رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوسف نوفل: الشللية سبب أزمة النقد.. وحصلت على 5 جوائز فى يوم واحد (حوار)

الدكتور يوسف نوفل
الدكتور يوسف نوفل

هو واحد من الأكاديميين الكبار في مصر، حصل على خمس جوائز في يوم واحد، وتسلم الجوائز الخمس دفعة واحدة من وزير الثقافة الأسبق يوسف السباعي، إنه الدكتور يوسف نوفل، الذي توج بجائزة الدولة التقديرية عن إسهاماته في النقد المصري، وللدكتور نوفل حكايات كثيرة؛ منها أن جده كان قد أنشأ مسجدًا وأعد حفيده ليكون إماما للمسجد، لكن الحفيد اختار دار العلوم، مهيئا نفسه لما سيكونه بعد ذلك، وحصل في مسيرته على الكثير من الجوائز والتقدير الأدبي. "الدستور" التقت الدكتور يوسف نوفل، وكان هذا الحوار..

كان هناك اتجاه لأن تدرس العلوم الشرعية لكي تكون إمامًا لمسجد بناه الجد.. حدثنا عن هذه الفترة وتأثيرها في تكوينك؟

كان جدي رحمه الله قد أنشأ مسجدا أوائل القرن الماضي جنوب بورسعيد، وكانت خطبة الجمعة تمثل إشكالية بسبب عدم وجود الخطيب؛ فقرر عمي كبير العائلة أن أذهب أنا وابنه للدراسة بمعهد دمياط الديني، لذا امر أبي رحمه الله بذلك، ومن ثم امتثلت أمي رحمها الله باكية.

المهم ذهبنا ولم يكمل ابن عمي، وأكملت المشوار الصعب الشاق فوق مستوى استيعابي.

ثم تولتني العناية الإلهية، فانتقلت إلى معهد القاهرة الديني، فصقلتني الحياة الثقافية والأدبية في العاصمة، ورأيت وقابلت نجوم الأدب أوائل الستينيات من القرن الماضي. 

والحقيقة أنه برغم معاناة الطفل المغترب الذي انتزع من حضن أمه، ومحاولاته المستميتة لاستيعاب ما هو فوق إدراكه ووعيه من علم ومعلومات، فإن تلك المرحلة العصيبة الصعبة صهرتني علميا وأدبيا وشعريا، وأعادت صياغتي حتى آن الأوان لالتحق بكلية دار العلوم لأدرس ما أعشق، واتفوق فيه، ولأنال الليسانس بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف.

قلت إن هناك بيتان من الشعر كان لهما تأثير كبير على مسيرتك.. حدثنا عن ذلك.

من بين أهم المكونات تلك كان تشجيع أساتذتي في دمياط ثم في القاهرة، وفي مقدمتهم الشيخ الشاعر طاهر اللبان، الذي شجعني وكتب لي في الأوتوجراف هذين البيتين:

جاهد لتظفر بالمنى يانوفل

حتى يكون لك المكان الأول

لا ترض بالدون القليل وأنت في 

شرخ الشباب وحظ مثلك مقبل

وكان لذلك أكبر الأثر في تكويني وفي شاعريتي وإتقاني موسيقى الشعر ونقده، ثم تشجيع اساتذتي في دار العلوم: د أحمد هيكل ود أبراهيم أنيس ود. عبد السلام هارون ود. أحمد كمال زكي.

سليمان العيسى الذي كانت قصيدته سببا في دخولك دار العلوم.. ما هي تفاصيل هذه الحكاية؟

أما الالتحاق بكلية دار العلوم فقد كان من شروطه اجتياز امتحان شفهي لقياس درجة حفظ الشعر، فأعددت العدة ورأيت أن أفاجئ اللجنة بشيئين: أولهما حفظ شعر الشعراء العرب، وعدم الاقتصار على المصريين فحسب كما صنع زملائي، وثانيهما أن القي من شعري..

فلما فوجئت اللجنة بهاتين السمتين غير المتوافرتين في غيري رأيت أن أفاجئهم بثالثة، وهي عنوان قصيدة الشاعر السوري سليمان العيسى "الضفة الثانية" بكسر الضاد، مبينا أن المعاجم ترى كسر الضاد أقوى فنلت إعجاب اللجنة ورضاها.

ومرت السنون لألتقي بالشاعر في شيخوخته بمؤتمر بالبحرين، ومعه السيدة قرينته، فرويت له ما حدث قائلا: "أنت أدخلتني كلية دار العلوم"، وضحك هو وقرينته، وضحك جميع الحاضرين.

4cb89e2c-b924-45be-8d6b-791a9b86407d

كرمت من قبل الشارقة منذ فترة قريبة.. ما الذي يمثله هذا التكريم للدكتور يوسف نوفل؟

جاء تكريم حكومة الشارقة مفاجأة سارة لي دون علم مسبق، وعلى الرغم من أن البعض تساءل وقتها: "كيف تكرمك الإمارات ولا تكرمك بلدك؟

فإنني أومن دائما بأن الله سبحانه هو الذي يكرم ويكافئ وليس البشر، وهنا أعترف بأن الله أكرمني كثيرا أكثر مما توقعت: أدبيا وماديا واجتماعيا.

ولهذا فإن الله سبحانه منحني جائزة الدولة التقديرية في الآداب بعد هذا التكريم بأسبوع واحد، منبها إياي أنه لا ينساني.

وهنا أذكر- بكل ألم وأسى- إن لجنة إعداد القائمة القصيرة الموقرة في العام الماضي رأت ألا تصعدني في العام الماضي أنا ومن فازا معي هذا العام: د. أبو الفضل ود. كمال، لكن الله العادل الرحيم يحق الحق دائما.

تكتب الشعر منذ أن كنت في الثالثة عشرة.. كيف حدث هذا في البداية ولماذا اكتفيت بخمسة دواوين فقط؟

كتبت الشعر منذ الثالثة عشرة من عمري، ونشرته في الصحف وأنا فتى غض الإهاب، ونقدني وعلق على قصيدتي الشاعر فوزي العنتيل بمجلة الرسالة الجديدة، وظل شيطان الشعر مسيطرا منافسا القصة والنقد ثم انسحبت القصة حتى اكتمل صدور خمسة دواوين؛ فغلب النقد وتغلب فقررت التوقف عن إبداع الشعر عام ٢٠١١ عام صدور ظهور ديواني الخامس والأخير "برديات أبي الهول"، وذلك لأتمكن من القيام بمهام النقد وأعبائه على المستوى الأكاديمي الجامعي والمجتمعي في مصر والعالم العربي.

كانت رسالة الدكتوراه عن عبد الحليم عبدالله.. وتعتبر واحدًا من الذين أنصفوه بعد تعرضه لظلم النقاد.. كيف ترى هذا؟

حين درست أدب محمد عبد الحليم عبد الله في رسالة الدكتوراه اكتشفت أنه ظلم من النقاد حين تجاهلوه أو هاجموه، كما عبر بنفسه في حياته في مقاله الموجه لخصومه من النقاد: "لماذا تقتلونني بالصمت ؟!!"، وذلك لأنهم قد توقفوا في أحكامهم النقدية عنه عند سنة ١٩٤٥ عام صدور روايته "لقطة" وهي فيلم ليلة غرام، ولم يتابعوا تطورات أعماله حتى سنة وفاته ١٩٧٠، وهذا نقد غير منهجي وغير علمي وغير موضوعي وغير دقيق. وقد صححت ذلك في رسالتي عنه التي كانت أول دراسة عنه تلتها دراسات استفادت منها على أيدي تلامذتي.

حصلت على خمس جوائز في يوم واحد.. كيف حدث هذا وما هي التفاصيل؟

نعم نلت ٥ جوائز في ليلة واحدة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، وأمامك صورة الأديب الوزير يوسف السباعي يسلمني إياها في فروع: الشعر والقصة القصيرة والمسرحية ذات الفصل الواحد والمقال والبحث الموجز.

وظللت محافظا على جوائز هذا المجلس وجوائز المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لخمس سنوات، وطبع لي الأخير كتابي الفائز "العرب في صقلية وأثرهم في نشر الثقافة الإسلامية" وأنا ما زلت طالبا بالجامعة.

يكتب الكثيرون منذ زمن عن أزمة النقد وغياب النقاد.. كيف تفسر هذا بصفتك واحدًا من المفكرين والنقاد الكبار في مصر؟

نعم النقد الأدبي في مصر في أزمة بسبب الشللية والتعصب والعاطفية واستغلال منصب الناقد ونفوذه في توجيه النقد حسب الأهواء الذاتية المحضة وليس حسب الكفاءة. الأمر الذي جعلني أبتعد وألزم مكتبي ومكتبتي.

رفضت بعض النظريات النقدية مثل البنيوية والبنيوية التكوينية والتفكيكية.. ما هي الأسباب؟

الحقيقة أنني لا أرفض نظرية من النظريات النقدية، بحكم عملي في تدريس النقد في الجامعات المصرية والعربية "السعودية والإمارات" وإسهاما في الحياة النقدية العامة مصريا وعربيا. فمهمتنا التعريف بكل الاتجاهات بموضوعية وأمانة.

لكنني على المستوى التطبيقي، وأنا أومن بتحليل النصوص، أرى ألا نجتر آراء الغير ونصبح مجرد تسجيل صوتي لآراء النقاد الغربيين وصدى لأفكارهم مهما كانت روعتها. وإنما أرى أن نكون أصحاب رؤية تحليلية استبطانية للنص..نحلله ونعيد إبداعه من جديد متفقا أو مختلفا أو مضيفا أو منقحا. لأن الناقد مبدع ثان للنص، وليس مجرد جهاز تسجيل لآراء الغير.

ما هو الكتاب الحالي الذي يعكف عليه الدكتور يوسف نوفل؟

الكتاب الحالي الذي انتهيت من تأليفه بالفعل، وسأختار لنشره دار نشر مناسبة، عنوانه هو "تحليل النص الشعري: أسسه ونظرياته وتطبيقاته"، والكتاب عبارة عن حصاد معايشتي النص الشعري: مبدعا وشاعرا من ناحية، وناقدا ومعلما بخبرة وعلى مدى ما يزيد على ستين عاما من ناحية أخرى.