رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«السهم الواقى» Vs «ثأر الأحرار».. رسائل المواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين

غزة
غزة

 

الثلاثاء الماضى، أطلقت إسرائيل عملية «السهم الواقى»، التى بدأت باغتيال ٥ من القيادات البارزة فى حركة «الجهاد الإسلامى» الفلسطينية، قائلة إن العملية جاءت ردًا على إطلاق الحركة ١٠٤ صواريخ، عقب وفاة الأسير خضر عدنان، القيادى بالحركة فى السجون الإسرائيلية.

ورغم أن العملية تعد حلقة فى سلسلة غير منتهية من الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، إلا أنها تحمل هذه المرة عددًا من الدلالات والرسائل التى نستعرضها فى السطور التالية.

 

عودة سياسة الاغتيالات من جديد.. واتفاق بين حكومة نتنياهو والمعارضة على العملية

 

ينفذ الجيش الإسرائيلى، بالتعاون مع جهاز الأمن العام «الشاباك»، منذ الثلاثاء الماضى، عملية أطلق عليها اسم «السهم الواقى»، بدأها باغتيال قادة فى حركة «الجهاد الإسلامى» فى قطاع غزة بضربات صاروخية.

ولم تكن الفصائل الفلسطينية وحدها هى التى فوجئت بالغارات الجوية الإسرائيلية على القطاع، بل فوجئ الإسرائيليون أيضًا بالعملية، التى أسفرت عن مقتل كل من: خليل بهتينى، ضابط العمليات الكبير فى «الجهاد الإسلامى» وقائد فرقة شمال غزة، وطارق عز الدين، مدير عمليات الحركة فى الضفة الغربية، وجهاد غنام، سكرتير المجلس العسكرى للحركة.

وفجر أمس الأول، اغتالت إسرائيل أيضًا قائد القوة الصاروخية بالحركة على حسن غالى، بضربة جوية استهدفت منزله، وهو شخصية مركزية فى التنظيم، ويعد مسئولًا عن إطلاق الصواريخ، ثم اغتيال أحمد أبودقة، نائب قائد الوحدة الصاروخية فى الجهاد الإسلامى.

وبدأ التصعيد بوفاة الأسير الفلسطينى المضرب عن الطعام خضر عدنان، فى الثانى من مايو الجارى، وهو قيادى بحركة «الجهاد الإسلامى»، التى ردت على وفاته بإطلاق ما لا يقل عن ١٠٠ صاروخ وقذيفة هاون باتجاه إسرائيل من غزة، حيث أصاب صاروخان بلدة سديروت المحاذية للقطاع، فيما تسببت الصواريخ بإصابة ما لا يقل عن ١٢ مدنيًا، بينهم عامل أجنبى من الصين. نتيجة لذلك، كان هناك ضغط مكثف على رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، من قبل سكان وقادة مجتمع الجنوب، وحتى داخل تحالف الحكم؛ للرد بقوة على تلك الصواريخ.

وفى حينه، تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلى الانتقادات التى أتت من شركائه اليمينيين ومن اليسار الإسرائيلى أيضًا، الذى انتقده لعدم تصرفه بقوة، وكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق، نفتالى بينيت، على موقع «تويتر» أن المزيد من الصواريخ سقطت فى ليلة واحدة تحت حكم نتنياهو مقارنة بفترة ولايته هو كرئيس للوزراء. وكانت خطة نتنياهو هى تنفيذ عملية الاغتيال بقوة فى الوقت الذى يختاره هو، ووجه رسالته إلى منتقديه- داخل الائتلاف والمعارضة- قائلًا: «سأفعل الأشياء على طريقتى».

الطريقة التى تمت بها الموافقة على هذه العملية أيضًا كانت غير معهودة، فقد عقد نتنياهو اجتماع حكومته الأمنية بعد ١٨ ساعة من الهجوم، وهو ما يحمل دلالة حول أن نتنياهو كان يريد أن يحد من تدخل بعض الوزراء، مثل المتطرفين إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، وأنه يريد فصلهم عن العملية حتى لا يضغطوا نحو المزيد من الأفعال والمغامرات المتطرفة التى يخشى أن تكون لها عواقب سلبية.

وبدا من الواضح أن رئيس الوزراء والجيش الإسرائيلى كان لديهما خطط لتنفيذ جولة ثانية من الضربات فى أعقاب إطلاق الصواريخ والغارات الجوية فى الـ٢ و الـ٣ من مايو، عقب وفاة الأسير الفلسطينى، خاصة أن هذه ليست المرة الأولى التى يتخذ فيها نتنياهو أو غيره من رؤساء الوزراء إجراءات مع الجيش الإسرائيلى بالتشاور فقط مع وزير دفاعه ورؤساء الأمن. 

وحول توقيت العملية، بدا أن نتنياهو أراد الانتظار حتى يعثر الجيش الإسرائيلى على جميع قادة «الجهاد الإسلامى» الرئيسيين، الذين ربما كانوا تحت الأرض لبضعة أيام، إلى أن تم وقف إطلاق النار الأسبوع الماضى. واتفق اليمين واليسار فى إسرائيل على أن العملية كانت ضرورية للرد بقوة على صواريخ «الجهاد»، ولم تُسمع اتهامات فى إسرائيل حول دوافع العملية، أو أنها تمت باندفاع أو تحت ضغط من الخصوم السياسيين داخل التحالف الحاكم وخارجه، أو أنها تمت بسبب الأزمات الداخلية. وكتب زعيم المعارضة، يائير لابيد، على موقع «تويتر» أنه يدعم العملية، قائلًا: «الرد الإسرائيلى فى الزمان والمكان اللذين نختارهما هو السبيل للتعامل مع الإرهاب من غزة، سندعم أى عملية للدفاع عن سكان الجنوب». وبالمثل، رحب رئيس المعسكر الوطنى بينى جانتس بالعملية، قائلًا: «أعداؤنا أخطأوا فى تقييمهم للوضع».

سر تأخر رد الفصائل.. واختبار استراتيجية «وحدة الجبهات» و«عقيدة الأخطبوط»

بعد ٣٦ ساعة من تنفيذ الاغتيالات، وبعد أن ضربت إسرائيل مواقع بخان يونس بقطاع غزة، واستهدفت نشطاء من «الجهاد الإسلامى» كانوا فى طريقهم لإطلاق صواريخ، أطلقت الحركة، ظهر الأربعاء الماضى ٤٠٠ صاروخ على إسرائيل، وبدأ التصعيد من الجانبين.

وأعلنت الغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية يومها بدء عملية «ثأر الأحرار»، للرد على الاغتيالات التى نفذتها إسرائيل، فيما أفادت تقارير بأن حركة «حماس» تشارك فى العملية عبر البيانات، لكنها لم تتدخل عسكريًا حتى لحظة كتابة هذه السطور.

ورأى البعض أن تأخر رد «الجهاد الإسلامى» يعود لصدمة الفصائل بعد الاغتيالات، أو إلى محاولة تنسيق رد مشترك مع «حماس» أو التخطيط لرد يشمل جبهات أخرى، مثل لبنان أو سوريا، وإن كان هذا لم يحدث حتى لحظة إطلاق الصواريخ.

فى المقابل، أعلنت إسرائيل عن أنها تستهدف قيادات «الجهاد الإسلامى» ومواقعها العسكرية، فى محاولة منها لإبقاء «حماس» خارج المعركة، لكن فى ضوء الظروف وعدد المصابين ليس مؤكدًا أن تستمر «حماس» فى ذلك.

فى الوقت ذاته، قالت مصادر فى «حماس»: «إن قيادة الفصائل الفلسطينية وضعت كل الإمكانات على الطاولة، على خلفية التقديرات بأن الجيش الإسرائيلى أطلق عملية بالموعد الذى يرغب فيه؛ حتى يدخل الفصائل فى معركة تحت عنوان «الرد على الاغتيال»، وليس على ما وصفوه بـ«الجرائم التى يخطط للقيام بها خلال مسيرة الأعلام فى ١٨ مايو المقبل».

ورأى كثيرون أن تأخر الرد يعود لأن حركة «الجهاد الإسلامى» لا تريد أن تخوض تلك المواجهة مع إسرائيل وحدها، مثلما حدث فى عملية «الفجر الصادق»، التى أطلقتها إسرائيل فى أغسطس ٢٠٢٢، لأن المواجهة حينها أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا من الفلسطينيين، ولم تسبب أضرارًا كبيرة للجانب الإسرائيلى.

من ناحية أخرى، رأى البعض أن هناك مؤشرات على وجود خلافات بين «حماس» و«الجهاد الإسلامى» حول العملية، وحول مشاركة «حماس» عسكريًا فى المواجهة وتوسيعها؛ لتستمر لعدة أيام، والثمن الذى ستدفعه، خاصة بعدما أعادت تأسيس بنيتها التحتية ومواقعها العسكرية بعد المواجهة العسكرية فى مايو ٢٠٢١، التى تسمى فى إسرائيل باسم «حارس الأسوار»، بالإضافة إلى مسئوليتها عن القطاع، كونها الجهة الحاكمة فيه.

من الناحية العسكرية، فإن دخول «حماس» إلى القتال سيقوى الهجمات الفلسطينية، ويمكن أن يدفع إسرائيل إلى القيام بخطوات إضافية، كتجنيد احتياط أوسع ووضع كتائب نظامية فى حالة جهوزية، تحضيرًا لحملة برية ممكنة فى القطاع، وسيكون من الصعب احتواء العملية العسكرية، وقد يتم توسيعها لعدة أيام أخرى.

من الناحية التكتيكية، فإن العملية هى أول اختبار إسرائيلى حقيقى لاستراتيجية «وحدة الجبهات»، التى تدعمها إيران، ومفادها أنه فى حال نشوب تصعيد بين إسرائيل وإحدى الفصائل فإن الرد الفلسطينى سيكون من كل الجبهات، غزة والضفة والجبهة الشمالية من «حزب الله» وسوريا، وربما من البلدات العربية داخل إسرائيل نفسها.

أما بالنسبة لإسرائيل، فإنها تختبر أيضًا استراتيجيتها المصممة خصيصًا لمواجهة حرب متعددة الجبهات، التى تم ذكرها فى العام الماضى تحت اسم «عقيدة الأخطبوط»، التى صممت خصيصًا لمواجهة محاولة إيران توحيد جبهاتها.