رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نص رسالة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث لعيد القيامة المجيد 2024

كنيسة
كنيسة

يترأس البابا تواضروس الثاني، مساء السبت، قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، بمشاركة واسعة من كبار رجال الدولة والنواب، بالإضافة إلى مشاركة عدد من أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية.

وبالتزامن مع احتفالات عيد القيامة المجيد ننشر نص رسالة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث لعيد القيامة المجيد 2024.

وجاءت نص الرسالة كالآتي:

برحمةِ اللهِ بطريركُ المدينةِ المقدسةِ آوروشليمَ وسائرُ أعمالِ فلسطينَ إلى أبناءِ الكنيسةِ أجمعين، نعمةٌ ورحمةٌ وسلامٌ لكم من القبرِ المقدّسِ المانحِ الحياةَ قبرِ المسيحِ القائمِ منَ بين الأمواتِ

اليومُ كنيسةُ المسيحِ تعلنُ في العالمِ بشارةَ الفرحِ وتذيعُ إلى أقاصي الأرضِ بقيامةِ مؤسِّسِها من بينِ الأمواتِ مخلِّصنا يسوعَ المسيحِ الناصريّ المصلوب. إنَّ يسوعَ المسيحِ ابنُ وكلمةُ الله ِالذي منَ الروحِ القدسِ ومنَ العذراءِ مريمَ تأنَّسَ وولِدَ بالجسدِ وشوهدَ على الأرضِ واتّخذَ جبلتَنَا البشريّةِ في أقنومٍ واحدٍ، وفي طبيعتَيْن: الطبيعةِ الإلهيةِ والطبيعةِ البشريةِ، فقد خالطَنا نحن البشر معلماً إيانا طرقَ التّوبةِ، طرقَ حياةِ السلامِ والتضامنِ والمحبةِ حتّى للأعداءِ، شفى المرضى وأقامَ الموتى وأحبَّنّا نحنُ البشرَ إلى المنتهى. وأسلمَ نفسَهُ للموتِ طوعاً من أجلِنا حتّى موتِ الصليبِ المهينِ سافكاً دمَهُ الإلهيَّ الطاهرَ لمغفرةِ خطايانا مقدماً نفسَهُ ذبيحةً حيّةً كفارةً مرضيةً للهِ.

وبعد أنْ صُلِبَ على عهدِ بيلاطسَ البنطيَّ ودُفِنَ، انحدرَ إلى الذينَ في الجحيمِ أيضاً إلى الأمواتِ منذُ الدّهور، والمعتقلين في قبضةِ الشيطان، وقدْ شَمَلَهم هم أيضاً في عملِهِ الفدائيِّ الخلاصيِّ الَّذِي أَعْطَاه إياهُ الآبُ؛ ليكمِّلَهُ. (يوحنا 17: 4)، وقد سبقَ التدبيرُ الإلهيُّ، فهيأ هؤلاءِ الأمواتَ للتوبةِ بيوحنا المعمدان السابقِ الذي قُطِعَ رأسُه. ولهؤلاءِ “الأمواتِ” كرزَ ربُّنا يسوعُ المسيح الذي انحدرَ إلى الجحيمِ لثلاثةِ أيام، وبإيمانِهِم بهِ سلبَهُم منَ الجحيم، وأعتقَهم منْ عذابِ النّارِ الأبديّة. وتنازلَ لهم وأصعدَهم ومنحَ لهمُ الحياةَ الأبديةَ قائلاً: “ادخلوا إلى الفردوسِ مجدداً. وعندَ إتمامِهِ هذا العمل، لم يكنْ للجحيمِ عليهِ أيُّ سلطانٍ فلمْ يستطعْ أن يضبطَهُ، فلقدْ ظنَّ الجحيمُ أنهُ تناولَ إنساناً فألفاهُ إلهاً. فالرّبُّ يسوعُ المسيحِ بقوّةِ الآبِ وبقوَّتِهِ الإلهيّةِ الذاتيةِ طحنَ الأمخالَ الدهريةَ وحطمَ أقفالَ الموتِ وبسلطانِهِ الذاتيِّ قام َمن بينِ الأمواتِ وأقامَ آدمَ مَعَهُ بيدٍ قويةٍ.

تحتفلُ الكنيسةُ بقيامةِ المسيحِ من بينِ الأمواتِ أي انتصارِهِ على الموتِ مترنمةً بفرحٍ: إذ كانَ القبرُ مختوماً أشرقتَ منه أيّها الحياةُ، ولما كانتِ الأبوابُ مغلقةً، وافيْتَ التلاميذَ أيّها المسيحُ الإلهُ قيامةَ الكلّ. وجدّدتَ لنا بهم روحًا مستقيماً، بحسبِ عظيمِ رحمتِك. إن َّهذا الروحَ، روحَه القدوس، روحُ الحقِّ، كرَّسه أو بالأحرى أعطاُه المسيحُ “بالنّفخِ” لتلاميذِهِ في اليومِ الأولِ من القيامةِ قائلاً: “اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُم تُغْفَرُ لَهُم”،(يوحنا 22:20).

 

 ومنحَ “الروحَ القدسَ” أيضاً في جميعِ ظهوراتِهِ بعد القيامةِ اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، (أعمال3:1) و ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ.. (اعمال 1: 9).

وصعدَ يسوعُ المسيحِ بمجدٍ إلى السماواتِ وجلسَ عنْ يمينِ الآبِ مؤلِّهاً الجبلةَ، ولم يتركْ تلاميذَهُ يتامى (يوحنا18:14) ولكنّهُ أرسلَ لهم من الآبِ معزِّياً آخرَ كماوعدَهُم (يوحنا16:14)، روحَ ِالحق، هذا أرسلَهُ، في يومِ العنصرة في صوتٍ كما من هبوبِ ريحٍ عاصفةٍ وفي ألسنةٍ منقسمةٍ كأنَّها من نارٍ، استقرّتْ على كلِّ واحدٍ منهم، (أعمال 2 : 1-3 )، الذي أنارَهم وقوّاهُم وأظهرَهم كارزين بحماسةٍ بصلبِ الرّبِّ وقيامتِهِ. “مُظهراً الصيادينَ غزيري الحكمةِ الذينَ بهم اصطدتَ المسكونةَ”. بكرازتِهمِ زرعَ الكنيسةَ في كلِّ الأرضِ حتّى أقصاها وكما وعدَهُم بأنَّ أَبْوَابَ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. (متى 16: 18).

لهذا فإنَّ الكنيسةَ التي هيَ ظهورُ ملكوتِهِ على الأرضِ قدْ أوكلَ إليها عملُ البشارةِ وبالطبعِ خدمةُ المصالحةِ بمسرّةِ الآبِ؛ لأنهُ كما يقول رسولُ الأممِ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ (2 كور 5: 19) فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا. (كول 2: 9).

إنَّ عملَ المصالحةِ هذا تقومُ به الكنيسةُ التي هيَ جسدُ المسيحِ عبرَ العصورِ في جميعِ أنحاءِ العالم. إنَّ كنيسةَ آوروشليمَ أمَّ الكنائس، هي التي أولُّ منِ اقتبلَ مغفرةَ الخطايا بالقيامةِ، تتمّمُ هذا العملَ في أماكنِ ظهورِهِ بحسبِ الجسدِ على الأرضِ. وتبشِّرُهُم بالسلامِ للبعيدين والسلامِ للقريبينَ وبالأخصِّ في هذهِ الأوقاتِ العصيبةِ منَ الحربِ المشتعلةِ في العالمِ التي تدمرُ بدونِ رحمةٍ ليسَ فقط الممتلكاتِ والمساكنَ بلْ حياةَ الإنسانِ أيضاً.

ومنْ هذهِ الأماكنِ ولا سيّما منَ القبرِ المقدسِ القابلِ الحياةَ، الذي منهُ أشرقَ نورُ الحياةِ والذي في داخِلِهِ يتمُّ القداسُ الإلهيُّ الفصحيُّ للقيامةِ تدعو الكنيسةُ إلى اللهِ من أجلِ وقفِ جميعِ الأعمالِ العدائيةِ الحربيةِ وخاصةً في غزةَ وفي جميعِ بقاعِ الأرضِ المقدّسة والشرقِ الأوسط، متضرعةً للهِ أيضاً من أجلِ وحدةِ الكنائسِ الأرثوذكسيةِ برباطِ السّلام. منْ أجلِ أن يشهدوا لوحدتِها ، وذلكَ لأنّ العالمَ المتألّمَ بشدةٍ ينتظرُ شهادةَ الوحدةِ هذه بفارغِ الصبرِ.

وخاصةً وقبلَ كلِّ شيءٍ تتوسّلُ الكنيسةُ إلى رعيَّتِها في أماكنِ اختصاصِها القانونيِّ في المملكةِ الأردنيّةِ الهاشميّةِ ودولةِ فلسطينَ ودولةِ قطرَ ودولةِ إسرائيلَ وفي كلِّ الأرضِ وإلى الزوارِ المؤمنينَ الأتقياء معايدةً إياكم بالتحيةِ الفصحيّة: المسيحُ قام، وبقولِ المخلّصِ المنتصِرِ: تشجّعوا فأنا قد غلبتُ العالمَ. (يوحنا 16 :33).