رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى الذكرى 115 لرحيله..

«الدستور» تزور متحف مصطفى كامل: هنا تاريخ زعماء الحركة الوطنية

- الموقع يضم رفات الزعيم محمد فريد والمؤرخ عبدالرحمن الرافعى والكاتب فتحى رضوان

لوحات زيتية، نياشين، متعلقات شخصية، أدوات طعام، صور فوتوغرافية، ملابس شخصية، مؤلفات علمية، كل هذا داخل متحف أكبر زعماء الحركة الوطنية، صاحب أشهر مقولة فى التاريخ تحث على الوطنية والانتماء لتراب الوطن، «لو لم أكن مصريًا لوددت أن أكون مصريًا»، الذى يرقد فى ميدان صلاح الدين بالقلعة، حيث يوجد متحفه الذى سُمى باسمه فى وسط القاهرة، وقد شُيّد على مساحة حوالى ٢٠٠٠م.

على يمين متحف الزعيم مصطفى كامل القلعة وعلى شماله مسجد السلطان حسن، وبجواره مسجد الرفاعى، موقع متميز فى مصر القديمة التى تعج بالآثار الإسلامية، فهو مكان يرمز للحضارة والعراقة والتاريخ.

والمتحف قبل أن يتحول إلى ما هو عليه الآن، كان ضريحًا يضم رفات الزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد، ويحكى قصة كفاح البطل مصطفى كامل ضد الاحتلال الإنجليزى، وقد اهتم المجلس الدولى للأرشيف بهذا المتحف واعتبره من المتاحف الحديثة المتميزة، خاصة بعدما أُعيد افتتاحه عام ٢٠١٦، وصُمم على الطراز الإسلامى بقبته المميزة ونقوشه الفريدة.

مصطفى كامل واحد من أشهر زعماء مصر فى القرن العشرين، استطاع أن يوقظ فى نفوس الشعب التطلع نحو التحرر من الاحتلال البريطانى، ويؤجج المشاعر الوطنية بخطبه الرنانة وقلمه الجرىء، بعد سنوات من الركود.

ونظرًا لدوره الوطنى البارز وتكريمًا لما قدمه من أجل بلده، فقد رأى وزير الإرشاد «الثقافة» فتحى رضوان عام ١٩٥٥، ضرورة إنشاء متحف يضم بعض المتعلقات والوثائق الخاصة به، وقد افتُتح المتحف رسميًا فى شهر أبريل عام ١٩٥٦.

يعد المتحف من أهم المتاحف القومية فى القاهرة التى تتبع قطاع الفنون التشكيلية، يضم مجموعة من المقتنيات الشاهدة على تاريخ الحركة الوطنية المصرية فى بدايات القرن العشرين، التى كان لها أكبر الأثر فى تنمية الوعى الوطنى.

مصطفى كامل رغم عمره القصير، إلا أنه ترك لنا إرثًا وطنيًا كبيرًا وحرك مشاعر المصريين وصوبها نحو التحرر، فهو من مواليد عام ١٨٧٤، ورحل عن عالمنا عام ١٩٠٨، استطاع من خلال قلمه ومهارته فى الخطابة أن يوقظ نفوس الشعب.

وتحل هذه الأيام الذكرى الـ١١٥ على رحيل الزعيم مصطفى كامل، الذى تكلل مشواره السياسى ببطولات عديدة، حيث يشهد التاريخ بأنه خاض الكثير من المعارك الطويلة من أجل الحفاظ على هوية الوطن المصرى وشعبه.

وخلال مسيرته الوطنية أسس عددًا من المجلات لتكون منبره لتوصيل رسالته للناس، فكانت جريدة «اللواء» التى أصدرها من أبرز إنجازاته وأكبرها أثرًا فى نفوس المصريين.

وفى عام ١٩٠٣، أصدر جريدة أسبوعية باسم «العالم الإسلامى» لتقوية الروابط بين الشعوب الإسلامية فى عام ١٩٠٥م، ثم سافر إلى أوروبا عام ١٩٠٦ للاستشفاء، وعرض القضية المصرية فى فرنسا بلسان الحزب الوطنى، كما أصدر مجلة شهرية باسم «المدرسة» كمجلة أدبية وطنية علمية وكان مديرها ومحررها، وصدر أول أعدادها فى ١٨ فبراير ١٨٩٢.

لم تكن المجلات صوته الوحيد فقط من أجل إيصال رسالته، فقد انضم لعدة جمعيات أدبية أيضًا خطب فيها ودارت موضوعاته عن مصر والاحتلال والجلاء، وكتب مقالات فى عدة صحف وطنية.

وعلى مدار مشواره الوطنى ومناهضة الاستعمار، كانت له مقولات كثيرة، ولعل أهمها: «لو لم أكن مصريًا لوددت أن أكون مصريًا»، و«لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس»، و«الأمل هو دليل الحياة والطريق إلى الحرية»، و«الأمة التى لا تأكل مما تزرع وتلبس مما لا تصنع أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء»، و«أحرارًا فى أوطاننا، كرماء مع ضيوفنا».

ثانى شخصية يضمها المتحف للزعيم الراحل محمد فريد، الذى عُرف بوطنيته، فهو من مواليد ١٨٦٨، ورحل عن عالمنا فى ١٩١٩، تعرض للسجن بسبب دعوته للجلاء والمطالبة بالدستور، كانت له جهود كبيرة، فهو الذى وضع أساس حركة النقابات، فأنشأ أول نقابة للعمال سنة ١٩٠٩، كما أنشأ معها أول اتحاد تجارى، ودعا لوضع مجموعة من القواعد القانونية لحقوق العمال.

وحظيت الأزمة المصرية وهى «التعليم» أثناء الاحتلال الإنجليزى باهتمام كبير من جانب فريد، فعمل على إنشاء مدارس تعليم ليلية فى مختلف الأقاليم المصرية، وكذلك الأحياء الشعبية، وذلك لنشر العلم بين الفئات الأكثر فقرًا آنذاك بالمجان، وعلى نفقته الخاصة.

أما الشخصية الثالثة التى يضمها المتحف، فهو عبدالرحمن الرافعى الذى وضع على رأس أولوياته الاهتمام بتاريخ الحركة القومية فى تاريخ مصر الحديث، وهو مؤرخ مصرى من مواليد عام ١٨٨٩، ومن أشهر أعماله ١٥ مجلدًا يؤرخ فيها منذ أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر حتى خمسينياته.

ورحل عن عالمنا فى عام ١٩٦٦ بعد مشوار طويل فى التأريخ والصحافة والمحاماة والعمل السياسى، واشترك فى ثورة ١٩١٩، ورفض تدخل القوات البريطانية والتفاوض معها ودعا لعدم وجودها على أرض مصر، فكان له الكثير من المواقف السياسية التى ذكرها التاريخ.

أما الشخصية الرابعة التى توجد رفاتها داخل المتحف فهى لفتحى رضوان، الذى كان وزيرًا للإرشاد «الثقافة»، وهو الذى نادى بتأسيس المتحف، كتب فى المسرح والأدب والسيرة والسياسة ١٦مؤلفًا.

له الكثير من المواقف السياسية التى جلعت البعض يلقبه بالمناضل، فقد تعرض فتحى رضوان للاعتقال كثيرًا من قِبل الإنجليز، لاعتراضه على بعض تصرفات الملك فاروق، وعارض معاهدة ١٩٣٦، التى عقدها حزب الوفد مع الإنجليز، كما اعترض على المفاوضات التى كانت تجريها الحكومات مع المحتل، وكان شعاره «لا مفاوضات إلا بعد الجلاء».

وطوال فترة ترؤسه وزارة الإرشاد كان ينادى بحقوق رموز الحركة الوطنية وتكريمهم، ومن بينهم الزعيم مصطفى كامل والزعيم محمد فريد، ورحل رضوان عن عالمنا عام ١٩٨٨، بعد أن ترك رصيدًا كبيرًا للمكتبة العربية.

 

يعود تأسيس المتحف إلى جلسة مجلس الشيوخ عام ١٠ مايو ١٩٤٤ حين نادى عبدالرحمن الرافعى بإنشاء ضريح ومتحف يضم رفات الزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد أسوة بالزعيم سعد زغلول، وجرى بالفعل نقل رفات محمد فريد من مقابر الإمام الشافعى إلى الضريح الجديد، وجرى الانتهاء من إنشاء المتحف عام ١٩٤٩، وأمر مجلس قيادة الثورة عام ١٩٥٣ بنقل رفات الزعيم مصطفى كامل من مقابر الأسرة بالإمام الشافعى إلى الضريح الجديد.

وحين تولى فتحى رضوان وزارة «الإرشاد» الثقافة عام ١٩٥٢، تبنى فكرة إقامة متحف يضم الضريح ومقتنيات الزعيمين والكثير من أعمالهما الكتابية والخطب وخلافه، وفى عام ١٩٥٥ رأى «رضوان» ضرورة لإنشاء متحف بالمبنى يحوى بعض المتعلقات والوثائق الخاصة بالزعيم مصطفى كامل، وقد افتُتح المتحف رسميًا فى شهر أبريل ١٩٥٦، وعندما رحل المؤرخ عبدالرحمن الرافعى عام ١٩٦٦ مؤسس المتحف دُفن أيضًا إلى جوارهما. 

أُغلق المتحف فترة وأُعيد افتتاحه بعد ترميمه وتطويره فى ٨ يناير ٢٠٠١، ثم أُعيد افتتاحه مرة أخرى بعد ترميمه وتطويره فى ٥ أبريل ٢٠١٦، وفى عام ٢٠١١ تمت سرقة بعض الأعمال فى حالة الانفلات الأمنى التى تعرضت لها البلاد آنذاك، ولكن سرعان ما تم استرجاعها عن طريق الشرطة العسكرية.

وشملت أعمال التطوير المبنى من الداخل والخارج، وكذلك الحديقة الخاصة به والأسوار، وكذلك المُلحقات من أثاث مكتبى وخلافه، كما تم تحديث سيناريو العرض المتحفى، وأُضيفت له مجموعة من الوثائق فى شكل صور فوتوغرافية نادرة توثق وتسجل لحظات تاريخية مهمة فى حياة الزعيم، وخاصة أيضًا برفقائه.

ويضم المتحف الكثير من المقتنيات المتمثلة فى كتب ونماذج من خطابات لمصطفى كامل بخط يده، وبعض صور أصدقائه وأقاربه، وكذلك بعض متعلقاته الشخصية من بدل وأدوات الطعام وحجرة مكتبه، كما يضم أيضًا بعض مؤلفات المؤرخ عبدالرحمن الرافعى ولوحات زيتية تصور حادثة دنشواى ولوحة تمثل مصطفى كامل على فراش الموت، وبعض مقتنيات الزعيم محمد فريد، وعبدالرحمن الرافعى.

يتكون المتحف من قاعة للزعيم مصطفى كامل، وقاعة فتحى رضوان والرافعى، وهناك مقبرة الهول تضم أربع رفات لرموز الحركة الوطنية.

فالقاعة الأولى للزعيم مصطفى كامل تضم الصور الشخصية له ولعائلته وهناك صورة تجمع والدته مع شقيقاته، إضافة إلى متعلقاته الشخصية البدلة العادية وبدلة التشريفة، والعصا الأبانوس التى كان يمسكها فى يده، والخطابات الخاصة به التى كان يرسلها لبعض زملائه ويخاطب بها الشعب، إضافة إلى عدد من التماثيل له من الحجر الجيرى، ولوحات زيتية يمثل البعض منها حادثة دنشواى، كما توجد لوحات مستنسخة لبعض الأحداث.

كما تضم المقتنيات أيضًا لوحات مدونًا عليها عدد من مقولات الزعيم الشهيرة منها: لوحة «لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس»، ولوحة مكتوب عليها «إنى ابن ضابط شهم آباؤه فلاحون مصريون»، ومن الأقوال الراسخة التى تزلزل القلوب وتهتز لها الشعوب للمناضل مصطفى كامل: «إن من يتهاون فى حق من حقوق أمته، يعيش أبد الدهر مزلزل العقيدة سقيم الوجدان».

بينما تضم القاعة الثانية من المتحف ثلاث شخصيات، هم: الزعيم محمد فريد، والمؤرخ عبدالرحمن الرافعى، والمناضل فتحى رضوان.

وفيما يخص مقتنيات الزعيم الراحل محمد فريد فنظرًا لأنه عاش فترة فى ألمانيا فكانت مقتنياته قليلة وهى تضم مجموعة من الصور الفوتوغرافية، أما عبدالرحمن الرافعى فكانت له مؤلفات عدة عن جميع الزعماء، والمناضل فتحى رضوان الذى قام بافتتاح المتحف عام ١٩٥٦ فكان صديقًا شخصيًا للزعيم محمد فريد والرئيس جمال عبدالناصر، لذا تم دفنه بجوارهما، وله مقتنيات من اللوحات والمتعلقات الشخصية.

هذا إلى جانب بعض ملابس الزعيم ومتعلقاته الشخصية والنياشين التى منحت له هذا، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال الفنية مثل اللوحة التى تعبر عن تنفيذ حكم الإعدام فى فلاحى قرية «دنشواى»، بالإضافة إلى النجف الأثرى الجميل الذى لا مثيل له بالعالم.

وأهم ما يميز المتحف أنه مبنى على الطريقة الإسلامية ذات القبة الإسلامية ومعلق بداخل قبو المتحف نجفة فنية كبيرة من النحاس المفرغ، وتتميز جدران المتحف بأنها مبطنة من الداخل بالرخام، كما توجد حول مبنى المتحف حديقة كبيرة، وتم تطويره أكثر من مرة، وتم تحديث سيناريو العرض المتحفى، وأُضيفت له مجموعة من الوثائق والصور النادرة التى تسجل لحظات مهمة فى تاريخ الحركة الوطنية المصرية.

وأُضيف للمتحف، حديثًا، ألبوم من الصور الفوتوغرافية لأهم الشخصيات التى شهدتها تلك الحقبة التاريخية.

ومن ضمن اللوحات التى تعرضت للترميم حديثًا فى المتحف لوحة «الاستقبال» التى تعرضت للتخريب عام ٢٠١١م، ولكن نجح فريق من المرممين التابعين لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية فى ترميم اللوحة، وتعود اللوحة للفنان حسنى البنانى، وهى لوحة زيتية على القماش رسمت عام ١٩٥٦م.

يضم المتحف قصيدتى رثاء من أحمد شوقى وحافظ إبراهيم فى مصطفى كامل، ومجموعة من اللوحات التى تصور الحركة الوطنية المصرية فى بدايات القرن العشرين آنذاك: منها لوحة تعبر عن «ضرب الإسكندرية فى بداية الاحتلال الإنجليزى لمصر عام ١٨٨٢» ولوحة تصور «ساحة تنفيذ الحكم فى حادثة دنشواى» الشهيرة، وعدد من الأعمال الفنية لعدد من كبار الفنانين المصريين.

ومن ضمن اللوحات الشهيرة بالمتحف: لوحة تصور مصطفى كامل وهو على فراش المرض وبجواره أصدقاؤه، وصورة لمصطفى كامل وهو عائد إلى ميناء الإسكندرية بعد رحلة إلى فرنسا، وأخرى لنقل رفات مصطفى كامل إلى مقر المتحف الحالى فى مراسم عسكرية وغرفة مكتبه.

يفتح المتحف أبوابه للزائرين من الساعة العاشرة صباحًا حتى الرابعة مساءً، ما عدا الإثنين والجمعة، وفيما يخص أسعار التذاكر فهناك لافتة مكتوب عليها «الدخول مجانًا» على باب المتحف، وأهم ما يميزه أن دخوله بالبطاقة الشخصية فقط دون أى رسوم دخول.

 

يستقبل المتحف يوميًا أعدادًا كبيرة من طلاب المدارس وكبار السن المهتمين بالحركة الوطنية وتاريخ مصر السياسى، ومحبى زعماء الأمة، إضافة إلى بعض الوفود الأجنبية، ويستقبل المتحف يوميًا ما يزيد على مائة فرد.