رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"جلودهم تتساقط كأوراق الشجر".. هكذا رسم الكاتب الياباني تاكيشي إيتو مشهد هيروشيما ونجازاكي

الدمار الذي خلفته
الدمار الذي خلفته القنبلتين

يتزامن اليوم الذكرى الـ78 على حادث إلقاء قنبلتي هيروشيما ونجازاكي، والتي حسمت من خلالهما الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية لصالحها، حيث استسلمت اليابان بعدما خلفت القنبلتين 140,000 شخص في هيروشيما، و80،000 في ناجازاكي بحلول نهاية سنة 1945.

 

وفي كتابه “هيروشيما ونجازاكي .. مأساة القنبلة الذرية”، يشير مؤلفه الكاتب الياباني تاكيشي إيتو، إلى أن العيش في ظل العصر النووي الذي يقابله الإنسان لأول مرة في التاريخ هو تجربة جد صعبة لنا، ويحتاج إلى الصبر الشديد على العذاب، ولكن ليس لنا من بديل سوى السير إلى الأمام، والتغلب على اليأس، وتمهيد الطريق إلى المستقبل بأيدينا.

 

ــ القوة التدميرية للقنبلة الذرية

ويمضي الكاتب الياباني تاكيشي إيتو، في شرحه للدمار الذي خلفته قنبلتي هيروشيما ونجازاكي، في كتابه “هيروشيما ونجازاكي .. مأساة القنبلة الذرية”، متابعا: أدت القنبلة الذرية إلى أكبر الخسائر في الحرب العالمية الثانية، ولا تزال آثارها باقية هي عينة أو مثال للحرب الحديثة.. لقد انفجرت القنبلتان في هيروشيما على ارتفاع 600 متر، وفي نجازاكي على ارتفاع 500 متر فوق سطح الأرض.. ومع الانفجارات ولدت كرة نارية صغيرة، وكبرت بعد ثانية وغطت دائرة قطرها حوالي 280 مترا.

ويقال إن درجة الحرارة وصلت في وقت انفجار القنبلة إلى ملايين من الدرجات المئوية، وبعد 100000/ 1جزء من الثانية وصلت لحوالي 300 ألف درجة، وبعد ثانية واحدة أصبحت درجة الحرارة على الأرض حوالي خمسة آلاف.. أي أنه صنعت شمس صغيرة فحرقت كل شيء.. لقد أصيب الناس بالحريق داخل دائرة قطرها 3,5 كيلو متر من نواة الانفجار في هيروشيما، و4 كليومترات في نجازاكي.. واشتعل كل شيء قابل للاشتعال في إطار 2 كيلو متر، ونتج عن هذا حريق كبير للغاية.

ومع الانفجار حدث ضغط الهواء العالي المخيف، وبلغت درجة الضغط الجوي مئات الآلاف من البارومترات التي لا يمكن أن نصدقها، وانتفخ الهواء المحيط، وأصبح عاصفة مخيفة بلغت سرعتها 280 مترا في الثانية في محيط 5000 متر من نواة الانفجار، و200 متر في في الثانية في محيط 800 متر، و36 مترا في 2,6 كيلو متر.. وبالإضافة إلى ذلك تزايدت سرعتها عندما تلاقت العاصفة التي تصادمت بالأرض مع العاصفة التي تولدت من القنبلة مباشرة.. ويدعى هذا "فعالية ماخي". ويقال إن هذا السبب الذي جعل انفجار القنبلة يتم على ارتفاع ما بين 500 ــ 600 متر، وذلك لخلق أكبر قوة تدميرية ممكنة. لذا فإن بعض البيوت التي تبعد عن مكان الانفجار بــ 7 كيلو مترات قد تحط زجاج نوافذها.

 

ــ الكوارث الإشعاعية لقنبلتي هيروشيما ونجازاكي

أما عن التأثيرات الإشعاعية المميتة لقنبلتي هيروشيما ونجازاكي، فيضيف الكاتب الياباني تاكيشي إيتو: عند الانفجار نتجت كتل الانشطار النووي التي تطلق الأشعة النووية وصعدت إلى السماء، ثم تساقطت باسم “رماد الموت” أو التي اختلطت مع المطر وتساقطت باسم “المطر الأسود”.

أما الأشعة النووية التي بقيت في الأرض والماء، فنتجت عنها تأثيرات مميتة أثرت على الخلايا البشرية لدى نفاذها في العظام. وفي مكان علي بعد 500 متر من نقطة إسقاط القنبلة كان هناك 6000 راد في هيروشيما، و7000 راد في نجازاكي، أي أن الحد الذي يكون عنده الإنسان نصف ميت كان علي بعد 1000 متر في هيروشيما، و1200 متر في نجازاكي.

ويوضح “تاكيشي إيتو”: تشير بعض التقديرات إلى أن حوالي 140 ألف شخص ماتوا في هيروشيما، و70 ألف شخص ماتوا في نجازاكي حتى ديسمبر سنة 1945.. حوالي ربع السكان الذين كانوا موجودين في المدينتين وقتذاك ماتوا في نفس اليوم أو خلال الثلاثة أشهر التالية، ودمرت المدينتان تدميرا كاملا، وخاصة مكان إسقاط القنبلتين، وارتفعت ألسنة اللهب بجنون، ولم يبق شيء إلا أقل القليل.

 

ويشدد “تاكيشي إيتو” على أن: لقد دمرت المدينتان خلال ثوان نتيجة لإسقاط القنبلة الذرية، وقتل الكثيرون دون تفرقة بين المحاربين وغيرهم أو بين الشباب والمسنين، لقد دمرت كل شيء سواء كان إنسان أو أحياء أخرى، ودمرت المرافق الصناعية وخربت البيئة الطبيعية.. وأصيب الذين ظلوا أحياء في كل جزء من أجسامهم وحياتهم وقلوبهم، واتسعت الخسائر وازدادت باستمرار دون أن تتوقف بعد ذلك.

 

ــ هكذا تساقطت جلود ضحايا قنبلتي هيروشيما ونجازاكي    

ويرصد الكاتب الياباني تاكيشي إيتو الآثار النفسية والجسدية التي خلفتها القنبلتين: بحث أحد علماء النفس في كيفية فرار المصابين الأحياء وكانت نتيجة تحليله: عند انفجار القنبلة الذرية أحس الناس بالبرق الشديد القوة، ولكن كان من بينه من فقد الوعي ــ وهم القريبون من مكان إسقاط القنبلتين ــ دون أن يحسوا بالبرق، ومن أحسوا بالبرق استلقت أجسامهم  وغطوا عيونهم ورؤوسهم بأيديهم ووانبطحوا علي الأرض.

فجأة هبت الرياح المخيفة، فحطمت البيوت تماما وتناثر زجاج النوافذ وطرحت الأجسام على الأرض ولم يدركوا ما يحدث، ولكن فيما بعد خطر ببالهم أنهم قد نجوا وخطر سؤال ببالهم: ماذا حدث؟ سرعان ما أحسوا أن قنبلة ألقيت عليهم، والذين احتجزوا في المباني المحطمة حاولوا الخروج منها زحفا بمجهود شاق. وأحس المصابون الذين خرجوا منها أخيرا بالحروق أو الجروح، إلا أنهم اعتقدوا أنها بسيطة.. ثم عندما رآوا الآخرين الذين تساقطت جلودهم كأوراق الشجر وتدفق الدم من جروحهم، أحسوا بمدي خطورة هذه الجروح. 

وصرخ من احتجزوا بالمباني المنهارة، وفي نفس الوقت اشتعل كل شيء قابل للاشتعال، وامتدت النيران إلى المباني المحطمة وشاهدوا انتشار الحرائق.. كان الناس يفرون جماعات دون أن يتكلم أحد منهم كثيرا، وكانت جلودهم تتساقط نتيجة للحروق كأوراق الشجر.