رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عصام شيحة: إنجاح الحوار الوطنى واجب فلا نمتلك رفاهية الفشل

 المحامى عصام شيحة
المحامى عصام شيحة

قال المحامى عصام شيحة، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن الدولة نجحت خلال الـ٨ سنوات الماضية فى تحقيق الاستقرار ومواجهة الإرهاب، وكانت مجبرة آنذاك على تقييد المجال العام لترتيب البيت من الداخل، وعندما استعادت قوتها اتخذت إجراءات كثيرة لفتح المجال العام.

 وأضاف «شيحة»، فى حواره، لـ«الدستور»، أن آليات إنجاح الحوار الوطنى تتضمن بناء جسور الثقة بين كل الأطراف المشاركة، مشددًا على أننا لا نملك رفاهية فشل هذا الحوار، بما يؤكد أن كل الأطراف عليها تحمل مسئوليتها فى إنجاحه.

وكشف عن أن هناك تنسيقًا بين منظمات المجتمع المدنى للمشاركة فى الحوار برؤية متقاربة، منوهًا بأن الحوار فرصة وقبلة الحياة للأحزاب السياسية، وعليها أن تستثمر الفرصة وتعيد تقديم نفسها للمواطن بشكل صحيح.

■ بداية.. ما تقييمك للجهود المبذولة فى ملف حقوق الإنسان خلال الـ٨ سنوات الماضية؟

- مرت مصر بظروف استثنائية خلال السنوات الـ٨ الماضية، فقد حدثت ثورتان متتاليتان، تخلصنا فى الأولى من نظام فاسد، وفى الثانية من نظام فاشى يحكم باسم الدين، وكانت الظروف الإقليمية مربكة، وكان من الطبيعى أن تكون أولويات صانع القرار هى إعادة الأمن والأمان إلى الوطن، حتى يتمكن المواطن من أن يعيش بشكل طبيعى، فضلًا عن مواجهة الإرهاب، وهذان الأمران متصلان بحقوق الإنسان، لأن الحق فى الحياة هو أسمى الحقوق، وهذا ما حرصت الدولة عليه خلال هذه السنوات.

وفى سبيل تحقيق الهدفين، دخلت الدولة فى مواجهات مع الجماعات الإرهابية من ذيول جماعة الإخوان الدموية، واضطرت إلى تقييد المجال العام أحيانًا، لأن مواجهة الإرهاب أهم بكثير من الحقوق المدنية والسياسية، فأدخلت الدولة بعض التعديلات على القوانين تمكنها من الحد من التظاهرات والمطالب الفئوية وغيرها، حتى تستطيع الدولة أن تنطلق نحو الاستقرار والتنمية.

وبمجرد أن استعادت الدولة قوتها وأعادت بناء مؤسساتها، جرى تشكيل اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، وعملت على حل الخلافات مع مؤسسات المجتمع المدنى فى قانون الجمعيات الأهلية، واستجابت لمطالب المجتمع المدنى بإقرار قانون جديد بفلسفة جديدة مضمونها التنظيم وليس التقييد، وهو أمر محل تقدير واعتبار.

كما أصدرت الدولة اللائحة التنفيذية التى حققت فيها نسبة كبيرة من مطالب المجتمع المدنى، ومن خلال البرلمان جرى، لأول مرة، مد فترة توفيق الأوضاع للجمعيات الأهلية لمدة سنة، وأدارت حوارًا جادًا بين المجتمع المدنى وبين اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، بغرض وضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، وكان ذلك أول حوار جاد بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى، ولحسن الحظ نجح هذا الحوار، وترتب عليه أن ٨٠٪ من مطالب المجتمع المدنى قد تضمنتها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. أصبحت لدينا، لأول مرة فى تاريخ الدولة، استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، ميزتها أنها وطنية خالصة بشكل يؤكد توافر الإرادة السياسية لتحسين حالة حقوق الإنسان، دون ضغوط من الخارج وبإرادة مصرية خالصة وألزمت نفسها كدولة بإطار زمنى وإصلاحات جذرية.

■ ما مسارات الإصلاح التى وضعتها الدولة فى هذا الشأن؟ 

- وضعت الدولة ٣ مسارات للإصلاح، أولها الإصلاح التشريعى، لأننا نحتاج إلى إصلاح تشريعى جذرى، والثانى الإصلاح المؤسسى، سواء بإلزام مؤسسات الدولة بتطبيق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد أو الحد من التدخل البشرى فى الأعمال والحد من مظاهر الفساد، والمسار الأخير وهو دور المجتمع المدنى، ومضمونه بناء القدرات والتوعية، لأن كل ما يحدث من إنجازات دون بناء قدرات أو توعية لن يُجدى.

ولم نكتفِ كدولة بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بل أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى لأول مرة قرارًا بوقف حالة الطوارئ، دون أن تطالب الأحزاب أو منظمات المجتمع المدنى.

كما نظمت الدولة عددًا من المبادرات المجتمعية غير مسبوقة، وفى القلب منها «حياة كريمة» و«تكافل وكرامة»، ونقلت أهالى المناطق العشوائية لأماكن أفضل، وطورت البنية التحتية بشكل غير مسبوق، وحدت من حوادث الطرق بتحسين شبكة الطرق، ولأول مرة خرجت الدولة من الإقليم الضيق، وتوسعت فى الظهير الصحراوى بجميع المحافظات، وأصبحت لدينا المنيا الجديدة والفيوم الجديدة وغيرهما.

كل هذه الإنجازات تعد حرصًا على حقوق الإنسان بالمفهوم الشامل، كما أن الدولة عندما تعرضت لجائحة كورونا، تدخلت بسياسات مؤقتة لمراعاة العمالة غير المنتظمة والفئات الأولى بالرعاية، وعدلت قانون السجون وغيرت مسمياته بفلسفة جديدة تصب فى تحسين حالة حقوق الإنسان.

■ هل هذه الجهود تصل بنا إلى مرحلة الكمال فى هذا الملف؟

- بالطبع لا.. فعملية تحسين حالة حقوق الإنسان حالة دائمة ومستمرة، ولا توجد دولة فى العالم، وصلت إلى حد الكمال فى هذا الملف.

اللافت للنظر أنه جرى فتح قنوات اتصال بين الدولة والمجتمع المدنى، وأستطيع أن أجزم بأن الجمهورية الجديدة هى جمهورية حقوقية بالدرجة الأولى، خاصة أننا طوال الوقت والدولة تعمل على تحسين حقوق الإنسان، والاستجابة إلى مطالب المصريين التى أصبحت بعد ثورتين تلامس السماء، وهذا يعنى بالضرورة أننا نسير على الطريق السليم، ولا يجب أن نتوقف. رأينا الرئيس السيسى فى سبتمبر ٢٠٢١، فى أثناء تدشين الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، يتحدث عن الظروف الصعبة التى مرت بها مصر، وكيف استعادت الدولة قوتها، وأصبحت قادرة على فتح جميع الملفات. وأرى أن الرئيس السيسى سبق المنظمات الحقوقية، بحديثه حول حرية المعتقد، وضرورة أن تضمن الدولة لأى مواطن ممارسة شعائره دون شرط. خلال الـ٨ سنوات الماضية، ورغم التحديات، نجحت الدولة فى تحسين حالة حقوق الإنسان، ونجنى الآن ثمار هذه الجهود، بالمطالب المشروعة بالإفراج عن كل المحبوسين على ذمة قضايا ذات بُعد سياسى، سواء مرتبطة بحق التظاهر أو استخدام منصات التواصل الاجتماعى، وكذلك نأمل فى إلغاء المواد المضافة على التشريعات والخاصة بالحبس الاحتياطى أو إساءة استخدام منصات التواصل الاجتماعى.

■ ما ردك على من يدعون أن الإصلاحات الحقوقية هدفها مخاطبة الخارج؟

- فى إطار تحسين حالة حقوق الإنسان، أغلقت مصر ١٥ سجنًا وأنشأت بدلًا منها مركزين للتأهيل والإصلاح، متوافقين مع المعاير الدولية، ولم يحدث هذا بسبب الضغوط الخارجية كما يقولون.

وبالمناسبة.. ستستمر الضغوط الخارجية مهما حققت من إنجازات، لأن ملف حقوق الإنسان أداة من الأدوات السياسية التى تستخدم للتدخل فى الشئون الداخلية للدول، ومن الطبيعى جدًا أن يحدث تعارض فى المصالح يجعل بعض الدول تستخدم ورقة حقوق الإنسان للضغط عليك.

الدولة حينما أطلقت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ألزمت نفسها بإصلاحات دون أن يطلب منها أحد فى الخارج ذلك، وأنا أحضر أغلب المؤتمرات الدولية ذات الصلة بهذا الملف وأؤكد ذلك.

نقدر المطالب الدولية، ولكن نسعى لتحسين حالة حقوق الإنسان لصالح المواطن المصرى، والحد من الانتهاكات والمحافظة على كرامة المواطن.

كانت هناك اتهامات توجه لمصر فى السابق حول حدوث تعذيب ممنهج، فبادرت الدولة وأعلنت عن أن لديها بعض التجاوزات وحاكمت مرتكبى المخالفين جنائيًا وتأديبيًا بشكل معلن.

الخلاصة أن الدولة تهتم بملف حقوق الإنسان من أجل المواطن المصرى، وليس لديها ما تقلق بشأنه، ونرحب فى الوقت نفسه ببعض مطالب الإصلاح الدولية، ونفهم ماذا وراء هذه المطالب.

غالبية التقارير الخارجية كانت تتحدث عن الاختفاء القسرى، وخدمتنا الظروف فى ٣ مواقف متتالية أثبتت كذب هذه الادعاءات، وأن الأسماء والأرقام التى يجرى تداولها غير صحيحة.. تبين، مثلًا، هرب فتاة من أهلها وسجلت كمختفية قسريًا، واتضح أن اسمًا آخر انضم لتنظيم داعش الإرهابى وظهر فى فيديو مع التنظيم، والثالث جرى القبض عليه مصادفة فى أثناء هبوط طائرته اضطراريًا فى مصر، بما يؤكد أن هناك تربصًا، ولكن هذا لا ينفى الأخطاء ويجب أن نعمل على مواجهتها بالمكاشفة والمصارحة.

■ ما التشريعات التى يعمل عليها المجلس خلال الوقت الراهن؟

- نسعى، بالتعاون مع اللجنة العليا الدائمة ووزارة العدل وبعض النواب، إلى وضع حزمة من التشريعات الجديدة، والآمال معقودة على تغيير قانون العقوبات بالكامل على اعتبار أنه صدر عام ١٩٣٧، ودخل عليه بعض التعديلات أفقده فلسفته، وكذلك قانون الإجراءات الجنائية، بالحد من مدد الحبس الاحتياطى ووضع ضوابط لها، والعمل على إيجاد بدائل للحبس الاحتياطى. مصر كانت قاطرة المنطقة فى التشريعات والقوانين، والمدهش الآن أن هناك ١٠ دول عربية سبقتنا فى بدائل الحبس الاحتياطى، وهذا يلزمنا بتعديل حزمة من التشريعات، فى القلب منها قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية، وكذلك تفعيل التشريعات التى أشارت إليها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ومنها قانون حرية تداول المعلومات حتى يتمكن الجميع من المشاركة فى بناء الجمهورية الجديدة بمعلومات صحيحة. كما نحتاج إلى حوار مجتمعى حول قانون الأحوال الشخصية، يستهدف إعلاء مصلحة الطفل والموازنة بين حقوق الرجل والمرأة، وأيضًا قانون الإيجار القديم، وأعدت اللجنة التشريعية بالمجلس برئاسة الدكتور أنس جعفر، دراسة معمقة حول قانون العمل الجديد.

■ وما آليات إنجاح الحوار من وجهة نظرك؟

- أتصور أن الآلية الأولى هى بناء جسور الثقة بين كل الأطراف، خاصة أن دعوة الدولة إلى الحوار تعنى توافر الإرادة السياسية، والرئيس السيسى أكد الرغبة فى الوصول إلى توافق وطنى واسع، ونعلم أن التحديات كبيرة ولكن فرص النجاح أكبر، وعلى كل الأطراف أن تسعى لنجاح هذا الحوار. 

الأمانة تقتضى أن أؤكد أننا لا نملك رفاهية فشل هذا الحوار، بما يؤكد أن كل الأطراف عليها تحمل مسئوليتها فى إنجاحه، وذلك من خلال الإعداد الجيد والاتفاق على الأولويات والأجندة وعدم المزايدة وثقة الأطراف تيسر نجاح الحوار، وأؤكد أن المزايدات تؤدى إلى فشل الحوار قبل أن يبدأ ومثلها الشروط المجحفة. ومن باب أولى، يجب أن تذهب الأحزاب والقوى السياسية إلى الحوار الوطنى برؤية عليها توافق، وأن تبدأ الأحزاب بالتحاور مع بعضها والاتفاق فيما بينها على الأوليات، كما أنه يجب لإنجاح الحوار اختيار شخصيات مسئولة محايدة ولديها سعة صدر لتقبل النقد لإدارة الحوار.

■ كيف ترى محاولات التركيز على ملفى المحبوسين والحقوق السياسية فقط؟

- الحوار الوطنى هو حوار حول مستقبل الدولة، ونحن نسعى إلى بناء الجمهورية الجديدة، الوطنية الديمقراطية الحديثة، وهذا يتطلب دعمًا شعبيًا وحوارًا سياسيًا واسعًا، نصل من خلاله إلى توافق وطنى، من خلال طرح قضايا ورؤى وأفكار وبرامج للمناقشة هدفها تحقيق المصلحة الوطنية، ومنها المشاكل الاقتصادية، وإطار التنمية الذى من المفترض أن نمضى فيه ويدخل فيه إصلاح التعليم والصحة والزراعة والجهاز الإدارى وأزمة الزيادة السكانية وغيرها، أما قصر المطالب على أزمة المحبوسين فالدولة حققت هذا المطلب بإعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسى التى حققت نتائج طيبة.

■ ما ردك على بعض الأصوات المشككة فى الحوار الوطنى؟

- أؤكد أن الحوار مسئولية بطبيعته، ويعنى بالضرورة اختلافًا فى الرؤى ووجود أزمة نتحاور حولها أو هدف نبيل نسعى لتحقيقه، وهذا يستدعى أن يجرى التعامل معه بموضوعية وجدية، وأن تعمل الأطراف على بناء الثقة، وشىء طبيعى أن تقابل الدعوة من أعداء الوطن والمختلفين مع النظام بالتسفيه، وأن يسعى البعض إلى التشكيك فى الحوار.

نحتاج إلى الإيمان بقدرتنا على النجاح والخروج إلى جمهورية جديدة وانطلاقة اقتصادية وسياسية جديدة، ولا يجب أن نلتفت إلى التشكيك فى الحوار واتهامه بالفشل قبل أن يبدأ، وعلينا أن نثبت للشعب قدرتنا على التحاور والتعايش المشترك.

هل الأحزاب مؤهلة الآن للتحاور؟

- أتمنى أن تكون جاهزة للحوار، وأن تنتهز الفرصة لإعادة تقديم نفسها للمواطن بشكل أفضل، وأكاد أجزم أن هذا الحوار فرصة وقبلة الحياة للأحزاب وعليها أن تلتقط الخيط وتشتبك معه بشكل جدى من خلال رؤى وبرامج نضمن بها إعادة إحياء الحياة الحزبية فى مصر، وتحفيز الشباب على الانضمام لها وتحفيز الدولة على دعمها، وهذا سوف يتطلب إقرار قانون جديد للأحزاب وكذلك العمل على دمج الأحزاب المتقاربة فى الفكر، وأن نعمل على بناء حزبى جديد يكون محل تقدير من الشباب.