رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو قراءة واقعية لنتائج الانتخابات الرئاسية..!

(١)

حين تم إعلان الجدول الزمنى لمراحل الانتخابات المصرية الرئاسية راهنتُ بعض الصديقات والأصدقاء على نتائجها، وعلى بعض تفاصيل ومفردات هذه النتائج، وقد كان ذلك قبل تفجر الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية. توقعت ارتفاع نسبة المشاركة عما توقعه وقتها كثيرٌ من المصريين، كما توقعتُ ارتفاع نسبة مشاركة بعض الفئات عما كانت عليه فى الماضى. ولقد نجحت توقعاتى بصورة كبيرة وربحتُ مرة أخرى  رهانى على القيادة الحالية للدولة المصرية، كما ربحتُ وربحت معى مصر، رغم هذه المعطيات الجديدة الكبرى التى ألقت بظلالها على نتائج هذه الانتخابات! 

مما لا شك فيه أن تفجر الأحداث فى الأراضى الفلسطينية، وعلى الأخص فى قطاع غزة الملاصق لمصر، وما يصاحب ذلك من تعرض مصر لتهديدات صريحة تستهدف سيادتها وسلامة أراضيها، كان له دورٌ مهم فى ارتفاع نسبة المشاركة لما أحسته هذه الكتل المصرية من ضرورة قيامها بدورها الوجوبى فى رفع صوتها للعالم الخارجى دفاعًا عن بلادها. قد يحاول البعض أن يقنعك بأن هذه النسبة من المشاركة، والتى تُعد الأعلى فى تاريخ مصر إنما كانت دفاعًا عن مصر ولم تكن عن قناعة تامة بأداء الإدارة المصرية فى السنوات السابقة! 

وفى هذا الطرح صورة مثالية للتناقض واستهتار بقواعد التفكير المنطقى.. حين ترى أحدهم يريد أن يقنعك بالشىء وعكسه فى عبارة واحدة! 

ففى المواقف واللحظات الحاسمة وأوقات الشدة والفتن، تقف الشعوب دائمًا خلف من تثق فى ولائهم وقدراتهم على قيادة البلاد إلى شواطئ الأمان. ولو كان هناك شكٌ أو ريبة فى صدور المصريين تجاه طريقة أو قدرة وكفاءة  إدارة الدولة المصرية لكان ما تتعرض له المنطقة والبلاد فرصة ذهبية لهم ليعبروا عن هذا الشك والريبة، ولينزعوا الشرعية التى تحتاجها تلك القيادة أو الإدارة. هذا هو المنطق السليم، وهذه طبائع الأمور وبديهياتها. ولا يمكن هنا أن نفصل الاقتصاد عن السياسة فى فلسفة الحكم، فاقتناع الشعوب بتلك الفلسفة يعنى موافقة ضمنية على الإدارة الكلية أو الرؤية الكلية اقتصادية كانت أو سياسية!

(٢)

حسب التحليلات الأولية لنتائج تلك الانتخابات فقد أكد بعض مراكز البحث ارتفاع نسبة المشاركة بين شباب مصر من الجنسين، وحافظت المرأة المصرية على ارتفاع نسبة مشاركتها، والتى دشنتْها منذ ثورة يونيو. هذا يعنى أن غالبية من لهم حق التصويت من شباب مصر يثقون فى قيادة الرئيس السيسى فى السنوات السابقة، كما يعنى أن لديهم ثقة فى أن  آمالهم المشروعة فى مستقبل أفضل لهم ولبلادهم يمكن تحقيقها فى ولاية جديدة لإدارة السيسى. وهذا يعنى تغيير ما كان يتم ترويجه عن انتشار الإحباط بين شباب مصر، كما يعنى اقتناع هؤلاء الشباب بوجود فرص حقيقية لهم فى مصر لأن الشباب هم أكثر الفئات قوة فى ردود الفعل. فلو لم يكن لديهم أمل فى وجود هذه الفرص لهم لكان إعراضهم عن المشاركة فى هذه الانتخابات هو أقل ما يمكن توقعه منهم من ردود الأفعال تلك!

كما يعنى استمرار حفاظ المرأة المصرية على نسبة مشاركة عالية فى ممارسة حقها فى التصويت أن القيادة المصرية قد صدقت فى جهودها الموجهة للمرأة فى السنوات السابقة. ويعنى أيضًا أن حجر الزاوية فى المجتمع المصرى يثق تمامًا فى هذه القيادة بما يعنى وجود أسس للاستقرار المجتمعى فى السنوات الست التالية.

(٣)

على المستوى الخارجى أو الدولى، يمكن القول إن نتائج الانتخابات المصرية، من حيث نسبة المشاركة ونسبة التصويت الصحيح ونسبة التصويت للسيسى، كانت صادمة لبعض الدول والجهات المترقبة للمشهد المصرى. فبكل صراحة، وطبقا لما استمعتُ إليه من بعض التعليقات أو الأسئلة الصريحة من بعض ذوى الجنسيات الغربية قبيل الانتخابات، كان هناك ترقب لتصويت المصريين بحثا عن فرصة تمنحهم مناقشة شرعية حكم السيسى فى السنوات المقبلة وما يمكن أن يمثله ضعف الإقبال، الذى كان يتمناه بعض الجهات، للطعن فى تلك الشرعية، أو على أقل تقدير لاستخدام نسبة المشاركة الضعيفة للضغط على الإدارة المصرية فى بعض الملفات المصيرية الحاسمة!

لذلك فلن أكون مبالغًا إن قلت إن ارتفاع نسبة مشاركة المصريين فى هذه الانتخابات الاستثنائية كان من ناحية بمثابة صفعة قوية على وجه كل من كان يتربص بمصر، كما أجهض ما كان محتملًا أو مخططًا له من ضغوط على إدارة مصر.

ومن ناحية أخرى فقد كانت هذه النسبة المرتفعة وغير المسبوقة فى تاريخ مصر بمثابة الحد الفاصل بين تاريخين أو عهدين سياسيين منفصلين، أو لنقل إنه انتقال بالعهد السياسى الثانى لمرحلة أكثر قوة وعنفوانا.. التاريخ الأول والممتد حتى انتخابات ٢٠١٠م  يمثل حكومات مصرية ذات شرعية، يمكن التشكيك بها لعزوف المصريين عن المشاركات السياسية إحباطًا ويأسًا من جدوى مشاركاتها.. بينما بدأ التاريخ الثانى بعد عام ٢٠١١م، وكان لزامًا أن يرتكب المصريون بعض الأخطاء حتى يصلوا بعد ذلك إلى هذه الدرجة من الوعى فى فترة قصيرة جدا.. وُلِد العهد الثانى فى انتخابات ٢٠١٤م، التى أخرست كل ألسنة الخارج وذيولها فى الداخل ووثقت- بشكل رسمى- شرعية حكم ثورة يونيو.

هذا العهد السياسى الجديد أجبر حكومات الغرب على "التأدب السياسى" فى التعامل مع القيادة المصرية، التى أصبحت تستمد شرعيتها- وبشكل خالص لا تشوبه أى شوائب- من المصريين! 

فى أواخر سنوات حكم مبارك اضطررتُ للرد بالغ الحدة على أحد الأوروبيين العاملين فى مصر حين سخر من مصر، وهو يشير إلى أحد صور مبارك "هو دا ديكتاتوركم العجوز؟!". 

بعد انتخابات ٢٠١٤م أصبحوا يعلمون جيدًا أن من يحكم مصر لديه شرعية قانونية كاملة غير منقوصة، وهو ما يمنح تلك القيادة قوة كبرى فى التعاطى مع ملفات الخارج الأكثر خطورة، كما يمنحها ظهيرًا شعبيًا حقيقيًا يساندها فى مواقفها الرافضة للضغوط أو الوقاحات السياسية التى ربما تواجهها فى الغرف المغلقة!

ثم جاءت الانتخابات الأخيرة- وعلى غير ما تمناه بعضهم- لتنتقل بهذا العهد السياسى الجديد إلى مرحلة أكثر قوة وصلابة، لأنها جاءت بعد صعوبات اقتصادية وانتشار حالة تململ لدى كثير من المصريين تجاه هذه الصعوبات مما أسال لعاب الذئاب وأثار شهيتهم لمحاولة العودة للعهد السياسى الأول!

أثبت المصريون أنهم نضجوا كثيرًا توعويًا، ولم تعد تحركهم تلك الدعايات الساذجة، كما كان يحدث منذ أقل من عقدٍ ونصف! 

لقد كان المشهد الأخير صادقًا وشفافًا لدرجة لم تجرؤ معها أي جهة على محاولة ما كانت تمارسه فى عهودٍ سابقة من ملء الدنيا ضجيجًا وتباكيًا على الديمقراطية الذبيحة فى بلاد الشرق ومنها مصر!

(٤)

كل ما سبق لا يمنعنا من تكرار ما نعلمه جميعًا، وهو أن كثيرًا من ثقة المصريين فى إدارة الدولة المصرية فى السنوات السابقة إنما مصدره هذه العلاقة التى توطدت بين جموع المصريين وبين شخص الرئيس السيسى. فالمصريون يثقون فى هذا الرجل، وتثبت لهم الأحداث المحلية والدولية، كل يوم تقريبا، أنهم كانوا على صوابٍ تماما فى تلك الثقة. فلم يخذلهم منذ أن تصدى للمشهد فى اللحظات المصيرية الحاسمة. ثم أثبت لهم صدقه وصدق رؤيته بشكل واقعى لا تخطئه عينٌ منصفة، ونحن نعلم أن الشعوب لديها بوصلتها الخاصة التى قلما تخطئ..

هذا يعنى بشكلٍ واضح أن المصريين قرروا الترفع، أو عدم التوقف عند بعض التفاصيل الاقتصادية انطلاقًا من باب فقه الشعوب الوطنى! وأيضًا تصديقًا للرئيس وتكريما له. 

فالمصريون فى مجملهم، طبقا للنتائج الحقيقية للتصويت الأخير، مقتنعون بالرؤية الكلية التى طرحها الرئيس فى ضرورة المضى قدمًا فى ملف الإصلاح الاقتصادى، رغم تململهم الطبيعى من ارتفاع الأسعار.

لكنهم أيضًا لديهم ككل الشعوب تحفظات تخص بعض تفاصيل الملف الاقتصادى، خاصة تلك التى تتعلق بمفردات الحياة اليومية!

فموافقة المصريين على الرؤية الاقتصادية الكلية للقيادة السياسية لا تمنع ضجر المصريين وغضبهم مما يمارسه بعض التجار من ممارسات، وما يعتقد المصريون أنه تقاعس من بعض إدارات المراقبة على الأسواق أو فساد بعض القائمين على تلك الإدارات، سواء كان فسادًا مجانيًا لمجرد عدم الكفاءة أو التكاسل، أو فسادًا مدفوع الثمن!

واعتقاد المصريين بأن فكرة تحرير سعر الصرف فى حد ذاته هى من بديهيات الإصلاح الاقتصادى لا يمنع ضجرهم مما يحدث من ظواهر علنية، مثل  اتجار بعض المصريين فى العملة الصعبة ممن يروجون عن أنفسهم أنهم محميون من بعض أصحاب النفوذ، أو الصمت عن ممارسة كثيرٍ من "ضيوف" مصر لنفس التجارة.. هذه الظواهر تضاعف من الآثار الاقتصادية للإصلاح الاقتصادى على كواهل المصريين! 

هذا ما يجب أن يدركه بعض من يتصدون لقيادة بعض منظومات الإدارات الحكومية المصرية المنفذة لرؤية الرئيس الكلية، والذين ربما سيستمرون فى مناصبهم ومواقعهم الإدارية فى فترة الرئاسة الجديدة للرئيس عبد الفتاح السيسى. فنتيجة الانتخابات تقول إن المصريين قد منحوا الرئيس ثقتهم لست سنوات مقبلة، لكن لديهم بعض التحفظات على أداء بعض الإدارات الحكومية. 

فرغم ارتفاع نسبة التصويت الصحيح مقارنة بأى انتخابات سابقة، لكن هناك مئات الآلاف الذين بطلت أصواتهم، ونحن لا نعرف يقينا إن كانوا قد اتخذوا هذا الموقف عن عمد أم لا! 

كما أن هناك عددا لا بأس به من المصريين قد صوتوا لصالح مرشحين ربما لم يسمعوا أسماءهم قبل هذه الانتخابات. ومن المحتمل أن يكون كثير ممن صوتوا لهؤلاء المرشحين قد فعلوا ذلك اعتراضًا! 

لذلك فمن تمام النضج السياسى أن يدرس القائمون على حملة الرئيس السيسى هذه الأرقام جيدًا ويحاولوا أن يتوصلوا للأسباب- التى دفعت هؤلاء الذين أبطلوا أصواتهم أو صوتوا لغير الرئيس السيسى- لذلك.

(٥)

(من ملوك الطوائف إلى ملوك الفصائل!)

إن ما يحدث فى قطاع غزة جعل الشأن المحلى المصرى لا ينفصل عن الشأن الإقليمى، بل ربما يضع المصريون هذا الشأن الإقليمى وتأثيره على مصر فى مرتبة تفوق كل تفاصيل حياتهم المحلية. لذلك يتابع المصريون ما يحدث هناك لحظة بلحظة، كما يتابعون أداء الدولة المصرية فى هذه المحنة من اليوم الأول. وربما يكون هذا الأداء هو ما حسم موقف بعض المصريين ودفعهم دفعًا لصناديق الاقتراع تأييدًا لقيادة من الطراز الرفيع على المستوى الوطنى والأخلاقى والعلمى. لذلك لا يمكن تناول أى مشهد مصرى الآن دون الإشارة إلى ما يحدث على حدودها الشرقية!

يمكن أن نقول إن مصر سارت على طريقٍ واحد واضح محدد منذ اليوم الأول حتى الآن. كانت خطواتها متسقة تمامًا مع شخصيتها وتاريخها البعيد والمعاصر. وأول محددات ذلك الطريق هو العلانية والشفافية التامة. لا حديث فى السر تخجل منه أو يخالف ما تعلنه. مساندة الشعب الفلسطينى بشكل عملى وفعلى لا يقتصر على المسارات الدبلوماسية أو الفعاليات الشكلية التى تحظى بالقبول الشعبى الديمجاوجى. 

والآن العالم أجمع أصبح على يقين بالمواقف المصرية منذ السابع من أكتوبر حتى المبادرة المصرية الأخيرة لوقف العدوان. لم تعد هناك أسرار أو مواقف سرية منذ تغيير مصر لقواعد الدبلوماسية التقليدية واستبدالها بأخرى كاشفة وصادمة لإشراك الشعب المصرى فى المسئولية إشراكًا مباشرًا، وتحميل العالم مسئولياته الأخلاقية، مثل جميع اللقاءات الرئاسية المصرية مع قيادات الحكومات الغربية التى قصدت القاهرة فى الأسابيع الأولى من العدوان لمحاولة تمرير مخطط التهجير!

أما الركن الثانى لسياسة مصر فقد كان رفض تصفية القضية الفلسطينية، وعدم الاكتفاء برفض مخطط التهجير، وهو ما أجبر حكومات دول غربية على تغيير مواقفها التى كانت مساندة لإسرائيل بشكل مطلق غير مشروط فى الأيام الأولى بعد هجوم السابع من أكتوبر. 

حددت مصر طريقها فى مساندة صمود الشعب الفلسطينى فى التمسك بأرضه والتشبث بالبقاء على قضيته على قيد الحياة. 

وأدركت مصر أن أى نجاح فى تهدئة وتيرة العدوان أو تبريد حدته سيكون مفيدا للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار. 

مصر مشغولة بشكل رئيسى بمحاولة الوصول إلى حقن دماء الشعب الفلسطينى، وإنقاذ القضية الفلسطينية من الاغتيال النهائى حتى لو حدث ذلك بطريق متدرج. 

أى أن رؤية مصر التى قادتها إلى المبادرة الأخيرة والأهم والتى تتناولها وسائل الإعلام حاليا تقوم على اقتناع مصر بفكرة التدرج لتحقيق الأهداف الأهم والتى تتمثل فى استدراج أو إجبار  الكيان على وقف إطلاق النار، وتجرع السلام الذى يكرهه ويتناقض مع طبيعته الاستعمارية الطامعة دائمًا للتمدد!

(٦)

قدمت مصر مبادرتها التى تتضمن ثلاث مراحل تقود فى نهايتها إلى وقف دائم للعدوان، ومحاولة لم شمل الصف الفلسطينى بعد أن تكون هناك حكومة تكنوقراط تضطلع بمهمة توزيع المعونات لإنقاذ حياة أكثر من مليونى إنسان!

حتى الآن يمكن القول إن غالبية الفصائل الفلسطينية قد رفضت المبادرة أو تحفظت على بعض بنودها، وأن السبب الرئيسى للرفض كان وبكل وضوح هو عدم الرضا عن الأنصبة  السياسية، أو الحصة السياسية  فى المشهد الفلسطينى إن توقف العدوان، والتى يطمح كل فصيل أن المبادرة سوف تمنحها- أى هذه الحصة- له أو تمنعها عنه!

هذه العبارات البسيطة حين نقوم بتفكيكها وترجمتها إلى معانٍ حقيقية على الأرض، فسوف يصيبنا الفزع التام من مجرد التخيل بأن هناك أحدٌ ما من المنتمين لهذا الشعب يمكنه أن يتردد لحظة واحدة فى العمل على وقف العدوان، أو أن يكون هو نفسه عائقًا دون ذلك لمجرد التشبث بالنفوذ، أو الحصول على مقعد حكم على أطلال وخرائب غزة، أو الحصول على ما يعتبرونه حقًا واجب النفاذ وأن استبعادهم يمثل اعتداء على أولويات الشعب!

منذ قرونٍ طويلة كانت هناك ممالك متناحرة فى الأندلس. بعد أن سيطر العرب على الأندلس وشيدوا حضارتهم بدأت أطماعهم البينية، وبدأوا يتناحرون بينهم ويتآمرون على بعضهم البعض بالتحالفات الثنائية بين أحدهم وبين مملكة من ممالك أعدائهم! وظهرت طوائف وصلت لحكم بعض الممالك بقوة السلاح..

ملوك هذه الممالك والطوائف- والذين كان بعضهم يحكم ممالك لا يتعدى بعضها مدينة واحدة- كانوا السبب فى زوال دولهم وممالكهم جميعًا!

قرأت تاريخهم ولم أتعاطف معهم ولا مع دولهم.. فهم فى الأساس كانوا غزاة مستعمرين لا يختلفون عن الغزاة الصليبيين فى الشرق.. الغزو هو الغزو واستعمار الشعوب لا يتغير ولا يمكن أن تجمله أى رايات دينية!

لكن الخيبة كل الخيبة حين يتحول المقاومون، والذين يدافعون عن قضية مشروعة عادلة وعن شعبٍ تجرع كل أنواع المظالم عبر العقود، إلى صورة من صور ملوك الطوائف!

لقد حدث هذا يومًا ما حين صُوبت بنادق بعضهم تجاه صدور البعض الآخر وسُفك الدم الحرام.. وكان ذلك بعد عقود من مقاومة وطنية موحدة.. ومن فعلوها رفعوا رايات دينية وقتها!

لكن الموقف الآن لا يحتمل أيًا من هذه الصغائر! أتمنى أن يتشبث الجميع بأى فرصة لوقف العدوان وحقن دماء هذا الشعب المجاهد مهما تكن تضحيات الفصائل!

أتمنى ألا يضع  ملوك الفصائل فى الخارج نصب أعينهم إلا حقن الدماء والتشبث بالأرض! 

أى تكريس لانقسام داخلى أو اجترار لصفحات مشينة وذكريات بائسة أو إهدار لأى فرص مهما كانت ضئيلة لحقن الدماء، أى من ذلك سوف يكون خيانة صريحة للدماء الفلسطينية، مهما يكن اسم أو صفة من يجرؤ على فعله!

مصر الآن تواجه أخطر مراحل المؤامرة.. لقد اتخذت مصر قرارها بالفعل مهما يكن الثمن.. لا تفريط فى سيادتها وسلامة أراضيها وأمنها القومى.. وأيضًا لا خذلان لمن يدركون أنها هى دائمًا من صدقت وعودها وتمسكت بشرفها التاريخى رغم قيام الجميع بخلع ملابسهم السياسية!

على المصريين الذين صوتوا فى تلك الانتخابات الأخيرة إدراك أنه كان تصويتًا على خوض المواجهة خلف تلك القيادة مهما يكن ثمن تلك المواجهة.. وفى تلك المواجهات لكل منا دوره.. وأنا شخصيًا على يقين أن المصريين قد نضجوا بشكلٍ لا يُخشى فيه على مصر من جبهتها الداخلية!