رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسرائيلستان!

(١)

إسرائيل ليست دولة ولا علاقة لها بنموذج الدول المدنية الحديثة.. ولا غرابة فيما نسمعه الآن من هذيان بعض من يحملون ألقابًا سياسية وظيفية مثل رئيس وزراء أو وزير..فهؤلاء ليسوا سوى أمراء دم وتطرف وعنصرية مثلهم مثل جميع نظرائهم فى التاريخ الإنسانى قديمه وحديثه ومعاصره!

تتوفر فى هذا الكيان كل المقومات التى تجعل منه النموذج الأنجح والأكمل فى العصر الحديث لتمثيل فكرة إنشاء (إمارة عنصرية دموية). وتجمع هذه الإمارة الدموية  فى تفاصيل نشأتها منذ أكثر من سبعة عقود كل ما وصلت إليه الجماعات السابقة المماثلة من حيث الهوس الدينى واستباحة أية دماء وعدم الاعتراف بأية قوانين مدنية باعتبار نفسها استثناءً إلهيًا!

الصهيونية كفكرة شأنها شأن كل الأفكار التى استمدت وجودها من جنون بشرى متخفٍ تحت قناع دينى، وفى واقعها ليست إلا انحرافًا عن القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية!

والكيان الصهيونى شأنه شأن الإمارات الصليبية الأوروبية، فجميعها عبارة عن أشكال مكررة من الغزو والاستعمار.

نعم كان هناك دائمًا وجود يهودى فى فلسطين بجوار الوجود القبائلى العربى، كما وجدت لليهود هناك مملكة قديمة فيما يوازى القرن العاشر قبل الميلاد، لكن أيضًا من أتوا من صهاينة العالم الحديث لا علاقة بينهم وبين اليهود الذين كانوا دائمًا من سكان فلسطين، والذين كان عددهم لا يتجاوز عشرة آلاف مقارنة بعدد الفلسطينيين العرب البالغ ٧٠٠ ألف فى نفس الوقت وهو وقت إعلان بلفور، لذلك فالصهيونية ليست إلا استعمارًا خالصًا والصهاينة المعاصرون ليسوا إلا محتلين! 

(٢)

وإذا كان مصطلح (-- ستان) قد أصبح رمزًا لفكرة الإمارة العنصرية القائمة على فكرة عنصرية دينية تجمع شتات المهاويس أو المستفيدين من الفكرة على أرض واحدة لا تربطها بهم أى روابط، إذا كان الأمر كذلك، فيكون من بديهيات الأمور أن يكون الكيان الصهيونى هو الأحق فى القرن العشرين وهذا القرن بحمل هذا اللقب!

قامت إمارة إسرائيلستان على فكرة فاسدة عنصرية طائفية، وهى أن الله منح أصحاب ديانة معينة حقًا فى طرد أصحاب أرض من أرضهم وسلب ممتلكاتهم وقتل من يحاول الدفاع عن بيته وأهله أو نفسه، بما يعنى اتهام الذات الإلهية بالظلم والمحاباة لفئة دون غيرها! ورغم فساد الفكرة الأصلية إلا أنهم حتى لم يصدقوا فى تنفيذ الفكرة الفاسدة وقاموا بعملية نصب وتزوير فى هوية من أتوا بهم من شتات الكرة الأرضية بما يعنى اقتناعهم بقدرتهم على خداع الذات الإلهية التى يدعون أنها منحتهم هذا الحق!

(٣)

كل الإمارات التى تقوم على هذا الأساس لا يمكن أن تتم مواجهتها بالمنطق أو قيم العدل والحق أو مواد القوانين المكتوبة! لأن المنتمين إليها لديهم رؤاهم الخاصة لهذه القيم، فهى عندهم غير مطلقة وتخضع للمحاباة من الذات الإلهية ذاتها، فلو أن الأخلاق المجردة تمنع كل جيوش العالم من قتل الأطفال، فهذه الأخلاق ذاتها تجعل من هذا الفعل الإجرامى فعلًا مقبولًا وأحيانًا محبوبًا ومستساغًا عند المنتمين لإمارة إسرائيلستان لأن كل الأطفال- غير أطفالهم - مجرد حيوانات يُخشى خطرها حين تكبر!

الحق الوحيد الذى يقنع حكام إمارة إسرائيلستان هو القوة المجردة.. قوة الإجبار على الرضوخ..فهم مثل مجموعة بلطجية مسلحين متعاطين لجرعات كبرى من خليط من مخدرات إذهاب العقل وسوف يكون من العبث محاولة إقناعهم عقليًا! هذه حقيقة..فتأثير ما يتعاطاه هؤلاء من أفكار يفوق كثيرًا تأثير أى مخدرات! هم نماذج متطابقة من الإرهابيين الذين يفجرون المدارس أو دور العبادة..لا مجال لإقناعهم بشىء، لأن جرائمهم شاذة عن السلوك الإنسانى الطبيعى والطريقة الوحيدة للتعاطى معهم هى منعهم بالقوة.

(٤)

إمارة صهيونستان ليست الأقوى فى التاريخ حتى لو كانت الأكثر دموية وإجرامًا.. فهناك إمارات سبقتها كانت قوة حقيقية، لكن هذه الإمارة هى فى الواقع تقوم بدور رجل العمليات القذرة للقوى الدولية الأقوى فى العالم! منذ قيامها كانت عبارة عن خنزيرٍ قذر تم الخلاص منه من مواطن هذه القوى الإقليمية الغربية..وقبل الخلاص منه تم حقنه بهرمونات تجعله يعتقد كذبًا أنه أسدٌ مثلًا أو فرسٌ أصيلٌ شجاع!

تقوم تلك القوى بتقييد الضحايا له ليدهسها بأقدامه القذرة ورائحته النتنة فيتوهم كذبًا أنه هو القوى القادر، بينما يقهقه خلف الستار مَن يقومون بحقنه طالما يقوم بدوره المطلوب ولا مانع من البصق عليه سرًا!

لذلك فهى الإمارة صاحبة أقذر تاريخ من بين الإمارات الشبيهة التى كانت تمثل الفكرة الفاسدة الدموية لكن كانت تمثلها بشكل حقيقى!

إسرائيلستان أو صهيونستان حالة طارئة عارضة سوف يتم اجتثاثها قطعًا مهما ظهر ذلك مستحيلًا وبعيد المنال..فعمرها فى تاريخ المنطقة لا يتعدى بضع عشرات من السنين. وهذا العمر يعد الأقصر مقارنة بالإمارات السابقة على نفس الأرض، هى مثلها مثل إمارات الحملات الصليبية وإمارات داعش وغيرها. فعوامل بقائها المتمثلة فقط فى قوة دول كبرى أخرى هى عوامل طارئة وليست سرمدية، هى عوامل لا تقيم دولًا مستقرة.. قوة بقاء الدول تتمثل مفردات أخرى مثل الانتماء للأرض والقبول بين الجيران، والأرض ذاتها تطرد الغرباء والدخلاء، ينطبق على هذه الحالة قول الله تعالى وتلك الأيام نداولها بين الناس. ولن يقوم بالقضاء على تلك الإمارة إلا أصحاب الأرض وأصحاب الحق الحقيقى، فاللصوص لا يتشبثون بما سرقوه حين يتعرض أمانهم للخطر، أما أصحاب الحق فيموتون راضين دفاعًا عن حقهم وممتلكاتهم.

(٥)

حماس ليست هى البطل وليست هى محررة فلسطين لسبب بسيط أنها ومنذ تكوينها لم تعتنق فكرة الدفاع عن الأرض والحق، وإنما ربطت بقائها وجهادها بفكرة أخرى هى فكرة الجماعة الأيديولوجية وليست جماعة المقاومة المدافعة عن التراب الوطنى.

فمنذ خمسينيات القرن الماضى حين تم الحديث لأول مرة عن فكرة التوطين الفلسطينى خارج فلسطين، منذ ذلك التاريخ رفضت كل جماعات المقاومة الوطنية الفلسطينية الفكرة بالدم، وسجلت الوثائق أن حماس وحدها قبلت ذلك، بما يعنى أنها قبلت بقاء الجماعة بنفوذها فى أى أرض وبما يكذب أى حديث لقادتها عن التمسك بأرض فلسطين. 

البطل الحقيقى فى هذه الدراما هو المواطن الفلسطينى الذى قبل أن يموت فى أرضه عن الذهاب لأرض أخرى. البطل الحقيقى هو الذى سيبقى مغروسًا فى أرضه ولا تحركه عقيدة سوى اعتقاده بقداسة حقه فى أرضه.

إننى أقولها بصراحة..لو لم تقف مصر بقوة ضد مخطط التهجير الوقح ولو لم تقم مصر بحماية حدودها لقبلت حماس أن تضع قدمها ويدها على قطعة من أرض سيناء، ولحاولت أن تجعل منها إمارة شبيهة بإمارة صهيونستان وهذا هو معنى كلام أسامة حمدان حرفيًا!