رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شاهيناز وزير: الفقهاء سجنونا في أفكارهم ورفضوا أي محاولة للخروج من زنازينها.. «حوار»

جريدة الدستور

ابن تيمية ليس مسئولا وحده عن الفكر المتطرف.. و«جمال البنا» فقيه تنويري ظلمته قرابته من مؤسس الإخوان

حرق كتب التراث الإسلامي مرفوض.. والرد عليها في ضوء القرآن والسنة هو الصحيح


حقق كتاب سجن الفقه لمؤلفته شاهيناز وزير نجاحا كبيرا في معرض القاهرة للكتاب كما تسبب في موجة جدل بسبب المواضيع التي ناقشها واعتبرها البعض هجوما على فقهاء المسلمين.

شاهيناز وزير في حوار خاص جدا لـ "أمان"عن كتابها وأفكارها بشأن الفقه والفقهاء.. فإلى نص الحوار.

ما هو كتاب سجن الفقه وما أبرز ما تناولتيه فيه؟

سجن الفقه صدمة في جدار الموروثات تختبر متانته، كما يلقي الضوء على سموم الخطاب الديني الحالي التي يتجرعها كثيرون على أنها عسل مصفى.

تناولت في الجزء الأول منه بعض ما نمر عليه بالقبول والتسليم مثل: حكم الإجماع وحقيقة لقب "شيخ" الذي نطلقه على المختصين فيه، كذلك ناقشت ماهية الاختصاص في الدين، وعرضت تصورا لهيكلة المذاهب الإسلامية في فصل "تصميم المذاهب" والأسباب الحقيقية وراء جهل المسلمين بلغة القرآن وهي الأداة الأولى لمعرفة الدين وكيف يستغل ذلك في تضليل الناس.

أشرت أيضا إلى أن منهج إعداد رجال الدين ينافي أبسط مبادئ الأسلوب العلمي الصحيح، وأختتمته بفصل "فردية تفسير القرآن الكريم".

الجزء الثاني اتسم بطابع عملي يحلل الخطاب الديني الحالي وأثره وتدرج هذا الأثر في ضوء الأحداث الجارية؛ تناولت في أحد فصوله "المشقة على النفس والانتصارات الوهمية" تحليلا لنفسية الفرد الإسلامي وقراءة أكثر شمولا لتصرفاته ودوافعها وسط مجتمعنا، كذلك في "التدرج .. السم البطيء" كيف تغير المجتمع عما كان عليه قبل نحو 3 عقود، أيضا فمن أهم فصول هذا الجزء "الأناشيد صناعة الإرهاب" استعرضت فيها ما تمثل الأناشيد للإسلاميين وأثرها على المستمع فكريا ونفسيا، وكيف تستخدم في تجنيد العناصر من جانب المنظمات الإرهابية، في ضوء نماذج بعضها لا يخرج للضوء ويبقى داخل معسكرات تلك المنظمات، كما أفردت آخر الفصول لـ "خطبة الجمعة".

هل أفكار فقهائنا الحاليين فعلا موضوعة في سجن ضيق حدده الفقهاء القدامى؟

فقهاؤنا ليسوا مسجونين وإن كان الأمر كذلك، فهم الذين سجنوا أنفسهم وسجنونا معهم، وفي الواقع الفقهاء القدامى ليسوا الآن بيننا يجلدون أو يسجنون من يعارض أفكارهم أو يحرضون عليهم، ولكن مشايخنا الحاليين هم الذين يفعلون ذلك بمن يختلف معهم، ولست أرى فقهاءنا بذلك الولاء المتصور للفقهاء القدامى إذ أنهم انتقوا من آراء القدامى ما أعجبهم ومنعوا الخروج عن تلك الآراء، في حين أن من يرجع للفقهاء القدامى يجد تنوعا كبيرا ويجد الدعوة للعودة للأصول والاجتهاد، ومنهم من يقول "لا تقلدونا وخذوا من حيث أخذنا"، لذا فالمشكلة ليست في الفقهاء القدامي ولكن في فقهاء زماننا هذا لأنهم تترسوا خلفهم لقمعنا في حين لم يأخذوا بوصاياهم.


من أبرز فقيه من وجهة نظرك يجب أن نلقى الضوء أكثر على فكره التنويري؟

جمال البنا رحمه الله، أنا أكن لهذا الرجل احتراما لا أخفيه، وأراه ظلم عندما خرج على الشاشات ووقع ضحية أفخاخ إعلامية وهجوم شرس، وتم تأويل آرائه والسخرية منها. وقد ظلمه المتشددون الذين اتخذوا شعار اللهم أرحم حسن البنا والعن جمال البنا، وظلمه كذلك بعض المثقفين لأنه شقيق مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وبعض الإعلاميين الذين أرادوا الاستهزاء منه مجاملة للجماعات الإسلامية قبل سنين، لجمال البنا مؤلفات عظيمة لم تأخذ حقها من العرض والتقدير، وما يميز فكره الثوري أنه يرتكز على أدلة وحجج ثابتة قوية، ولا يركض وراء النقد وحسب بل يوجد البدائل على أسس متينة.

من هو أخطر فقيه على مر التاريخ؟

التاريخ ملئ بالتطرف والاعتدال والجنون والحكمة والخرافة والمنطق، لا أريد ذكر فقيه بقدر ما يهمني إلقاء الضوء على معطيات تلك الخطورة ومواطنها لأنها التي تجعله خطيرا وليس هو الذي يصنع خطورته بمجموعة من الآراء، فليس معنى انتهاء عصر أننا لن نجتر بعض فقهائه لننتقى منه فقيه نجعل منه شيخ إسلام ونتترس به لنشر أفكار بعينها، والفقهاء الذي نهتم بهم اليوم قد يتوارون بين صفحات التاريخ ليظهر غيرهم غدا، وأخطر الفقهاء من وجهة نظري ليس بأفكاره مهما تطرفت، ولكنه السياسي الذي يستطيع الاقتراب من السلطة لينال الانتشار والنفوذ، ولأن هذه منطقة المصالح التي تفسد من يقترب منها فقد تجعله يشتري بآيات الله ثمنا قليلا. فقد كان للحظوة دور مؤثر كان دافعه سياسي مؤقت وبقى أثره لليوم يدفع ثمنه الفقه الإسلامي والأمة بأكملها، لذا فالأمر صناعة سواء باستخدام الفقهاء في عصر ما أو إعادة استخدام آرائهم في عصر آخر. لهذا أربط خطورة رجل الدين بقربه من رجال السلطة وخطورة رجل السلطة بقربه من رجال الدين.

كيف تقيمين ابن تيمية وأفكاره وهل هو فعلا أساس العنف والإرهاب؟

بالطبع لا أرى في أفكاره خيرا، وفي نفس الوقت لا يُختزل العنف والإرهاب في شخص واحد، لأننا لو أردنا تتبع الروايات والأحاديث والتفسيرات التي تعتمد عليها المنظمات الإرهابية اليوم أو الخطاب التحريضي المتشدد سنجد أن الأمر يتجاوز ابن تيمية، ولكنه اُستخدم كلون متطرف يصبغ الخطاب الديني الذي ينشر العنف والإرهاب. ابن تيمية ولى وولى زمانه، قبل أن نحاسبه ونصدره كشماعة نلقى عليها اللوم يجب أن نحاسب من يمجده ويستشهد بآرائه هذه الأيام.

هل الفقه الإسلامي سبب في ظهور داعش وباقي الجماعات المسلحة؟

ما يتم استخدامه في صناعة داعش وتلك الجماعات الإرهابية مصدره الفقه الإسلامي، بل أنه ضارب في أعماق هذا الفقه وليست آراء سطحية فردية متناثرة. ولكن ليس كل الفقه الإسلامي إرهاب وظلم. فأنا أرى أن الشخصيات الإسلامية التي تم اضطهادها وتكفيرها ومصادرة أعمالهم الفكرية والعلمية والفلسفية صناع في الفقه الإسلامي ولكن الظلاميين طردوهم على مر التاريخ خارج حيز التقدير ورفضوا الأخذ بآرائهم. فأنا اعتبر هؤلاء فقهاء أثروا الفكر الإسلامي لكن تم تهميشهم تماما كما يتم تهميش المفكرين ووصمهم بتهم لا صحة لها لصرف الناس عن النظر إليهم بعين الثقة والتعلم منهم.

هل أنت مع تنقية التراث الإسلامي وكيف تتم هذه التنقية؟

التنقية وصف غير مطمئن بالنسبة لي، فهو يعني أننا سنحذف أشياء ونبقي أشياء، ولا أدرى ما مصير ما نبقيه وما مصير غيره، هل نشرع ونفتي في ضوء ما نبقيه ولا نعتد برأي من يستشهد بغيره في حين أن الطبيعة واحدة! التاريخ لا يطمس وإلا كنا كالذين أحرقوا كتب الذين لم تروقهم أفكارهم. لهذا أرى أن أولى خطوات عملية التجديد هي إعادة تقييم مكونات هذا التراث وطريقة النظر إليها واستخدامها، فبالطبع لن نسلك مسلك النبذ أو الانتقاء الذي ننتقده، فما معنى أن أرفض رواية لا تعجبني وأستشهد بأخرى تتماشي مع فكري، بل الصواب أن ننظر للروايات في إطار تاريخي لا تشريعي، وأن تكال كل الآراء بمختلف المصادر في ضوء الأدلة القرآنية، فالقرآن هو مصدر التشريع لأنه كتاب الله وجاءنا على لسان رسوله، وما دونه اجتهادات بشرية اعظم كتبها لم يكتب في عهد هذا الرسول. الأمر الآخر والأهم اليوم هو تعزيز مبدأ حرية التعبير وتكافؤ الفرص بين مختلف التيارات، وهذا عكس ما نراه حولنا من احتكار في التحدث عن الدين وسجن وملاحقة المفكرين.

كيف تقيمين فقهاءنا الحاليين ومن أفضلهم؟

يوجد مفكرون جيدون على الساحة، أجد أفضلهم فيمن يتم مطاردته أو سجنه أو منعه من متابعة أعماله، ناهيك عن تشويه سمعته ورشقه بالتهم. هذا لأن الحقيقة مكلفة للناطقين بها ومقلقة لمن تهدد مصالحهم. أهم ما يطغى على الساحة اليوم هو النقد وإسقاط ورقة التوت عن ما يتبعه الناس بشكل أعمى وهذا ضروري لأبعد حد، لكن يجب أيضا أن نعمل على البديل بالتوازي مع النقد.

هل تعرضتي لهجوم بسبب كتابك؟

لم اتعرض لأي هجوم بسبب كتابي حتى الآن، ولكن كغيري من المنخرطين في هذا المجال نتلقى من الأصدقاء والمعارف دعوات بتوخي الحذر وتمنيات بالسلامة والأمان، وهذا يدل على توتر المناخ الفكري. وما تلقيته من آراء القراء كان في إطار الإعجاب والثناء.