رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تقارنوه بالهولوكوست

فى إسرائيل يحيون ذكرى الهولوكوست فى الأسبوع الأخير من يناير، يوم 22 يناير هو اليوم الذى حرر فيه الجيش الأحمر السوفيتى معسكر الموت فى أوشفيتز، ويتميز عن يوم هاشواه، وهو يوم ذكرى المحرقة الذى يقام فى الربيع ويحيى ذكرى انتفاضة جيتو وارسو.
هذا العام، إحياء ذكرى الهولوكوست جاء بعد 3 أشهر من هجوم 7 أكتوبر، الذى اعتبره إسرائيليون المذبحة الأكثر دموية ضد اليهود منذ المحرقة، والتى أدت إلى اندلاع الحرب. 
لدى إسرائيل وحلفائها تاريخ طويل فى استخدام ذكرى المحرقة لصرف الانتقادات عن تصرفات إسرائيل مع الشعب الفلسطينى. الادعاء المتكرر هو أنه بدون جيش يهودى قوى ودولة يهودية قوية ليس هناك ما يمنع وقوع محرقة أخرى. واستمرارًا لهذا النمط، بعد هجمات حماس فى السابع من أكتوبر، بدأت إسرائيل فى استحضار المحرقة من أجل حماية الجيش الإسرائيلى من أى انتقاد، بغض النظر عن تفاصيل ما يجرى فى غزة.
الربط بين الهولوكوست وهجوم 7 أكتوبر فى إسرائيل أصبح كبيرًا، هناك من قال عنه إنه «الهولوكوست 2»، و«إننا نعيش محرقة أخرى»، أو «ما يحدث لنا هو محرقة»، وهناك من رفع ذات الشعار إياه: «لا شىء مثل الهولوكوست».
قبل نحو أسبوعين من أحداث السابع من أكتوبر، نشرت منظمات يهودية وإسرائيلية، تعمل على تخليد ذكرى المحرقة النازية، إعلانًا مشتركًا، عنوانه: «لا تقارنوا أى شىء بالمحرقة النازية». وقد عبّرت المنظمات عن معارضتها الشديدة للمقارنات المتكررة بين الأطراف المتناحرة، من يمين ويسار الخريطة السياسية الإسرائيلية، والتى تقارن بين أفعال جهات فى الشعب اليهودى، وفى إسرائيل، بأفعال النازيين والمحرقة، ثم حدث هجوم 7 أكتوبر، وعاد من جديد الربط ولكن تلك المرة مع حماس.
هجوم 7 أكتوبر كان عنيفًا وقاسيًا وغير متوقع، لكن الهولوكوست كانت شيئًا آخر، كانت شيئًا مختلفًا تمامًا، الهولوكوست هى وحشية صارخة فى قلب أيديولوجيتها عنصرية بلا حدود، هدفها إبادة الشعب اليهودى لأنهم يهود، لكن هجوم 7 أكتوبر هو نتاج صراع امتد لعقود بين طرفين غير متكافئين فى القوة، أحدهما محاصر فى قطاع صغير لمدة 16 عامًا، والآخر يتحكم فى طريقة حياته وموته. المقارنة لا تصلح.. هجوم «حماس» كان تحركًا من مجموعة شبه عسكرية تستخدم الأسلحة لمقاومة الاحتلال العسكرى المفروض على الشعب الفلسطينى من قبل واحد من أفضل الجيوش تمويلًا وحداثة فى العالم، والهولوكوست جريمة إنسانية مكتملة الأركان.
حتى لو كان التفسير التوراتى يؤيد، فالمحرقة هى تعبير توراتى يعنى «قوة طبيعية تسقط على رأسك من دون أن تحضّر نفسك لها»، يمكن أن تكون أماكن تحترق، ويتم محوها حرفيًا، حدود تنهار كان المرء يظنها آمنة، وهو ما حدث إجمالًا فى 7 أكتوبر، لكن يظل السياق العام مختلفًا.
يقول ريتشارد هيرشهاوت، من اللجنة اليهودية الأمريكية، عن هجوم 7 أكتوبر: «إنه ليس المحرقة، ولكنّ هناك خيوطًا متصلة واضحة للغاية تذكرنا بالمحرقة بسبب تجربة السابع من أكتوبر، وهى مذبحة فى الواقع، فهذه الخيوط تشمل اليهود المختبئين فى غرف آمنة، وفصل الآباء عن الأطفال، وتشويه الضحايا ثم قتلهم»، وهى جزء من الأشياء التى ارتكبها النازيون ضد اليهود فى المحرقة. 
الهولوكوست شىء آخر، ليست فقط الأيديولوجية هى التى تميزها، لكن أيضًا السياق التاريخى مختلف، الهولوكوست كانت إبادة جماعية آلية نفذتها ألمانيا النازية التى كانت قوة عظمى آنذاك. وكان هدفها القضاء على جميع اليهود. واستمرت هجمات حماس بضعة أيام، وأدت إلى مقتل نحو 1300 شخص. استمر اضطهاد النازيين لليهود لمدة 12 عامًا، ووقعت غالبية الوفيات فى السنوات الأربع من 1941 إلى 1945. وقد لقى أكثر من 6 ملايين يهودى حتفهم فى مصانع موت هتلر.
فى زمن المحرقة كان اليهود «ضعافًا» فى مجتمعاتهم ودون حماية ودون دولة، ودون جيش، اليوم إسرائيل فى زمن مختلف وبقوة مختلفة وحقيقة مختلفة.
.. لا تقارنوه بالهولوكوست.