رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

30 أسبوعًا من الانقسام

فى هذه الأيام هناك من يقول إن إسرائيل أفضل عدو لنفسها، وإن ما فعلته بها كل الحروب التى خاضتها مجتمعة لمدة ٧٥ عامًا لم تفعله الفوضى غير المسبوقة الحالية التى سببتها حكومة اليمين لنتنياهو. فى كل المنعطفات كان الإسرائيليون متوحدون يلتفون حول حكومتهم حتى لو عارضوها، لأول مرة التمزق يصل إلى الداخل وبهذا الشكل المروع.

هناك إشارات واضحة تفيد بأن الضرر الذى لحِق بالتكاتف الاجتماعى الداخلى الإسرائيلى كبير وغير مسبوق. المشاهد التى جرت على مدى الـ٣٠ أسبوعًا، والتى تجرى فيها هناك الاحتجاجات والمظاهرات ضد حكومة اليمين لنتنياهو، كانت غريبة؛ لأول مرة تواجه إسرائيل رفضًا للخدمة والتطوع من أفضل طياريها، أفضل القادة، ذوى الوظائف الأكثر حساسية فى مجال الاستخبارات والسايبر والمحطة النووية، الرفض يتسع أيضًا إلى الوحدات الميدانية وإلى وحدات النخبة مثل سييرت متكال، إلى حد أن أصدر رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، هرتسى هليفى، بيانًا استثنائيًا قال فيه إن الأمر من شأنه إلحاق الضرر والتسبب سلبًا بجهوزية الجيش، داعيًا رافضى الخدمة للعودة بقراراتهم، قائلًا: «الجيش بحاجة إليكم».

لعل القادة فى إيران وحزب الله وحماس يفركون أيديهم سعادة الآن، وليس مدعاة للفخر، أيضًا، حقيقة أنهم لم ينتصروا عليهم، لكن الإسرائيليين أنفسهم حاربوا بعضهم البعض. هناك من يقول إن الوقت مناسب لأعداء إسرائيل للقيام بعمليات والضغط عليها من كل الجبهات، لكن هناك تقديرات أخرى تقول إنهم لن يفعلوا، ولن يقدموا بأيديهم المبرر لإعادة توحيد الشعب الإسرائيلى. فالافتراض الأكبر أنهم سيستمتعون بمشاهدة الفوضى غير المسبوقة، فهم لم يستطيعوا الإضرار بهم على هذا النحو فى أى وقت، وهم الآن يفعلون هذا بأنفسهم.

أى عملية ضد أهداف إسرائيلية ويهودية فى العالم، أى عملية تسخين حدود، أى حدث تكتيكى أو أمنى حتى لو بسيط، سيستغله نتنياهو فى تجميع صفوف الإسرائيليين مرة أخرى، وعندما ستتوحد الصفوف ستصبح مسألة الإصلاحات القضائية ليست أولوية «مثلما حدث فى عملية جنين الأخيرة».. فى حماس وحزب الله وإيران يفهمون ذلك، وعلى الأرجح لن يقوموا بأى استفزاز حاليًا.

كان مسئولون إيرانيون ومسئولون من حركة حماس قد التقوا الأسبوع الماضى فى طهران لتقدير حجم الاضطرابات فى إسرائيل، وفى اجتماع استمر ثلاث ساعات، شارك فيه قائد كبير فى فيلق القدس الإيرانى، ذراع الحرس الثورى الإيرانى التى تقدم الدعم العسكرى لحلفاء طهران، ومسئولان أمنيان إيرانيان، ومسئولان من حركة حماس الفلسطينية- اتفقوا بشكل واضح على ضرورة الامتناع عن أى «تدخل مباشر»، حتى لا يعطى ذلك لنتنياهو ذريعة للهرب من الأزمة وإلقاء اللوم عليهم.

رغم أن أعداء إسرائيل قد لا يبدأون مواجهة، لكن هذا لا يعنى أن التوتر غير موجود، فالجبهة الإيرانية أصبحت أكثر خطورة. مؤخرًا، حيث أعلن الموساد عن أنه أحبط عملية إيرانية ضد إسرائيليين فى الأراضى اليونانية، كما حذّر رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية قائلًا إن إيران تستطيع صنع قنبلة نووية خلال أشهر معدودة. 

فى الجبهة الشمالية، يبدو أن الثقة بالنفس لدى حسن نصرالله فى تصاعد مستمر، بدأت الاستفزازات منذ وقت لكن الجرأة ازدادت بعد حالة الفوضى. العملية فى «مجيدو» كانت يمكن أن تتحول بسهولة إلى حدث استراتيجى لكن تم إحباطها، والتفسير هو أن حزب الله قد يستغل حالة العصيان المدنى والعسكرى داخل الجيش من أجل استفزاز إسرائيل وامتحان قدرتها على الحدود بين البلدين، هذا فضلًا عن التصعيد فى الضفة الغربية، واقتحامات الجيش الإسرائيلى المستمرة منذ أشهر طويلة، والتى قد تتدهور فى أى لحظة مثلما حدث خلال الأسابيع الأخيرة.

حقيقة أن أعداء إسرائيل لا يريدون التصعيد هذا لا يمنعهم من محاولة شد الحدود ورفع منسوب التوتر، وهو نوع من الضغط غير المباشر دون التورط فى تصعيد كبير، ولكن الاستراتيجية هى: «اتركوهم يفعلون هذا فى أنفسهم دون تدخل منا».