رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السياحة..الدولار..وأشياءٌ أخرى!

لا شك أن قطاع السياحة فى مصر تأثر سلبا كثيرا جدا بالأحداث السياسية الإقليمية. لكن كل الذين يعملون فى هذا القطاع منذ ما قبل يناير ٢٠١١م يدركون أيضا أن الموسم السياحى الماضى (٢٠٢٢- ٢٠٢٣) ربما يكون الأفضل منذ أحداث يناير. ويعلمون أيضا أن هذا الموسم الحالى (٢٠٢٣- ٢٠٢٤) ورغم هذا التأثر السلبى بالأحداث السياسية ليس سيئا للغاية، بل ربما يكون ثانى أفضل موسم سياحى بعد سابقه منذ أكثر من عقدٍ زمنى. ولأننا جميعا كمصريين غايتنا واحدة وهى الصالح العام ومحاولة الارتقاء بهذا القطاع ثقافيا ومجتمعيا وتنظيميا واقتصاديا إلى أقصى سقفٍ ممكن، فلا مناص من القيام بلفت انتباه القائمين عليه لبعض الظواهر من أجل تحقيق هذه الغاية المنشودة! 
(١)
وأول ما أتوقف عنده يمكن اعتباره ظاهرة أو تطور إيجابى فى قطاع الفندقة فى جنوب مصر لكن ينقصه بعض الضبط أو بالأدق هناك تساؤلات مهنية واقتصادية فى حاجة إلى إجابات قاطعة! 
ففى السنوات القليلة الماضية عرفت بعض مدن مصر السياحية ظاهرة الشقق أو المنازل الفندقية مما ساهم فى تنشيط قطاع السياحة فى بعض مدن جنوب مصر التى كانت تعانى من نقص فى عدد الغرف الفندقية أو عدم تنوعها بشكلٍ كافٍ يلبى رغبات أو أذواق جميع السائحين ويتناسب مع دخولهم المختلفة. كما أسهم ذلك فى ضخ حيوية اقتصادية ودفع بعدد غير قليل من المصريين إلى سوق العمل. وفى مدينة مثل الأقصر أخذت هذه الظاهرة بعدا آخر بمشاركة أفراد غير مصريين من دول مثل إنجلترا وفرنسا فى هذا الاستثمار سواء بشكل مباشر أو (من الباطن) عن طريق مواطنين مصريين. 
أنا أعتبر كل هذا مقبول وإيجابى ومن شأنه المساهمة فى أن تحصل مصر على نصيبٍ من أعداد السائحين يتناسب ولو فى حده الأدنى مع إمكاناتها ومقاصدها السياحية. لكن وفى ظل ما تمر به مصر من مصاعب وفى زخم هذه المعركة التى تخوضها ضد سوق اقتصادية أو دولارية موازية تضم ملايين المصريين وغير المصريين، تصبح التساؤلات الآتية مشروعة تماما!
هل هناك نظام متابعة ديجيتال حقيقى لدخول هذه الأماكن ومدى التزامها الضريبى؟
كثيرٌ منها يصر على التحصيل بالعملات الصعبة التى يخرج معظمها خارج مصر، وهذا معناه إجبار النزلاء على الدفع بالدولار فى وطنٍ عملته الجنيه، ومعناه حرمان البلاد من تغيير مبالغ كثيرة كما كان يحدث سابقا! فلماذا لا تقوم مصر بتحصيل ضرائبها عن هذه المبالغ بالعملات الصعبة بدلا من الجنيه المصرى؟!
لماذا لا نخوض معركة السيطرة على الاتجار فى العملة الصعبة بطرق خارج الصندوق؟ فما يحدث هو اتجار مستتر فى هذه العملة ولا بد من مراجعة طرق متابعة هذه الأنشطة وحجمها وحجم ما تحصل عليه من عملات أجنبية عن طريق الكترونى لا يتدخل به عنصر بشرى. 
فمثلا يمكن إلزام كل مكان من هذه الأمكنة بالتسجيل الالكترونى فى منظومة معلوماتية مغلقة ومكشوفة فلا يقيم نزيلٌ بأىٍ منها دون أن يقوم بالتسجيل فى هذه المنظومة ويمكن من خلالها معرفة ما سدده وبأى عملة وتقدير الضرائب بنفس العملة التى سدد بها. 
ويمكن عمل هذا بعدة خطوات، الأولى هو حصر جميع هذه الأماكن ووضعها فى بنك المنظومة الالكترونية المقترحة، ثم ربط صفحة كل مكان وصفحة حجزها بهذه الدائرة الالكترونية والقيام بتفتيش إدارى دورى يومى أو أسبوعى للمتابعة على الأرض!
هذا يعنى تطبيق لما قاله الرئيس عن (الدولة) التى لا يوجد بها أنشطة اقتصادية بهذا الحجم خارج الاقتصاد الرسمى!
بعض الفرنسييات أو الفرنسيين أو الإنجليزيات أو الإنجليز أو غيرهم من ذوى الجنسيات الغربية الأخرى قرروا اختيار مصر للتقاعد وفتح هذه الشقق الفندقية مستفيدين من فارق العملة.. فلماذا لا تتم محاسبتهم ضريبيا أو إداريا بعملات بلادهم؟
(٢)
والأهم لماذا يصر بعض هؤلاء من ذوى الجنسيات الغربية ممن اقتحموا هذا النشاط الفندقى على كسر قواعد وعرف العمل السياحى فى مصر سواء بالمعاملة المتعالية على باقى منظومة العمل السياحى، أو بممارسة أنشطة سياحية خارج عن قانون العمل الفندقى؟
فهناك على سبيل المثال الصارخ  صاحبة فندق من جنسية أوروبية فى غرب الأقصر تصر على التعامل بغطرسة مع كل من هو مصرى من أفراد منظومة العمل السياحى من سائقين ومندوبى سياحة أو مرشدين إذا ما كان على أحدهم أن يذهب لسائح فى نطاق عمله؟
فدخول ريسبشن أى فندق لمقابلة سائحين من قبل مندوب شركة سياحة أو سائق شركة سياحة أو مرشد هو من أسس هذه الصناعة التى لا يجب أن تخضع لمزاج شخصى غربى يتعالى على الأفراد المصريين العاملين فى المجال!
لا بد من وجود ميثاق عمل أخلاقى يُلزم الجميع على الالتزام به واحترام جميع الأفراد العاملين به. فأى فندق أو منشأة فندقية على أرض مصر ليست مملكة خاصة لصاحبها يطبق فيها ما يتراءى له من أهواء، بل يجب احترام الأعراف المهنية المتفق عليها.
ممارسة بيع رحلات سياحية هو حقٌ أصيل طبقا للقانون لشركات السياحة المرخصة والتى تدفع ضرائبها بانتظام.. تصر هذه الفنادق أو الشقق الفندقية على اغتصاب هذا الحق دون أن تقوم بسداد ما يلزم سداده فى نطاق القانون! فممارسة التسكين الفندقى القانونى يختلف عن ممارسة الأنشطة السياحية الأخرى ولقد ألزم القانون المصرى شركات السياحة بالتزامات مالية نظير حصولهم على حق ممارسة هذا النشاط، وليس من العدل أن تقوم هذه الشقق أو المنازل الفندقية بالسطو على هذه الحقوق القانونية!
(٣)
ماذا عن إجراءات الحماية والأمن الصناعى فى شقق أو منازل متناثرة هنا أو هناك يقطن بها سائحون وربما يحدث على أقل تقدير حريق أو ماس كهربائى دون أن يكون المكان معدا بطريقة صحيحة!
نحن نريد أن نرتقى بهذا القطاع ونضيق احتمالات حدوث أية أخطاء قد ينتج عنها كوارث أو حوادث. نريد أن ينتعش هذا القطاع ويستوعب أكبر قدر من العمالة لكن أن يتم هذا بطريقة صحيحة.
(٤)
بعض العاملين فى القطاع السياحى أصبحوا تجار عملة فى السوق الموازية. هذه حقيقة يجب الاعتراف بها. فمن الظواهر التى انتشرت فى الموسم الماضى خاصة فى المطارات الرئيسية ساعة وصول المجموعات الأجنبية، هى دخول بعض مناديب شركات السياحة لاستقبال مجموعاتهم ومعهم مبالغ مالية مصرية كبرى. وبمجرد مقابلة المجموعات يقومون بنصيحة السائحين بتغيير ما لديهم من عملات أجنبية سواء قبل مغادرة المطار أو بعده فى الحافلات. وبهذا يحرمون المؤسسات البنكية الشرعية من الحصول على العملات الأجنبية ويحصلون على ثروات طائلة غير مشروعة. لأن السائح قطعا سوف يتجه للبنك لتغيير العملة لو لم يحدث هذا معه. لذلك أقترح وضع لوحات استرشادية ضوئية داخل المطارات باللغات الأجنبية أو توزيع بروشور صغير على متن طائرات الشركة المصرية الوطنية لإخطار السائحين بأن تغيير العملة خارج البنوك وشركات الصرافة هو إجراء خارج القانون المصرى! السائحون بثقافتهم الغربية لا يريدون ممارسة أنشطة خارج قانون الدولة المضيفة لهم!
(٥)
من الظواهر المؤسفة والمشينة هى ما نشاهده فى بعض المناطق الأثرية بجنوب مصر وبشكلٍ ملفت فى نطاق معبد كوم امبو بمحافظة أسوان. وأقصد هذا العدد الكبير من الأطفال المتسولين من الجنسين. أطفال من سن السادسة فما أكبر يكتظون على المرسى السياحى وفى نطاق الممشى الإلزامى للمعبد. يقوم رجال شرطة السياحة بجهود كبيرة لمحاولة السيطرة على هذا المشهد المؤسف، لكن يبدو الأمر أحيانا خارج عن السيطرة ويتطلب إعادة نظر فى السماح بدخول هؤلاء الأطفال للمنطقة بأكملها. أطفال مصر يجب أن يتمتعوا بحماية مجتمعية حتى ضد متاجرة بعض الأسر بهم. نحن لا نريد أن نرى أجيالا جديدة تشب على التسول فهؤلاء حبن يكبروا سيكونون قنبلة مجتمعية قابلة للانفجار ولن يكون لهم أى دور لا فى بناء وطن أو حتى بناء أسر سوية. ولا يمكن أن نلقى بهذا العبء الثقيل على عاتق رجال الشرطة كما كنا نفعل فى عهودٍ سابقة. هذه قضية مجتمع بكل مؤسساته المسؤلة عن الطفولة فى مصر ومنظماته المدنية. ونفس هذه الظاهرة تنتشر بشكل أكثر فظاظة على بعض المراسى السياحية سواء بالأقصر أو أسوان!
(٦)
هناك إجراء تنظيمى غريب يتم مع دخول البوابة الرئيسية لمعابد الكرنك. هو إجراء يتنافى مع مبادىء وتوجهات الدولة المصرية، ولا أريد أن أصل بالقول أنه يتنافى مع مبادىء الدستور المصرى. حيث يتم منع  الحافلات السياحية التى تقل مجموعات من الزائرين المصريين من دخول المنطقة المخصصة لانتظار السيارات! على أى مجموعة مصرية أن تغادر الحافلة وأن تدخل سيرا على الأقدام بينما يتم السماح لباقى الحافلات التى تقل أى جنسية أخرى حتى لو جنسيات عربية!
لم أكن أعلم هذا حتى شاهدت ذلك هذا الأسبوع. أسر ومجموعات تضم كبار سن وسيدات عليها أن تغادر الحافلة بينما ترى جميع الجنسيات الأخرى تدخل بحافلاتها!
حتى لو كانت مسافة السير غير مرهقة للشباب فهى مرهقة لغيرهم من الفئات العمرية الأخرى. لكن بعيدا عن فكرة الإرهاق لأن الجميع يسير داخل المعبد لمسافات طويلة، فإن هذا الإجراء يعتبره كثيرٌ من المصريين مهينا لهم وتفرقة فى المعاملة لا يليق أن تحدث فى ظل الجمهورية الجديدة التى أخذت على عاتقها مهمة تنمية الوعى المصرى ودفعت فى سبيل ربط المصريين بتاريخهم وشخصيتهم التاريخية الأصيلة. لا أدرى إن كانت هناك إجراءات مماثلة فى مناطق أثرية أخرى أم لا، لكننى أسجل ما شاهدته وأتمنى أن يتنبه القائمون على المنظومة السياحية إلى خطورة ما ينقله هذا الإجراء من معانٍ سلبية إلى جموع المصريين وإن كانت بالقطع غير مقصودة!
لو كانت هناك تحفظات على سلوك بعض المصريين داخل المناطق الأثرية، فهذا طبيعى لأننا فى مرحلة انتقالية نطمح من خلالها أن نرتقى بهذا السلوك المصرى الجمعى. وهذا لن يحدث بمثل هذه الإجراءات، لكنه يحدث بتنمية الوعى!
كما ذكرت فى مقدمة مقالى هذا فإن هدفنا جميعا كمصريين هو الاصطفاف الوطنى خلف مصر فيما تواجهه من تحديات وجودية واقتصادية ومحاولات خنق اقتصادى صريحة.
وقطاع السياحة هو أحد القطاعات الهامة والذى مثل لمصر دائما شريانا اقتصاديا حيويا. لذلك فمحاولة لفت الانتباه إلى بعض الموارد المسكوت عنها بداخله، أو السلبيات الواجب تداركها هو واجب على كل العاملين به.