رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هى أشياءٌ لا تُشترى..!

 

(١)

تاريخ الأمم.. حضاراتها.. شخصياتها المختلفة.. صفحات مجدها.. آثار أقدامها على الأرض البكر.. آثار أنامل صناعها ومبدعيها عبر الزمن.. مجموعة قيمها الأخلاقية المسيرة لسلوكها الجمعى.. شرفها! كل هذه الأشياء تشبه الخريطة الجينية للأفراد.. لا يمكنها أن تتطابق أو تتشابه، حتى لو تشابهت الوجوه، أو نطقت الألسنة بنفس اللغة أو اعتقدت القلوب نفس المعتقد أو تجاورت المنازل!

هذه الأشياء لا يمكن أن يغيرها أحد، ولا يمكن أن تستنسخها أو تسرقها أمة من أمة، كما أنها ليست معروضة أو حتى قابلة للبيع والشراء مهما بلغ إغراء الأثمان المعروضة..! يمكن أن يعرض بعضُهم أثمانًا باهظة، وينجح فى شراء دجالين كُثر يروجون زيفًا وباطلًا عن أصل أو تاريخ أو قيم هذه الأمة أو تلك! قد يحدث هذا، خاصة فى مجتمعات محدثى الحضارة والتمدين، لكن تبقى الحقائق عصية على التغيير أو التزييف أو الدجل! 

ويصبح الأمر شبيها بما يحدث فى مزادات التحف، حيث يعرف السماسرة الفرق بين تحفة مقلدة وبين القطعة الأصيلة العريقة، التى أبدعتها حضارة أمة من آلاف السنين، مهما كانت درجة التقليد والمحاكاة، التى حاول اللصوص المحدثون الوصول إليها، وهم يقومون بعمل قطعهم المقلدة!

شعرتُ بالسخرية والشفقة وأنا أشاهد فيديو لشاب عربى خليجى وهو يشير إلى نماذج مقلدة لأهرامات مصر، ويقول بمنتهى التصديق والانفعال إن هذه الأهرامات تنتمى لبلده، لكن السيول جرفتها إلى مصر!

نفس المشاعر تنتابنى حين أقرأ شيئًا من هذا القبيل لأحد دعاة الأفروسنتريك..هؤلاء الدعاة الذين يشبهون مدعى النبوة بعد أن أغلق الله مرحلة إرسال الأنبياء والمرسلين إلى الأرض!

وحين هذى بيجن بتخاريفه عن الأهرامات، وهو يشاهدها بصحبة الشهيد السادات، الذى اكتفى بابتسامة سخرية ولسان حاله يقول..أو أننى خلته يقول له بلهجة مصرية عامية......!

تاريخ الأمم وحضارتها وإرثها غير قابلة للسرقة، أو حتى الشراء.. لقد أصبحت هذه المفردات من ثوابت وحقائق الكون! 

(٢)

لكن لماذا دائمًا يتم استهداف حضارة مصر بمحاولات السطو؟ إنهم يسرقون الإرث المادى لكل الحضارات، وتزدان متاحفهم بملايين القطع من كل الحضارات.. لكن محاولة السطو على هوية الحضارة نفسها دائمًا ما توجه لمصر وحضارتها.. لم نسمع أن شعوبًا أو دولًا أو مجموعات دينية معينة تدعى مثلًا أنها صاحبة الحضارة اليونانية أو الرومانية!

أعتقد أن الأمر ليس مصادفة إطلاقا.. فلكل مجموعةٍ حاولت السطو على هوية حضارة مصر أسبابُها.. فاليهود يدركون أن محاولة سطوهم هذه من مسوغات إنجاح محاولة سرقتهم المعاصرة للأرض المصرية! فأى نجاح فى سرقة هوية جزء من الحضارة المصرية القديمة يعنى حسب أوهامهم تقديم مسوغات تبيح السرقة المعاصرة!

والمحاولات الساذجة الجديدة التى يحاولها بعض الأعراب، هى واحدة من وسائل شتى يريدون من خلالها سرقة دور ومكانة مصر أو على الأقل مناطحتها! هى محاولات لإشباع شبق وحرمان نفسييَن، والتنفيث عن معضلات أو أزمات نفسية متراكمة منذ العصور القديمة وليس كما يعتقد البعض منذ بدايات القرن الماضى!

أما مجموعات الأفروسنتريك، فهى جزءّ صريح من خطة سياسية ممتدة منذ حوالى خمسة عقود وكانت رأس حربتها مؤسسات أمريكية ذات غطاء أكاديمى علمى.. تستهدف كمرحلة نهائية العبث بوحدة وسلامة الأراضى المصرية على غرار ما تم فى السودان!

لذلك فهذه المحاولات فى هدفها النهائى تجتمع على غاية واحدة، حتى وإن اختلفت جزئيًا فى الأهداف الذاتية لكل مجموعة.

وهذا الهدف النهائى هو تفكيك الكتلة المصرية التى تشمل بداخلها كلًا من التاريخ والحضارة والتراث والقوة العسكرية المعاصرة والالتئام المصرى الشعبى، كتلة صلبة عصية حتى الآن على كل محاولات التفتيت.. كانت محاولات التفتيت فى الماضى منفصلة.. تعمل كل محاولة فى وقتٍ معين على تحطيم مكون واحد من مكونات هذه الكتلة.. لكن الآن تم تفعيل كل المحاولات وكل المجموعات للعمل فى وقتٍ متزامن للحصول على نتائج أفضل!

والعمل على تحطيم المكون الحضارى المصرى سواء بالسطو أو التشويه لا يقل فى أثره عن تحطيم أسباب القوة المصرية المعاصرة من قوة عسكرية أو ترابط شعبى.. لأن أحد أسباب هذا الترابط المصرى الشعبى هو يقين المصريين بعراقة أمتهم المصرية، وأنهم يمتلكون تاريخًا عظيمًا وحضارة جليلة.. هذا الشعور هو من تمام  مقومات القوة المصرية الشعبية المعاصرة.. وهدم هذا الشعور هو أيضًا من مقدمات تحطيم الشخصية المصرية المعاصرة، لكى يسهل بعد ذلك تفتيت مصر والاستيلاء على مقدراتها وأرضها!

حتى القوة العسكرية المصرية المعاصرة الصلبة.. تستمد إحساسها الوطنى وعقيدتها المصرية من يقينها بامتلاكها تاريخًا عسكريًا عريقًا يضعها فى مكانة لا يمكنها أن تفرط فيها.. لذلك، فأى نجاح فى محاولة هدم أو سرقة حضارة مصر سيصب حتمًا فى طريق خلخلة قوة مصر الصلبة!

(٣)

مما لا يُشترى أصالة الشعوب والأمم، قد يعتقد البعض أن أصالة أمة تعنى قِدَمَها وقدم وجودها فى التاريخ، وهذا محض خطأ، فقد يُوصم شعبٌ أو يجلب لنفسه صفات الخسة عبر سلوكه التاريخى، فهناك شعوب قديمة نوعًا ما، لكن سيرتها اتسمت بصفاتٍ أبعد ما تكون عن الأصالة. 

فهناك شعوبٌ اتسمت بلعب دور المرتزقة، ولم تعرف فكرة الانتماء لأرضٍ أو الإيمان بقداسة الأرض أو الدفاع عنها أو التشبث بها.. هى شعوبٌ دأبت أن تؤجر نفسها لمن يدفع الثمن، ولم تحترم قيم الجوار، ويمكنها أن تغرس خناجر مسمومة فى ظهور جيرانها، رغم توافقها مع هؤلاء الجيران فى لغة واحدة أو ديانة واحدة! 

قديمًا عانت مصر من جيرانٍ اتسموا بهذه الصفات.. كانت مصر تعانى دائمًا من تواطؤ بعض الجيران مع أى قوة عسكرية طامعة تدق أبوابها أو تهاجم ثغورها! 

فهناك من دأب دائمًا على تقديم العون لكل غزاة مصر.. مراتٍ قدموا لهؤلاء الغزاة جمالًا وقرب مياهٍ تعينهم على اختراق صحراوات مصر.. ومراتٍ شاركوا فى عمليات الغزو لمصر بشكل مباشر! 

ومن المؤلم أنهم كانوا دائمًا يعودون للتمسح بأبواب مصر متشدقين بحقوق الجوار، كلما ضربتهم المجاعات أو استبد بهم غزاةٌ جدد أو غدر بهم من استأجرهم ضد مصر! 

وكانت مصر تفتح أبوابها لهم صافحة عن مواقف الخسة والطعن فى ظهرها أوقات محنها! قرونٌ طويلة ولم تغلق مصر أبوابها فى وجه هؤلاء حتى السنوات القليلة الماضية.

فتحت أبوابها لهم ومنحتهم الأمن والمأوى والعمل، حتى إذا ما استقروا واطمأنوا بعد خوفٍ، وطعموا بعد جوعٍ كشفت عن نفسها نوازعهم الكامنة، وعادوا سيرتهم القديمة بالتنكر لصاحبة الأبواب المفتوحة! 

عبرت تلك النوازع عن نفسها فى شكل سلوكٍ معادٍ للمصريين، أو محاولاتٍ لتشويه مصر ذاتها والتعريض بها، أو محاولة استغلال أية فرصة لنشر مشاهد فوضى هنا أو هناك!

أو محاولة تعمد إيذاء مصر عن طريق استهداف اقتصادها، مثل محاولة الاستحواذ على العملات الصعبة، خاصة الدولار والاستحواذ بأعلى الأسعار، نكاية فى مصر ومحاولة لخنقها فى مشهدٍ وسلوك يحتاج للدراسة النفسية! فهم يتعمدون محاولة خنق الوطن الذى منحهم الملاذ والملجأ بعد أن ألقت بهم أوروربا المتقدمة المتحضرة فى غياهب اليم هم وأطفالهم!

وأكثر الأمثلة فظاظة على هذا السلوك هو تحول (أسواق الأقمشة السو......ية) إلى أوكار للسوق السوداء للاتجار فى العملة الصعبة فى قلب العاصمة القاهرة! هذا هو رد الجميل..! وهذا ما يتسق تمامًا مع التاريخ!

ومن تلك الأمثلة تكتل بعض هؤلاء (الضيوف) واستنفارهم لبعضهم البعض لمحاولة- استغلالًا للمشهد العسكرى والسياسى فى المنطقة واستغلالًا لاستهداف الحملة الاستعمارية لمصر- النفخ فى النار لكى تحرق مصر! فبعض هذه التكتلات تحاول خلق رأى عام داخل مصر ضد الموقف المصرى لتحريض مصريين ضد بلادهم.. باختصار هم يتحرقون لكى يروا مصر محترقة!

فى الواقع يكمن الفارق فى سلوك مصر وسلوكهم فى هذا المعنى..أصالة الشعوب أو عدم أصالتها! فالأصالة هنا لا تعنى القِدم وإنما تعنى شخصية كل أمة وما تتصف به من صفات أخلاقية تاريخية تمثل جزءًا ومكونًا أساسيًا من مكوناتها. لم يكن سلوك مصر ضعفًا إنما كان توافقًا وتماشيًا مع أصالتها! ولم يكن سلوك هؤلاء الآخرين سوى معبر عن شخصيتهم التاريخية الحقيقية التى لم تغيرها القرون! شخصية نهاز الفرص المرتزق المتنكر لمن يمدون إليه الأيادى وقت المحنة.

فأجدادهم من المرتزقة الذين انضموا صراحة لكل غزاة مصر تقريبا من الحدود الشرقية.. لا يختلفون كثيرًا عن أحفادهم الذين فروا لمصر طلبًا للأمن والطعام، ثم لم يلبثوا أن أصبح بعضهم واجهة لرءوس أموال إخوانية ملطخة بدماء المصريين، بينما ينتظر البعض الآخر أن تنزلق مصر للهاوية!

(٤)

لا أستطيع منع نفسى من مشاهدة بعض المواقف لدول مجاورة وشعوبها ونُخبها، أو من يعبرون عن مواقفها بأعين وعلى طريقة الفنان القدير توفيق الدقن فى عبارته الشهيرة (أحلى من الشرف مفيش)!

فقد خرج أحدُهم علينا بمحاولة تدليس صريحة عن تاريخ مصر وعلاقتها بقطاع غزة خدمة لمن يريدون وأد القضية الفلسطينية، وبالمرة ينفذون أوامر ورؤية قادة الحملة الاستعمارية بإجبار مصر على التنازل عن سيادتها، ومع هذا التنازل إجبار مصر على تقديم قطعة من أرضها المخضبة بدماء شهدائها ليس فقط منذ قيام الكيان الصهيونى اللقيط، وإنما عبر آلاف السنين من تاريخ مصر!

منذ سنوات تُعد على أصابع اليد الواحدة كانت دولة هذا المدلس تتزعم وتدعم- ماليًا وعقائديًا- جماعات الإرهاب الدينى التى اكتوت مصر بنيرانها عقودًا طويلة.. كما قامت أيضًا- حسب اعترافات سيادية محلية بها- بخوض حربٍ بالوكالة عن جهاز مخابرات إحدى الدول العظمى ضد جيش دولة عظمى أخرى، وقد ألبست مقاتليها فى هذه الحرب غير المقدسة وغير الشريفة ثياب المجاهدين! 

طوال هذه العقود الماضية كانت بكائية القدس والأقصى أحد أهم أدوات غسيل الدماغ الدينية التى يرتكز عليها شيوخ وعلماء هذه الدولة فى تجنيد آلاف الصغار من  المسلمين والعرب لضمهم للمرتزقة لخوض تلك الحرب بالوكالة!

 ثم انقلب هؤلاء المغسولة عقولهم- بعد أن تحولوا لمقاتلين محترفين تحركهم أصابعُ وأيدى بعض من كانوا يتولون حكم هذه البلد ورغباتُ رعاتها ورعاتهم- على بلادهم الأصلية بعد أن انتهوا من حربهم القذرة الخارجية فعاثوا فى بلادنا فسادًا وسفكًا للدماء!

ثم فجأة كان هناك من "جذب الفيشة"، وغيٌر السوفت وير.. وفى أيامٍ معدودة تغير الشيوخ، وتغير كل شىء، وأصبح عندهم الرقصُ على أنغام صراخ أطفال غزة فعلًا عاديًا، وهم الذين حاربوا كل ألوان الفنون لعقودٍ طويلةٍ، وأدانوا من كان يمارس طقوس حياته العادية، وغمسوا المسلمين فى هالة كآبة وسواد وهزيمة نفسية وروحية طالما بقى الأقصى محتلًا وطالما لم تُحرر فلسطين! 

حقًا ما أصدقكم.. ما أشرفكم!

(٥)

هل للأمم والشعوب شرفٌ؟ نعم للأمم شرفٌ، وللشعوب شرف لا يُشترى ولا يُمنح أو يُمنع بأمرٍ ملكى أو قرار رئاسى! لا يمكن أن يتحول شعبٌ من الشرف إلى نقيضه أو العكس بأمر الحاكم! 

 فالشعوب الشريفة تحفظ لأمتها بشرفها، وتدرك الخطوط الفاصلة بين قرار سياسى رسمى، وبين هوى وهوية الشعوب! وفى ذلك لا يختلف الحاكم عن الشعب، فهم نسيجٌ واحد!  فالحاكم الشريف يحتفظ بهويته الشريفة حتى مع التزامه القانونى الدستورى المؤسسى بما التزمت به بلاده!

أنصف الأعداءُ المصريين والشهيدَ السادات حين قالوا "إنه خدعنا.. أخذ سيناء ومنحنا ورقة فارغة!" حين وقعت مصرُ اتفاقية السلام لم ترتمِ فى أحضان الكيان المجرم، ولم تغفر له عدوانه، كما لم تتخلَ عن شرفها أو يتخلى قادتها عن شرفهم فيشربون ويترنحون ويراقصون قتلة ولصوص أوطان! 

 وسيظل مشهد المقعد الفلسطينى الفارغ فى مفاوضات السلام بعد نصر أكتوبر شاهدًا على شرف مصر وقيادتها! 

كمل سيظل موقف المصريين فى تلك العقود السابقة شاهدًا على شرف الأمة المصرية! حتى أن عادل إمام المعروف بأفلامه الترفيهية وضع بصمته وقال كلمته "يسقط قتلة الأطفال..يسقط أعداء السلام!".

فى الأيام المقبلة، وبعد أن يعتقد معظمنا أن الحرب على وشك الانتهاء، قد نفاجأ بخطوات أكثر إجرامًا وتبجحًا..قد نفاجأ بعد الهدنة باستهداف جنوب القطاع ويصاحب ذلك صرخاتٌ زاعقة قادمة ممن غيروا أقنعتهم.. ستكون صرخات موجهة للمصريين بأن يفتحوا حدودهم.. وقد يتهموننا كالعادة بأننا "بعنا القضية.. وأننا جبناء.. وأن السيسى....!".

 حين يحين وقت عرض هذه المشاهد، فعلى المصريين- ردا عليها- أن يستعيروا تعبير الراحل توفيق الدقن....!

(٦)

مصريون كثيرون يدركون خسة ما يخطط لبلادهم.. صديقاتٌ وأصدقاءٌ مصريون قلقون على بلادهم.. مذهولون من خسة بعض أهل الجوار، وتنكرهم وجحودهم لما دأبت مصرُ على تقديمه للجميع! 

أقول لهؤلاء المصريين لا تقلقوا على مصر.. فغالبية أهل مصر من المصريين قد استوعبوا دروس التاريخ جيدًا ويدركون قيمة بلادهم.

والقائمون على إدارة الدولة قد قرأوا المخطط قبل بدايته ومصممون على القيام بواجبهم الوطنى والدستورى فى حماية مصر والمصريين.

مصر دولة شريفة لا تتخلى عن شرفها وأصالتها، لكنها ليست دولة ساذجة أو ضعيفة.. وعدَ اللهُ مصرَ بالأمان ووعده حقٌ! 

لا تقلقوا على مصر وبها تلك الملايين المخلصة الشريفة التى تدرك قيمة الأرض وأن التمسك بها من تمام شرف الأمم والشعوب!

(٧)

نعم الشعوب والأمم كالأفراد...أصالتها وشرفها وشخصيتها وتاريخها وحضارتها مكونات أصيلة.. لا تُباع أو تشترى!

حضارة مصر وإرثها العتيق غير قابل للسرقة.

فنون مصر المعاصرة غير قابلة للسرقة.

على الذين قدموا إغراءاتٍ مادية سرية لمئاتٍ من موسيقىّ مصر بإحدى المؤسسات الفنية العريقة للقبول بالسفر إلى هناك لخلق فنٍ حقيقى.. على هؤلاء أن يتخلوا عن أوهامهم فى مناطحة مصر حضاريًا أو فنيًا.. فكل هؤلاء الذين قبلوا أن يمنحوكم قبسًا من نور مصر وفنونها لا يمثلون سوى لبنةٍ واحدة من بناءٍ شاهق شيدته مصر عبر عشرات القرون!

فنون الأمة الأصيلة يمكن أن تستضىء بها الأمم الأخرى، لكنها لا تُشترى!

(٨)

أصالة مصر وعراقتها وشرفها لن تكون أبدًا سببًا لرضوخها لأى ابتزازٍ لإجبارها على أى تفريط فى سيادتها أو مقدرات شعبها، أو حتى قبول ما لا ترضى من خطط على حدودها الشرقية أو الجنوبية أو الغربية! أتدرون لماذا؟ 

لأن مصر دولة لها كرامة.. رفضت بشكلٍ قاطع فكرة محاولة استرجاع أرضها إلا بعد أن تسترد كرامتها! 

فالكرامة من صفات الأمم التى تتربع على قائمة الأشياء التى لا تُشترى!

فيا أيها السادة المشغولون بمحاولة الإيقاع بمصر أو سلبها حضارتها وفنونها ورموزها.. لا تضيعوا أوقاتكم.. فمحاولاتكم بائسة حتمية الفشل!

ويا أيها الذين وصفناكم- كرمًا- بأنكم ضيوفٌ.. استحوا قليلًا.. فالتاريخ لا يستر شيئًا ولا يستحى من أحد.. فحاولوا أنتم أن تستروا صفحاتكم القديمة المخجلة بأخرى معاصرة شريفة.. بدلًا من الإصرار على الوقوف على قارعة صفحاته عراة حتى من ورقة توت الشرف!