رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أميرة ملش تكتب: كوكب تحت التهديد

تهديد وجودى.. هو المصطلح الأقرب الذى اتفق عليه كثيرون لوصف الحالة التى يشهدها العالم بسبب التغير المناخى.. والذى هو كارثة حقيقية تسبب فيها الإنسان منذ وجوده على هذا الكوكب وحتى الآن.. يهتم العلماء منذ سنوات طويلة بالتغيرات المناخية، ولكن الدول بشكل عام لم تهتم بالقدر الكافى إلا فى السنوات القليلة الماضية، حيث بدأ أثر التغير المناخى يظهر جليًا فى بلدان العالم حيث الأعاصير والفيضانات والسيول وغيرها من الكوارث الطبيعية التى تهدد حياة البشر كل يوم.. وللأسف ما زال البعض غير مدرك لخطورة الأمر.

حضرتُ مؤتمر المناخ الذى أقيم فى باريس عام ٢٠١٥ والذى أطلق عليه «cop 21».. والذى شاركت فيه مصر، بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، وحضره ١٥٨ رئيس دولة وحكومة، وشاهدت كيف يدق هذا المؤتمر ناقوس الخطر بشكل حقيقى، فقد عُقدت قبله عدة مؤتمرات للمناخ، ولكنه كان يعد الأول الذى لفت الانتباه بشدة لهذه الأزمة، والذى رسخ لمفهوم أن تغير المناخ هو حالة طوارئ عالمية، تتجاوز الحدود الوطنية، وإنها قضية تتطلب حلولًا منسقة على جميع المستويات، وتعاونًا دوليًا لمساعدة الدول على التحرك نحو اقتصاد منخفض الكربون، وتبنت ١٩٧ دولة اتفاق باريس فى مؤتمر الأطراف، والذى دخل حيز الاتفاق بعد أقل من عام، هذا الاتفاق الذى كان يضم ثلاثة عناصر رئيسية بشأن تغير المناخ، هى «الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى ١.٢ درجة مئوية، واستعراض الدول بخفض الانبعاثات كل خمس سنوات، وتوفير التمويل المتعلق بالمناخ للدول النامية»، وهذا العام تتم مناقشة ما أنجز على صعيد المناخ فى جلاسكو منذ مؤتمر باريس حتى الآن.

وفى ظل التغيرات الكثيرة التى وضعت كوكب الأرض تحت التهديد أو ما يسمى «طوارئ مناخية» بسبب الفيضانات وحرائق الغابات البشعة وضحاياها من البشر والحيوانات والنباتات، وارتفاع منسوب البحار وسوء الأحوال الجوية الذى أصبح يمثل عائقًا كبيرًا خاصة أمام الزراعة، ففى بعض محافظات الدلتا فى مصر ودول أخرى يكتشف المزارعون تسرب الملح داخل التربة الزراعية، وهو ما تستحيل معه الزراعة، كما أن مدنًا كثيرة- كما يقول الخبراء- معرضة للاختفاء، مثل الإسكندرية ولندن ونيويورك ومومباى، وهو ما أشار إليه بوريس جونسون، فى كلمته فى المؤتمر الحالى «cop 26».. لذا يعد هذا المؤتمر الأهم من حيث إلزام الدول باتخاذ إجراءاتها للحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى، لذلك يُنتظر من هؤلاء القادة بذل الجهد والعمل الجاد لتنفيذ هذه الاتفاقيات، لأن الخطر يهدد حياتنا جميعًا ومستقبلنا، تخيل أن نعيش فى مصر مثلًا بدون محافظة الإسكندرية وبعض محافظات الدلتا التى ستختفى لاحقًا، فقد أكد محافظ الإسكندرية أن السيول والأمطار تزداد كل عام منذ عام ٢٠١٥، مشيرًا، فى تصريحات تليفزيونية، إلى أنها تسبب مشكلات كبيرة، خاصة النوات التى تؤدى إلى أمواج عاتية، وأكد أن الدولة تعمل جاهدة لوضع حواجز أسمنتية لحماية الشواطئ مثل منطقة قلعة قايتباى والشواطئ التى تشهد زيادة فى ارتفاع منسوب المياه والمخاطر المصاحبة لذلك.. وهو ما يوضح أن المسئولين فى مصر على دراية كاملة بهذا الأمر.

ومَن ذهب لزيارة معرض الآثار المصرية الغارقة، الذى عرض فى بعض عواصم العالم، يدرك تمامًا أن هناك مدينة كاملة قد اختفت تحت مياه البحر فى الإسكندرية منذ قرون.. فقد حضرت هذا المعرض فى باريس منذ سنوات، وعلمت أن هذه المدينة قد اندثرت وغرقت تحت المياه.. لذلك أخشى على مدينتنا الرائعة عروس البحر المتوسط من الزوال. 

وبالرغم من اتفاق القادة على محاولة إبقاء معدل ارتفاع درجات الحرارة دون الدرجتين ليبقى عند ١.٥ درجة مئوية، لكن العلماء يقولون إن درجات الحرارة حول العالم قد ترتفع بمقدار ثلاث درجات، وإن الجهود لم تكلل بنجاح، ولذلك يرجى من المشاركين فى جلاسكو اتخاذ أهداف طموحة تتمثل فى تقليص حجم غازات الاحتباس الحرارى التى تسهم بدورها فى رفع درجة الحرارة، والقضاء بشكل تام على الانبعاثات الكربونية بحلول ٢٠٥٠، وكل هذا يتطلب وضع نهاية لاستخدام الفحم، ووقف قطع الأشجار، والتحول إلى المركبات الكهربائية وكذلك الاستثمار فى الطاقة المتجددة، لا سيما أن ارتفاع درجات الحرارة الدائم حدث فى العالم منذ أن انتشرت المصانع وستظل ترتفع، كما يقول العلماء، حتى تتخذ الدول خطوات تحول دون ذلك، لأن الآثار المحتملة كارثية وعلى رأسها نقص الغذاء واختفاء بعض المدن والإغراق البطىء للجزر والجفاف وإفساد التربة الزراعية بمياه مالحة.

وللأسف فإن الشعوب الفقيرة هى أكثر الشعوب دفعًا للثمن، لذلك قبل عقد مؤتمر جلاسكو طالبت أكثر من مائة دولة نامية بعدد من المطالب، منها التمويل من أجل التصدى للتغيرات المناخية والتعامل مع آثارها، والتعويض عن هذه الأضرار وتمويل مشاريع اقتصادية صديقة للبيئة، وتعد القارة الإفريقية الأكثر ضررًا، فى حين أن الدول الغنية لا تفى بكامل الوعود والاتفاقات خاصة بعد جائحة كورونا ووقوع هذه الدول فى أزمات اقتصادية مرهقة.. ولذلك فإن مصطلح «تمويل أنشطة مكافحة التغير المناخى» يعد أكثر الموضوعات المطروحة للنقاش لحث الدول الغنية التى تعهدت بدفع ١٠٠ مليار دولار لإحراز التقدم والانتصار فى معركة ارتفاع درجات الحرارة وتغيرات المناخ.. الأمل معقود على تنفيذ ما يناقَش ويُتفق عليه فى هذه المؤتمرات للفرار من مصير مظلم، وألا يكون مجرد كلام تدفع الإنسانية فاتورته عاجلًا أو آجلًا.