رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأحزاب الدينية في العراق "إرث من الفشل"

جريدة الدستور

بالرغم من رفع الشعارات الإسلامية والدعوة للعدالة والمساواة وتحقيق الأمن والأمان والاستقرار وبناء العراق الجديد على أساس المواطنة من قبل الأحزاب الدينية التي ترفع شعار تطبيق الإسلام، وعملت على كسب التعاطف الشعبي للجمهور العراقي عن طريق الشعارات الدينية، إلا أنها عندما وصلت إلى الحُكم فشلت في تحقيق هذه الشعارات وارتكبت كل ما يُعادي الإسلام من الظلم والسرقة والفساد السياسي والأخلاقي والإداري والمالي.

ملامح مرحلة حكم الأحزاب الدينية ظهرت بعد سنوات قليلة من تسلمهم لحكم العراق، لأنهم نظروا للحكم كمكسب وليس كمسئولية، واندفعوا نحو الحكم كما يندفع عصابة من السارقين نحو أحد البنوك لنهبه وسرقة ما فيه من أموال، ورغم تواجد قيادات الأحزاب الدينية الحاكمة في الخارج إلا أنهم لم ينشغلوا بتعلم فنون إدارة الدولة والحكم وكيفية إدارة دولة مثل العراق والتعلم من تجارب الدول التي عاشوا فيها، بل صبوا جل اهتمامهم على ضرب الدولة في ظل النظام العراقي السابق، ودون أن يغيروا العقلية من المعارضة للدولة سيطروا على الحكم.

وبالتالي استمروا في السير على عقلية التفكيك والتدمير والهجوم حتى وهم في السلطة، ويبدوا أنهم فضلوا الدخول في المعركة أولاً ثم البحث عن السلاح الذي سوف يستعملونه! ومن المؤكد أن الفشل سيكون من نصيبهم بهذه الطريقة كما نرى العراق الحالي.

الأحزاب الدينية في العراق وبعد (14) سنة من الحكم لا تملك أي إنجاز حتى تمنح نفسها شرعية البقاء والاستمرار، والإنجاز الوحيد الذي يتحدثون عنه ليل نهار ويكررونه في خطاباتهم هو إسقاط النظام العراقي السابق والذي كان بتدخل أمريكي، وبعدها تسلموا الحكم على طبق من ذهب دون تعب، لذلك لم يبحثوا عن الإنجازات وتطوير البلاد وتقديم مشاريع التنمية لأنهم لم يصلوا للحكم بصوت الشعب حتى يهتموا بهذا الشعب الذي علق آماله عليهم للتقدم نحو الأمام.

ومنذ وصول الأحزاب الدينية لسدة الحكم وهم يعملون على نشر الجهل والتخلف بين أبناء الشعب العراقي حتى ينجحوا في تغذية الطائفية والمذهبية ويشعلوا الصراعات والحروب الأهلية متى ما شعروا بالخطر على مناصبهم، لأن الأحزاب الدينية أدركت أن بقاء المجتمع ضعيفًا ومقسمًا وممزقًا يزيد من فرص بقائهم، وبالتالي ليس من مصلحتهم إيجاد حل حقيقي للطائفية المقيتة التي دمرت المجتمع العراقي.

عاصمة العراق أصبحت مرتعًا للميليشيات المسلحة وصور الخميني وخامنئي منتشرة في كل مكان، واختفت الملامح الأصلية لبغداد حتى أصبح الزائر يشعر بأنه في محافظة من المحافظات الإيرانية.

بينما المواطن الذي فضل البقاء في العاصمة يشعر بالغضب تجاه هذه الممارسات الطائفية التي أعادت العراق إلى الوراء وجعلت من دولة مستقلة ذات سيادة إلى دولة ضعيفة تسير في فلك الأجندة الخارجية لإيران.

قد يسأل المواطن نفسه هل تستحق هذه الأحزاب الدينية فرصة أخيرة لتصحح أخطاءها وتراجع أفعالها السابقة وتغير سلوكها في المستقبل؟

دائمًا من الممكن إعطاء فرصة للمخطئ حتى يصحح أخطاءه، ولكن هؤلاء تسببوا في انهيار دولة وتشريد شعب بالكامل، وبالتالي لا يمكن منحهم فرصة أخرى لأنهم عاجزون عن التغيير، ومن الطبيعي أن الأحزاب الدينية تُدرك أن شعبيتها داخل الشعب بدأت بالاضمحلال، وبالتالي تبحث عن الطرق والوسائل التي تساعدها في تجميل صورتها أو تقديم نفسها بصورة مختلفة لإقناع الجمهور مرة أخرى، ولكن من ينظر إلى الواقع العراقي المليء بالفساد والميليشيات والجرائم وتراجع في المستوى التعليمي والخدمي والصحي يُدرك أن هذه العقليات انتهت صلاحيتها ومن الضروري إبعادها عن السلطة والحكم.

وليس هذا كافيًا بل تجب محاسبة ومعاقبة كل القيادات المتورطة بملفات الفساد والإرهاب والسرقة ودعم الميليشيات، وحظر هذه الأحزاب التي تتاجر بالمقدسات والدين في سبيل الوصول إلى أهداف خارجية لا علاقة لها بالعراق أو بمصالح المواطنين.

وكما أن ظهور تنظيم داعش في 2014 تتحمل مسئوليته سياسات الأحزاب الدينية الحاكمة في بغداد وطريقة إدارتها للأمور، هناك موجة من الإلحاد تنتشر بين الشباب العراقي بسبب تصرف الأحزاب الدينية التي تدعي تطبيق الدين وترفع شعار الإسلام بينما في الواقع تتسبب في زيادة الطبقية والظلم المجتمعي والإرهاب ونشر الطائفية، وهذا الأمر زاد من وعي الشعب بخطورة هذه الأحزاب وضرورة أفولها في الساحة السياسية العراقية.

الجيل الجديد من الشباب العراقي لن يسمح للأحزاب الدينية بالاستمرار في الحكم، لأنه يُدرك أن الشعارات الدينية لا تشبع بطون الناس، ولا تصلح الشوارع العامة، ولا تطور البلاد، ولا تمنع انتشار المخدرات، ولا تعاقب المجرمين، بل كل ما تفعله هذه الشعارات هو زيادة الاحتقان الطائفي والحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد.

غروب شمس الأحزاب الدينية في العراق بات قريبًا، وكلما زاد الفشل اقتربت نهاية هذا الحكم الذي كان أمامه فرصة عظيمة لإثبات المظلومية التي كانوا يتغنون بها، ولكنهم فشلوا في امتحان السلطة، وما على الفاشلين إلا الرحيل بعدما تركوا إرثًا من الفشل والإحباط.

* مستشار مركز العراق الجديد