رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بعد الصفقة الكبرى

بيان مطمئن، أو من المفترض أن يكون كذلك، صدر عن رئاسة مجلس الوزراء، بشأن صفقة استثمار مباشر ضخمة، تحقق مستهدفات الدولة فى التنمية، وتوفر «سيولة نقدية كبيرة من العملة الصعبة». غير أن هذا البيان قوبل بتعليقات ساخرة أو مستنكرة، مشككة أو متشككة، لم نجد لها سببًا غير تعاطف أصحابها الإرادى، أو اللا إرادى، مع تجار العملة والمضاربين فى سوقها السوداء، والذين راهنوا على خراب البلاد وتهيأوا للجلوس على تلّها!

البيان الصادر، أمس الأول الخميس، قال إن مجلس الوزراء وافق، خلال اجتماعه برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، على أكبر صفقة استثمار مباشر، من خلال شراكة استثمارية مع كيانات كبرى، فى ضوء جهود الدولة الحالية لجذب الاستثمار الأجنبى المباشر، وزيادة موارد الدولة من النقد الأجنبى. ونقل البيان عن الدكتور مدبولى أن هذه الصفقة الاستثمارية الكبرى، التى تتم بشراكة مع كيانات كبرى، تحقق مستهدفات الدولة فى التنمية، التى حدّدها المُخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية، و... و... وجاء فى البيان أن التفاصيل الكاملة لهذه الصفقة، سيتم إعلانها مع توقيع الاتفاقيات الخاصة بها. 

بالفعل، قام رئيس مجلس الوزراء، فور توقيع اتفاقيات صفقة «تنمية مدينة رأس الحكمة الجديدة»، بشرح كل تفاصيل الصفقة، فى مؤتمر صحفى، عقده أمس الجمعة، بمقر مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية الجديدة، موضحًا أن المساحة الإجمالية للمشروع نحو ١٧٠.٨ مليون متر مربع، ٤٠ ألفًا و٦٠٠ فدان، وسيتم تنفيذه بالتعاون بين مصر ودولة الإمارات الشقيقة، ممثلة فى «شركة أبوظبى التنموية القابضة»، باستثمارات قدرها ١٥٠ مليار دولار، سيتم ضخ ٣٥ مليارًا منها، خلال شهرين. 

وأوضح رئيس الوزراء، أيضًا، أن الدولة المصرية ستحصل على ٣٥٪ من أرباح المشروع، وأن الشركة الإماراتية ستؤسس «شركة مساهمة مصرية»، للإشراف على تنفيذ المشروع، الذى يتضمن إنشاء أحياء سكنية لكل المستويات، وفنادق عالمية، ومنتجعات سياحية ومشروعات ترفيهية عملاقة، و... و... ومنطقة حرة، تضم صناعات تكنولوجية وخفيفة وحيًا مركزيًا للمال والأعمال، لاستقطاب الشركات العالمية.

الأهم من كل التفاصيل، فى رأينا، كانت إشارة رئيس مجلس الوزراء، فى البيان الذى صدر الخميس، وأيضًا فى المؤتمر الصحفى، إلى أن هذه الصفقة «بداية لعدة صفقات استثمارية، تعمل عليها الحكومة حاليًا»، وكذا تأكيده أن السيولة النقدية الكبيرة من العملة الصعبة، التى ستوفرها تلك الصفقات، ستسهم فى استقرار سوق النقد الأجنبى، وتحسين الوضع الاقتصادى. ما يعنى، بمنتهى الوضوح، أن الحكومة نجحت، فعلًا أو إلا قليلًا، فى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية الضخمة، وتمكنت من استعادة ثقة الكيانات الاستثمارية الكبرى فى الاقتصاد المصرى وقدرته على تخطى التحديات. وهى الثقة، التى نتوقع تزايدها، حال إنهاء الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، وانتهاء الحكومة من الإجراءات، التى أقرتها «وثيقة سياسة ملكية الدولة»، والمتعلقة بتمكين القطاع الخاص، وزيادة فرص مشاركته فى القطاعات التنموية.

منذ أسبوعين تقريبًا، تحديدًا فى ٨ فبراير الجارى، أكد الدكتور مدبولى، خلال الاجتماع الأسبوعى لمجلس الوزراء، أن هناك لجنة قانونية وفنية شكلها المجلس، لدراسة عروض استثمار فى مشروعات مُهمة، من المقرر أن تُدِر موارد ضخمة من النقد الأجنبى، مشيرًا إلى أن هذه اللجنة استعانت بمكتب محاماة عالمى، لإعداد الصياغات النهائية بشأن اتفاقات وعقود هذه المشروعات، نظرًا لأن هناك تفاصيل مالية وقانونية وفنية كثيرة. كما أشار الدكتور مدبولى إلى أن الإعلان عن كامل التفاصيل سيتم «قريبًا، وعقب الانتهاء من المفاوضات مع المُستثمرين»، مؤكدًا أن هذه المشروعات ستُسهم فى توفير مئات الآلاف من فرص العمل، وتشغيل الشركات المصرية، وانتعاش قطاع الصناعة، وستُحقق مزايا مُتعددة للدولة المصرية.

.. وأخيرًا، ستكون واهمًا لو انتظرت أن تتوقف التعليقات الساخرة أو المستنكرة، المشككة أو المتشككة، بعد إعلان تفاصيل صفقة «تنمية مدينة رأس الحكمة الجديدة»، أو الصفقات الأخرى التالية. وستكون حسن النية، مثلنا، لو لم تجد لتلك التعليقات سببًا غير تعاطف أصحابها الإرادى، أو اللا إرادى، مع تجار العملة والمضاربين فى سوقها السوداء، والذين راهنوا على خراب البلاد وتهيأوا للجلوس على تلّها!.