رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر والسعودية.. مسئولية التاريخ وحكم الجغرافيا

فى عام ٢٠١٣ وبعد فض اعتصامى الإخوان فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة.. توجه وزير الخارجية السعودى الراحل الأمير «سعود الفيصل» إلى فرنسا لمنع تبنيها مشروع قرار يدين مصر.. حيث التقى المسئولين هناك وقام بالضغط عليهم.. ويقال إن الوزير السعودى لم يلتزم بالإشارات المرورية وقطعها بسيارته فى العاصمة الفرنسية باريس حتى يلحق بالمسئولين الفرنسيين قبل اتخاذ القرار.

حيث قال لهم: من أعلن وقف مساعدته لمصر أو يلوح بوقفها، فإن الأمة العربية والإسلامية غنية بأبنائها وإمكاناتها، ولن تتأخر عن تقديم يد العون لمصر.. وأضاف: هذه المواقف التى تتخذها الدول الغربية ضد مصر إذا استمرت لن ننساها، ولن ينساها العالم العربى والإسلامى.. ولهذا فإن السعودية بالفعل نجحت فى منع صدور قرار من مجلس الأمن يدين مصر عقب فض الاعتصام.

كما قال الرئيس «عبدالفتاح السيسى» إن المملكة العربية السعودية تحدت العالم من أجل مصر، حيث أكد أن «الملك عبدالله بن عبدالعزيز»، العاهل السعودى الراحل، ساند مصر ووقف بجوارها خلال هذه الفترة، وأن الأمير سعود الفيصل سافر إلى باريس لدعم مصر خارجيًا، وتوضيح موقف مصر وحقيقة ما يحدث فيها، وأضاف السيسى، فى مرات عديدة، أنه لا ينسى موقف السعودية تجاه أحداث ما بعد ثورة ٣٠ يونيو، حيث وصفه بالموقف الشريف من دولة صديقة.

ووفقًا لكلام الرئيس السيسى فإن الموقف الدولى بعد فض اعتصام رابعة كان ضد مصر، وكانت ستخرج قرارات من مجلس الأمن لمعاقبتنا، وأننا كنا فى موقف صعب ولم نستطع مجابهة المظلومية التى كان يرددها الإخوان فى هذا التوقيت، ولكن جاء دور السعودية، وهو دور قوى ونزيه وشريف عندما أعلنت عن أنها ستتخذ إجراءات إذا حدث ذلك وفُرضت عقوبات على مصر، وأن المملكة تحدت كبار دول العالم لمساندتنا.

وكانت للأمير سعود الفيصل مقولة شهيرة عن مصر، وهى: «العالم العربى بلا مصر كالسفينة بلا قبطان». 

فإن العرب جميعًا يدركون جيدًا دور مصر وأهميتها، ولا نستطيع نحن أيضًا أن ننسى الدور السعودى والعربى عندما قامت مصر بحرب أكتوبر وحققت النصر العظيم، ومساندة العالم العربى لنا ودعمه الكبير.. حينما قامت السعودية بحظر صادرات البترول للغرب وأمريكا والدول الداعمة لإسرائيل، مع باقى الدول العربية النفطية، ومنها الإمارات بقيادة الشيخ زايد، مما خلق أزمة طاقة كبيرة لهذه الدول، وكان عامل ضغط قويًا، واستمر الحظر حتى مارس ١٩٧٤، حيث قال الملك فيصل وقتها ردًا على سؤال من أحد الصحفيين عن احتمال اعتداء أمريكا على السعودية والدول النفطية: «نحن معتادون على عيش الخيام، ونحن على استعداد للرجوع إليها مرة أخرى وحرق آبار البترول بأيدينا ولا تصل إلى يد أعدائنا»، وانتصر العرب وحررت مصر أراضيها.

لذلك فى عالم السياسة تحدث الخلافات والاختلافات العديدة هنا وهناك، وفى كل وقت وحين، وقد يشوب العلاقات بين الدول والحكومات بعض الضبابية والفتور، وأحيانًا يغلفها الجليد، ولكن ما يبقى هو التاريخ المشترك والمواقف التى لا تنسى، وأهمية كل طرف للآخر، وعندما يحدث الصلح، الذى هو حتميًا سيحدث، لا ينبغى أن يكون فى القلوب غصة بسبب تراشق وتلاسن يُشعر أى طرف بالإهانة، ويؤثر بشكل سلبى على العلاقات التاريخية التى لا يهزها ريح بين الدول والشعوب العربية. 

ومما هو جدير بالذكر أن علاقات مصر بأشقائها العرب هى أمن قومى وعربى لا يمكن التفريط فيه أو التهاون معه، كما أن الأشقاء أيضًا يعلمون أن مصر هى صمام الأمان وحائط الصد، وإذا حدث مكروه، لا قدر الله، فى أى دولة عربية فإن مصر هى الوحيدة التى ستقف موقفًا قويًا مدافعًا ومساندًا وداعمًا ولن تتخلى عن دورها فى حمايتها، والمواقف كثيرة لا حصر لها فى التاريخ.

لذلك فإن رأب الصدع ضرورى، وإنهاء الخلافات واجب بين كل الدول العربية عندما تحدث، كما أن الشعوب لا تضمر أى كراهية تجاه بعضها البعض، لأن السياسة دائمًا لها شأن خاص، نختلف اليوم ونتصالح غدًا وهكذا، أما الشعوب فتربطها دائمًا علاقات أخوية وودية بحكم التاريخ والجغرافيا، ولكن عندما تحدث معارك كلامية وتراشق إعلامى، فلا يمكن بأى شكل أن تحسب هذا هو موقف شعب ما، بل هو موقف فردى يتحمله كل شخص عن نفسه. 

أما علاقات الشعوب فهى أبدًا لم يلوثها قائل من هنا أو من هناك، كلامه يتحمله على مسئوليته الشخصية ويعبّر عن موقفه هو وحده.