رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طرق التجارة المصرية عبر العصور.. والتحديات الجديدة لقناة السويس!

(1)

هبات ومنح الله لمصر لن يستطيع أحدٌ أن يسلبها منها. وأهم ما وهب الله مصرَ هو موقعها الجغرافى المتفرد، والذى وصفه الراحل جمال حمدان بالموقع العبقرى! ربما لا يعرف كثيرون أن المصريين كانوا سادة التجارة القديمة، منذ فجر تاريخهم المكتوب. صنعوا وصدروا مصنوعاتهم إلى الشعوب المجاورة. وأصبحت القطع المصرية من الفخار والمشغولات التى وُجدت خارج مصر تحكى جزءًا من حضارتها، كما تثبت وجود هذه التجارة على الأقل منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة عام قبل الميلاد، كما هو الحال فى كنعان قبل الأسرة المصرية الأولى. كانت مسار طرق التجارة بشكل رئيسى شرقًا وجنوبًا. شرقًا بامتداد سواحل البحر الأحمر من أقصى الجنوب حتى حدود مصر الشمالية. وجنوبًا وصلت قوافل التجارة المصرية إلى أعماق السودان منذ عصر الدولة القديمة، أى منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد.

كانت طرق التجارة المصرية- جنوبا وشرقا- برية وبحرية. قوافل التجارة المصرية البرية اعتمدت على الحمير بشكل رئيسى، خاصة فى الجنوب حين كان نطاق شبه الصحراء ذا المراعى أكثر امتدادًا من الآن. وبحريًا صنّع المصريون سفن تجارة ذات أحجام مختلفة يقودها ملاحون وبحارة مصريون وتجار رسميون يمثلون وزارة التجارة المصرية القديمة. كانت مصر ترسل بعثات تجارية بحرية رسمية لجلب أنواعٍ معينة من المنتجات التى تفتقد وجودها فى مصر، والتى كانت تحتاجها فى صناعتها وممارساتها وطقوسها اليومية، مثل الأخشاب والبخور والعطور والجلود والحيوانات، وبعض الأحجار الكريمة وشبه الكريمة. كانت تلك الحملات تحمل معها منتجات مصرية مقابلًا لما تطلبه مصر. وأهم منتجات مصر كانت المحاصيل الزراعية وبعض قطع الذهب والمشغولات الذهبية.

لدينا عشرات الآلاف من الوثائق المكتوبة على صحائف البردى والمرسومة والمنقوشة على جدران مقابر كبار الموظفين المسئولين عن تجارة مصر، وأيضًا بعض الوثائق الملكية، ومن أشهرها توثيق حملة الملكة المصرية العظيمة حتشبسوت التى أرسلتها إلى بلاد "بونت"، أو ما يُعتقد أنه الصومال.. كانت بعض بعثات التجارة ذات مشاهد وتفاصيل مهيبة جدا تمثل قوة الدولة المصرية.

(2)

أنشأت مصر الموانئ التجارية على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط منذ عصور تاريخية مبكرة جدًا. لدينا وثائق عن موانئ مصر على سواحل البحر الأحمر فى الدولة القديمة، والتى كان حكام مقاطعة أسوان مسئولين عن حمايتها وتأمينها. وحين كان بعض قبائل الصحراء يهدد تلك الموانئ، فقد كانت الحكومة المصرية المركزية ترسل حملات عسكرية تأديبية، مثلما حدث فى الأسرة السادسة المصرية منذ أكثر من ألفى عام قبل الميلاد!

موانئ مصر على البحر الأحمر هى كلمة السر فيما يتم الكشف عنه حاليًا مدفونًا بصحراوات بعض الدول العربية الشقيقة على الجانب الآخر من البحر الأحمر، وهو أيضًا كلمة السر فيما يتم الكشف عنه من بعض النقوش المصرية على بعض الصخور فى نفس تلك الدول، وكان آخرها وأشهرها النقش الذى يحتوى اسم الملك المصرى العظيم رمسيس الثانى! هذا هو ما حدث وليس العكس، كما يحاول البعض ترويجه الآن من دجل تاريخى! سفن مصر التجارية عبرت البحر الأحمر! وتجار مصر وصلوا لسواحل البحر الأحمر المواجهة للحدود المصرية! والعكس لا يمكن أن يكون له أى نصيب من الصحة التاريخية، لسبب تاريخى ساطع، هو أن أهل تلك البلاد لم يكونوا بصفة عامة من صناع السفن، أو حتى من محبى ركوب البحر، واستمر ذلك حتى بعد الغزو العربى، حين تمت الاستعانة بالمصريين لبناء أساطيل دولة الخلافة فى مصر والشام وتونس!

قديما كانت تأتى البضائع برًا حتى الوصول لأفرع النيل، فيتم شحنها نيلًا لموانئ مصر الشمالية.. فى عصر الدولة الوسطى- حوالى ألفى عام قبل الميلاد- فكر المصريون، لأول مرة، فى إيجاد طريق مائى كامل عبر حفر أول مشروع لقناة مائية تربط البحر الأحمر بالنيل، وهو ما يسمى بقناة سيزوستريس أو سنوسرت!

(3)

شخصية مصر التاريخية التى اختارت السلام كسمة أساسية لها فرضت ظلالها على طرق ممارسة مصر للتجارة وإدارتها طرقها المختلفة. فلم تعرف مصر قديمًا ظواهر الإغارة على قوافل التجارة الأجنبية، ولم يكن نهب تلك القوافل أو تهديدها من سمات أو ممارسات المصريين، بل على العكس فقد كان المصريون يحتفون بالتجار ويحسنون وفادتهم ويقدمون كثيرًا من مظاهر كرم الضيافة والاحتفاء. هذه السمات وضعت ثقة الشعوب المجاورة فى طرق التجارة المصرية فازدهرت ومثلت موردًا مهمًا من موارد مصر الاقتصادية عبر القرون. حكام مصر القدامى كانوا معتدلين فى نظرتهم للأرباح التى يمكن الحصول عليها من تلك التجارة.. كانوا دائمًا ينظرون لصالح البلاد على المدى الطويل.. وهذه من سمات الشخصية المصرية.. الاعتدال وإيثار السلام القوى القادر على حماية البلاد ومصالحها.

بعد انهيار الدولة الحديثة نهايات القرن الحادى عشر قبل الميلاد ودخول مصر فيما يسمى العصور المتأخرة، وحتى غزو الإسكندر الأكبر لمصر، تهددت طرق التجارة وتأثرت بالاضطرابات السياسية وعرفت مصر لأول مرة فى تاريخها ظواهر الاحتكار ونهب التجار على أيدى المرتزقة من التجار والعسكريين من اليونانيين والسوريين والقادمين من مختلف جزر البحر المتوسط وقبائل البدو والعربان، الذين كانوا حتى نهاية الدولة الحديثة يخشون من اقتحام الأراضى المصرية على الحدود الشرقية بشكل مباشر، لكنهم يتواطئون دائمًا مع غزاة مصر!

أحد أهم أسباب غزو الإسكندر لمصر كان موقعها الجغرافى التجارى والعسكرى، وتحكمها- رغم فترات ضعفها- فى التجارة الدولية فى حوض البحر المتوسط. فى العصر البطلمى أو اليونانى ثم الرومانى أى منذ بدء القرن الثالث قبل الميلاد حتى الغزو العربى لمصر 642م اهتم كلٌ من البطالمة والرومان بطرق تجارة مصر، سواء شمالًا عبر المتوسط، أو شرقًا عبر البحر الأحمر، أو جنوبًا عبر النيل وبرًا! ازدهرت تجارة مصر وفى العصر الرومانى امتلكت مصر أسطولًا تجاريًا ضخمًا كان هو الأقوى فى حوض البحر المتوسط، وكانت مصر هى سيدة التجارة الأولى فى العالم الرومانى! وبعد المسيحية امتلكت كنيسة الإسكندرية أسطولًا تجاريًا ضخمًا بلغ عدد قطعه ما يزيد على 300 قطعة حسب بعض المصادر، بينما ازدهرت تجارة جلب الأفيال من إفريقيا، وأصبح بعض المدن المصرية مراكز تجارية هامة، مثل كوم أمبو وإسنا، وبعض مدن مصر الوسطى والدلتا! ولزم لحماية هذه التجارة إقامة حاميات عسكرية، تمامًا كما فعل المصريون القدماء، أصبحت مصر هى نقطة الاتصال الحضارى بين أوروبا وإفريقيا!

(4)

ورث العرب بعد غزوهم مصر هذه المؤسسات التجارية الضخمة وطرق التجارة، وازدهرت تجارة مصر فى بعض العصور الإسلامية، بينما اضمحلت فى عصور أخرى؛ نتيجة الحروب أو الغزو أو الاضطراب، مثلما حدث فى فترات الانتقال بين الخلافات الإسلامية المتعاقبة، أو محاولات الغزو الفاطمى أو الحملات الصليبية، حتى نصل لأسوأ عصور تجارة مصر، وبالأخص طريق التجارة الدولى الأهم، وهو البحر الأحمر، ثم الجمال برًا، ثم النيل فالبحر المتوسط، هذا العصر هو الجزء الثانى من العصر المملوكى واستمرار ذلك بعد الغزو العثمانى، فبعد عقود قليلة من ذلك الغزو عاد المماليك للسيطرة على مصر وحكمها "من الباطن"، وسيطروا على دواودين المكوس والتجارة، سواء فى الإسكندرية أو البحر الأحمر!

تحول المماليك إلى "نُهَّابٍ" رسميين لقوافل وسفن التجارة من مختلف الجنسيات، وعلى الأخص من الجنسيات الأوروبية، وقد أفاض الجبرتى فى وصف ذلك، وقد نقلتُ عنه نص بعض ما ذكره فى كتابى (الكتاب الأسود).. ولم يكن مفاجئًا فى خطاب بونابرت الأول الموجه للمصريين أنه يتذرع فى غزوه مصر بما كان يتعرض له التجار الفرنسيس من ابتزاز وسرقة ونهب من جانب المماليك!

غزا الفرنسيون مصر، ومن بعدهم انتفضت مصر ودخلت عصورها الحديثة على أيدى العبقرى محمد على باشا، الذى أضاف زخمًا جديدًا أو أعاد بعث الزخم المصرى التجارى القديم جنوبا وشرقًا وشمالًا. ثم قام المصريون بحفر قناة السويس تدشينًا لسابق عهدها ومجدها التجارى. وبغض النظر عن تفاصيل عملية الحفر، وسيطرة الشركات والحكومات الأوربية عليها، فقد كان حفر قناة السويس ملحمة مصرية خالدة، حيث اختلط رديم الحفر بعرق ودم المصريين. هذه هى الحقيقة التى أعاد بعثها عبد الناصر فى قرار تأميم القناة!

(5)

أصبحت قناة السويس منذ حفرها مطمعًا يسيل له لعاب الغزاة والطامعين، حتى إن تأميمها قد أصاب هؤلاء بالجنون والهيستيريا، فكان عدوان 56، الذى لا يختلف فى إجرامه ولا تفاصيله ولا استهدافه المدنيين بأسلحة محرمة، عما يحدث اليوم فى غزة! وكلنا يعرف ما حدث بعد تدخل السوفيت ووقف العدوان، وبعد مقاومة شعبية ربما لا يدرك عظمتها وحجمها مصريون كُثر هذه الأيام!

ارتكبت القيادة المصرية خطأ استراتيجيًا فادحًا أدى لاحتلال سيناء وضرب هذا الطريق التجارى العالمى الحيوى.. وجود القوات الصهيونية على ضفاف القناة كان مريحًا جدًا لكل قوى الاستعمار الحديث، وهذا ما أدركته القيادة المصرية فاتخذت قرارها بعيدًا عن الجميع وبعد أن استعدت له جيدًا ووفرت حماية دفاع جوى لمواطنيها، وشلت سلاح الجو الصهيونى ثم حققت نصرها باسترداد القناة. نقطة أخرى غائبة عن هرتلة أن مصر لم تنتصر فى 73م! لقد انتصرت مصر انتصارًا حاسمًا باسترداد قناة السويس فى أول ساعات السادس من أكتوبر! كان هذا انتصارًا عظيمًا وحاسمًا، وهو الأهم، وهو الذى كسر قوة الاحتلال ومن خلفها! فقناة السويس كانت هدفًا مستقلًا فى حد ذاته بخلاف أرض سيناء.. أى أن تعود القناة للسيادة والسيطرة المصرية.

أعادت مصر الملاحة فى نفس اليوم الذى تعرضت فيه مصر للعدوان وتوقفت الملاحة فى قناة السويس! وبدأت الإدارات المصرية المتعاقبة تستوعب دروس الماضى وتضع قناة السويس فى مكانة خاصة من الاهتمام والتأمين والتطوير الفنى واللوجستى لحمايتها من مخاطر المنافسة المحتملة مهما تضاءلت نسبة هذه المخاطر. شمل التطوير عمليات تعميق وتوسيع متعاقبة وإضافة لوجستيات وإعداد أجيال من المرشدين والفنيين على أعلى قدر من الكفاءة العالمية حتى أعادت القناة لمصر سيادتها وشخصيتها التجارية الدولية التى تتتفق مع منحة الله لها من موقع جغرافى متفرد!

(6)

محاولات منافسة القناة أو تحجيم عوائدها لم تغب عن الساحة السياسية منذ استرداد مصر للقناة. ولم تكن هذه المحاولات تنبع من فكر تجارى مشروع بقدر ما كانت- ولا تزال- تنبع من مطامع سياسية فى إخضاع مصر أو ترويض قدراتها الاقتصادية أو خنقها والالتفاف حولها. وكانت ولا تزال أداة هذه المحاولات هى تلك الدولة الممثلة لفكرة الاستعمار، وهى دولة الكيان المحتل التى تتكتل قوى الاستعمار من أجل الحفاظ على بقائها وتعظيم قدراتها. منذ سنوات كتبتُ مقالا- بعنوان المشاريع الإسرائيلية المنافسة لقناة السويس- عن هذه المحاولات، ثم كتبتُ مقالًا آخر منذ شهور عمَّا قام به السيسى بمجرد توليه الرئاسة، وهو مشروع ازدواج جزء من قناة السويس، هذا المشروع الذى لم يفهمه وقتها كثيرٌ من المصريين رغم مساندتهم الرئيس. لم يفهم المصريون وقتها سر إصرار الرئيس على هذا المشروع وتعجبوا لوضعه فى مرتبة أولى مقارنة بما كانت تواجهه مصر. كان قرار السيسى حلقة من حلقات الصراع التى أدارتها مصر بحنكة شديدة، كانت ضربة استباقية أجهضت كثيرًا من الخطط الخفية، أو التى كانت حيز التفكير أو الإعداد!

كل معطيات التاريخ والجغرافيا تقول إن طرق مصر التجارية- منذ آلاف السنين قبل شق قناة السويس- النابعة من موقعها الجغرافى المتفرد هو منحة إلهية لم تنجح أبدًا عبر التاريخ محاولات سلبها من مصر! لأن نجاح تلك المحاولات يتطلب باختصار تغيير موقع مصر الجغرافى! وهذا لا يمكن لأحد فعله سوى صاحب المنحة! لكن هذا لا يعنى أن يرتكن المصريون أو يتقاعسوا عن القيام بواجباتهم تجاه هذه العطية الإلهية.

(7)

ويمكن إجمال تلك الواجبات فى ثلاثة عناوين جامعة.

أولًا أن يدرك جميع المصريين أسباب ما واجهته مصر عبر تاريخها من محاولات غزو فاشلة أو ناجحة، وأن أحد أهم الأسباب هو ذلك الموقع الجغرافى. فالموقع منحة إلهية، لكنه يضع فوق عاتق المصريين- حكامًا ومحكومين- مسؤلياتٍ جسام لحماية تلك المنحة وتعظيمها. إدراك المصريين ذلك سوف يختصر كثيرًا من مشاهد الارتباك والريبة بين المصريين وبين إدارات بلادهم المتعاقبة، وسوف يختصر كثيرًا من جهد تلك الإدارات فى محاولات شرح ما يجب أن يكون معلومًا بالضرورة لكل مصرى منذ الصغر، مثل معرفته باسمه وهويته.

ثانى الواجبات الحتمية هو ما تقوم به مصر بالفعل من حماية وتأمين قناة السويس باعتبارها ليس فقط طريقًا تجاريًا مصريًا دوليًا متفرد، لكن بصفتها رمزًا من رموز الاستقلال والكبرياء والكرامة الوطنية المصرية. فالقناة تم حفرها بتضحيات مصرية بشرية ضخمة، وتم دفع ثمنٍ باهظ لخلعها من أنياب قوى استعمارية كانت هى الأشرس وقتها، ثم أخيرًا تم خوض حربٍ كبرى لاستردادها من الكيان الصهيونى. فهذا هو ما تعنيه قناة السويس للمصريين، وليست فقط مجرد مصدر للعملة الصعبة!

الواجب الثالث، والذى لا يقل عما سبقه، هو أن تتولى إدارة القناة وتشغيلها منظومة مصرية على أعلى درجات الكفاءة الفنية والعلمية والوطنية، وهو ما يحدث بالفعل، ومنذ ساعاتٍ قليلة استمعت لتصريحات الفريق أسامة ربيع متحدثًا بهذا المعنى، وفجر مفاجأة أتمنى أن يتم تحقيقها بالفعل؛ لتكون هى المسمار الأخير فى نعش كل محاولات ضرب القناة.. تحدث الفريق عن برنامج القناة حاليًا فى ظل التحديات الجديدة عند باب المندب وعن مشاريع التطوير التى تخضع لجدول زمنى مسبق.. ثم كانت المفاجأة، وهى أنه تتم حاليًا دراسة ازدواج كامل مجرى القناة!

حتى الآن، وحتى بدون تنفيذ هذه المفاجأة الطموحة، وبسبب ازدواج جزء من القناة، يمكن القول إن مصر بالفعل وضعت منذ أعوام قليلة كثيرًا من المسامير فى ذلك النعش، لكننى أتمنى أن يتم تنفيذ هذا المشروع الطموح، والذى يمكنه أن يمثل صدمة كبرى ولطمة أخيرة تضع نهاية لكل ما خططه أئمة الشيطان، سواء من ادعوا أنهم منّا أو من هم ليسوا منا بالفعل!

(8)

تم الإعلان مؤخرًا عن تحالف دولى- يضم أطيافًا لا تخفى عن أى صاحب فطنة- للقيام بدوريات بحرية على بوابة باب المندب من أجل حماية الملاحة! أعلنت جماعة فلان وفلان أنها تثمن امتناع شركات.. عن الملاحة فى البحر الأحمر! إسرائيل لن تكون غائبة عن المشاركة المباشرة فى تلك الأطياف، أو المشاركة غير المباشرة عبر حلفائها! وأنا على يقين أن مصر ليست غائبة عما يحدث فى عمق مناطق أمنها القومى هناك.

لكننى أتوجه بتساؤل لمن يرددون الآن حديث نصرهم العبثى!

أتيتم لنا بالبوارج الحربية الدولية على أبواب البحر الأحمر.. لم تفعلوا سوى مشاهد قرصنة أشك كثيرًا فى أنها غير متفق عليها، أو أنها مدفوعة الثمن أو بضاعة معروضة انتظارًا لثمن أو من أجل مساومة على ثمن! أنتم لستم مقاومين أو مجاهدين.. أنتم لستم سوى قطع يتم تحريكها واستعمالها، سواء بعلمها ورضاها أو بسذاجتها وجهلها وغبائها! مثلكم مثل القبائل القديمة التى كانت تتكسب من القرصنة والسطو أو الإغارة على القوافل التجارية.. حتى لو ارتديتم أزياء عسكرية براقة وخاطبتم مشاعر الكتل الجماهيرية بما تحب أن تسمعه حتى لو كان باطلًا!

حديث النصر العبثى الهزلى.. أحدهم يخرج علينا بعبارات كاذبة، مثل أن غزة قد محت عار هزائم الأمة.. يذكرنى بما كنا نسمعه فى مصر منذ أكثر من عقد من خطاب دينى يتحدث دائمًا عن هزيمة الأمة وانكسار الأمة.. ولا أدرى عن أى أمة يتحدثون.. ألم يأتهم نبأ انسحاق الكيان وجيشه على رمال سيناء؟! ألم يأتهم نبأ أو صور مئات الأسرى وهم يرتدون (الكستور) المصرى؟! فى الواقع فالأمة كانت فى وضعٍ أفضل قبل السابع من أكتوبر عنه الآن! لو أنك تتحدث عن الأمة العربية مثلًا أو الأمة الفلطسينية!

أما الأمة المصرية فلم يكن لديها عارٌ أو تنتظر أحدًا يمحوه عنها! غزة لم تمح عار أحد، لكنكم قمتم بتسليمها للمقتلة بعد أن تخليتم عن كل التزام أخلاقى تجاهها!

عن أى نصر تتحدثون؟! ألا تستحون؟!

الآن عشرون ألف شهيد وأكثر من خمسين ألف مصابٍ ومفقود.. بارجات حربية تعربد فى مياه المتوسط والأحمر، ولا تستطيع نملة أن ترسو على شواطئ غزة! غزة تحولت لأكوام من خراب! أنفاقكم سوف يتم إغراقها.. هل عدد قتلى الكيان هو ما يحدد النصر أو الهزيمة؟ فماذا عن قتلانا ومصابينا؟! وماذا عن إعادة احتلال القطاع؟!

حديث النصر العبثى الهزلى.. الحية يقول يمكننا أن نبادل الأسرى مقابل وقف إطلاق النار عن شعبنا ثم الحديث عن إعادة إعمار القطاع! أحيانًا تعجز الكلمات عن وصف المشهد! إذن هل خضت حربك المزعومة من أجل هرس القطاع وقتل أهله ثم تعود للنقطة صفر؟! أم من أجل المتاجرة بدماء أهل غزة؟! لجنى مكاسب وأرصدة تحت مسمى إعادة الإعمار؟! وكيف ستكون مشاعر الهاتفين لو حدثت صفقة وقبلت حماس إغراق الأنفاق وتسليم الرهائن لديها مقابل وقف إطلاق النار؟! ألن تُعتبر هذه خيانة صريحة؟!

نصرهم العبثى قتَل الغزاويين، ثم جدد تهديدات لأمن مصر القومى، وخلق آمالا جديدة للكيان بأن يكون له موضع قدم فى مدخل البحر الأحمر! فيما يخص أمن مصر القومى فمصر قادرة على حمايته.. أما بخصوص أهل القطاع، فسوف يحكم التاريخ عليكم جميعًا.. ولن ينفعكم لواءات التضليل التليفزيونى، الذين نراهم صباح مساء على نفس شاشات القنوات غير المصرية! يتحدثون وكأنها لعبة فيديو جيم ولا يأبهون لحقائق المشهد كليًا على الأرض! إننى أقترح أن تقوم هيئة الاستعلامات المصرية بإرسال ملف صور أسرى الكيان فى ملابس الكستور المصرية كل لواءات التضليل العربى ممن لا يزالون يرددون هذه العبارة بأن حماس قضت على أسطورة الجيش الذى لا يُقهر!