رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رجل الهدوء

فى إسرائيل كل شىء ساخنًا، لكن الأسابيع الأخيرة كانت أكثر سخونة، قالوا هناك إن عيد الفصح الأخير كان الأكثر توترًا من أى «فصح» خلال السنوات الأخيرة، والحقيقة التى يرفض أن يعترف بها كثيرون، هى أنه لو كان فى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى يجلس رجل آخر لكنا الآن فى مركز حرب جديدة على غزة، وكانت «محطة تل أبيب» تغطى الصواريخ والأهداف التى تم تدميرها بدلًا من تلك الكلمات.

يعرف الإسرائيليون «يمين ويسار» والفلسطينيون «لكنهم لايصرحون» وأعرف أنا، أن نتنياهو هو الرجل الذى لا يريد الحرب، يخشاها، ويتردد حيالها، ولايتخذ القرار إلا عندما تنتهى فاعلية باقى الخيارات.

كم مرة تردد نتنياهو فى شن هجمات عسكرية؟ من الصعب العد، لكن خلال سنوات حكمه الأخيرة، كل بضعة أشهر عندما تسوء الأمور كان نتنياهو يوقف الحرب، وعندما كان يضيق الخناق، كان يأمر بضرب أهداف عسكرية لحماس دون إلحاق أذى كبير. وبنفس الوتيرة كان يتردد قبل تنفيذ عمليات اغتيال كبرى. 

نتنياهو بعد سنوات فى بلفور «حيث يوجد منزل رئيس الوزراء»، يفهم أن الحروب على غزة لن تصل إلى أى مكان، وأنها ستنتهى عند النقطة التى بدأت عندها، ناهيك عن الخسائر المادية والمعنوية أمام العالم. 

الحرب ليس القرار الوحيد الذى تردد نتنياهو حياله خلال أسابيع التوتر، كان هناك العديد من القرارات المنضبطة من «بيبى»، فقد قرر تأجيل أن تواصل حكومته الطلب من المحكمة العليا إخلاء قرية الخان الأحمر البدوية شرقى القدس، لأسباب سرية، حتى إشعار آخر، وقبلها منع الصلاة اليهودية فى الحرم الإبراهيمى خلال الأيام الأخيرة فى رمضان.

بينما تعهد نتنياهو أثناء توليه الحكومة ببناء المزيد من المستوطنات، تراجع فى فبراير بعد قمة العقبة، ثم تراجع عن التراجع بعد ذلك وأشار إلى أن بناء المستوطنات مستمر، ثم تراجع مرة أخرى مارس الماضى، هناك من قال إنه بسبب عدم إشعال الأوضاع، وهناك من قال إن الأمريكيين ضغطوا عليه، فى النهاية لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن الاستيطان ارتفع بنسبة «٦٢٪» فى عهد حكومة «لابيد - بينيت» وليس نتنياهو.

نتنياهو لا يتخذ قرارات مصيرية، لا بالإيجاب أو السلب، هو يريد حماس فى غزة، ويريد السلطة فى رام الله، لكنه لا يريد حل الدولتين، هو يؤمن به، لكنه لا يتحرك نحوه، نتنياهو هو رجل المراوحة فى نفس المكان، الرجل الذى لا يريد تغييرات جذرية فى المشهد، الرجل الذى يعرف كيف يُسير الأمور بشكل هادئ ودون انعطافات مفاجئة، هو بشكل فعال تجسيد لفكرة الرواية النموذجية «ذات الجانبين»، والتى وفقًا لها كل الأطراف مخطئة، ولكن الحقيقة فى مكان ما فى الوسط، نتنياهو يحب أن يكون فى هذا المكان.

عقيدة نتنياهو حول الهدوء، صرح بها بشكل معلن أمام الكاميرات والميكروفونات أثناء التصعيد فى رمضان عندما قال: «نحن ليست لدينا مصلحة فى تغيير الوضع الراهن فى الحرم القدسى الشريف. نحن ندعو إلى الهدوء وسنعمل بقوة ضد المتطرفين لكى لا يؤدى إلى عنف»، هذا هو نتنياهو الذى يريد الهدوء.

وقال أيضًا فى نفس الوقت ونفس الخطاب: «سوف نشل أعداءنا وسيدفعون ثمن كل عمل عدوانى»، وهذا هو نتنياهو الذى يحب أن يهدد، وقال أيضًا: «سيكتشف أعداؤنا مرة أخرى أنه فى لحظات الاختبار، يقف مواطنو إسرائيل موحدين وداعمين لأعمال الجيش الإسرائيلى وقوات الأمن الأخرى لحماية بلدنا ومواطنيه»، وهذا هو نتنياهو الذى يرد على معارضيه. ويربط الأزمة الداخلية بالخارجية بمهارة.