رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القتل الطبقي


فى كافيه مصر الجديدة.. وقعت جريمة قتل أثارت الرأى العام فى مصر طوال الأيام القليلة الماضية.. الجميع تعاطف مع القتيل الذى أنهى عامل حياته فى لحظة غضب أو تهور.. ولكن الحقيقة هنا أن هذه الجريمة تدفعنا لتساؤل مهم: «هل راح قتيل كافيه مصر الجديدة ضحية للقتل الطبقى»؟!

للقتل أسباب عديدة شائعة، مثل الشرف والسرقة والانتقام، قد يكون التفاوت فى الفارق الاجتماعى ليس من بينها.
فى الكافيه جلس الشاب مع خطيبته ساعتين تقريبًا، دفع بعدها الفاتورة 900 جنيه، والعامل هناك قد يكون راتبه الشهرى 1000 جنيه، ومن وجهة نظر «الجرسونات» مثلا أو من يخّدمون على الزبائن، مثل العامل الخاص بالشيشة، أن هذا الشخص يدفع راتبه الشهرى فى ليلة، وليس الجميع أسوياء نفسيًا والبعض من هؤلاء العمال يعانى من الفقر، وبعضهم غير راضٍ عن عمله، ولكن الحاجة دفعته له غير أن بعض الزبائن، خاصة الشباب والمراهقين، يتعاملون بتعال شديد مع هؤلاء، وهو ما قد يدفعهم للغيرة والحقد عليهم، بل إنه قد يرى فى نفسه أنه أفضل منه لولا الحظ أو الفقر وظلم المجتمع.

صحيح أن القاتل هنا قتل بالصدفة.. فهو غير ناو على الجريمة ولم يخطط لها ولم يرتبها، فهى مجرد مشاجرة تبعها غضب واشتعال للموقف وأدى ذلك لقتل الشاب، لا يوجد هنا سبق إصرار وترصد والنية ليست مبيتة، ولكن من الممكن أن يكون العامل كان فى صدره شىء ما ليس موجهًا لشخص بعينه بل للمجتمع ككل، أو لشريحة ما ممن يترددون عليه كل يوم فى الكافيه.. غضب كامن على استعداد أن يصعد للسطح فى أى لحظة.. كبت لا يستطيع أن يعبر عنه يجعله مرشحًا للانفجار فى كل وقت.. إلى أن جاءت اللحظة التى حضر فيها الغضب، وانطلق الكبت فلم يسيطر على نفسه هذه المرة، فقد يكون سبق ذلك مراحل للاستفزاز الإنسانى كبح جماح غضبه فيها إلى أن صارت تراكمًا، خرج كل ما يعانى منه فى اللحظة التى قتل فيها الشاب فى الكافيه.

على طريقة سائق الميكروباص أو سائق التاكسى، الذى يشعر بالحقد على سائق الملاكى، وعندما يصطدم به يقول له «أمك جابتهالك».. القصد المعلن أنه يريد أن يوجه له إهانة، ولكن الحقيقة أنه يضمر فى قلبه حقدًا عليه يدفعه لقول ذلك.

وهناك جرائم سرقة تتم لأن الفقير لا يطمع فى الغنى بقدر ما يحقد عليه، وبداخله يرى أنه يحصل على حقه ولا يسرقه.. وفى رواية «اللص والكلاب» لكاتبنا الرائع «نجيب محفوظ» تناول هذه الحالة ولكن بصورة أخرى، عن طريق الصحفى الذى دفع اللص لسرقة الأغنياء وكان يقنعه بأن أموالهم حقه.. كما أن روايات أدبية وأعمالاً فنية عديدة تناولت هذه الفكرة، مثل «روبن هود» تحقيقًا للعدالة الاجتماعية ولكن بوسيلة خاطئة ومرفوضة لأنها تتم عن طريق جريمة.

فكرة القتل الطبقى قد تكون تجسدت بشكل واضح فى جريمة كافيه مصر الجديدة وفى جرائم أخرى سبقتها، خاصة أن علماء الاجتماع يؤكدون أنه «كلما ارتفعت نسبة الفقر ارتفع معدل الجريمة».. وطبعًا مع اتساع الفارق الآن بين الطبقات فى مصر وانقسام المجتمع إلى طبقتين فقط، بعد اختفاء الطبقة الوسطى التى كانت تحقق السلم الاجتماعى إلى حد كبير، فنحن هكذا فى انتظار وقائع مأساوية جديدة لا أتمنى أن تحدث.