رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حقوق مكفولة فهل من مزيد «3»


تعرضنا فى مقالين سابقين لبعض الحقوق والحريات التى ننتظرها فى دستور الثورة الشبابية التى سعت لتغيير النظام السابق الذى ظل استمراراً لسابقه مقيداً للحريات مع الفارق، إذ زاد على القيود مظاهر الفساد

و إذلال العباد وقهر الحريات وتدهور الخدمات وسلب الموارد وتسلط الحكام، وكأن الشعب هم العبيد وحكامهم هم الأسياد.

لقد أسقطنا آخر الدساتير المصرية وهو دستور 1971، وما أجرى عليه من تعديلات كانت تجرى على مراحل وكأنها قطرات ماء لتروى الظمأ للذين أوشكوا على الموت عطشاً وحتى لا يرفع المصريون صوتهم

إلى أن صاح الشباب محطمين القيود التى كبلت الألسنة، وشلت التفكير، ولما فاض الكيل وامتلأ كأس الغضب، أسقطنا النظام برءوسه، والدستور بعواره.

إننى أتخيل الدستور الجديد كما لو كانت العائلة المصرية تعيش فى بيت أصابه التصدع فتشققت الجدران واتسعت الثقوب وضاقت مساحة العيش فيه، فعلى مدى السنين الطويلة زاد عدد الأبناء والبنات ولم يعد بالبيت غرفة يمكن إضافتها ولا دور يمكن تعليته، فالأساسات أضعف من أن تحتمل ارتفاعاً عليه، وتتعالى الشكوى والأنين من غالبية الساكنين باستثناء سكان الطابق الأعلى الذين استأثروا بالهواء والأضواء، ولكنهم أصيبوا بالصمم الكامل حتى لا يسمعوا أنين المقيمين بالأدوار السفلى، ومن تحت سطح الأرض.

ولهذا ثار سكان من على الأرض ومن تحتها وخرجوا إلى الهواء بل والعراء، وفى الميدان الفسيح ذاقوا هواء الحرية ونسيم العدالة المحتملة والكرامة الغائبة والعدالة مسجونة فى سجون الطغاة، وبفئوس الإرادة هدموا البيت القديم أو السجن العتيق، فسقط السجن ومعه سقطت القيود التى ألجمت الألسن لسنين وكبلت الحرية أزماناً، ولم يخشوا سيف الحاكم، ولم تداعبهم وعود الطغاة، وهاهم يعدون التصميمات العلمية لبناء البيت الجديد الذى يستوعب كل الساكنين، وعلى جدرانه التى لم تقم بعد، بل هى فى مرحلة التصميم، ستوضع أسماء وصور من قدموا حياتهم ليحيا ذووهم حياة أفضل، وسيأتى اليوم لنعلق صورة أحمد ومينا وفاطمة ومارى فى المكان اللائق بهم فى المبنى الجديد.

أما تصميمات المبنى الذى فى طريقه للانتهاء فهو دستور مصر ما بعد انتفاضة الأحرار.. من هنا نسجل حقوق أطفالنا الذين فقدوا الآباء والأمهات، الذين دفعوا حياتهم ليحيوا أطفالهم حياة أفضل وليهنأ الذين ولدوا بعد رحيل آبائهم برصاص أعداء الحرية والأطفال المصريين، وفى تصميم المبنى الجديد أو الدستور نوثق حقوق الأطفال، فالمادة المقترحة التى تحمل المعنى الذى يكفل لهم ضرورة أن يحملوا أسماء يفخرون بها، ويحظوا بالغذاء الصحى الذى طالما سعى الآباء ولا يزالون لتحقيقه، ومسكن يأويهم، بدل أسقف الكبارى، وحجرة دافئة تقيهم برد الشتاء وشمس الصيف بدل الأنابيب المعدة لدفنها تحت سطح الأرض.

والطفل فى المفهوم القانونى هو من لم يكمل الثامنة عشر من عمره، إذ هو يظل «حدثًا لا يعامل وفق قانون العقوبات كما يعامل الشخص الذى تخطى مرحلة الثامنة عشرة.

فالدستور القادم يحمى أولئك من التشغيل فى الأعمال الشاقة، بل يضمن لهم الدستور كما فى القوانين الدولية أن يحملوا اسماً ويتمتعوا بالجنسية والحماية القانونية وفرص التعليم وسائر الحقوق الإنسانية.

أما المادة المقترحة والتى ورد بها «تشغيل الأطفال محظور قبل تجاوزهم سن الإلزام التعليمى فى أعمال لا تناسب أعمارهم»، أما وعبارة «سن الإلزام» فهى عبارة واسعة حيث يبدأ السن من 6 – 8 سنوات، وتمتد حتى نهاية المرحلة الثانية من التعليم الأساسى وهى تسع سنوات فى حال نجاح التلميذ كل السنوات، والعبارة الثانية هى «التشغيل فى أعمال لا تناسب أعمارهم» وهذه عبارة غير منضبطة، فقد يستخدم الطفل قبل العاشرة والذى يطلق عليه «بلية» عند الميكانيكى والكهربائى، وإذا سُئل صاحب الورشة يرد على السائل بأنه لا يقوم بأكثر من مناولة قطع صغيرة من العدة أو الأجهزة، إنها أعمال تناسب أى مرحلة عمرية، والمطلوب هو الحظر الكامل لتشغيل الأطفال الأقل من خمسة عشر عاماً فى أى عمل غير التفرغ للتعليم.

إن حماية الأطفال ورعايتهم وضمان حصولهم على التعليم حتى نهاية مرحلة ما قبل الجامعة مطلب أصبح ضرورياً لا سيما وأن مرحلة التعليم الأساسى الحالية لا تمكن الأبناء والبنات من حصولهم على القدر الذى يمكنهم من إيجاد عمل مناسب، بل حتى الإمكانية الفعلية على القراءة والكتابة بقدر معقول.

إننا نسعى للقضاء على الأمية، ونحلم بالوقت الذى فيه نقول – بحق – لقد قضت مصر على الأمية التعليمية.. إنه حلم ينبغى أن نضعه أمامنا فى ميزانية التعليم، وفى تطويره والتمكين له فصولاً ومنهاجاً ومعلمين حتى ندفع مصر إلى عصر العولمة ومكافحة الأمية، فنلحق بالحضارة والثقافة والتقدم