رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حاملو التصاريح والعمليات

طالما الصراع مستمرًا، فإن الحلول الإبداعية لا نهاية لها، لكن ما كان مناسبًا فى وقت ما قد يكون غير مناسب فى وقت آخر، وستكون هناك الحاجة إلى المزيد من الحلول الإبداعية.

على مدار سنوات كانت هناك فكرة بأن تحسين الوضع الاقتصادى للفلسطينيين سيقلل من رغبتهم فى الاحتكاك، وربما يمنعهم من تنفيذ عمليات، والتبرير هو أنهم لديهم ما يخسرونه، الفكرة كانت ناجعة، والأرقام أثبتت أن تحسن الوضع الاقتصادى يصاحبه انخفاض فى العمليات والعكس صحيح.

بشكل فردى أكثر، كانت هناك فكرة منبثقة عن الفكرة الأولى، بأن تصاريح العمل التى تصدر للفلسطينيين أيضًا تقلل الرغبة لدى حامل التصريح فى المشاركة فى عمليات، والتبرير هو: يريد أن يحافظ على مصدر دخله. هذه الفكرة أيضًا كانت ناجعة، وأثبتت صحتها، لكن فى الأشهر الأخيرة كان هناك تغيير فى الأفق، ومؤشر بأن الأفكار الإبداعية قد تواجه تقلبات فى النتائج، فالأمور لا تسير حسب ما يريد القادة فى إسرائيل، خاصة أنصار مفهوم «السلام الاقتصادى» الذى يرمى إلى أن «تحسن الوضع الاقتصادى سيقلل الرغبة فى الحرب».

منذ يوليو الماضى، ما لا يقل عن خمسة فلسطينيين يحملون تصاريح عمل أو تصاريح للبحث عن عمل نفذوا عمليات ضد إسرائيليين. فى الشهر الأخير، نفذ اثنان من حاملى التصاريح «سواء فى إسرائيل أو المستوطنات» عمليات.

العملية الأخيرة، نفذها فلسطينى يعمل فى فرع رامى ليفى فى مستوطنة أريئيل وصل بسيارته إلى محطة وقود كوخاف يعقوف، أسرع نحو جندية من كتيبة «تبور» وقام بدهسها وأصابها بجراح خطيرة، وقبل ثلاثة أسابيع، المنفذ الذى قام بالهجوم فى مستوطنة أريئيل وتسبب فى قتل ٣ إسرائيليين أيضًا كان يحمل تصريح بحث عن عمل فى إسرائيل.

الأرقام فى هذا الملف تحمل معنى، حوالى ٢٠٠ ألف فلسطينى يعملون فى إسرائيل، ١٢٠ ألفًا منهم لديهم تأشيرة عمل داخل مناطق الخط الأخضر، نحو ٣٠ ألفًا منهم فى المستوطنات ونحو ٤٠ ألفًا ماكثون غير قانونيين، وبعد بناء الجدار، يدخل إسرائيل حوالى ١٠٠٠ عامل يوميًا، ويوجد حوالى ١٥ ألفًا داخل الخط الأخضر، لأنهم يفضلون المبيت فى إسرائيل، بسبب تعقيدات المرور التى تأخذ وقتًا طويلًا.

بالنسبة للفلسطينيين، فإن تصاريح العمل فى إسرائيل مربحة، فراتبه يصل إلى ٦٠٠٠ شيكل شهريًا، بينما لا يتجاوز ٢٠٠٠ شيكل إذا عمل فى السلطة.

الأزمة الآن التى يجرى بحثها فى إسرائيل: هل يتم تقييد تصاريح العمل وتقليلها لوقف العمليات؟، ولكن النتائج أيضًا ستكون عنيفة، فالبطالة والذين سيتم تسريحهم لن يكون لديهم ما يخسرونه واحتمالات قيامهم بعمليات ستكون أكبر، أم تستمر إسرائيل فى منح تصاريح العمل، ولكن تحاول إحباط الهجمات؟.

هذا أيضًا غير ناجع، عندما يكون المنفذ ليس لديه أى سابقة أمنية، ولا يشتبه بتورطه مع أحد الفصائل الفلسطينية، فإن نسبة توقع قيامه بعملية ستكون صفرًا، وبالتالى فإن النسبة القليلة التى لا يتمكنون من إحباطها تُعتبر أحيانًا فشلًا عملانيًا واستخباراتيًا. 

صحيح أن نسبة العمليات التى تُنفذ قياسًا بالعمليات التى يجرى إحباطها كبيرة، لكن مع كل هجوم يوجد رد فعل هيستيرى فى إسرائيل، ويبدأون الحديث عن مراجعة الآليات، والفشل الاستخباراتى، جميع نشرات الأخبار والبرامج الإخبارية تتحدث عن الأمر، الاستوديوهات تشتعل بالمحادثات؛ والتحليلات هنا وهناك، يصل رؤساء الأركان السابقون، ويبدأون فى الفحص، يدرسون كل نقطة وكل تفصيلة، ويتم التركيز الدقيق على كل الجوانب.

التغطية المكثفة للعمليات تخلق حالة من الجدل داخل المجتمع الإسرائيلى، خاصة إذا تم التركيز على أن المنفذ ممن يحمل تصاريح العمل، متوقع أن يكون ملف «العمال الفلسطينيين» محل جدل ومناقشة كثيرة خلال الفترة المقبلة فى إسرائيل.. الخيارات محدودة.