رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف قاوم المصريون الحملة الفرنسية؟! (3).. محمد كريم..علماء الأزهر.. السيد عمر مكرم.. سليمان الحلبى.. زعماء صنعتهم الأقدار!


(1)
أواصل فى هذا الجزء عرض الحقائق التاريخية- كما أوردها الجبرتى- لبعض أحداث الحملة الفرنسية على مصر 1798م. هناك أسماء مهمة ارتبطت بأحداث الحملة، قامت بأدوار هامة بعضها كان عرضة لمبالغات تاريخية كبيرة، لكن يمكن القول إن هذه الأسماء وجدت نفسها فى لحظة فارقة فى صدارة مشهدٍ كان ولا أشك أضخم بكثير مما يمتلكون من قدرات. هى مفارقة قدرية خالصة سلك كل اسم خلالها مسلكا يتماشى مع شخصيته وقدراته وإرثه. تحتاج الأمم فى لحظاتها الحاسمة إلى زعماء لقيادة المشهد، ولم يكن فى مصر من هم أكثر من هؤلاء استعدادًا لهذا التصدر القدرى! فإن كان من حق من بالغوا فى منح هؤلاء أدورا هم أنفسهم لم يدعوها، فإن للمصريين المعاصرين الحق فى قراءة التاريخ كما حدث! ومن هذا المنطلق فقط أقدم هذه الرؤية التى سجلها أحد شهود العيان المؤرخ المصرى المسلم الجبرتى!
(2)
فى مادة التاريخ فى مراحل ما قبل التعليم الجامعى أخبرونا أن السيد محمد كُريم- رحمه الله- كان زعيما ثوريا مصريا قاد النضال الوطنى ضد الاستعمار الفرنسى وأنه قد تم إعدامه لهذا السبب وكزعيم للثورة! ومن وقتٍ لآخر نطالع بعض بوستات السوشيال ميديا وهى تصف مشاهد ومواقف خيالية تماما عن مقابلات بين قادة فرنسيين وبين محمد كريم قبل إعدامه مباشرة يبدون فيها تقديرهم لنضاله الوطنى!
ما رسمه الجبرتى لهذه الشخصية بعيد تمامًا عن تلك الصورة المخملية البراقة منذ لحظة رسو الأسطول الإنجليزى على شواطىء الإسكندرية- قبل وصول حملة نابليون بحوالى عشرة أيام- وحتى لحظة تنفيذ الإعدام!
فى مشهد الافتتاح يوم الخميس 21 يونيو 1798م رست أمام ثغر الإسكندرية عشرة مراكب إنجليزية ثم أسلوا قاربا صغيرا به عشرة إنجليز قابلوا كبار البلد ومنهم محمد كريم. أخبر الإنجليز هؤلاء الكبار بأنهم يفتشون عن الأسطول الفرنسى وأن الفرنسيين ربما يدهمون المصريين الذين لن يقدروا على دفعهم. فلم يقبل السيد محمد كريم منهم هذا القول وجادلهم بكلامٍ خشن بأن هذه بلاد السلطان وليس للفرنسيين أو غيرهم عليها سبيل.
فى موضعٍ آخر يفرد الجبرتى مساحة للحديث عن شخصية محمد كريم فيتحدث عن الصراع بين مراد بك وإبراهيم بك قبيل الحملة الفرنسية وعن عبثهما بدواوين البلاد والمكوسات ثم اصطلحا على أن تكون لمراد بك الدواوين البحرية ولغريمه إبراهيم بك ما يرد لمصر من الأصناف الحجازية وقلم أو ضرائب البهار. وانفرد كل منهما بوظيفته وفعل بها من الإجحاف الكثير.
وأحدث مراد ديوانا خاصا بثغر رشيد على الغلال التى تُحمل إلى بلاد الفرنج سموه ديوان البدعة وأذن لم ببيع الغلال لم يحملها إلى بلاد الفرنج وجعل على كل إردب دينارا خلاف البرّانى. والتزم بذلك رجلٌ من أعوان مراد بك الموصوفين بالظلم وسكن برشيد وجمع أموالا عظيمة مع ما أضيف إلى ذلك من أخذ أموال الفرنسيين ونهب تجارتهم وبضاعاتهم من غير ثمن واقتدى به أمراؤ مراد بك وتنافسوا فى ذلك. واختص مرادُ بك بالسيد محمد كريم السكندرى ورفع شأنه بين أقرانه ومهد له الأمور بالثغر وفتح له باب المصادرات والغرامات ودلّه على مخبآت الأمور وأخذ أموال التجار من المسلمين وأجناس الفرنج حتى تجمعت العداوة بين المصريين والفرنسيين وكان السيد محمد كريم من أعظم الأسباب فى تملك الفرنسيين للثغر! 
ثم يستكمل الجبرتى رسم ملامح شخصية محمد كريم قائلا أنه كان فى أول أمره قبانيا يزن البضائع فى حانوت بالثغر وعنده خفة فى الحركة وتودد فى المعاشرة، فلم يزل يتقرب إلى الناس بحسن الود ويستجلب خواطر حواشى "رجال" الدولة ومن كان له وجاهة وشهرة فى أبناء جنسه حتى اتصل بصالح بك حين كان وكيلا لدار السعادة "مقر دار الحكم والقصر السلطانى المخصص للجوارى"، وله الكلمة النافذة فى الثغر. ثم اتصل بمراد بك فتقرب إليه ووافق منه الغرض ورفع شأنه بين أقرانه وقلده أمر الديوان والجمارك وتصدر لغالب الأمور وزاد فى المكوسات ومصادرات التجار خصوصا الإفرنج!
أما واقعة قبض الفرنسيين على السيد محمد كريم فقد وصفها الجبرتى ويتضح أنها لا علاقة لها بتزعم السيد محمد كريم للثورة ضد الفرنسيين! ووقع بينه وبين السيد أحمد أبوشهبة الحادثة التى أوجبت لأحمد أبوشهبة الاختفاء بالصريج وموته فيه. فلما حضر الفرنسيس ونزلوا الإسكندرية قبضوا على السيد محمد كريم المذكور وطالبوه بالمال وضيقوا عليه وحبسوه فى مركب، فلما حضروا إلى مصر وطلعوا إلى قصر مراد بيك وجدوا مكاتيب إليه فى مجلس مراد بيك وفيه مطالعته بأخبارهم وبالحث والاجتهاد على حربهم وتهوين أمرهم، فاشتد غيظهم عليه فأرسلوا وأحضروه إلى مصر وحبسوه. تشفع فيه أرباب الديوان عدة مرات فلم يمكن حتى جاء ليلة الخميس 6 سبتمبر حضر إليه مجلون القائم بأعمال قنصل فرنسا فى الإسكندرية وقال له المطلوب منك كذا وكذا من المال ليفتدى نفسه به.. قدر يعجز عنه وأجله اثنتى عشرة ساعة وإلا يقتل بعدها..
فى الصباح أرسل إلى المشايخ وإلى السيد أحمد المحروقى شهبندر التجار فحضر بعضهم، وترجاهم واستغاث وصار يقول "اشترونى يا مسلمين" وليس بيدهم ما يفتدونه وكل إنسان مشغول بنفسه، فلما كان قريب الظهر أركبوه حمارا واحتاط به عدة عساكر وذهبوا إلى الرميلة وكتفوه وربطوه مشبوحا وضربوا عليه البنادق ..
ذكر الجبرتى أنه فى نفس يوم إعدام السيد محمد كريم اجتمع بونابرت بالديوان وطلب منهم ارتداء شارة الجوكار، فرفضوا أولًا، لكنهم استقروا على ارتدائها وفى نفس اليوم أهدى بونابرت خاتما ألماس للشيخ السادات!
هذه قصة السيد محمد كريم كما أوردها الجبرتى. لم يقد ثورة شعبية ضد الفرنسيين، كما أنهم وضعوه فى خانة واحدة مع المماليك لسابق تاريخه مع تجارهم، ولم يكن مشهد إعدامه مشهدا شعبيا لإعدام زعيم شعبى، بل إنه ترجى التجار لكى يدفعوا له فدية، لكنهم لم يفعلوا!
(3)
هل كان سليمان الحلبى- رحمه الله- طالبا أزهريا ثائرا ضد الفرنسيين؟!
فى يوم 14 يونيو 1800م تسلل سليمان الحلبى إلى بستان الدار التى يسكنها كليبر الذى كان بصحبة مهندس فرنسى. تصنع الحلبى دور صاحب الحاجة فرد كليبر مفيش. تقدم الحلبى ومد يده اليسرى، فلما مد كليبر يده قبض عليها الحلبى وطعنه وفر هاربا. قبض عليه فى بستان منزل مجاور. تم استجوابه فأخبرهم أنه يقيم بالجامع الأزهر. بعد استجواب دموى لمعرفة إن كان له شركاء، غير أقواله وأخبرهم أنه أتى من غزة على هجين فى رحلة استغرقت ستة أيام وأنه بعد خروج العثمانيين من مصر إلى الشام أرسله أغاة الانكشارية فى مهمة محددة، وأنه أتى منذ شهر لقتل كليبر.
وعما إذا كان قد أخبر أحدا عن مهمته، فأخبر أنه أخبر السيد محمد العريشى والسيد أحمد الوالى والشيخ عبدالله المغربى وعبد القادر المغربى. وأنهم أشاروا له جميعا بأن يرجع عن هذا الفعل لأنه لا يمكنه وسيموت! أحضر الفرنسيون ثلاثة ممن ذكرهم، ولم يجدوا الرابع. تم حبس الثلاثة لأنهم سمعوا ولم يخبروا الفرنسيين. أعدموا الثلاثة بقطع رقابهم وتم خوزقة سليمان الحلبى.
بعدها فُتش الأزهر وأمروا المشايخ بعدم إيواء أى غرباء وأخرجوا الطلبة الأتراك. ثم رأى الشيخ الشرقاوى والمهدى والصاوى أن يستأذنوا "منو" فى غلق الجامع لمنع الريبة فأذنوا له وفى الصباح سمروا أبوابه! 
(4)
حظى رجال الأزهر بمساحات كبيرة مما سجله الجبرتى. ولأنه كان يكتب يوميات مفصلة مؤرخة فيمكن لأى باحث بسهولة أن يتتبع دورهم بشكل واقعى وحقيقى! كان علماء الأزهر- بحكم الأمر الواقع- هم الفئة الوحيدة التى أتيح لها قدرٌ من التعليم الدينى. لكنهم- وحسب ما سرده الجبرتى- لم يكونوا مؤهلين أو مستعدين لمجابهة الموقف الذى أجبروا على مجابهته! أول مشاهدهم وقبل دخول الفرنسيين القاهرة، وبعد أن بلغهم هزيمة المماليك، اجتمعوا وقرروا الهروب من القاهرة وتبعتهم العامة فى واحدٍ من أسوأ مشاهد الحملة الفرنسية وأكثرها قتامة. وقد عرض الجبرتى ذلك المشهد بتفاصيله وكيف استباح الأعراب البدو أسر الفارين حتى أنهم نهبوا ملابس الرجال والنساء فعادوا جميعا فى موكبٍ أكثر قتامة من موكب الخروج الحزين!
ثانى المشاهد لهذه الفئة هو اجتماعهم الثانى بعد دخول الفرنسيين القاهرة واتخاذهم قرارا بالتواصل مع قيادة الحملة ثم خوف كبارهم من الاشتراك فى الوفد المقترح واستقرارهم على إسال شخص مغربى بصحبة بعض صغارهم. وإقرار هؤلاء أمام بونابرت بخوف كبار العلماء والأعيان من الحضور. طمأنهم بونابرت وطلب حضور كبارهم. وللمرة الثانية خاف البعض ومنهم السيد عمر مكرم نقيب الأشراف!
المشهد الثالث هو دورهم الممتد عبر سنوات الحملة فى التوسط بين قيادة الحملة وبين المصريين وروى الجبرتى عشرات المواقف لهذا الدور. وشارك رسميا كثيرٌ منهم فى الديوان. كما كانت هناك علاقات ودية وزيارات متبادلة بين بعضهم وبين بعض قيادات الحملة.
المشهد الرابع بدأ مع تفجر العنف وما أطلق عليه ثورة القاهرة الأولى والتى قمت بعرضها سابقا. فى هذا المشهد تخلى العلماء عن دورهم فى بداية الأحداث وتهربوا من لقاء بونابرت الذى حاول الوصول إليهم قبل قيام الفرنسيين بإطلاق طلقة واحدة. بعد تفجر الأوضاع وخروجها عن السيطرة وشيوع النهب والسلب وقيام الفرنسيين بإطلاق مدافعهم وقنابلهم ظهر العلماء وقابلوا بونابرت واعتذروا له عن تأخرهم وطلبوا منه وقف إطلاق النار ففعل!
المشهد الخامس مع أحداث ثورة القاهرة الثانية ومحاولتهم القيام بدور إيجابى قيادى فى وقف أحداث العنف من بدايتها. لكن العامة رفضوا واتهموهم بالردة وسبوهم وانساقوا خلف شخص مغربى تزعم تحريض المصريين المسلمين على الاعتداء على دور النصارى الشوام والقبط!
كل ما أورده الجبرتى- وهو ابن الأزهر- يؤكد حقيقة واحدة، لا علماء ولا طلاب الأزهر كانوا زعماء ثورة ضد الفرنسيين، لكنهم وجدوا أنفسهم فجأة فى صدارة مشاهد أضخم من قدراتهم فحاولوا مجابهة الموقف فكان ما ذكره الجبرتى تفصيلا!
(5)
لغز السيد عمر مكرم!
فى نهاية المرحلة الثانوية سألتُ مدرس التاريخ.. إن كان عمر مكرم زعيما مصريا شعبيا، وإن كان المصريون قد تعلموا من الحملة الثورة فثاروا على خورشيد باشا الوالى العثمانى، فلماذا لم يختاروا السيد عمر مكرم واليا واختاروا محمد على الألبانى؟!
وفى المرحلة الجامعية وجهتُ نفس السؤال لأستاذ التاريخ المعاصر..كانت إجابات الاثنين تبدو منطقية..أن المصريين لم يريدوا الخروج تماما عن سلطة الخلافة، وأن محمد على كان من جنود الحامية العثمانية! لكن هذه الإجابة لم تقنعنى يوما! لأن الذين مروا بما مرت به مصر فى سنوات الحملة الثلاثة، وأن الذين شاهدوا كل الأحداث الجسام من أطلاق مدافع وقنابل وغيرها، وأن الذين يصعدون إلى القلعة لينزلوا – لأول مرة – الوالى العثمانى رغما عنه، إن هؤلاء لم يكونوا وقتها ينظرون إلى الأمور بهذه المنطقية النظرية المثالية، لكنهم كانوا فى لحظات استثنائية من تاريخهم، لحظات استفاقة عنيفة ساخطة! لذلك لابد أن تكون هناك إجابة أخرى حقيقية!
ثم كان أن قرأت ما كتبه الجبرتى عن جميع شخصيات ما يُسمى بالزعامات الشعبية وقت الحملة وبداية حكم محمد على، وعلى رأس هؤلاء شخصية السيد عمر مكرم رحمه الله!
حين وصلت أخبار سيطرة الفرنسيين على الإسكندرية حدث فزع فى القاهرة واجتمع الناس وقرروا عمل متاريس وأغلقوا الحوانيت ونقلوا الأموال من البيوت الكبيرة المشهورة إلى البيوت الصغيرة. خرجت الفقراء وأرباب الأشراف بالطبول والزمور والأعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرون بأذكار مختلفة! وصعد نقيب الأشراف السيد عمر مكرم للقلعة فأنزل منها بيرقا كبيرا أسمته العامة البيرق النبوى فنشره من القلعة إلى بولاق وهو راكبٌ ومعه ألوف من العامة بالنبابيت والعصى يهللوان ويكبرون!
بعد هزيمة المماليك وتأكد المصريين من وشوك دخول الفرنسيين للقاهرة حدث مشهد الهروب من القاهرة.. وذكر الجبرتى من هرب قائلا "وخرج أعيان الناس وأكابرهم ونقيب الأشراف وبعض المشايخ القادرين!"
حين صعد وفدٌ للقاء بونابرت خاف السيد عمر مكرم من الذهاب معهم!
فى أحداث ثورة القاهرة الأولى حرض عثمان كتخدا الدولة العامة على الاعتداء على بيوت النصارى على مرأى من السيد عمر مكرم الذى كان يجلس بجواره!
فى ثورة القاهرة الثانية، خرج عمر مكرم مع أحمد المحروقى والمغاربة بمصر وتبعهم العامة إلى التلال خارج باب النصر وبأيدى كثيرٍ منهم النبابيت والعصى. وفى وقت العصر يتكرر مشهدٌ مهم هو وصول كتخدا الدولة عثمان ونصوح باشا ومعهم السيد عمر مكرم ومروا بباب النصر وباب الفتوح ومروا على الجمالية وصاح نصوح باشا "قاتلوا النصاى وجاهدوا فيهم!" فلما سمعت العامة ذلك هاجوا ومروا يقتلون النصارى من القبط والشوام وذهبت طائفة إلى حارات النصارى!
إن ملامح شخصية عمر مكرم كما رسمها الجبرتى هى السر فى عدم تفكير المصريين فى اختياره حاكما أو واليا بعد إخراجهم لخورشيد باشا! لم يكن السيد عمر مكرم رحمه الله يتمتع بشخصية قيادية، بل كان أقرب إلى الدرويش الدينى الصوفى الذى يسير مع العامة فى موجاتهم غير المنضبطة. لم يكن سياسيا أو زعيما جماهيريا، لكنه كان ذا مكانة مجتمعية مهمة فى مجتمع كانت تسيطر عليه مظاهر التدين فى أكثر صوره التقليدية. لذلك فقد كان السؤال ذاته خطأ وفى غير موضعه!
لم يكن هو أو غيره زعيما يستطيع قيادة أمة بعد صدمتها الحضارية العنيفة عام 1798م! كانت تحركات المصريين مع أو ضد الفرنسيين عشوائية تتناسب مع مفردات مصر وقتها والتى تلخصت فى كلمات واضحة..جهل معرفى علمى.. جهل بما يحدث خارج مصر..خروج عن التاريخ بأسلحته المعاصرة وعلومه المستحدثة...الغرق فى غيبوبة المخدرات وغيبوبة الانقياد التام فى غياهب الخرافات المتدثرة زورا بالدين والخرافات الشعبية..
(6)
فى نهاية هذه الحلقات أود التأكيد على عدة نقاط، أولها أنها لم تكن تبريرا لغزوٍ أجنبى لمصر، لكنها كانت محاولة لكشف صفحات من تاريخنا مازالت ضبابية لكثيرٍ منا. 
ثانيا أن القراءة العادلة لتاريخ المصريين يجب أن تكون قراءة متسلسلة متصلة لأنها قصة واحدة لأمة واحدة. ليس عدلا أن نقرأ سنوات الحملة بمعزلٍ عما تعرضت له الأمة المصرية سابقا. فتلك الأمة كانت سابقا أكثر أمم الأرض حيوية وإبداعا للعلوم والفنون والحضارة. وحين نرى ما كانت عليه أثناء الحملة، يجب ساعتها – تطلعا للعدل – أن نفتش عما حدث لتلك الأمة فى القرون السابقة ومن فعل بها ذلك. هذه هى غاية كاتب هذه الحلقات.. أن نفتش عن القصة كاملة!
ثالثا ما ورد بخصوص بعض الأسماء التاريخية التى يضعها المصريون موضعا ساميا ليس محاولة لطمس تاريخ هؤلاء أو الإنقاص من أقدارهم، إنما هو طلبٌ وتفتيشٌ عن الحقائق التاريخية لأن هذه الأمة تبلغ من ثراء التاريخ والسيرة الوطنية درجة لما تبلغها أمة أخرى، ولا تحتاج أبدا إلى مساحيق تجميل تاريخية!
رابعا أن أى أمة لن تبلغ نضجا عقليا دون أن تمر بمراحل الصبا والمراهقة بكل ارتباكها وتخبطها..وهذا ما حدث مع الأمة المصرية. كانت على وشك الموت الحضارى ففوجئت بجيش غازٍ حديث على سواحلها وهى لا تملك من أمرها شيئا! تخبطت واضطربت، لكنها استوعبت الدرس جيدا فاستفاقت بعد نهاية أحداث الحملة مباشرة وشعرت تسطر لنفسها تاريخا جديدا يليق بها. 
أخيرا يمكننى أن ألخص سنوات الحملة فى عبارة واحدة.. صدمة كهربائية عنيفة حتمية لبعث هذا الجسد المسجى تحت قرونٍ من القهر والظلام والتخلف.. صدمة لم يكن فعل الاستفاقة ممكنا دونها!