رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سرى للغاية.. كيف تُخفى إسرائيل قواعدها العسكرية فى الداخل والخارج؟

قواعد عسكرية
قواعد عسكرية

أدت الصراعات فى التاريخ الحديث إلى قيام القوى العظمى، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، بإنشاء قواعد عسكرية خارج بلادها بأعداد كبيرة، ورغم تراجع تلك الأعداد بعد نهاية الحرب الباردة، إلا أن كثيرًا من الدول، وعلى رأسها إسرائيل، ما زالت تمتلك قواعد عسكرية فى بلدان متعددة.

ودأبت إسرائيل، كما يوضح العديد من التقارير، على إخفاء قواعدها العسكرية فى الداخل والخارج، مع التمويه عليها وتصويرها عبر الخرائط الدولية على أنها أراضٍ زراعية أو صحراوية، بالإضافة إلى تأمين عدد من المواقع عبر اتفاقات سرية لاستخدامها حال الحاجة لتنفيذ هجوم عسكرى على بعض الدول المعادية، مثل إيران، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

استبدال المواقع المهمة بمزارع وصحارٍ وهمية على خرائط الأقمار الصناعية للهروب من الرقابة

قبل انتشار الأقمار الصناعية عالية الدقة، كان حجب الصور الجوية للمنشآت العسكرية وسيلة فعالة لدى الدول لحماية البيانات الحساسة، وهو ما تغير مع قدرة أى شخص لديه اتصال بالإنترنت على الوصول بحرية إلى تلك الصور، خاصة أن وسائل التمويه تأتى عادة بنتائج عكسية، وتلفت الانتباه أكثر إلى المواقع التى تحتاج للإخفاء.

وفى نهاية عام ٢٠١٨، قامت شركة "خرائط ياندكس"، وهى شركة خرائط روسية تتعامل فى صور الأقمار الصناعية، على غرار تطبيق "Google Earth" الشهير، بمراقبة مناطق كثيرة فى إسرائيل، حيث توجد منشآت حساسة، مثل المخابئ والمجمعات العسكرية، ثم تم الكشف عن أجزاء من تلك الخرائط، وكان بعضها مجمعات معروفة، وبعضها الآخر كان فى مناطق مجهولة.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، فقد نشر أحد الباحثين فى اتحاد العلماء الأمريكيين، الذى يتعامل مع منع انتشار الأسلحة النووية فى العالم، مقالًا حول الموضوع، وذكر فيه أن المنشآت الإسرائيلية الحساسة خضعت للرقابة الشديدة، وتم إخفاؤها عن الخرائط.

وأشار الباحث إلى أن دولتين فقط فى العالم تدخلتا لإخفاء مواقعهما العسكرية من الخرائط، وهما إسرائيل وتركيا، وزعم أن الشركة الروسية وافقت على ذلك الإخفاء.

واعتبر أن تلك الخطوة تعد غير عادية، لأنه، ورغم حظر القانون الأمريكى نشر صور الأقمار الصناعية عالية الدقة للمناطق الحساسة، إلا أن حقيقة طمس تلك المناطق تمامًا هى أمر غير معتاد،، لافتًا إلى أن أكثر من ٣٠٠ منطقة فى إسرائيل وتركيا تم طمسها.

وأضاف: "المواقع التى تم طمسها كانت عبارة عن مجمعات كبيرة، مثل المطارات أو مخابئ تخزين الذخيرة، وبعضها كان عبارة عن مبانٍ صغيرة وغير ملحوظة داخل شوارع المدينة، والأهم كان الكشف عن مبانى قاعدة وحدة الاستخبارات ٨٢٠٠ فى أحد التقاطعات".

وبعد الكشف عن تلك المواقع، علقت "يانديكس" على ذلك قائلة: "منتج الخرائط الخاص بنا فى إسرائيل يتوافق مع الخريطة العامة الوطنية التى نشرتها حكومة إسرائيل من حيث صلتها بطمس الأصول والمواقع العسكرية". 

وشرحت الشركة أن الحكومة الإسرائيلية هى التى تخفى المواقع بشكل انتقائى على خريطتها، ومن ثم تطمسها الشركة الروسية وفقًا للوائح.

فيما شرح تقرير عبرى أن الحكومة الإسرائيلية لا تقوم فقط بطمس المواقع العسكرية، لكنها تستبدل تلك المواقع ببقع من الأراضى الزراعية أو الصحراوية المزيفة، وفى بعض الأحيان يتم طلاؤها ببساطة ببقع بيضاء أو سوداء، وتعد المنشآت النووية من الأمثلة الأكثر وضوحًا على تلك الرقابة الإسرائيلية.

ولفت إلى وقوع قاعدة تل نوف الجوية على الطريق مباشرة بالقرب من موقع تخزين صواريخ مشتبه به، وكلاهما تم طلاؤه ببقع متطابقة من الأراضى الزراعية، وكذلك الأمر فى قاعدة بالماخيم الجوية، التى تعرف بأنها موقع إطلاق تجريبى لصواريخ أريحا، وترتبط بمركز سوريك للأبحاث النووية، الذى يشاع أنه مسئول عن أبحاث وتصميم الأسلحة النووية، وتم استبدال المنطقة بأكملها بصحراء وهمية.

الأمر نفسه حدث، وفقًا للتقرير العبرى مع قاعدة حيفا البحرية، التى تضم غواصات يشاع أنها تمتلك قدرات نووية، وهى محجوبة تمامًا على الخريطة الرسمية، وأيضًا مركز النقب للأبحاث النووية فى ديمونا، وهو الموقع المسئول عن إنتاج البلوتونيوم لبرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلية، وقد تم حذفه بالكامل على الخريطة الرسمية، وكذلك قاعدة حتريم الجوية، التى ليس لها أى علاقة معروفة ببرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلى، إلا أنها تم إخفاؤها أيضًا واستبدالها بصحراء ذات ألوان مميزة.

ونوه التقرير إلى أن سلاح الجو الإسرائيلى يدير ١١ قاعدة جوية رئيسية، لكنه ظل لسنوات لا يعترف إلا بـ١٠ منها، إلى أن كشف فى يوليو من عام ٢٠١٧ رسميًا عن وجود قاعدة جوية أخرى غير معترف بها سابقًا، وتسمى سدوت هألا.

اتفاقات سرية تؤمن تواجدًا غير معلن فى بحر قزوين والقرن الإفريقى

فى تقرير مثير للانتباه نشر عام ٢٠١٢، قال مسئول كبير فى الإدارة الأمريكية لصحيفة "فورين بوليسى" إن "إسرائيل حصلت على قاعدة جوية فى أذربيجان"، ونقل التقرير فى حينه تعليقات عن ثلاثة دبلوماسيين ومسئولين استخباراتيين أمريكيين أكدوا أن تل أبيب طورت العلاقات مع باكو استعدادًا لشن هجوم إسرائيلى محتمل على المنشآت النووية الإيرانية من الأراضى الأذربيجانية. 

وزعم التقرير أن إسرائيل حصلت على إذن لاستخدام أربع قواعد جوية مهجورة بأذربيجان، تعود إلى الحقبة السوفيتية، وتقع بالقرب من الحدود الإيرانية.

كما نقل عن مسئول استخباراتى أمريكى سابق خدم فى الشرق الأوسط لسنوات عديدة، قوله: "لا أعتقد أن هناك أى اتفاق موقع بين البلدين بشأن تلك القضية، لكن ليس لدىّ أدنى شك فى أنه إذا أرادت الطائرات الإسرائيلية الهبوط فى القواعد الأذرية بعد الهجوم فسيسمح لها بذلك".

ونوه التقرير إلى أن هناك قاعدة تسمى "سيتالكى" تعد موقعًا محتملًا يمكن أن يستقبل الطائرات من إسرائيل، لكونها تبعد حوالى ٥٠٠ كيلومتر عن الحدود الإيرانية، خاصة أن المسافة من إسرائيل إلى إيران تبلغ حوالى ١٥٠٠ كيلومتر. 

وبعد هذا التقرير بـ١١ عامًا، تم افتتاح السفارة الإسرائيلية فى أذربيجان، وكثرت الأحايث والتقارير عن احتمالات استخدام الأراضى الأذرية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، مع الإشارة إلى أنها تقلل من اعتماد إسرائيل على طائرات التزود بالوقود أثناء أى هجوم محتمل. 

ومع ذلك، قدر مسئول سابق فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن إسرائيل لن تستخدم أى قواعد فى أذربيجان للهجوم الأول، مرجحًا أن تستخدم تلك القواعد لإنزال الطائرات أو إعادتها أو التجهيز لهجوم ثان، مع الزعم بأن المروحيات الإسرائيلية يمكنها أن تنتظر فى بعض القواعد الأذرية لتلقى تعليمات تخص عمليات البحث والإنقاذ. 

وعن التواجد الإسرائيلى فى القرن الإفريقى، زعم تقرير آخر، نشرته مؤسسة "ستراتفور" المتخصصة فى الأبحاث الاستخباراتية، وتم تداوله فى ديسمبر ٢٠١٢، أن لإسرائيل قواعد على ساحل إحدى الدول الإفريقية، مرجحًا أن تكون مستخدمة ضد شبكات تهريب الأسلحة الإيرانية.

ووفقًا للتقرير، فإن لدى إسرائيل محطة استماع استخباراتية على قمة جبل معزولة فى إحدى دول القرن الإفريقى، بالإضافة إلى مرسى بحرى، تم إنشاؤه خلال الحرب الباردة لصالح سفن البحرية السوفيتية، زاعمًا أنه يستخدم من قبل غواصات وسفن تابعة للبحرية الإسرائيلية تعمل ضد الشبكات الإيرانية التى تهرب الأسلحة إلى بعض التنظيمات فى المنطقة، بالإضافة إلى موازنة التواجد الإيرانى فى تلك المنطقة.