رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المناورة.. لماذا يتلاعب نتنياهو بـ«صفقة وقف إطلاق النار»؟

رفح
رفح

المفاوضات بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية من أجل وقف إطلاق النار وصلت مرة أخرى خلال الأسبوع الماضى إلى نقطة حاسمة، بعدما تم الإعلان عن قبول «حماس» بمقترح الهدنة، مع خروج أهالى قطاع غزة للاحتفال فى الشوارع، فيما كانت إسرائيل تحرك قواتها لدخول مدينة رفح الفلسطينية، مُعلنة عن أن المقترح الذى قبلته الحركة ليس هو المقترح المصرى الذى وافقت عليه من قبل.

ورغم جهود الوسطاء، فإن الخطوة الإسرائيلية تعمدت الإضرار بتلك الجهود، مع زيادة الضغوط على حركة «حماس»، وإرضاء الجمهور الإسرائيلى اليمينى المتطرف، رغم أنها لن تخرج عن كونها «عملية محدودة»، بما لا يثير غضب وانتقاد الأمريكيين، ويضمن فى الوقت ذاته تحسين شروط المفاوضات لتحقيق الأهداف الإسرائيلية منها، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

تعمد الإضرار بجهود الوساطة وتعطيل الاتفاق بعد التقدم الملموس فى المفاوضات

عادت المفاوضات بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية للتعقيد نهاية الأسبوع الماضى، بعد أن تحدث الوسطاء، على رأسهم مصر والولايات المتحدة وقطر، عن وجود تقدم ملموس فى المفاوضات، مع احتمال بأن يتم تحقيق وقف إطلاق النار فى أقرب وقت.

بعدها، سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى الرد فى وسائل الإعلام الإسرائيلية، تحت اسم «مصدر سياسى رفيع»، وأعلن عن أن إسرائيل، وخلافًا لما نُشر، ـ«بأى شكل من الأشكال لن توافق على إنهاء الحرب كجزء من صفقة تحرير المحتجزين، والجيش الإسرائيلى سيدخل إلى رفح، وسيدمر كتائب (حماس) هناك، سواء كانت هناك هدنة مؤقتة لتحرير المحتجزين أم لا».

وأثارت تصريحات «نتنياهو» الردود الغاضبة، سواء بين الوسطاء أو حتى فى أوساط جمهوره اليمينى، حيث أصبح كثيرون لا يصدقون وعود رئيس الحكومة الإسرائيلية بشأن احتلال رفح، كما أنهم يعتقدون أنه يتعمد الإضرار بجهود الوساطة. 

وقال مصدر إسرائيلى، تحدث مع صحيفة «نيويورك تايمز»، إن حدوث انفراجة فى المحادثات كان وشيكًا، وإن «نتنياهو» مَن أضر بالمحادثات، وإن التصريحات التى وعد فيها بالدخول إلى رفح على أى حال هى التى دفعت «حماس» إلى تشديد مواقفها فى المفاوضات، مع المطالبة بما يضمن عدم قيام إسرائيل بتنفيذ جزء فقط من الاتفاق.

وهو ما رد عليه «نتنياهو» بقوله: «هل أفسدت الصفقة؟! هذه كذبة كاملة».

ومساء الإثنين الماضى، تم الإعلان عن قبول «حماس» الصفقة ووقف إطلاق النار، بينما علّق مسئولون من إسرائيل بأن الصفقة التى عرضت على «حماس» ليست هى التى وافقت إسرائيل عليها.

وحسب تقرير لموقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، فإن «حماس» قالت «نعم، ولكن ليس للعرض الذى عرض عليها فى وقت سابق، والذى وافقت عليه إسرائيل».

ووفقًا لتقارير، فإن المسئولين الأمريكيين رفضوا ادعاءات «حماس» حول أنها «وافقت على اقتراح وقف إطلاق النار المقدم إليها»، ووفقًا لهم فقد ردت الحركة فعليًا بإجابة معاكسة تتضمن تغييرات.

وقالت مصادر أمريكية لشبكة «CNN» إن العرض المضاد سيتطلب استمرار المفاوضات، مشيرة إلى أن «حماس» أجرت «تعديلات» على اقتراح سابق.

ووفقًا لتقارير إسرائيلية، فإن الاقتراح الذى وافقت عليه «حماس» يختلف بشكل كبير عن الاقتراح الذى قدمته مصر، ففى اقتراح الحركة لا تملك إسرائيل حق النقض على هوية المحتجزين الذين سيتم إطلاق سراحهم، وهى مستعدة لإطلاق سراح ٣٣ من المحتجزين، سواء كانوا أحياء أو متوفين، و١٨ فقط إذا لم توافق إسرائيل على إنهاء الحرب، مع رفض «حماس» إبعاد كبار مسئوليها عن غزة. 

ووفقًا للتقارير، فإن أعداد الأسرى مختلفة أيضًا، فـ«حماس» تطالب بالإفراج عن ٣٠ أسيرًا بدلًا من ٢٠ مقابل كل محتجز، و٥٠ بدلًا من ٤٠ مقابل كل جندية.

وحسب المقترح الجديد، فإنه اعتبارًا من اليوم الثالث من توقيع الهدنة سينسحب الجيش الإسرائيلى بالكامل من شارع الرشيد شرقًا إلى شارع صلاح الدين، بعد إطلاق سراح المحتجزين الثلاثة الأوائل، مقارنة بالانسحاب بعد سبعة أيام فى الاقتراح السابق، فيما ينص الاتفاق الحالى على أن تقوم «حماس» بإطلاق سراح ثلاثة محتجزين لديها أسبوعيًا، مقارنة بالإفراج عن ثلاثة محتجزين كل ثلاثة أيام فى الاقتراح السابق. 

ووفقًا للتقارير، فإن هناك تغييرًا مهمًا آخر يتعلق بالمرحلة الثانية من الاتفاق، ويتعلق بمسألة إنهاء الحرب، ففى الاتفاق السابق كتب عن «استكمال الاتفاق بشأن الترتيبات المطلوبة لاستعادة السلام المستدام»، بينما فى الاتفاق الجديد تم النص على «إعلان السلام المستدام، ووقف العمليات العسكرية والأعمال العدائية، ودخوله حيز التنفيذ حتى قبل تبادل الأسرى».

وحول ذلك، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز»، الأمريكية، إلى أن الطرفين سيتصادمان على الأرجح حول معنى هذا المصطلح، لأن «حماس» ترى فى مصطلح «السلام المستدام» نهاية للحرب عندما توقف إسرائيل عملياتها العسكرية وتنسحب من غزة. 

فيما قال مصدران، نقلًا عن تقرير لشبكة «سى إن إن» الأمريكية، إن الوسطاء أجروا فى الأيام الأخيرة تغييرات على الاقتراح الذى ردت عليه «حماس» الآن.

ووفقًا للمصادر، كان الهدف هو إيجاد طرق للتغلب على العقبات أمام إسرائيل، حيث عمل الوسطاء على تغيير صياغة الاقتراح بحيث يشكل أساسًا مقبولًا للمفاوضات.

يعمل على إرضاء اليمين ودفع «حماس» لطلب ضمانات جديدة تؤخر التفاهمات

فى ظل دراما المفاوضات، بدأت قوات الجيش الإسرائيلى ودباباته بالدخول إلى شرقى مدينة رفح الفلسطينية، فى ظل قصف عنيف ومكثف على الجزء الشرقى من المدينة.

وكان ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد أعلن عن أن «كابنيت الحرب» قرر بالإجماع مواصلة إسرائيل عمليتها فى رفح، لممارسة الضغط العسكرى على «حماس»، لدفع عملية الإفراج عن المحتجزين وتحقيق باقى أهداف الحرب.

وأضاف، فى بيان له، أنه «رغم أن عرض (حماس) بعيد عن المتطلبات الضرورية، لكن إسرائيل سترسل وفدًا إلى الوسطاء لاستنفاد كل الإمكانات للتوصل إلى اتفاق بشروط مقبولة». 

ووفقًا للتقارير، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية الآن يعانى من مأزق، مع استمرار «حماس» فى وضع العقبات وإضافة تعديلات على مقترح الصفقة من الصعب على نتنياهو القبول بها، فيما تضغط الإدارة الأمريكية عليه لإظهار المرونة والسعى إلى عقد الصفقة، مع تغليف التنازلات الإسرائيلية بالكثير من بوادر حسن النية، على رأسها اتفاق التطبيع بين إسرائيل والسعودية.

وفى الوقت نفسه، فإن مسألة دخول القوات الإسرائيلية إلى رفح، رغم الرفض الأمريكى لهذه الخطوة، جاءت بمثابة مناورة من «نتنياهو»، الذى أراد أن يمسك العصا من المنتصف، فمن ناحية يستمر هو بالتفاوض ويرسل فريقًا لاستكمال المشاورات حتى لا يُتهم من قبل عائلات المحتجزين بأنه يعرقل المفاوضات، ومن ناحية أخرى يحرك القوات حتى لا يُتهم من قبل قاعدته اليمينية، التى تدعو إلى اجتياح رفح، بأنه يتخلى عن أهداف الحرب وتحقيق «النصر المُطلق»، كما يحب أن يسميه.

ويرى مراقبون أن «نتنياهو» أراد للعملية فى رفح أن تكون محدودة بقدر الإمكان، حتى لا يصطدم مع الولايات المتحدة ومصر والمجتمع الدولى، لأنه يعلم أنه إذا قام باجتياح كبير لرفح فإن واشنطن قد تفرض قيودًا على التسليح الأمريكى للجيش الإسرائيلى، وإلى جانب ذلك فإنه قد يفاقم الحصار الدولى وخطر أمر الاعتقال الذى صدر فى محكمة العدل الدولية فى لاهاى، والذى يقض مضجعه، لأنه موجّه بشكل خاص له.

فيما يرى آخرون أن «نتنياهو» يريد إفشال التقدم فى المفاوضات بعد أن ردت «حماس» بالإيجاب، لأنه وبعد دخول رفح يمكن للحركة أن تطلب ضمانات مشددة أكثر من الولايات المتحدة، وتكون مسئولة عن تأخير تطبيق التفاهمات. كما أنه عمليًا، فإن الدخول إلى رفح ما زال على رأس جدول أعمال إسرائيل لتفجير المفاوضات حول الصفقة.

وأشاروا إلى أنه إزاء معارضة أمريكا، فإنه من المشكوك فيه أن يحتل الجيش الإسرائيلى كل المدينة، وأن الأكثر ترجيحًا هو أن الكابينت الإسرائيلى سيأمر القوات بالعمل بشكل محدود على مداخل المدينة، ليبدو لرئيس الحكومة ومؤيديه أنه حقق وعده باجتياح رفح. ولفتوا إلى أن الورقة الأخيرة لدى الولايات المتحدة التى يمكنها أن تُوقف «نتنياهو» هى التلويح بالصفقة مع السعودية، إلى جانب النقاشات حول صفقة المحتجزين، وأن جهات أمريكية رفيعة ستستمر فى طرح إمكانية أن تندمج التهدئة مع عملية إقليمية واسعة تشمل التطبيع بين إسرائيل والسعودية.