبر، يعرفون أن صاحبتها أو صاحبها مات على قصة حب، مات بالعض، لذا لا يحركونها من مكانها ولا يدفنون فيه أحدًا من بعد».