رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحلقة الأجمل والأجرأ للشيخ خالد الجندى..!

(1)

حلقة يوم الثلاثاء الرابع من إبريل من برنامج (لعلهم يفقهون) للشيخ خالد الجندى تستحق أن يتم تسليط الضوء عليها بقوة، وتستحق أن تتم إعادتها على مختلف القنوات المصرية! 

فى 23فبراير الماضى كتبتُ مقالا بعنوان (الوثائقية السلاح الذى كانت تفتقده مصر)، وقبله بشهور وفى 13 أكتوبر الماضى تحديدا كنتُ قد كتبتُ مقالا آخر بعنوان (المتحدة للخدمات الإعلامية شكرا لبدء معركة الهوية). وفى جزءٍ من كل منهما أشرتُ إلى محتوى البرامج الدينية المقدمة على قنوات دى إم سى تحديدا. وذكرتُ أننا – حتى كتابة المقالين – مازلنا فى المرحلة الأولى من مشروع تصويب الخطاب الدينى. تلك المرحلة التى يمكن تسميتها مرحلة الصد أو الدفاع أو تفنيد بعضا من الفكر الضال الذى ضرب مصر فى العقود التى تلت انتصار أكتوبر. وذكرتُ نصا أننا مازلنا نخشى ملامسة الأسلاك الشائكة، حتى فاجأنى الشيخ خالد الجندى فى حلقة الثلاثاء بأنه يمد يده بكل قوة ليس فقط لملامسة تلك الأسلاك الشائكة، بل لكى يبدأ مرحلة تمزيقها بسهولة ويسر سوف يحسبان للرجل فيما بعد!

ما ذكره الرجل ليس جديدا فى موضوعاته للمهتمين بقضية الخطاب الدينى، فقد كان هو ذاته ما دفع بعض المفكرين المستنيرين سابقا حياته أو حريته ثمنا لقوله! فالجديد فيما فعله الشيخ خالد الجندى هو جرأته فى خوض حقل الألغام الأكبر وثقته فيما طرحه علميا وموضوعيا وعقليا!

(2)

طرق الشيخ فى هذه الحلقة عدة موضوعات، بدأها بتوضيح ما حاول مفكرون كُثر توضيحه فى قصة الأحكام الفقهية القديمة التى تذخر بها كتب التراث والتى ينهل منها الناس حاليا ويحاولون تطبيقها، والتى نهل منها أيضا كثيرون من مفكرى ومنظرى الجماعات التكفيرية ورفعوها لتحقيق غاياتهم. فقد ذكر الجندى بشكل واضح لا لبس فيه أن هذا الخضم من الأحكام الفقهية كان فيما يسمى بالمرحلة العقدية أى قبل قيام الدولة حسب تعبيره الذى أضيف إليه فقط عبارة توضيحية (الدولة الوطنية المعاصرة!)

قال الشيخ خالد أن هذه الأحكام الفقهية حتى وإن استندت لنصوص قرآنية صريحة، إلا أنها أحكام معطلة. فالقرآن الكريم مقدس، لكن الأحكام يمكن أن تعطل بعد قيام الدولة الوطنية. ففى الدولة الوطنية تحل القوانين الحديثة وأحكامها والمواطنة بديلا عن تلك الأحكام الفقهية القديمة التى يجب أن تُعطل حاليا. وضرب لذلك أمثلة بما فعله سيدنا عمر من تعطيل حكمى (حد السرقة) و(نصيب المؤلفة قلوبهم) المنصوص عليهما فى القرآن الكريم! فنصوص القرآن مقدسة، لكن الأحكام متغيرة!

(3)

أخيرا وجدنا من يتحدث للناس عن قضية مثل (الجزية)، ولم يكتفِ الشيخ بفكرة تعطيل الجزية لقيام الدولة الوطنية، لكنه – وهذا هو الجديد – شرح المعنى الحقيقى لكلمة الجزية الواردة فى القرآن الكريم. وأن معنى الصغار الوارد هنا يكمن فقط فى فعل قبول المنهزم عسكريا فى دفع الجزية التى لا تصح أصلا إلا فى المواجهات العسكرية، وأن الجزية كانت معروفة قبل الإسلام كجزء من الثقافة العسكرية السائدة آنذاك! وأن بعض قبائل العرب كانت تدفع الجزية قبل الإسلام بعد هزيمتها عسكريا! هذا القول الجديد تليفزيونا كتبه كثيرون قبل ذلك فى كتب سبق نشرها، لكن يُحسب للرجل شجاعته فى طرح ما يعرفه علماء كثيرون لكن لا يجرأون على قوله!

(4)

شرح الشيخ فى حلقته – الوثائقية – الفارق بين كلمتى (اقتلوا وقاتلوا)، لأن كلمة قاتلوا الواردة فى القرآن الكريم تم استخدامها زورا وبهتانا لاستباحة الدماء! قاتلوا تعنى المشاركة فى الفعل أى فى حال المواجهة العسكرية أو الحرب، وهى حالة عارضة متعلقة بحدث عارض محدد! كما صرح بشكل محدد أن الرق هو حكمٌ معطل لانتقال الناس إلى مرحلة أخرى من القانون وعرف مفردات جديدة!

كما ذكرتُ أن الإشادة بهذه الحلقة لا ينبع من جديد موضوعاتها، إنما من عرضها بوضوح ويقين وثبات علمى وعقلى من عالمٍ أزهرى على شاشة قناة مصرية!

إننى أعتقد أن هذه الحلقة يمكنها أن تكون تدشينا للانتقال إلى المرحلة الثانية من (تصويب الخطاب الدينى)، وهى المرحلة التى سميتها سابقا بمرحلة ملامسة الأسلاك الشائكة علنا ومواجهة الناس بالحقائق التى يعرفها كثيرٌ من العلماء والمفكرين لكنهم يخشون تبعات تلك المواجهة!

أدعو القائمين على البرامج الدينية بالقنوات المصرية إلى الاحتفاء بهذه الحلقة ووضعها فى موضعٍ يليق بما ورد بها. وهذا يعنى إعادتها على أكثر من قناة حتى يتم البناء على ما ورد بها.

فى النهاية أتقدم بشكرٍ مستحق للشيخ خالد الجندى لقيامه بهذه المبادرة الشجاعة للانتقال بالعقل المصرى الجمعى إلى مرحلة تليق بهذه الأمة!