رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ارتباك المصطلحات السياسية عن نُظم الحكم عند المصريين!

(١)

فى الأشهر الماضية جمعتنى مناقشاتٌ كثيرة مع مستويات علمية وفكرية مختلفة من المصريين عن أوضاع مصر الحالية. ولاحظتُ أن القاسم المشترك لكثير من تلك المناقشات أن كثيرًا من المصريين لديهم تشوشٌ كبير فى الاصطلاحات السياسية، ويصوغ كثيرٌ منهم مواقفه السياسية بناء على ما استقر لديه من مصطلحات مشوشة. 

وأكثر تلك الاصطلاحات تشوشًا هو طبيعة الأنظمة الحاكمة التى توالت على حكم مصر فى العقود التى تلت ثورة ٥٢. 

وأشهر ما يردده بعض المصريين، أولًا أن مصطلح (الحكم العسكرى) هو المقابل أو المضاد لما يعتقدون أنه (الحكم المدنى)!

وثانيًا، فكثيرٌ منهم لديهم يقينٌ مثيرٌ للدهشة أن مصر يحكمها نظامٌ عسكرى منذ حركة أو ثورة الضباط الأحرار عام ٥٢ وحتى الآن، وأن ما حدث بين عامى ٢٠١١م و ٢٠١٣م لم يكن سوى محاولة فاشلة للانتقال للحكم المدنى!

بل يفاجئُك بعض المثقفين والحاصلين على قدرٍ كبير من التعليم وبعض الذين تعلموا بالخارج أو فى مدارس دولية ذات جودة عالية بأنهم يعتنقون نفس المعتقد حتى لو كانوا يؤيدون هذا النظام! ومنطقهم فى ذلك أنه الخيارُ الوحيد المتاح الآمن للجميع!

بل الأكثر مفاجأة أن هؤلاء وغيرهم يعتقدون مثلًا أن حزبًا قائمًا على أيديولوجية دينية هو حزبٌ مدنى لأن قادته لم يسبق لهم ارتداء الزى العسكرى!

(٢)

إن منشأ هذا الخلط فى المقام الأول مرده خطأ شائع وهو أن الخلفيات المهنية الوظيفية لرأس النظام أو شخص الرئيس - وليس طبيعة القوانين الحاكمة ومصدرها أو تفعيل الدساتير أو تجميدها - هى ما تصنف الحكم مدنيًا أو عسكريًا!

فلو كان المرشح الرئاسى عن أى حزب مثلًا مهندسًا أو طبيبًا، يكون هذا مشروعًا لحكم مدنى بغض النظر عن الأسس القائم عليها هذا الحزب! والعكس صحيح، يكون مرشح أى حزب أو أى مرشح مستقل للرئاسة مشروعًا لحكم عسكرى لو كان هذا المرشح ينتسب للمؤسسة العسكرية!

ربما يكون سبب هذا الخلط عند المصريين هو اعتيادهم على اعتبار شخصية الرئيس هى الأهم فى منظومة الحكم وهى التى تصوغ طبيعة وأداء النظام، فيصفون نظام الحكم بأشمله بصفات الرئيس.

والسبب الثانى هو تولى بعض قادة القوات المسلحة منصب المحافظ فى محافظات بعينها!

لقد استقرت العلوم السياسية على أسس محددة لتصنيف أى حكم، ويأتى على رأس تلك الأسس أن طبيعة القوانين الحاكمة ومصدرها هى الفيصل فى وصف أى نظامٍ للحكم. فلو تم تعطيل الدستور وتعطيل القوانين الطبيعية الحاكمة وتم تعميم القانون العسكرى بدلًا من تلك القوانين يكون الحكم عسكريًا! 

ولا يكون الحكم عسكريًا إذا ما كان الدستور قائمًا ومحكمته الدستورية قائمة والمجلس التشريعى يمارس مهامه ويخضع الجميع لنفس القوانين بنفس إجراءات التقاضى الطبيعية! 

وفى تاريخ الولايات المتحدة قائمة كبيرة من الرؤساء الذين انتموا للمؤسسة العسكرية ولم يتم وصف الحكم هناك فى تلك الفترات بالعسكرى!

حتى حين فرضت مصر قانون الطوارئ بعد أن ضربتها الجرائم الإرهابية منذ اغتيال الشهيد السادات، فقد تم حصر الحالات التى تخضع لذلك القانون فى جرائم بعينها ولم يتم تعميمه على المجتمع واستمرت القوانين الطبيعية والمحاكم الطبيعية والمجالس النيابية المتعاقبة فى ممارسة أدوارها!

لمصر أوضاع سياسية خاصة لأسباب كثيرة جعلت من بعض المناطق ذات طبيعة خاصة منذ العصور التاريخية القديمة مثل المحافظات الحدودية. وقد كشفت أحداث السنوات الأخيرة هذه الحقيقة بشكل واضح لا لبس فيه. 

لذلك تم الاستقرار على أن يتولى منصب المحافظ فى تلك المحافظات قيادات ذات خلفية عسكرية يعمل تحت قيادتها مساعدون تكنوقراط، فلا علاقة لذلك بشخصية الرئيس أو خلفيته المهنية قبل توليه الرئاسة. 

(٣)

فى الواقع إن استقرار هذا الخلط فى عقول بعض المصريين مرده تراكم دعايات إعلامية فى أربعة عقود، بعضها محلى قادته الأذرع الإعلامية لجميع الجماعات الدينية المتطرفة والجماعات الإرهابية وسارت فى ركبها بعض صحف الأحزاب التى تحسب نفسها ضمن الأحزاب الليبرالية أو اليسارية!

كان الإلحاح على تكريس هذه الفكرة فى عقول المصريين هدفًا رئيسيًا لتلك الجماعات لتنفيرها من أى نظام حكم لا يتبنى أيديولوجيتها، وقد نجحت بالفعل بقدرٍ كبير!

بعض الدعايات الإعلامية كانت خارجية تمامًا وموجهة كأحد أساليب الضغط على الإدارات المصرية المتعاقبة.

لقد رسخت تلك الدعايات هذه الفكرة خارجيًا لدرجة أننى قرأتها فى بعض الكتب السياحية الأجنبية فى معرض استعراضها للتاريخ المصرى، ولدرجة أننا كنا نسمعها من بعض الغربيين فى سنوات حكم مبارك، ثم بعد ثورة يونيو وكان لزامًا الرد باستفاضة لوضع الحقائق فى نصابها!

العجيب أن أحدًا من الذين يتوقفون أمام تولى قيادات عسكرية سابقة منصب المحافظ فى بعض المحافظات الحدودية، أو الذين دأبوا على وصف أنظمة الحكم المصرية بالعسكرية لم يقترب من قريب أو بعيد لنظام الحكم فى دولة إسرائيل مثلًا  التى تعتبر جميع مواطنيها جنود احتياط تحت راية الهاجس الأمنى!

(٤)

إن النجاح الأكبر لتلك الدعايات المغلوطة - المحلية والخارجية - ضد أنظمة الحكم المصرية فى العقود السابقة وحتى الآن تمثّل فى تخدير المصريين بشكل جماعى وقيادتهم للعزوف السياسى لأنهم اقتنعوا كذبًا أنهم مغلوبون على أمرهم ولا قيمة لصوتهم أو مشاركاتهم!

كما أنه من ناحية ثانية وفى الوقت الذى تم فيه إغراق المصريين فى الشعور الكاذب بأنهم يُحكمون عسكريًا وأن هذا هو سبب كل انحدار مصر الاقتصادى والاجتماعى، فقد تم تخدير مشاعرهم الجماعية ومنعهم من الوقوف أمام مرآة حقيقية ليروا ماذا قدموا لأنفسهم وبلادهم، وليروا مسئوليتهم الجمعية الحقيقية عن أزمة مصر المعاصرة!

ومن جهة ثالثة، فقد تمت أكبر عملية تضليل وتزوير اصطلاحى سياسى، فلم يتم التطرق مجتمعيًا وشعبيًا إلى مصطلح الحكم الثيوقراطى أو الدينى بمعناه الفعلى الذى كانت تتم محاولة تمهيد الأرض له! أخبروا المصريين أن المسلمين فى تاريخهم لم يعرفوا الحكم الثيوقراطى بمعنى أن الخليفة هو ظل الله على الأرض! وأن الحكم الإسلامى الذى يحلمون به هو حكمٌ مدنى! 

لقد زوروا المعادلة السياسية القائلة إن الحكم المدنى هو مقابل الحكم الدينى بغض النظر عن الديانة!

وإن ما كان يتم حرث الأرض المصرية له هو مشروع حكم دينى صريح، حتى لو كان المرشح الذى سيتم تسويقه طبيبًا أو مهندسًا أو حتى أستاذًا جامعيًا للعلوم السياسية، لأن كل ما أتى به هؤلاء قام فقط على فكرة  إحياء الشريعة الإسلامية حسب وجهة نظر فقهية محددة!

فلم يكن لديهم أى مشاريع وخطط سياسية أو اقتصادية أو مجتمعية لمواجهة أزمات مصر، إنما حديثٌ عن استرجاع نماذج حكم دينية صريحة!

هذه كانت لعبة العقود الأربعة من السبعينيات وحتى أحداث يناير! 

إقناع المصريين حتى المتعلمين منهم بأن نظام الحكم المصرى هو نظام عسكرى، وأن الحكم المدنى قد يأتيهم فى صورة مصحف وسيفين ومرشح يرتدى بذة غربية ذات ماركة عالمية!

ولم يخبروا المصريين أنه وبمجرد جلوسه على كرسى الحكم، سيطالب بتحويل الجيش المصرى الوطنى لجيش طائفى دينى! 

هكذا كانت الخديعة، ولقد وقع كثيرٌ من المصريين فى الفخ!

(٥)

الخلط الثانى عند بعض المصريين، أو لنقل تناقضهم الأعظم، هو نظرتهم لأنظمة الحكم الغربية واعتقادهم أن تميزها يكمن فى مدنية الحكم من وجهة نظرهم، أى عدم انتماء الرئيس أو رئيس الوزراء للمؤسسة العسكرية!

وحديثهم عن تلك الأنظمة بكل تحرق وشوق وتمنى أن تكون هى السائدة فى مصر، ويمصمصون الشفاه ويتحسرون على حال مصر!

 ويقتطعون لقطة من هنا أو مشهدًا من هناك باعتبارهما نموذجًا لما يريدونه فى مصر!

وإن سألتهم هل حقًا أنتم مستعدون وموافقون على أن يكون نظام الحكم فى مصر مطابقًا لتلك الأنظمة الغربية - بكل أركانها ومشاهدها الخفية - يسارعون بالموافقة القطعية!

ثم تتراقص كلمات التناقض على الشفاه مع كل سؤالٍ منفصل عن تلك الأركان والأسس القائمة عليها أنظمة الحكم الغربية!

ديمقراطيات الغرب لا تعنى فقط التصويت ومدد الرئاسة.. كل هذه ظواهر الديمقراطية الغربية، أما ماهيتها فهى تعنى مثلًا العلمانية التامة، والحرية التامة للشعوب فى اختياراتها، وتخلى الدولة - تشريعًا وممارسة - عن أى هوية دينية، بينما تمنح شعوبها الحرية المطلقة للعقيدة والممارسة الطقسية..فهل تقبلون ذلك؟!

ديمقراطيات الغرب قد قطعت الشوط لآخره فى ترويض رجال الدين، فلا يحق لرجل دين أن يخوض فى آراء سياسية أو اجتماعية بصفته رجل دين وفى وقت ممارسة وظيفته، بينما يمكنه ممارسة ذلك بصفته مواطنًا عاديًا، فهل تقبلون ذلك؟!

فى ديمقراطيات الغرب جميع خطط الدولة لا تخضع سوى للعلم، فلا يمكن أصلًا أن ينتظر أطباء أو رجال قانون مثلًا رأى رجل دين فيما يتعلق بمفردات وظائفهم، فهل تقبلون ذلك؟!

فى ديمقراطيات الغرب لا تتدخل الدولة فى العلاقات الشخصية بين مواطنيها، بينما فى مصر مثلًا تفرق القوانين الفندقية بين مواطنيها وبين غيرهم من الجنسيات، فلا يمكن لمواطن مصرى أن يقيم مع امرأة فى فندق دون عقد زواج، بينما تسمح بذلك لغير المصريين، وفى ديمقراطيات الغرب لا تتدخل القوانين من أجل تقويم مواطنيها دينيًا مثل غلق المطاعم فى  رمضان أو منع المشروبات الكحولية فى مناسبات دينية بعينها، فهل تقبلون ذلك؟!

ديمقراطيات الغرب - وعكس ما يعتقده كثيرٌ من المصريين - تنفق فى ملف الأمن الرئاسى مثلًا ربما أضعاف ما ينفقه النظام المصرى، لكن الفارق هو الآليات التى يدركها المواطن أو لا يدركها لتقدمها تكنولوجيًا وسريتها..فلا ديمقراطية فى الغرب دون إنفاق باهظ سرى فى ملف الأمن، فهل تقبلون ذلك؟!

مشهد توقيف مواطن لرئيس دولة أو رئيس وزراء دولة فى دولة غربية وتعنيف المواطن لهذا الرئيس أو حتى التطاول عليه، هذا المشهد الذى ينبهر به بعض المصريين المخدوعين، قد سبقته ومهدت له مشاهدٌ أخرى تحضيرية وتمهيدية!

من تلك المشاهد والخطوات التمهيدية كسر جميع التابوهات الدينية والأخلاقية فتذوب وتتلاشى بالتبعية كل التابوهات السياسية!

ليس من حق مجتمعٍ يحصن آلاف الأسماء المتوفاة أو التى على قيد الحياة من مجرد الاقتراب والنقد ويضفى عليهم قداسة وقد يشتعل عنفًا إن حدث هذا الاقتراب، أن يتحدث عن مشهد مواطن يعترض موكب رئيس فى دولة أخرى من الدول التى أحرق مواطنوها كل خطوطهم الحمراء بكل أنواعها منذ عقود طويلة! فلقد أحرقت دول الديمقراطيات الغربية كل قوائمها الحمراء وكسرت كل تابوهاتها منذ زمنٍ طويل قبل كسر تابوهاتها السياسية..فهل تقبلون ذلك؟

(٦)

قطعًا لا يقبل المصريون ما سبق، كما لا يقبلون قائمة طويلة من أسس الديمقراطية الغربية والتى إن تم اقتطاعها - أى تلك الأسس - من تلك الديمقراطيات لتم تفريغها تمامًا من بريقها الذى يبهر المصريين!

لنتخيل المشهد مثلًا لو عاد رجال الدين فى تلك الدول إلى سابق عهدهم واستردوا نفوذهم وسطوتهم على الشعوب مجتمعيًا وأخلاقيًا وعلميًا!

فعادوا إلى تحريض الجماهير دينيًا وتعبئتهم مع أو ضد نظام أو طوائف أو أصحاب ديانات أخرى!

لنتخيل أن برلمان دولة أوروبية ينتظر كلمة رجال الدين فى سن قرارات اقتصادية أو اجتماعية!

لنتخيل أن كلية طب أوروبية تنتظر موافقة أو رفض رجال الدين تطبيق علاج جديد ثبت فعاليته!

لنتخيل مثلًا أنه مع وجود هذا النفوذ الضخم لرجال الدين وقد تكونت مجموعات دينية مسلحة، ثم جاء للحكم رئيسٌ قرر مواجهتهم على الأرض..فحارب تلك الجماعات..فهل كان ممكنًا لهذا الرئيس أن يتجول فى شوارع عاصمته بدون حراسة حتى إن مواطنًا يعترض سيارته؟! 

لو حدث هذا - أى عادت تلك المفردات للدول الغربية- فساعتها ستتحول أنظمة الحكم الغربية إلى صور مكررة مما كان سائدًا أوروبا فى العصور الوسطى!

إن كل نظام حكم يمثل - مع جميع مفردات الدولة والشعب-  خريطة متكاملة لا يمكن إجازة أحدهم ووصفه واعتماده كنموذج مستقل له شخصيته، دون أن تكون كل المفردات موجودة وممثلة على تلك الخريطة!

ولا يمكن مقارنة أحد هذه النُظم بنظامٍ آخر دون أن تتشابه جميع المفردات!

هذه هى قواعد المقارنة العادلة، لكن  المصريين يرفضون تلك القواعد العادلة لأنها تعرى الجميع وتضعهم أمام المرآة!   

(٧)

إذا كان نظام الحكم فى مصر مختلفًا ومخالفًا لنظيره فى أى دولة غربية معاصرة من حيث القوانين وآليات الحكم ومفردات الخريطة، فأيهما يمكن وصفه بالحكم المدنى؟!

أعتقد أنه يمكننا صياغة مصطلحين منفصلين، لا يتعارضان إنما يصف كل منهما شخصية ما يمثله بشكل عادل وحقيقى.

الأول هو أن نظام الحكم فى مصر منذ نصر أكتوبر- شكلًا وروحًا وأداءً واتفاقًا مع قناعات واختيارات المحكومين - هو (حكم مدنى مصرى!)

أما المصطلح الآخر فهو موجود بالفعل وهو (الحكم المدنى الغربى!)

فمصر لا تحكمها قوانين عسكرية استثنائية، كما أنها - وحتى الآن - فقد نجت من فخ الحكم الدينى الكامل، ولا علاقة بين من يتولى مناصب إدارية محلية كمنصب المحافظ وتصنيف نظام الحكم!

وكلمة (مصرى) فى المصطلح الأول هى العنوان الكبير أو السر الأكبر فى ذلك التشوش الكبير فى عقول كثيرٍ منا!

فتحت هذا العنوان تندرج حزمة كبرى من القناعات والاختيارات المصرية الجماعية. فكلمة (مصرى) تشير إلى ما رفضه المصريون من الأسس التى قامت عليها ديمقراطيات الغرب، فهى اختيار شعبى مجتمعى وليس فرضًا من اختيار نظام الحكم!

إنه اختيار مجتمعى شعبى خالص يمثل تقريبًا معظم طبقات المصريين، لا غصب فيه أو فرض أو إجبار! 

ولا علاقة بينه وبين العسكرية من قريب أو بعيد، إنما هو مجمل ما رفض المصريون التخلى عنه، من نفوذ وقوة رجال الدين والمؤسسات الدينية وتشابكها مع المجتمع، ومن قوائم محصنة ضد النقد أو الاقتراب، ومن مبررات يقنع بها المصريون أنفسهم لاستمراء الاستمرار فى إجهاض جهود الدولة الاقتصادية بإصرارهم على الإنجاب الهستيرى، وغير ذلك من المفردات والظواهر! 

أنه تعنى الاستجابة للاختيارات الشعبية والوقوف فى  مرحلة وسط بين حماية المجتمع من تغول سلطة رجال الدين، وبين السير قدمًا نحو علمانية الدولة!

يعنى الارتقاء لمراحل ليبرالية أعلى، لكن دون هزاتٍ اجتماعية كبرى!

إنه عنوانٌ متفرد يمثل حالة متفردة لا تصلح مقارنتها بنموذجٍ آخر لعدم تطابق المفردات مع أى نموذجٍ آخر!

المصريون - بشكل جماعى - هم فقط من سيقررون مستقبلًا استمرار هذا العنوان والمصطلح بكل مفرداته وشخصيته، أو الانتقال والانضواء تحت المصطلح الثانى فى أى مرحلة من تاريخهم!

لكن المؤكد أنهم فى السنوات القليلة القادمة - بعد أن يأتى مشروع تطوير التعليم بعضا من ثماره -  سيقطعون خطواتٍ فى طريق الحداثة ولن يقف نظام الحكم  تلك الخطوات، بل على العكس فسوف يقودها حين يرى مواطنيه أكثر نضجًا واستعدادًا لذلك!

لكن المؤكد أيضًا أن مفرداتٍ بعينها  لن تتغير طالما بقيت مصر!

فسواء بقيت مصر تحت نظام الحكم المدنى المصرى، أو انتقلت إلى نظام الحكم المدنى الغربى، أو انتقلت لمرحلة أخرى وسط، فلن تتغير مفردات تاريخها منذ القدم..

القوة العسكرية القادرة العصرية هى التى يجب أن تكون لها الكلمة العليا فيما يتعلق بمن يدير مناطق الحدود، ويحدد سياسات الحفاظ على  أمنها القومى والاستراتيجى!

وإن تلك القوة كانت دائمًا بطلًا لمشاهد تربع مصر على عرش الحضارة الإنسانية، فكانت يدها دائمًا حاضرة فى مشاهد بناء حضارات مصر المتعاقبة بكل مفرداتها وليس المفردات العسكرية فقط، وهو عكس ما يتوهمه بعض المصريين اليوم!