رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى يوم الشهيد.. مصر تحتفل بانتصارها.. وتعلن الحقائق

(1)
كنتُ على موعدٍ مع سعادة شخصية حقيقية وأنا أستمع لحديث الرئيس السيسى فى الاحتفال بيوم الشهيد...
(كان أمام القيادة المصرية طريقان، الأول هو خيار (الرئيس الموظف) الذى يكتفى بإنقاذ مصر من السقوط فى براثن الحكم الفاشى والقضاء على الميليشيات المسلحة، أى يكتفى بالانتصار العسكرى. كان يمكنه أن يكتفى بذلك مع تلقى المعونات السخية من دولٍ وقوى ستكون سعيدة جدًا بهذا الطريق الذى سيعود بمصر إلى مرحلة (اللا حياة ولا موت)! ويبقى الفقراء والمرضى وسكان المقابر وتبقى شبه الدولة! 
أما الاختيار الثانى فهو (الرئيس ذو الرؤية) وهو ما قررته القيادة المصرية. ومن حسن أقدار مصر أن هيأ الله لها رجلًا شريفًا وطنيًا وله رؤية لا ترتكن إلى الصوت الزاعق لاكتساب الشعب اكتسابًا تعبويًا، لكنها رؤية ترتكن إلى أسس علمية وحقائق الأرض وتسعى لاكتساب قوة للدولة المصرية تمكنها من وضع هذه الرؤية موضع التنفيذ..).
هذا ما كتبتُه نصًا فى الفصل الأخير من (الكتاب الأسود) الذى صدر قبل عام ونصف العام!
وهذا ما أسعدنى وأنا أسمعه على الهواء مباشرة من الرئيس وهو يخبر المصريين بما واجهه حين تولى المسئولية عام 2014 ومصر تخوض حربًا شرسة عسكرية شرسة على الجبهة الشرقية والخياران المتاحان وقتها، الاختيار الأسهل للقيادة والذى يقف بمصر عند مرحلة دحر العدوان، والاختيار الأصعب.. الشروع فى بناء الدولة فى نفس الوقت الذى تخوض فيه المعركة!
فى الحقيقة لم يكن ما كتبتُه نبوءة أو تفردًا أو ادعاءً بأى تفرد معلوماتى أو نبوغ عقلى! لكن الصورة كانت من قوة الوضوح وقسوته ما يصبح أى إنكار لها ممن يعيشون فى مصر مثار دهشة كبرى! 
كان يثير دهشتى لأقصى درجة ما أسمعه من مصريين فى تلك السنوات عن أزمة اقتصادية، بينما نرى جميعًا ما يتم على الأرض فى ملفات كبرى فى نفس الوقت الذى تخوض مصر حربها العسكرية! كنت أشك فى القوى العقلية أو المعلوماتية لبعض المشككين ممن يفترض فيهم الاصطفاف فى الخندق الوطنى حين كنتُ أرى تململهم من مشهدٍ هنا أو ترهاتٍ هناك!
(2)
فى يوم شهداء مصر جاءت كلمات الرئيس لتعلن للمصريين عن انتصار مصر فى حربها المشروعة فى سيناء. ولتخبر المصريين بالحقائق والمعلومات والأرقام كاملة. ليخبرهم بما كان يتجاهله بعضُهم عمدًا أو جهلًا! 
أخبرنا الرئيس عن تكلفة الحرب كل شهر.. مليار جنيه كل شهر منذ عام 2011م! (اقتصاد حرب) بكل ما يمكن أن تعنيه الكلمة من إجراءات تقشفية واستثنائية مشروعة لو أرادت القيادة ذلك! 
فقد كانت تلك الحقيقة تكفى مبررًا لعدم التقدم خطوة واحدة فى أى ملف لو لم يكن وجود هذه القيادة منحة وترفقًا إلهيًا كبيرًا بمصر والمصريين. 
فى العام الأول لتوليه الحكم تصدى الرئيس لملف فيروس سى ودشن حملات صحية مليونية جابت مصر بقراها ومدنها ونجوعها النائية. 
ولم يرضَ ضميره بما كان يشاهده فى المناطق العشوائية فأنجز ما اعتبره الإنجليز مثلًا- حين نخبرهم بأرقام الوحدات السكنية التى تم تشييدها لسكان العشوائيات- أنه إعجازٌ تم ضرب أستارٍ من التعتيم عليه خارج مصر!
فى عام 2015 مصادفة مهنية مثيرة ألقت فى طريقى لمدة أربعة أيام بشخصية أوروبية تمثل كيانات اقتصادية دولية وتجوب دول المنطقة وتلتقى النافذين فى تلك الدول..سألنى عن رأيى وتوقعاتى فيما سيفعله السيسى فى مصر! فأجبته يقينًا سوف يخرج بمصر مما هى فيه. فصمت متعجبًا، ثم أخبرنى أنى على حق وأن مما يعلمه ويشارك فيه بصفته أن مصر سوف تصبح قوة نافذة فى ملف الطاقة قريبًا جدًا وتحديدًا فى ملف الطاقة الشمسية وقال نصًا.. حين يتحقق هذا يجب أن تعلم أنها رؤية هذا الرجل (السيسى)!
(3)
حرصُ الرئيس دائمًا على تكريم أسماء الشهداء والاحتفاء بأبنائهم وذويهم والتواجد معهم شخصيًا فى مختلف المناسبات يخبر عن شخصية الرجل ودماثته وإحساسه المتعاظم بالمسئولية الأخلاقية وتقديره لقيمة الاستشهاد وتعظيمه لقدر تضحيات الأمهات والآباء والأبناء. هذه حقيقة يجب أن يعيها كل المصريين. فكل مصرى ما زال يمارس طقوس حياته ويمارس عمله وينعم بالأمان مع أهله فى مسكنه. يجب أن يدرك أن هناك من دفعوا ثمن ذلك دمًا. المدن التى تم تشييدها، والمصانع التى دارت تروسها، والسياحة التى عادت لأفضل مما كانت عليه فى ذروة بريقها، والصحارى التى غزاها اللون الأخضر.. كل ذلك لم يكن لنراه دون تلك الدماء الطاهرة. ومهما امتد المدى الزمنى بيننا وبينهم فلن ننسى ذلك أبدًا.. لقد أصبح لدينا جيلٌ آخر نفاخر به.. جيل أكتوبر الذى أعاد كامل الأرض المصرية بتكلفة فاقت عشرة آلاف شهيد، وجيل حرب تطهير مصر وسيناء خاصة من مجرمين وخونة وميليشيات مسلحة تساندها دول خارجية..لا يوجد أى تعويض يوازى فقد أم لابنها فى ريعان شبابه أو فقد أطفال لأبيهم، لكن التعويض الحقيقى لجميع هؤلاء ألا يتم إهدار ما ضحوا من أجله.. قمة سعادتهم وهم يرون مصر تخطو خطوة تلو الخطوة ويفخرون بأن أبناءهم وآباءهم هم من منحوا مصر تلك القدرة على الخطى!
(4)
جاءت كلمات الرئيس أيضًا لكى تضع المصريين بكل مواقعهم ومناصبهم وتباين مواقفهم أمام مسئولياتهم فى الحفاظ على هذا النصر، وحماية بلادهم من أن يتكرر هذا المشهد مرة أخرى!
كانت كلماته صادقة مخلصة فى تحذير المصريين من أن يسمحوا بتكرار ما حدث أو أن يفعل بعضهم بمصر ما فعلوه سابقًا!
نعم لقد أعلنت مصر عن انتصارها والقضاء على الإرهاب المسلح وتطهير سيناء وفتح آفاق التنمية لأهلها، لكن هذا لا يمنع من أن نجعل السلاح دائمًا على أهبة الاستعداد. والسلاح هنا لا يعنى فقط السلاح بمعناه التقليدى. لأن المعارك لم تعد تقليدية!
لقد قامت المؤسسة المصرية الصلبة - القوات المسلحة - بدورها بكل اقتدار وتضحية وشرف، وشاركتها الشرطة المصرية ذلك الدور كتفًا بكتف. لكن هناك حقيقة مهمة أن مصر عبر تاريخها لم تكن أبدًا وفى أى فترة تاريخية غير مستهدفة. ليس هذا تهويلًا أو مبالغة، وإنما حقيقة تاريخية لها أسبابها. من تلك الأسباب ما هو قدرى مثل الموقع الجغرافى والتحكم فى نصيبٍ كبير من تجارة العالم عبر كل العصور، وأن الله حباها بكثير من الثروات والمقدرات الاقتصادية بدءًا بالزراعة وانتهاءً بالغاز الطبيعى. ومنها ما هو بشرى سياسى، مثل وجود عدو تاريخى على حدودها، واضطرابات كبرى فى دول مجاورة، والخوف من مجرد استردادها لعافيتها، وغيرها من الأسباب التى تجعل من استهداف مصر قدرًا لا يمكن تجاهله.
دائمًا كانت غاية الطامعين واحدة، بينما تعددت الأدوات وتباينت حسبما يرون أو يعتقدون. 
فى الوقت المعاصر وكما قال الرئيس أصبحت فكرة تفجير الأوطان من الداخل أقل كلفة لمن يطمعون! 
فكرة مجنونة سيطرت عليهم بالرجوع إلى القاعدة الاستعمارية الإنجليزية (فرّقْ تَسُدْ)! حاولوا بالملف الطائفى لسنوات طويلة وفشلوا! ثم كانت لعبة الشيطان التى تم تطبيقها فى عدة دول مجاورة وسقط بعض المصريين فى الفخ قبل أن ينتفضوا وينقذوا بلادهم وأنفسهم وهم على حافة الهاوية! لعبة النفخ فى جمر التعصب الدينى! طبقوه لتفجير المقاومة الفلسطينية، ولتدمير عدة دول، وحاولوه لتفجير مصر!
محاولات الاختراق والاستهداف بمعناها الجديد تعتمد على تغييب الوعى الشعبى والعبث به...التشكيك.. شق الصف الشعبى.. التقاط أى نوازع فرقة مهما كانت تفاهتها والنفخ فيها وتعظيمها وخلق دوافع لها ونشرها بين المصريين.. تزييف الحقائق.. العمل على تسطيح العقل المعرفى الجمعى ليسهل توجيه المصريين بمجرد خبر لقيط المصدر والتوثيق.
(5)
(خلى السلاح صاحى) هذا التحذير الذى أطلقه الرئيس للمصريين للحفاظ على بلادهم وأنفسهم لا ينطبق فقط على السلاح العسكرى التقليدى، لأن مصر فى هذه السنوات من 2011 وحتى الآن تستخدم عدة أسلحة تتناسب مع طبيعة المعركة.
يشمل هذا السلاح أولًا الوعى الشعبى بطبيعة المعركة وأدواتها. فمعرفة طبيعة المعركة وطبيعة العدو تختصر شوطًا كبيرًا. فلو كان المصريون بشكلٍ جمعى يدركون هذا فى العام التالى لأحداث يناير لاختصروا على مصر وعلى أنفسهم قسطًا كبيرًا من الخسارة والمعاناة والكلفة!
المصريون مكلفون الآن بحماية بلادهم. عليهم ألا يسمحوا بالعبث بعقولهم فى أى موقعٍ وموضع ومن أى شخصٍ أو جهة. عليهم التمرد على أسوأ عاداتهم وهى التكاسل عن الجهد المعرفى ومنح عقولهم للثقافة السمعية. عليهم التمسك بأطراف المعلومات التى أعلنها الرئيس واستكمال منظومتهم المعرفية الشخصية. أن يبحثوا عن المادة العلمية الوثائقية التى تحدث عنها الرئيس عما اقترفه المجرمون الذين هزمتهم القوات المصرية. على المصريين أن يقرأوا عن تجارب الأمم السابقة التى خاضت حروبًا مشابهة وكيف تحمل مواطنوها أنصبتهم فى تحرير بلادهم، فهذه مسئولية جماعية إجبارية وليست تطوعية! على المسئولين فى مختلف المؤسسات التعليمية الثقافية أن يدركوا أن تحذير الرئيس ليس فقط للمواطنين، بل لجميع المصريين، كلٌ فى موقعه. وربما يكون على هؤلاء عبءٌ أكبر من غيرهم لأنهم مسئولون عن تشكيل مساحة كبرى من العقل الجمعى المصرى منذ الصغر! وعلى المسئولين فى المؤسسات الدينية أن يستوعبوا أن مصر تتغير!
علينا ألا نُخدع من الجحر مرتين! فلا نسمح لمن عبثوا بنا أن يحاولوا تكرار جريمتهم!
علينا أن نبحث عن هويتنا الحقيقية المتفردة ولا نصدق أنه لا أمل فى العودة الحضارية! الهوية المصرية المتفردة التى تجمع بين طياتها نصيب الأسد من حضارات الكرة الأرضية!
سأخبركم مثالًا واحدًا على العبث بالوعى المصرى.. خرج  أحدهم علينا بالأمس بزيفٍ معلوماتى كبير.. قال إن الإسلام هو أول من كرّم المرأة ومنحها حقوقها! 
كيف نستخدم سلاح الوعى مع هذا الزيف؟! 
على المصريين أن يردوا عليه زيفه بنشر آلاف الوثائق المصرية عما تبوأته المرأة المصرية عبر تاريخها من مواقع ومكانة. أن يخبروه أن يكف عن تلك اللعبة الشيطانية بأن يضع الإسلام فى مواجهة وعداء مع التراث الإنسانى والحضارى المصرى السابق له! عليه وعلى مَن يسير على نهجه أن يكفوا عن نشر تلك الثقافة التى تحاول أن تغتال جزءًا من شخصية المصريين. فالمصريون مسلمين ومسيحيين يعتزون بانتماءاتهم الدينية، لكنهم أيضًا لن يتنكروا لحضاراتهم القديمة السابقة لتلك الأديان أو يقفوا فى موقف عداء منها! فهذا التصالح العقلى والروحى هو سر قوة الأمة المصرية!
السلاح الأهم الذى يجب أن يظل دائمًا متيقظًا هو سلاح الوعى، فهو حصن الأمان للأمة المصرية! ليس عدلًا أن تتحمل مؤسسة واحدة أو مؤسستان كلفة كل المعارك والتحديات بينما تتراخى أو تتواطأ مؤسسات أخرى! سلاح الوعى الشعبى سيكون هو الرادع الأكبر فى جميع المحافل والمنشآت والمؤسسات! 
وهو الذى ستفرح به أرواح الشهداء حين ترى أن جهادهم لم يذهب سُدى!
ألا فسلامٌ على أرواح شهداء مصر الذين جادوا بها راضين مطمئنين ليبقى لنا هذا الوطن آمنًا، ولكى نصل إلى اليوم الذى نحتفل فيه بالانتصار بعد أن كنا جميعًا على حافة الهاوية!