رحلة «كيسنجر» الأخيرة إلى كاثاى
عبر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، هنرى كيسنجر، مئويته الأولى، فهو من مواليد «27 مايو 1923»، تنفس روائح الأزمات والحروب والصراعات، خلال أكثر من 8 عقود أمضاها فى جدل الأعمال، والدراسة الأكاديمية فى هارفرد، ليكون محورًا فى جيوسياسية النظرية السياسية والأمنية وحال العالم فى العين الأمريكية.
* لماذا الصين؟
وفقًا لتقرير التليفزيون الصينى، CCTV، قال كيسنجر إنه نظرًا للوضع الحالى يجب أن تلتزم الولايات المتحدة بالمبادئ المنصوص عليها فى بيان شنغهاى وتفهم «الأهمية القصوى» التى تعلقها الصين على «مبدأ الصين الواحدة».
فى واقع دبلوماسية كيسنجر، يعد بيان شنغهاى الموقع بين الولايات المتحدة والصين فى عام 1979 ينص على أن الولايات المتحدة تقر، لكنها لا تعترف، بالموقف الصينى المتمثل فى وجود صين واحدة وتايوان جزء من الصين.
يدرك كيسنجر أنه لا يملك إجابة شافية على خيار زيارة الصين، فهو فى عمر حرج، والصين فى أزمات أكثر حرجًا، إذ جعلت أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، الصين بين نارين، موسكو وواشنطن، عدا عن صورة الموقف الصينى من تطورات الأزمة.
.. أما لماذا الصين:
.. وقع محظور الرؤية السياسية عندما قال الرئيس الصينى، شى جين بينج، إن الصين والولايات المتحدة مرة أخرى «على مفترق طرق» حيث يجب أن يذهب كلا البلدين بطريقه لأن «المشهد الدولى يمر بتحولات كبيرة» لكلا الجانبين الخيار.
* الدبلوماسية الثلاثية.. فشل المصطلح، هذيان كيسنجر القديم
أعاد اجتماع الرئيس الصينى مع وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، هنرى كيسنجر، فى بكين، وفقًا لما نقلته قناة CCTV الصينية الحكومية، تلك المتاهة السياسية، فقد أرادت الصين التمسك بالمية السياسية، التى خلقت فى مرحلة ما من التاريخ السياسى العالمى، ما سمى بـ«الدبلوماسية الثلاثية»: ما رئيس جعل الصين يقول: «بالنظر إلى المستقبل، يمكن لكلا البلدين (الصين وأمريكا) أن يجعل الآخر أفضل وأكثر ازدهارًا معًا.. المفتاح هو الالتزام بمبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمى والتعاون المربح للجانبين».
فى الجانب التاريخى من التعاون الدولى، وسياسات الأمن والسلم، كانت قواعد سياسات الحرب الباردة- السرية- تقوم على:
_ الاحتواء القوى والفعال للشيوعية والاتحاد السوفيتى.
- الاحتواء العالمى إعلاميًا واقتصاديًا ضد القطب الآخر، فى كل مكان وأى مكان وبكل الوسائل المتاحة.
- وهى تلك السياسة، التى اتُبعت منذ أواخر الأربعينيات، التى أدت لانغماس الولايات المتحدة فى حروب دامية فى كل من كوريا وفيتنام، مما أدى إلى خسائر فادحة فى الأرواح البشرية.
.. عمليًا، كيسنجر سياسى يهودى الأصل، وضع النهج، كيسنجر مختلف؛ الدفاع عن توازن القوى بوساطة الولايات المتحدة بين اللاعبين الرئيسيين فى النظام الدولى؛ الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، والصين، وقد سمى هذا النهج بـ«الدبلوماسية الثلاثية»، التى عانت منها الدبلوماسية فى الإدارة الأمريكية.
عُيّن كيسنجر من قِبل الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، الذى أدى اليمين كرئيس فى يناير عام 1969، وفى اليوم نفسه عُيّن كيسنجر مستشارًا للأمن القومى تاركًا الجامعة، نجح فى ضبط المنصب، وبعد 4 سنوات، كان وزيرًا للخارجية فى سبتمبر من عام 1973، إضافة لاحتفاظه بوظيفته مستشارًا للأمن القومى، وفى بادئ الأمر فى عهد نيكسون ومن ثم فى عهد خليفته، جيرالد فورد. وظل الشخص الوحيد فى التاريخ الذى يشغل كلا المنصبين فى وقت واحد، ما أتاح له أن يشغل العالم بظلال الأزمات التى واجهت الولايات المتحدة.. وظل غنيًا بالتأرجح السياسى بين كبار خبراء السياسة الدولية، إلى أن زار الصين، يتعكز على موروث الصين الشرقى، لكنه الأخطر فى السياسة الدولية.
* احتواء ذاكرة كيسنجر
«على هذا الأساس، ترغب الصين فى العمل مع الولايات المتحدة لإيجاد الطريق الصحيح للتوافق مع بعضها البعض، ودفع العلاقات الصينية الأمريكية إلى الأمام بثبات»، هذا ما لفت إليه الرئيس الصينى شى، فى محاولة لاحتواء ما فى ذاكرة كيسنجر من بقايا حيوية، مشيرًا، شى، إلى كيسنجر باعتباره «الصديق القديم للصين» وهو صفة دبلوماسية صينية تُمنح لشخصيات أجنبية لها دور مهم فى تنمية الصين، حسب تحليلات غربية، لافتًا إلى أن الصين لن تنسى «مساهمته (كيسنجر) التاريخية» فى تطوير العلاقات الصينية الأمريكية وتعزيز الصداقة بين شعبى البلدين.
وتأتى زيارة كيسنجر الصينية فى قمة الخلافات الواسعة بين الولايات المتحدة والصين، برغم جهود مشتركة متباينة الأثر لتحقيق الاستقرار فى العلاقة بين أكبر اقتصادين فى العالم، وسط أزمة اقتصادية سياسية، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.
* الحرب الروسية الأوكرانية تقترب من نقطة تحول.. هكذا تكلم كيسنجر؟
فى التاسع من مايو، قال كيسنجر إنه يعتقد أن الحرب الروسية الأوكرانية تقترب من نقطة تحول، ويتوقع إجراء مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا بحلول نهاية العام بفضل الجهود الأخيرة التى بذلتها الصين، بالطبع هذا التصريح مهد لزيارة الصين، وجعل الرئيس الأمريكى جو بايدن، يطلع على جدول الزيارة، حسب المصادر الدبلوماسية عن البيت الأبيض، فقد أشارت مجلة نيوزويك «Newsweek» الأمريكية، فى تقرير لها، إلى أن كيسنجر بدا واثقًا فى مقابلة له مع قناة «سى بى إس نيوز» (CBS News) من أن الصين ستساعد فى تغيير أمد الحرب المستمرة.
وأعرب كيسنجر للقناة الأمريكية عن اعتقاده بأن جهود الصين، التى دخلت حاليًا فى المفاوضات، ستصل إلى ذروتها بحلول نهاية العام الجارى.
.. ونقل، عن صاحب المئوية الأمريكية، الوحيد، أنه قال فى عيد ميلاده الـ100.. كسينجر يحذر: الصين خصم خطير للولايات المتحدة.
ولن يكون مستقبل عالمنا أفضل إلا عندما تعيش البلدان الناشئة والبلدان المتقدمة فى سلام وتتطور معًا.
.. عمليًا، بالنسبة للولايات المتحدة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، إن إدارة بايدن على علم بزيارة كيسنجر إلى الصين، وإن المسئولين الصينيين ناقشوا الأمر مع وزير الخارجية أنتونى بلينكين أثناء وجوده فى بكين الشهر الماضى. لكن ميللر شدد على أن كيسنجر ذهب إلى الصين كمواطن عادى.
وسأقول إنه كان هناك بمحض إرادته، ولم يتصرف نيابة عن حكومة الولايات المتحدة. وقال خلال المؤتمر الصحفى للوزارة: ليس لدى أى تحديثات أخرى عن هذه الرحلة.
.. فى هذه الصورة التى نشرتها وكالة أنباء شينخوا، يتحدث الرئيس الصينى شى جين بينج، إلى اليمين، مع وزير الخارجية الأمريكى السابق هنرى كيسنجر خلال اجتماع فى دار ضيافة الدولة دياويوتاى فى بكين، الخميس 20 يوليو 2023. أخبر شى كيسنجر يوم الخميس بأن العلاقات بين البلدين على مفترق طرق وأن كلا الجانبين بحاجة إلى «اتخاذ قرارات جديدة» يمكن أن تؤدى إلى علاقات مستقرة و«نجاح وازدهار مشتركين».
* حكاية صورة
.. فى بريد وكالات الأنباء، نشرت صورة، وزعتها وزارة الخارجية الصينية، يظهر فيها لحظة ما أن يلتقى وزير الخارجية السابق هنرى كيسنجر، عضو مجلس الدولة الصينى وانج يى فى بكين.
ذات محاور الصورة تتكرر مع الرئيس شى، لكنها لم تترك بصمة مختلفة الحال، فى التحليلات الصينية أن كيسنجر قد يستطيع نقل صورة ضبابية عن زيارته، ولكنها لن تفيد فى استقرار مستقبل العلاقات، إذا ما تطورت أزمة الحرب فى روسيا، وأوكرانيا.. فسياسة التصعيد، تزيد مخاطر شرهة الغرب للمزيد، قد تكون اللعبة مع الصين فى أدراج أوراق كيسنجر السرية.
.. فى كاثاى القديمة، يكتب كيسنجر عن رحلته المختلفة بين الحرب واللاسلم.
