رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى مديح العطس

في البداية لعنة الله على العطس. فمن يعطس أثناء كورونا منذ عامين، كانوا يقتادونه قسرًا إلى مستشفى الصدر. ويتركونه نهبًا للموت ومضاعفات المرض. 
على مدار تاريخ البشرية، اعتُبر العطس عملًا يستحق التعليق؛ ففي العصور القديمة مثلًا، اعتقدت بعض الثقافات أن العطس كان علامة على خروج الشيطان من الجسم. وعندما سمعت زوجة أوديسيوس ابنها يعطس في ملحمة الأوديسة، فسرت ذلك كعلامة على أن زوجها سيعود إلى المنزل بأمان، أما في اليابان، فيشير العطس إلى أن شخصًا يتحدث جيدًا عنك في مكان ما.
تبين مخطوطة ترجع إلى سنة 401 قبل الميلاد أن القائد العسكري الإغريقي زينوفون كان يلقي خطبة على مسامع جنوده لتحميسهم على القتال ضد جيش الفرس، وما إن أنهى خطبته حتى عطس أحد الجنود عطسة قوية، فتعالت صيحات الابتهاج بين بقية الجنود، وذلك لأنهم اعتبروا- وفقا لمعتقداتهم آنذاك- أن تلك كانت إشارة من آلهتهم لتبشيرهم بأنهم سينتصرون على الفرس. كما جاء عن العطاس في كتاب "الأذكار" لمؤلفه الإمام النووي: "السُّنة إذا جاء المرء العطاس أن يضع يده أو ثوبه أو نحو ذلك على فمه، وأن يخفض صوته".
في كتابه "الروح"، كتب الفقيه ابن القيّم الجوزي: عطس آدم عندما نفخ الله فيه من روحه، فقالت له الملائكة: "قل الحمد لله، فحمد، فقال الله: يرحمك الرب". 
في الثقافة الغربية تستخدم كلمة Bless you، والتي ترجمتها باركك الله، أما لدى المسلمين فيتم استخدام تعبير يرحمكم الله. 
احتفل العرب بالعطس والعاطسين، فيقولون لمن عطس: يرحمكم الله. ويرد العاطس بعد أن يفيق من العطس: يرحمنا ويرحمكم الله، من العطس. 
كما تنصح دار الإفتاء سائليها بأن العلماء اتفقوا على أنه يسن للعاطس إذا عطس أن يحمد الله فيقول: الحمد لله، ولو زاد رب العالمين كان أحسن كفعل ابن مسعود رضي الله عنه، ولو قال: الحمد لله على كل حال، كان أفضل كفعل ابن عمر رضي الله عنهما، وقيل: يقول: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كفعل غيرهما.
وتقول العرب، إن المرأة الرومانسية فقط هي التي تعطس. ولما سألت محدثي، عن معني الرومانسية، قال إنها الأكل في الظلام والحب بدون كلام.
ويقال إن نابليون بونابرت لما هبط مصر عطس كثيرًا، ولم يتحمل لأجل ذلك، غادر إلى الشام لتغيير الجو، فلما عاد، عاودته نوبات العطس مرة أخرى، وأشاروا عليه بالعرقي، والمنقوع، وأن يسد أنفه بالطين، ولكنه لم يتحمل، وغادر إلى أوروبا. 
وفي أوراق بردي اكتشفوها حديثًا أن يوليوس قيصر عطس عندما شم رائحة عطور كليوباترا، وفشل معها من أول مرة. 
وقد ورد في بعض الكتابات المنسوبة للجاهلية أنه إذا عطس الزعيم، كانت عطسته تاريخية ومباركة، وتضاف إلى مآثره حين يفعل ما يشاء وأنّى يشاء. وكانت عطسة سيادته بعد تناوله طعامه مباشرة، فتوقفت الإبل في الصحراء. وهبط الماء على البادية وجزيرة العرب فقطعت برامجها لإعلان هذا النبأ الهام الذي ستكون له آثاره على شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وعلى حركات التحرر في جميع أصقاع الأرض.
وعندنا في الأرياف كانوا يشممون الأطفال حديثي الولادة البصل، لمنع الأمراض من ناحية ويشم الرائحة المقدسة التي كان منقرع في عرشه. 
وعندنا في مصر يقولون للحمار إذا عطس: بعزقت التبن، أي فرقته ووزعته بعيدًا. 
الأطباء يقولون إنه بوادر أنفلونزا وحساسية. المتحضرون ينصحون بتغطية الأنف والفم بالمنديل عند العطس أو السعال، ثم رمي المنديل.
والحكماء يقولون: العطس يحرك العقل ويشتت الفكر، ويذهب البهجة، ويقلل النشوة.
والمتعوس، هو من يداهمه العطس أثناء لقائه مع زوجته. 
وفي كل الحالات، لا علاج للعطس إلا بمنديل قطن وشراب الزنجبيل، وعكوة في الفرن بالتقلية والبامية. وفحل بصل.