رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار الأخطر للقيادى السلفى المعروف يونس مخيون! (1)

(الجزء الأول)

شهادته عن الأحداث.. مفاجآتٌ وصفعاتٌ قاسية لكل الذين سقطوا فى لحظة الاختيار!

(1)

ربما لن أكون مبالغا فى أن أصف شهادة وحديث القيادى السلفى المعروف يونس مخيون مع الإعلامى د.محمد الباز فى برنامج الشاهد بأنه الأخطر الذى يصدر عن اسمٍ مهم ممن نطلق عليهم رموز الإسلام السياسى فى مصر! 

وقبل الخوض فيما قاله الرجل أحب أن أتوجه إليه بالشكر والتقدير لأنه كان واضحا صريحا شجاعا، لم يراوغ ولم يخفِ شيئا ولم يخش شيئا أو أحدا! 

وأشكره لأنه منحنا هذه الوثيقة التاريخية بصفته من الشخصيات التى كانت حاضرة وفاعلة فى آخر عامين فى تاريخ مصر المعاصر!

وفى رأيى الشخصى أن مصدر هذه الخطورة لهذا الحوار لا ينبع مما وثقه وشهد عليه الرجل من أحداث سياسية كان أحد الفاعلين الرئيسيين بها فقط، لكن أيضا لما قاله بين ثنايا شهادته عن تحديد الفروق بين جماعة الإخوان، وبين الدعوة السلفية وحزب النور (مركزها الإسكندرية)، وبين تيار السلفية العامة التى يكثر أتباعها فى القاهرة. لقد رسم الرجل فى عبارات عفوية خريطة لتيار الإسلام السياسى فى مصر من حيث اعتناق فرقه المختلفة فكر سفك الدماء أو رفضه ذلك، وإيمانه بفكرة الوطن أو تغليبه لأيديولوجيته العقائدية. ومتى وفيمَ يتشددون؟ عبارات عابرة صدرت عن مخيون تجيب عن هذا التساؤلات. 

إننا أمام وثيقة سياسية من نوعٍ خاص، تجمع بين ثناياها دفوع إدانة صريحة صادرة عن شخصية سياسية وبرلمانية من المستوى الأعلى لتيار الإسلام السياسى لتنظيمات محددة وأسماء محددة بمسؤوليتها عن سفك دماء المصريين وجرائم حرق دور عبادة ومؤسسات مصرية والشروع فى محاولة حرق مصر بالكامل وإشعال حرب أهلية صريحة تحت مظلة دينية!

حسب تلك الشهادة الوثيقة فنحن أمام ثلاث مجموعات فكرية من الإسلام السياسى، مجموعة مثلتها الجماعة الإرهابية التى وصلت للحكم وسارت فى ركبها بعض التنظيمات التى ذكرها مخيون فى شهادته وتبعهم مصريون من العوام اعتقادا بأن ما يحدث هو صراع بين الإسلام والكفر!

 أما الثلث الثانى فهو الذى لم يُختبر مسلكه السياسى لأنه لم يقبض على سدة حكم مصر، وهو التيار السلفى العام، لكنه فى لحظة حاسمة تم اختبار أفكاره وعقائده وانضم لمعسكر الجماعة الإرهابية!  

ثم أخيرا الثلث الأخير الذى يتمثل فى الدعوة السلفية فى الإسكندرية وحزبها حزب النور وهو الثلث الذى يمثله يونس مخيون الذى يختلف- حسبما قال الرجل- كثيرا جدا فى عقائده عن التيار السلفى العام، اختلافا وصل لمحاولات اغتيال بعض قادته واتهامهم بخيانة الإسلام والارتماء فى أحضان العلمانية! 

لذلك فالشهادة الوثيقة- حسب هذا التقسيم- تحوى جزءًا مهما وهو ما يمكن اعتباره دليلا استرشاديا مستقبليا للمصريين عما يمكن أن يكون عليه شكل مصر إن قرر المصريون أن يكرروا- فى سنواتٍ أو عقود آتية- خطيئَتهم الوطنية السابقة بوضع إحدى هذه المجموعات الثلاث من تيار الإسلام السياسى على مقعد حكم مصر!

(2)

الجزء الأكبر من الحوار قطعا كان مخصصا لشهادة الرجل عن الوقائع والمواقف وما جرى خلف كواليس بعض المشاهد العلنية والمساومات والمفاوضات ومحاولات جر أرجل الدعوة السلفية لشرك الدم! وهذه الشهادة هى موضوع الجزء الأول من مقالى هذا..

من بين ما يجب أن يوضع بين قوسين كبيرين تلك القنبلة الرسمية التى ألقى بها الرجل فى شهادته بصراحة وشجاعة! قنبلة توثيق ما ظل متداولا على استحياء عن دور الولايات المتحدة عما كان يدور فى مصر! 

حيث قال نصا إن القنصلية الأمريكية بالإسكندرية قد طلبت تحديد لقاء معنا، ثم طلبت منا فى تلك المقابلة صراحة وبشكلٍ مباشر الانضمام إلى اعتصام رابعة (قالولنا لازم تنضموا للاعتصام دا فى مصلحتكم!).

بعض ما ذكره من وقائع- خاصة فيما يخص محاولات بعض الساسة ورجال القوات المسلحة لصون الدماء وكيف تعاطت الجماعة الخائنة مع تلك المحاولات- عبارة عن صفعات قوية على وجه كل من حاول التعريض بالقوات المسلحة وكال لها من الاتهامات الباطلة! 

ربما يكون من تمام الفائدة أن أعيد بالتذكير أن كثيرا من الجرائم التى اقترفتها الجماعة الإرهابية فى تلك الفترة الحاسمة قبل وبعد أو وصلوا لحكم مصر يعرفه كثيرٌ من المصريين، لكن شهادة مخيون جاءت لتقضى تماما على ما قد يكون قد تبقى فى أذهان وعقول بعض المصريين من تبريراتٍ بلهاء متنطعة لمسلك الجماعة أو جرائم الجماعة أو خيانة الجماعة وكفرها بفكرة الوطن! هذه المرة يأتى ذكر هذه الوقائع ممهورة بخاتم رسمى من أحد الذين تمثلوا فى دائرة الحكم وكتابة دستور مصر وشهدوا اجتماعات الغرف المغلقة!

أهم ما فى شهادة الرجل هو ما يخص موقف القوات المسلحة ممثلة فى وزير دفاع مصر وقتها الفريق عبدالفتاح السيسى. لقد أبرأ مخيون- فى وقائع ومواقف محددة بالتاريخ وأسماء الشهود- ذمة هذه المؤسسة الوطنية وهذا الرجل الشريف، مما حاول البعض إلصاقه بها وبه. من يعلم تاريخ وعقيدة هذه المؤسسة لم يكن يراوده شكٌ فى تلك البراءة، لكن الجديد هنا هو صاحب الشهادة وما ذكره من وقائع محددة عن موقف وزير الدفاع من مبادرات الساعات واللحظات الأخيرة (مبادرة محمد سليم العوا ومبادرة علماء السلفية مثل محمد حسان)! وفى الفقرات التالية أورد نص أهم ما ذكره فى وثيقته! 

(3)

ويمكن تلخيص شهادة مخيون عن الجماعة والأحداث فى النقاط الآتية:

كذب الجماعة الصريح حتى على حلفائها منذ الاتفاق على عدم الترشح للرئاسة حتى النهاية المأساوية وذكر بعض الوقائع (الترشح للرئاسة – ملف أخونة الدولة – رفض مبادرة حزب النور علنا فى الوقت الذى كان سعد الكتاتنى يجتمع سرا مع ممثلى جبهة الإنقاذ).

خيانة العهود والاتفاقات والتحول السريع وعدم الانضباط الأخلاقى فى تشويه كل من اختلف معها حتى لو كان مما يطلق عليهم الأحزاب الإسلامية لحد تشويه السمعة!

عدم اكتراث الجماعة بالعلوم الشرعية أو الأحكام الشرعية!

قدمت الدعوة السلفية ملفا عن أخونة الدولة تشمل مئات الأسماء فى أكثر من عشر محافظات!

البيعة والسمع والطاعة جعلت مرسى ليس هو الرئيس، وذكر مخيون وقائع متعددة مع حزب النور نفسه وذكر صراحة أن خيرت الشاطر كان هو صاحب الكلمة العليا على المرشد وعلى مرسى وهو يجلس على مقعد الرئاسة! 

(4)

ما ذكره فيما يخص سفك الدماء والخيانة الوطنية الصريحة للجماعة شغل مساحة كبيرة من شهادته، وهذا أهم ما أورده نصا وتفصيلا:

إباحة الجماعة لسفك الدماء واستهانتها بالدم ومتاجرتها بالدماء فى المساومات السياسية! (أحدهم قال كنا نعلم أن الاعتصامات لن تعيد مرسى لكننا كنا نعمل على خلق حالة زخم تساهم فى انقسام الجيش المصرى أو تقوى موقفنا فى أي مساومات!).

شهادة صريحة منه على مسؤولية الجماعة عن جرائم القتل والحرق وذلك فى إجابته عن سؤال د.محمد الباز هل تعتقد فى مسؤولية الجماعة عن جرائم الاعتداء والقتل.. نعم هم من قاموا بذلك وحاولوا جرنا للاعتصام بأى طريقة، لكننا رفضنا أن نشارك فى أي مشاهد تصادم!

حاولت الجماعة استدراج الدعوة السلفية للانضمام إلى الاعتصامات المسلحة لكنهم رفضوا وقاموا بحملات وجولات توعية لأتباعهم فى المحافظات لعدم الانضمام لأي مشاهد يترتب عليها صدامات! 

تأكيده على علم قادة الجماعة بموعد فض الاعتصام وتحريضهم للمتعاطفين- من عامة السلفيين- على البقاء مع هروب وسحب قادة الجماعة ليلة الفض!

عاصم عبدالماجد ترك الاعتصام قبل الفض بعدة أيام وقال أنه كان يعتقد أن زخم الاعتصام سوف يؤدى إلى انقسام الجيش المصرى، لكن هذا لم يحدث! (هو مشى وساب الناس اللى جابها!).

كرر فى شهادته أكثر من مرة ما توهمته جماعة الإخوان عن حدوث انقسام فى الجيش المصرى! 

أراد الإخوان تصدير مشهد أن ثورة يونيو ثورة كفر ضد الإسلام وعدم مشاركة الدعوة السلفية أفسدت خطتهم! فعدم مشاركتنا كسلفيين – متدينين بدقون - أفسدت خطتهم فى تقسيم المصريين لمسلمين وكفار!

فى محاولات إقناع الجماعة بحقن الدماء قالوا إنهم اختاروا الصدام وأن لديهم مائة ألف شهيد مستعدون لهذا الصدام!

وزير إخوانى تحدث عن اجتماع ما يسمى بجبهة دعم الشرعية وحددوا الخيارات فى خيارين، الأول هو التفاوض وقبول المبادرات والثانى هو الصدام. واتفقوا بالإجماع على خيار الصدام المسلح وأنهم لديهم مائة ألف مستعدون للاستشهاد!

قدمت الدعوة السلفية مبادرة مبكرة قبيل مظاهرات 30 يونيو وذهب وفد من الجماعة للإسكندرية لمقابلة قادة الدعوة!

فى تلك المقابلة سفهت الجماعة من استمارات تمرد وأن الموقعين عليها لا يتجاوز آلافا كما سفهت من دعاوى مظاهرات يونيو وقدرتها بأنها لن تتجاوز 150 ألف متظاهر!

قال مخيون نصا إن قادة الجماعة كانوا إما مغيبون أو كانوا بيستغفلونا!

الدعوة السلفية – رغم موقفها من رفض إرهاب وجرائم الجماعة – لم تكن مشاركة فى ثورة 30 يونيو وبقت على الحياد! إحنا فضلنا نبقى على الحياد حتى لا نشارك فى أي مشاهد تصادمية!

خطاب قادة الجماعة فى الغرف المغلقة وبين بعضهم البعض أنهم يتمنون خراب مصر وهدمها كما قال مخيون نقلا عنهم (ما تتخرب مصر وتتهد ونعيد بناءها! وياريت مصر تبقى زى سوريا!)

(5)

أما فيما يخص موقف القوات المسلحة من محاولات نزع فتيل الصدام وحقن الدماء، فقد جاءت شهادة مخيون كالآتى:

كانت القوات المسلحة هى المبادرة للوصول إلى حلول سلمية، (كلمنى اللواء العصار رحمه الله) طالبا منى الحضور لمحاولة إيجاد حلول!

تجاوبت قيادة القوات المسلحة مع جميع المبادرات التى تقدمت بها بعض الشخصيات مثل مبادرة سليم العوا ومبادرة بعض كبار رموز السلفية مثل محمد حسان.

قدم هؤلاء مبادراتهم بناء على تواصل مع قادة الجماعة، ثم لما عادوا بموافقة القوات المسلحة رفضت الجماعة المبادرات! بعد أن كان من يسمون أنفسهم بجبهة دعم الشرعية قد اتخذوا قرارهم بالإجماع بخيار الصدام المسلح، ويشك مخيون أن هناك قوى خارجية كانت تومئ للجماعة برفض الحلول الوسط!

واقعة محمد حسان.. وافقت الجماعة على توسطه مع آخرين بالتقدم بمبادرة عرضها على الجماعة أولا فقبلتها، عرضها على القوات المسلحة فقبلتها، ذهب مستبشرا إلى رابعة فكان ردهم (إنت مين طلب منك تتوسط؟!) لو عايز تقف معانا اطلع المنصة فكان رده (لو أعلم أن صعودى المنصة سيخدم الدين لصعدت!). 

بادر اللواء العصار رحمه الله بالتواصل مع الشيخ محمد حسان لمعرفة موقف الجماعة من مبادرته (إحنا مستنينك يا شيخ محمد)، فرد عليه بجملة كررها ثلاث مرات إنا لله وإنا إليه راجعون فرد العصار خلاص فهمت!

وافق وزير الدفاع المصرى الفريق عبدالفتاح السيسى على جميع المبادرات وإلى آخر لحظة وحتى اجتماع القوى الوطنية وقبيل إصدار بيان 3 يوليو حرصا على حقن الدماء!

من تلك المبادرات أن يسجل مرسى تليفزيونيا خطابا يكلف فيه رئيس وزراء جديد توافقى يتولى إدارة البلاد وإعداد انتخابات رئاسية مبكرة. قبلت المؤسسة العسكرية تلك المبادرة ورفضها الإخوان!

آخر مبادرة كانت فى حضور القوى الوطنية استعدادا لبيان 3 يوليو وقبلها السيسى بشرط قبول القوى السياسية التى رفضت بالإجماع أي حلول غير عزل الجماعة عن حكم مصر!

أبرأ مخيون بشكل رسمى قاطع، ذمة وزير الدفاع المصرى عبدالفتاح السيسى من مسؤوليته عن سفك الدماء وحتى آخر لحظة.. ففى مفاجأة أو صفعة قاسية لكل من حاول تلطيخ سيرة الرجل، قال مخيون أن السيسى قال (لو عايزين يفضلوا معتصمين لو عشر سنين بشرط عدم قطع الطرق أو الاعتداء على المواطنين أو حمل السلاح) فى محاولة أخيرة منه لحقن الدماء!

(6)

هذه كانت شهادة الرجل عن الوقائع والأحداث والأسماء. هذه هى الوثيقة التى يجب أن يستمع إليها كل المصريين للاطمئنان التام لكل من لا يزال يحتفظ فى قلبه بذرة ريبة أنه قد اتخذ موقفا خاطئا حين وقف فى وجه تلك الجماعة التكفيرية الباطنية سفاكة الدماء الخائنة لهذه البلاد!

آثرتُ أن أخصص هذا الجزء من حديثى لنص شهادة الرجل عن الأحداث التى شارك فى صنع بعضها بصفته ممثلا لقوى سياسية موجودة بالفعل فى الشارع المصرى، لما فى تلك الشهادة من أهمية بالغة لصفة وشخصية صاحبها. فإن كانت هذه الأهمية تخص ما حدث بالفعل، فإننى سأختص بالجزء الثانى ما ورد فى حواره عن حقائق أخرى موجودة فى مصر. وإننى – بشكل شخصى – أعتقد أن ما ذكره من تلك الحقائق والمعلومات – حتى وإن وردت بشكلٍ عابر فى معرض إجاباته – يحمل قدرا أكثر من الخطورة لتماسه بشكل مباشر مع مستقبل مصر القريب والبعيد!

وسأكتفى هنا فقط بذكر بعض ما أورده عما يخص موقف حزب النور وقتها الذراع السياسية للدعوة السلفية، لأننى سأتحدث عن ذلك بمزيد من التفصيل لاحقا. لكن ينبغى هنا وضع خطوط عريضة أسفل عبارات معينة منها:

لم نشارك فى مظاهرات 30 يونيو ووقفنا على الحياد!

ربما شارك بعض السلفيين فى اعتصام رابعة لكنهم لم يكونوا قريبين منا!

الذين شاركوا فى مظاهرات 30 يونيو لم يخرجوا ضد الدين كما حاولت الجماعة تصوير ذلك، لكنهم خرجوا بسبب تردى الأوضاع المعيشية!

نصيغ مواقفنا حسب رؤيتنا الشرعية!

اشتركنا فى كتابة الدستور حتى نكون بالمرصاد ضد العلمانيين والليبراليين وضد أي مواد ضد الهوية الإسلامية وحتى ندعم الأزهر ومن أجل مادة الأزهر فى الدستور!

نحن متشددون جدا فى الثوابت- دون تسميتها- لكننا مرنون جدا فى المسائل الخلافية!

نعلى قيمة الوطن ويجب المحافظة عليه لأن تحقيق مقاصد الشريعة الخمسة الكلية حفظ (الدين – النفس – العقل – النسل أو العرِض – المال) لن يتحقق إلا فى ظل الحفاظ على الوطن!